منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#38776
صورة



روب برينس*/ أنتي وور

ترجمة/ شيماء نعمان



مفكرة الاسلام: في منتصف عام 2007 وجدت القوات الإثيوبية- التي هاجمت الصومال في نهاية عام 2006 (وقوامها 50.000)- نفسها في براثن ورطة تتزايد بينما تواجه مقاومة أكثر شراسة عما كانت تتوقع؛ حيث تمكن الصوماليون من كافة التيارات من وضع خلافاتهم جانبًا بصفة مؤقتة ليقفوا صفًا معًا في وجه المعتدي الأجنبي.

وبينما تصاعدت حدة العملية العسكرية لتصبح أكثر شراسة، أكدت "جنداي فريزر"- مساعدة وزيرة الخارجية للشئون الأفريقية آنذاك، والتي درست بمدرسة كوربل للدراسات الدولية التابعة لجامعة دينفر في التسعينات- أن الولايات المتحدة أوصت، قبيل الغزو، بضرورة توخي الحذر وأن واشنطن نصحت إثيوبيا بعدم استخدام القوة العسكرية ضد الصومال. وقد كانت فريزر مساعدًا مقربًا من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "كوندوليزا رايس" كما جمعت بينهما أيضًا رابطة قوية ترجع لجامعة دينفر. وقد سعت فريزر بلا شك كي تنأى بالولايات المتحدة عن مسئولية الغزو الإثيوبي للصومال من خلال عدد من المقابلات التي أجرتها مع وسائل الإعلام في ذلك الوقت.

إلا أن إحدى البرقيات التي كشف عنها موقع ويكيليكس تقدم رؤية مختلفة عن كل ذلك، رؤية تشير إلى تورط فريزر في ممارسة ضغط على الرئيس الإثيوبي "ميليس زيناوي" لحثه على غزو الصومال المجاورة. وهي البرقية التي يتم حاليًا مناقشة محتواها في الإعلام الإفريقي على نطاق واسع. حيث تكشف عن صفقة سرية بين الولايات المتحدة وإثيوبيا لغزو الصومال.

وإذا ما كانت البرقية صحيحة- وليس هناك سبب لافتراض العكس- فإنها تشير إلى أنه لم يكن لدى إثيوبيا أي نية لغزو الصومال عام 2006 ولكنها تعرضت لتحفيز/ أو ضغط للقيام بذلك من جانب الولايات المتحدة التي دفعت إثيوبيا من وراء الكواليس. ومع تورطها الفعلي في حربي العراق وأفغانستان في ذلك الوقت، دفعت إدارة بوش إثيوبيا لغزو الصومال وعينها على ضعضعة اتحاد المحاكم الإسلامية التي كانت تكتسب نفوذًا في الصومال في ذلك الوقت.

وفي وقت الغزو لم يكن هناك شك في أن الهجوم العسكري الإثيوبي قد "صنع في واشنطن". ومثل العديد من برقيات ويكيليكس المسربة الأخرى، فإن هذه البرقية تضع فقط النقط فوق الحروف فيما يتعلق بما كان معروف بوجه عام، ولكن على الرغم من ذلك فإنها قدمت معلومات دقيقة بشأن التورط الكبير لـ "جنداي فريزر" في الأمر.

ووفقًا للبرقية فإن فريزر كممثلة للخارجية الأمريكية في إفريقيا قد لعبت دورًا أساسيًا متزعمة ما وصل لدرجة أن يكون حربًا بالوكالة تقودها الولايات المتحدة بالاشتراك مع البنتاجون. وفي الوقت نفسه الذي كانت تحث فيه الإثيوبيين على شن الهجوم، كانت فريزر ترسي الأساس في وسائل الإعلام الأمريكية لكلٍ من الهجوم والتغطية عليه بادعاء أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تساند العمل العسكري الإثيوبي، إلا أنها يمكن أن تتفهم "التهديد الصومالي" والسبب الذي ربما جعل إثيوبيا تجد أنه من الضروري الدخول في حرب.

وقد نشرت فريزر شائعات عن احتمال سيطرة الجهاديين على الصومال؛ والذي قد يكون من شأنه أن يهدد أمن إثيوبيا. إلا انه تبين أن الأداء الإعلامي لم يكن أكثر من سحابة دخان. فقد كان الجيش الأمريكي يهييء إثيوبيا للغزو، ويقوم بإمدادها بمساعدات عسكرية وتدريب للقوات. وعقب ذلك في الرابع من ديسمبر عام 2006، كان قائد القيادة المركزية الجنرال "جون أبي زيد" في أديس أبابا في زيارة وصفت بأنها "زيارة ودية"، ولكن تم خلالها وضع اللمسات النهائية لخطط الغزو.

وأثناء غزو الصومال، وجد زيناوي نفسه في ورطة، فقد كان يواجه انتقادات متزايدة بالداخل بسبب موجة القمع التي أطلقها ضد منتقدي حكمه من الإثيوبيين والتي تضمنت اعتقالات جماعية، وعمليات قتل طالت مئات المحتجين، إلى جانب حبس جميع قادة المعارضة في البلاد تقريبًا. وبحلول ربيع عام2006، كان هناك مشروع قانون أمام الكونجرس الأمريكي لقطع المساعدات التي تصل لزيناوي ما لم يتحسن سجل حقوق الإنسان في إثيوبيا. (الجدير بالذكر أن سجل حقوق الإنسان لديه لم يتحسن منذ ذلك الحين. ولكن بالأخذ في الاعتبار الكيفية التي تنظر بها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) للدور الإستراتيجي لإثيوبيا في "الحرب على الإرهاب" والصراع من أجل الموارد المعدنية وموارد الطاقة في إفريقيا، فإن الدعم الغربي لزيناوي لم يشهد إلا زيادة في غضون السنوات الأخيرة).

وفي عام 2006، اعتمادًا على الدعم الأمريكي له للاحتفاظ بالسلطة في مواجهة قاعدة سياسية تتآكل داخليًا- وهو الوضع نفسه الذي يجد العديد من حلفاء الولايات المتحدة في العالم الثالث أنفسهم فيه- استسلم زيناوي على ما يبدو لضغوط فريزر. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تحاول فيها فريزر إشعال حرب أمريكية بالوكالة في إفريقيا. ففي وقت سابق بينما كانت تعمل كسفيرة للولايات المتحدة في جنوب إفريقيا، حاولت فريزر تشكيل "تحالف من الراغبين" في الإطاحة بنظام موجابي في زيمبابوي، وهي المبادرة التي لم تلق قبولاً حسنًا من حكومة ما بعد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ولم تحقق شيئًا يذكر.

ولم تمض حرب 2006 في الصومال على ما يرام سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو إثيوبيا. وقد اعترف مؤخرًا السفير "دونالد يماموتو"، وهو ناطق باسم الخارجية الأمريكية، أن الفكرة برمتها كانت "خطا كبيرًا"؛ معترفًا على نحو غير مباشر بمسئولية الولايات المتحدة عن الغزو. فقد أسفر عن 20.000 حالة وفاة، كما خلف- وفقًا لبعض التقارير- ما يصل إلى 2 مليون صومالي شريدًا بلا مأوى. أما قوات الغزو الإثيوبية البالغ قوامها 50.000، والتي كانت تتوقع نزهة، قامت بدلاً عن ذلك بالركض أمام حدة المقاومة الصومالية وأحيط بها، ثم سرعان ما انسحبت وذيلها بين ساقيها.

أما النتائج السياسية للغزو كان يمكن التنبؤ بها: فاتحاد المحاكم الإسلامية الأكثر اعتدالاً بصفة عامة في الصومال كان قد ضعف ولكن سرعان ما حل محله جماعات إسلامية مسلحة أكثر تشددًا ذات أجندة أوضح عداءً للولايات المتحدة.

ومع تردي الأوضاع، وفي مسعى من فريزر لتغطية دور الولايات المتحدة ودورها، هاجمت زيناوي في محاولة للنأي بنفسها عن الفشل الذريع معتمدة على حيلة دبلوماسية قديمة ومجربة وهي: الكذب لصريح. فبعد أن مني الغزو بالإخفاق، غيرت فريزر من لهجتها مؤكدة عبر وسائل الإعلام أنها والولايات المتحدة قد حاولا منع الإثيوبيين وتثبيط عزمهم عن الغزو وليس دفعهم إلى الهجوم. ولكن وثيقة ويكيليكس تقدم رواية مختلفة تمامًا.

وقد انسحبت القوات الإثيوبية من الصومال عام 2009، تاركة الصومال في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار أكثر مما كانت عليه عندما دخلت قواتهم البلاد قبلها بثلاث سنوات. ألا يبدو هنا نمط يتكرر؟

-------------------------------------------

*روب برينس: محاضر بمدرسة "جوزيف كوربل" للدراسات الدولية التابعة لجامعة دينفر، ومؤسس موقع نشرة "كولورادو بروجريسيف جويش نيوز" الإخبارية.