- الاثنين سبتمبر 26, 2011 4:09 pm
#39239
سكينة المشيخص
كيف يمكن النظر إلى الثورات العربية بعيدا عن جذور فكرية؟ ذلك لا يبدو منطقيا، إذ أن التركيز على المرجعية الوجدانية للشعوب وإسقاط الدوافع على أي مبررات حقوقية، أو عدم رضا عن الأنظمة الحاكمة، أخذ الحيز الأكبر في متابعة وقائع الثورات واتجاهاتها فيما اصطلح عليه باسم "الربيع العربي" وهو اصطلاح فضفاض لا يعبر بالضرورة عن واقع تلك الثورات.
بعضهم يرى أن الربيع تحول الى صيف، خاصة مع استمرار الثورات في اليمن وليبيا وسوريا، وفي تقديري أن الشعوب رغم صبرها على الأنظمة وفسادها وسوء سياساتها، كان يمكنها أن تصبر أطول وأكثر وتلعق المرارة تلو الأخرى الى أن يستنفد هذا النظام أو ذاك أغراضه ويصبح هرما وعاجزا عن القيادة.
في جميع الحالات الثورية في الوطن العربي، كانت الأخطاء القاتلة هي القاسم المشترك لاستفزاز الجماهير الى درجة إيقاظها من سباتها، ففي مصر كانت الأخطاء مع حالات خالد سعيد والشباب الذين خرجوا للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وفي سوريا تم قص شعر معلمة ابتدائي في درعا على مرأى من طلابها الصغار الذين خرجوا في اليوم التالي متظاهرين تعاطفا مع معلمتهم وليس ضد النظام، وفي ليبيا لم يتعد الأمر في بدايته احتجاج سلمي على تعذيب محام معتقل، وفي تونس كانت واقعة البوعزيزي التي كان يمكن ألا تخرج عن كونها حالة معزولة.
إذن لم تكن هناك مرجعية فكرية للثورات، وذلك ما يفسر التحول الى الصيف الساخن في البلدان التي أزاحت أنظمتها القمعية، ففي مصر فوضى أمنية وسياسية واجتماعية لا تليق بمخرجات ثورة يفترض أن تؤمن الديمقراطية والأمن الاجتماعي وتحقق العدالة الاجتماعية، وفي تونس ذات الأمر، أما ليبيا فأمامها مشوار طويل من الاستقرار، فالمجلس الانتقالي وقبل أن يحسم جيوب الكتائب بدأ يشهد نقاشات وخلافات حادة في الرأي، وكذا الحال في سوريا حيث لا تجد المعارضة ما تتفق عليه لأنها مختلفة شكلا وموضوعا، فيما اليمن بعيد عن الاستقرار ما لم يحسم الرئيس الوضع ويتنحى سواء بالمبادرة الخليجية أو بغيرها.
أعود الى المنشأ الفكري بالنسبة للثورات، لاستعيد فكرة صدام الحضارات للأمريكي صمويل هنتجتون، وتلك وإن بدت فكرة أعم، وبالمناسبة هي موضوعية وعميقة الى الحد الذي يغري بالاقتناع بها من واقع التمايز بين الأقاليم الجغرافية للعالم وما تشهده من فروقات عرقية ودينية وسياسية، إلا أن فكرة الصدام يمكن التعاطي معها في الداخل القومي للوطن الواحد، لأن هذا الصدام موجود في الوجدان الشعبي ويمكن أن يفسر عدم خروج الثورات برؤية واحدة مشتركة.
الأبعاد الفكرية والثقافية للجماعة هي التي تشكل الوعي العام وتحدد الأطر السياسية لبنية الدولة، ودون مرجعية فكرية لا يمكن ممارسة العملية السياسية، فالدولة الإسلامية على سبيل المثال تستند الى فكرة دولة المدينة ولها فقهها السياسي في جميع الأحوال الداخلية والخارجية مع مساحة مرنة للتعامل بحسب فقه الواقع وتغير الزمان والأحوال، وكذا الحال فيما تلاها من أفكار حديثة لبنية وشكل الدولة، سواء في سياقاتها الليبرالية أو العلمانية أو التي ترتكز على مرجعيات دينية أخرى.
الوجدان العربي بطبيعته العاطفية معرض لاستلاب فكري وثقافي قوي، بحيث يمكن أن نجد طيفا واسعا لا يؤمن بدولة المدينة وعلى استعداد لاستبدالها بأحد أشكال الدولة الحديثة، ذلك يصطدم بكثير من المكونات المحلية التي تحافظ وتحتفظ بالفكرة الإسلامية في الحكم، وبذلك ليس متصورا أن يلتقي الإسلامي والليبرالي، أو الإسلامي والعلماني، أو حتى العلماني والليبرالي، دون أن نغفل المكونات الاجتماعية الأخرى شديدة الحساسية والخطورة وفي مقدمتها المكون القبلي الذي يؤثر عميقا في قبول الآخر الداخلي.
لذلك كله لا اتصور أن تنضج الثورات العربية، والحال يبدو وكأنه سقوط في الهاوية بالنسبة للدولة العربية، في أحد النماذج التي تشهد تلك الثورات، وذلك لأنه لم يكن لتلك الثورات مرجعية ثقافية أو فكرية تدعم وعيها وتتجه بها الى بر الأمان، وقد يبدو ذلك قريبا من فكرة العشوائية، وأقول ذلك صحيح الى حد كبير، وقد تكون من باب المصادفة المحضة، وأقول ذلك صحيح نسبيا، ولكن العامل الأهم في انتاج تلك الثورات سواء في حالة المصادفة أو الحالة العشوائية هو أخطاء الأنظمة الحاكمة التي كشفت ظهرها الوطني، ودون سند شعبي واسع لا تبرز فيه جماعات المصالح والمنتفعين فلا شرعية أو مرجعية لنظام حكم.
الثورات العربية دون عمق فكري وثقافي حقيقي، لذلك يؤسفني الانتهاء الى أنها، ورغم أنها حق للشعوب، مقدمة لفوضى قد لا تستقر بسهولة أو في أجل زمني قصير، وسيكون هناك دور محوري للجيوش والسلطات العسكرية يجهض تلقائيا أحلام النتاج الديمقراطي والحرية، لأن الشعوب فوجئت حين ثارت بهزال السلطات التي كانت تراها عصية على الإزالة، فواصلت رحلة إزالة الكوابيس والطواغيت، التي قد تتحول من شخصيات الى حالات سياسية عامة لا تحصد فيها شعارات الثورات في نهاية المطاف.
كيف يمكن النظر إلى الثورات العربية بعيدا عن جذور فكرية؟ ذلك لا يبدو منطقيا، إذ أن التركيز على المرجعية الوجدانية للشعوب وإسقاط الدوافع على أي مبررات حقوقية، أو عدم رضا عن الأنظمة الحاكمة، أخذ الحيز الأكبر في متابعة وقائع الثورات واتجاهاتها فيما اصطلح عليه باسم "الربيع العربي" وهو اصطلاح فضفاض لا يعبر بالضرورة عن واقع تلك الثورات.
بعضهم يرى أن الربيع تحول الى صيف، خاصة مع استمرار الثورات في اليمن وليبيا وسوريا، وفي تقديري أن الشعوب رغم صبرها على الأنظمة وفسادها وسوء سياساتها، كان يمكنها أن تصبر أطول وأكثر وتلعق المرارة تلو الأخرى الى أن يستنفد هذا النظام أو ذاك أغراضه ويصبح هرما وعاجزا عن القيادة.
في جميع الحالات الثورية في الوطن العربي، كانت الأخطاء القاتلة هي القاسم المشترك لاستفزاز الجماهير الى درجة إيقاظها من سباتها، ففي مصر كانت الأخطاء مع حالات خالد سعيد والشباب الذين خرجوا للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وفي سوريا تم قص شعر معلمة ابتدائي في درعا على مرأى من طلابها الصغار الذين خرجوا في اليوم التالي متظاهرين تعاطفا مع معلمتهم وليس ضد النظام، وفي ليبيا لم يتعد الأمر في بدايته احتجاج سلمي على تعذيب محام معتقل، وفي تونس كانت واقعة البوعزيزي التي كان يمكن ألا تخرج عن كونها حالة معزولة.
إذن لم تكن هناك مرجعية فكرية للثورات، وذلك ما يفسر التحول الى الصيف الساخن في البلدان التي أزاحت أنظمتها القمعية، ففي مصر فوضى أمنية وسياسية واجتماعية لا تليق بمخرجات ثورة يفترض أن تؤمن الديمقراطية والأمن الاجتماعي وتحقق العدالة الاجتماعية، وفي تونس ذات الأمر، أما ليبيا فأمامها مشوار طويل من الاستقرار، فالمجلس الانتقالي وقبل أن يحسم جيوب الكتائب بدأ يشهد نقاشات وخلافات حادة في الرأي، وكذا الحال في سوريا حيث لا تجد المعارضة ما تتفق عليه لأنها مختلفة شكلا وموضوعا، فيما اليمن بعيد عن الاستقرار ما لم يحسم الرئيس الوضع ويتنحى سواء بالمبادرة الخليجية أو بغيرها.
أعود الى المنشأ الفكري بالنسبة للثورات، لاستعيد فكرة صدام الحضارات للأمريكي صمويل هنتجتون، وتلك وإن بدت فكرة أعم، وبالمناسبة هي موضوعية وعميقة الى الحد الذي يغري بالاقتناع بها من واقع التمايز بين الأقاليم الجغرافية للعالم وما تشهده من فروقات عرقية ودينية وسياسية، إلا أن فكرة الصدام يمكن التعاطي معها في الداخل القومي للوطن الواحد، لأن هذا الصدام موجود في الوجدان الشعبي ويمكن أن يفسر عدم خروج الثورات برؤية واحدة مشتركة.
الأبعاد الفكرية والثقافية للجماعة هي التي تشكل الوعي العام وتحدد الأطر السياسية لبنية الدولة، ودون مرجعية فكرية لا يمكن ممارسة العملية السياسية، فالدولة الإسلامية على سبيل المثال تستند الى فكرة دولة المدينة ولها فقهها السياسي في جميع الأحوال الداخلية والخارجية مع مساحة مرنة للتعامل بحسب فقه الواقع وتغير الزمان والأحوال، وكذا الحال فيما تلاها من أفكار حديثة لبنية وشكل الدولة، سواء في سياقاتها الليبرالية أو العلمانية أو التي ترتكز على مرجعيات دينية أخرى.
الوجدان العربي بطبيعته العاطفية معرض لاستلاب فكري وثقافي قوي، بحيث يمكن أن نجد طيفا واسعا لا يؤمن بدولة المدينة وعلى استعداد لاستبدالها بأحد أشكال الدولة الحديثة، ذلك يصطدم بكثير من المكونات المحلية التي تحافظ وتحتفظ بالفكرة الإسلامية في الحكم، وبذلك ليس متصورا أن يلتقي الإسلامي والليبرالي، أو الإسلامي والعلماني، أو حتى العلماني والليبرالي، دون أن نغفل المكونات الاجتماعية الأخرى شديدة الحساسية والخطورة وفي مقدمتها المكون القبلي الذي يؤثر عميقا في قبول الآخر الداخلي.
لذلك كله لا اتصور أن تنضج الثورات العربية، والحال يبدو وكأنه سقوط في الهاوية بالنسبة للدولة العربية، في أحد النماذج التي تشهد تلك الثورات، وذلك لأنه لم يكن لتلك الثورات مرجعية ثقافية أو فكرية تدعم وعيها وتتجه بها الى بر الأمان، وقد يبدو ذلك قريبا من فكرة العشوائية، وأقول ذلك صحيح الى حد كبير، وقد تكون من باب المصادفة المحضة، وأقول ذلك صحيح نسبيا، ولكن العامل الأهم في انتاج تلك الثورات سواء في حالة المصادفة أو الحالة العشوائية هو أخطاء الأنظمة الحاكمة التي كشفت ظهرها الوطني، ودون سند شعبي واسع لا تبرز فيه جماعات المصالح والمنتفعين فلا شرعية أو مرجعية لنظام حكم.
الثورات العربية دون عمق فكري وثقافي حقيقي، لذلك يؤسفني الانتهاء الى أنها، ورغم أنها حق للشعوب، مقدمة لفوضى قد لا تستقر بسهولة أو في أجل زمني قصير، وسيكون هناك دور محوري للجيوش والسلطات العسكرية يجهض تلقائيا أحلام النتاج الديمقراطي والحرية، لأن الشعوب فوجئت حين ثارت بهزال السلطات التي كانت تراها عصية على الإزالة، فواصلت رحلة إزالة الكوابيس والطواغيت، التي قد تتحول من شخصيات الى حالات سياسية عامة لا تحصد فيها شعارات الثورات في نهاية المطاف.