منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#39960

السياسة الإسلامية و السياسة المتأسلمة
 
 
لا نريد أن نستحدث مصطلحاً جديداً في عالم السياسة المليء بالمصطلحات التي كرهها الكثير من الناس وخاصةً في العراق –لمخالفة اغلبها للواقع واستخدامها من قبل السياسيين لخداع الناس واستغفالهم- حتى باتوا يتندرون بها ويذكرونها للفكاهة ، ولكن هذا المصطلح أي المتأسلم صار يستخدم بكثرة في التعبير عمن يدعي الانتماء العملي للإسلام وهو خلو من ذلك ومعرفة هذا المصطلح مهمة جداً لمنع التأثر بخلط الأوراق الحاصل الآن –وخاصةً في الساحة العراقية- بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي والفرق بين الإسلامي والمتأسلم كالفرق بين النبي والمتنبي حيث النبي هو صاحب دعوى النبوة الحقيقية والمتنبي هو مدعي النبوة بغير وجه حق ،إذن نعرف من هذا إن الإسلامي هو المنتمي للإسلام بشكلٍ حقيقي والمتأسلم هو من يدعي ذلك.
فالسياسة الإسلامية هي السياسة المبتنية على أسس الإسلام حقيقةً لا إدعاءاً والسياسة المتأسلمة خلاف ذلك.
والسياسي المتأسلم والسياسة المتأسلمة هما سبب نفور الناس عن كل ما هو إسلامي وذلك لاختلاط الأوراق على الناس وكثرة المدعين لتمثيل الإسلام والعمل الإسلامي حتى صار الناس لا يميزون بين ما هو إسلامي فعلاً وما هو غير ذلك وصاروا ينفرون من تعليمات الإسلام ومبادئه وقيمه –وهي المنقذ الوحيد للبشرية فيما لو طُبقت تطبيقاً صحيحاً- وصاروا لا يسمعون في الأعم الأغلب نصائح الإسلاميين –وخاصةً العلماء العاملين- رغم إنهم عندما يستمعون لتلك الإرشادات والتوجيهات والنصائح سيحصدون خير الدنيا والآخرة وصار على المصلحين إن يجدوا الوسائل والمبررات التي تخرجهم من ربقة الأخطاء المنسوبة إلى الإسلام والإسلاميين زوراً وبهتاناً وهي في حقيقتها أفعال وأخطاء المتأسلمين.
ولكي نميز بين السياسي الإسلامي والسياسي المتأسلم والسياسة الإسلامية والسياسة المتأسلمة لا بد من تحديد عناصر الاختلاف بين كلٍ منهما على شكل نقاط –وسنقتصر هنا على البعض منها-فنقول:-
 
1-التطابق بين القول والفعل:-
 
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3)ولا يختلف عاقلان على إن عدم تطابق قول شخص أو جهة مع الأفعال أمر منبوذ فالسياسة الإسلامية هي التي يتطابق فيها القول والفعل ومتبنوها لا يدعون شيء لا يستطيعون فعله وهم مصداق لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (والله ما أمرتكم بطاعة إلا وقد ائتمرت بها ولا نهيتكم عن معصية إلا وقد انتهيت عنها).
أما السالنفعية:أسلمة فإن متبنوها –والذين يحاولون إلباسها لباساً إسلامياً مزوراً- لا تتطابق أقوالهم مع أفعالهم فتراهم يقولون شيء ويطبقون عكسه ويحللون لأنفسهم ما يشاءون تحت عناوين ومبررات واهية –ولكنها تنطلي على الكثيرين مع شديد الأسف- ويحرمون على الناس ما يشاءون تحت نفس العناوين ويجيزون لأنفسهم ما لا يجيزونه لغيرهم واعتقد إني لا احتاج لضرب الأمثلة فهي كثيرة وشاخصة للعيان وهذا ما لا تجده في السياسة الإسلامية متمثلة برموزها المشرفة بدءاً من رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) وكل من سار على نهجهم المبارك و أكرر حقيقةً لا إدعاءاً.
 
2-مبدأ النفعية :-
 
رُوي في مدح عمار بن ياسر (رض) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال ( عمار ما خُير بين أمرين إلا اختار أرشدهما)، وهذا الأمر تعلمه عمار من أساتذته الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وهذا هو مبتنى السياسة الإسلامية حيث لا مجال للبحث عن المنافع الشخصية وعندما يخير الإسلامي بين أمرين يختار أرشدهما وأشدهما على نفسه وأقربهما منفعةً للناس والمجتمع شريطة أن تكون تلك المنفعة مشروعة في حين إن السياسي المتأسلم يختار أخفهما على نفسه وانفعهما لمصالحه الشخصية أو المصالح الضيقة للجهة التي ينتمي لها بل إنه ينطلق من مبدأ النفعية في كل جوانب عمله متناسياً مشاكل الناس وهمومهم ومصالحهم وتراه يتحرك ويدور في فلك المنفعة الشخصية والجهوية فقط ولذا تجد الإسلامي متابع لهموم الناس ومشاكلهم بينما المتأسلم –أياً كانت الجهة التي ينتمي لها- لا يهتم بالناس ومشاكلهم وتجده آخر من يعلم عن تلك المشاكل وإذا علم بها لا يحرك ساكن وكأن الأمر لا يعنيه وهو فعلاً لا يعنيه.
 
3-مبدأ ميكافيلي:-
 
وهو المبدأ الذي اعتقد إنه من صنع إبليس حيث يقول (الغاية تبرر الوسيلة) وهو المستند والمعول عليه في السياسة المتأسلمة حيث يفعل متبنوا هذه السياسة كل ما يحلو لهم دون قيود من أي نوع للوصول لغاياتهم متذرعين بوسائل قذرة وأساليب عمل لا أخلاقية وغير إنسانية تمسكاً بهذا المنهج الشيطاني ، في حين إن السياسة الإسلامية تستند في هذا الأمر على قاعدة (يجب أن تكون الوسائل من سنخ الغايات) فمادامت الغايات نبيلة – كما هو المفروض- فلا يجوز ولا يُعقل أن نتوسل بوسائل غير نبيلة للوصول لتلك الغايات ولا يوجد أي مبرر مقنع للعمل وفق قاعدة ميكافيلي الشيطانية .
 
4-المبالغة:-
 
من المبادئ الثابتة في السياسة الإسلامية هي الوسطية حيث لا إفراط ولا تفريط –وهي قاعدة نافعة لكل أمر- فكما إن التقصير في التفاعل مع حدثٍ أو أمرٍ ما خطأ كبير فكذلك الإفراط والمبالغة في ذلك خطأ كبير أيضاً فلا يجوز المبالغة في الحب والبغض مثلاً كما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما) ولا يجوز المبالغة في الانتقام واخذ الثأر كما رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)ولا يجوز المبالغة في التقديس (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31) ولا يجوز المبالغة في تطبيق أحكام الشريعة ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44) وقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)  ولا يجوز المبالغة في طرح المشاريع والبرامج الانتخابية وغيرها من الأمور (سنفعل كذا وسنفعل كذا وهو لا يستطيع أن يفعل عُشر المعشار مما يقول).
في حين إن السياسة المتأسلمة مبنية على المبالغة في كل شيء لإعطاء صورة خيالية عن الأمور ولتشويه الحقائق ولإيهام المقابل وخداعه وبالتالي الوصول للمقاصد التي يبتغونها والتي يستطيع القارئ الآن أن يتصور شكلها ومضمونها.
 
5-استغلال الإعلام:-
 
الإعلامُ رسالةٌ الهدف منها إيصال الحقيقة كما هي –مع مراعاة أمور وثوابت معينة - والسياسة الإسلامية تتعامل مع الإعلام وفق هذا المنهج حيث لا كذب ولا استغلال ولا مبالغة ولا ربط غير واقعي بين الأحداث وحيث الصراحة والوضوح هي الحاكمة – كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعلن على الملأ ما كانت تتضمنه الرسائل التي تصله من معاوية في حين إن معاوية يفعل عكس ذلك- فكم من أكذوبة يتعامل معها الناس على إنها حقيقة مفروغاً منها –كم من مشهورٍ لا أصل له- في حين إنها من صنع الإعلام الكاذب . ففي السياسة الإسلامية يعتبر الإعلام قناة لإيصال الحقيقة في حين انه في السياسة المتأسلمة الكذب والتزوير والتشويه والتسقيط والمبالغة والتقديس الفارغ هي العناوين البارزة لنشاطات الإعلام.
ويتذرع المتأسلمون في بعض الأحيان عند إخفاءهم للحقائق بذريعة – إنه ما كل ما يُعرف يُقال- وهي كلمة حق أُريد بها باطل نعم إن الحقائق التي لا تتحملها عقول بسطاء الناس ينبغي إخفاءها عنهم وكل حقيقة يؤدي إظهارها إلى مشاكل أكثر فينبغي ترك التصريح بها وهذا هو المقصود بالكلام وليس المقصود –كما يحاول المتأسلمين إيهامنا- إخفاء الحقائق التي تخص الناس ومشاكلهم وهمومهم ومستقبلهم فليس هذا من المقولة السابقة في شيء وهو الخداع والكذب والتضليل بعينه.
ولعل أهم أمر تستغله السياسة المتأسلمة للوصول لمآربها هو خداع الناس من خلال وسائل الإعلام المتنوعة مستغلين بساطة الكثير من الناس وطيبتهم ومن أقبح الأمور هو أن تستغل شخص وتكذب عليه في حين هو يثق بك ويتصورك ملاكاً!!!
 
وبعد هذه الخلاصة صار واضحاً الفرق بين الإسلام والمتأسلم وصار واضحاً-كما أرجو وأتمنى- إن الأخطاء المنسوبة إلى الإسلام والإسلاميين ليست من أخطائهم فالإسلامي الحقيقي هو السائر على نهج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ولا يمكن أن تصدر من مثل هكذا شخص مثل هكذا أخطاء لأن صدور هذه الأخطاء مع معرفته بها وإصراره عليها تخرجه من عنوان الإسلامي لتضعه في عناوين أخرى فينبغي لنا إن لا نُخدع بما يُقال لنا من إن الإسلام والإسلامي لا يستطيعون إدارة الحياة والسياسة وإن التجربة أثبتت ذلك في حين إن الخير كل الخير هو في تطبيق مبادئ وقيم وأسس الإسلام وتعاليمه في كل جانب من جوانب الحياة ولو سنحت الفرصة لذلك لما وجدنا الأرض تزخر بالمشاكل والهموم والحروب والصراعات كما هي الآن.
 
 
 
 
 
 
 
 
                                                                               رشيد السراي