- الاثنين نوفمبر 28, 2011 5:01 pm
#40561
د.طارق الزمر
بغض النظر عن مصدر دعوات الإصلاح – في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ امتنا العربية والإسلامية – فإن المقطوع به والمتفق عليه بين كافة التيارات السياسية : أن الأمة بحاجه ماسة إلى هذا الإصلاح ، وذلك في ظل ما تشهده من تردى جميع أوضاعها في شتي المجالات ، وهو ما جعلها في مكانة متدنية علي الساحة الدولية ، فلا يكاد المدقق يراها إلا أضعف حلقة من حلقات النظام الدولي ، وربما كان المستقبل المنظور لها أسوأ من مستقبل أفريقيا – جنوب الصحراء – إذا استمرت حالة التدهور علي وتيرتها .
كما أن كل مشكلات الأمة وقضاياها الاستراتيجية تتجه للحسم لصالح أعدائها ، كما أن شعوبها تعاني حالة قهر واغتراب جعلتها أقرب ما تكون إلى الاستسلام لما يجرى لها وحولها ، كما أن نظمها السياسية – وهذا هو بيت القصيد – تعاني أزمة شرعية بالغة الحدة .
إن القراءة المتأنية لتاريخ الأمة تؤكد أن هزيمتها هي بالأساس تبدأ عند الهزيمة في دينها ، بمعني أن البعد عن الدين هو الذي يؤدي إلى كل الهزائم ، وتلك القاعدة يمكن استخلاصها بوضوح من هزيمة أحد كما أوردتها سورة آل عمران حيث أوسع معالجة قرآنية لأسباب الهزيمة )إنَّ الَذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا((آل عمران 155))أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ((آل عمران 165)، وهي قاعدة يمكن استخلاصها من كل " أحد " تعرضت لها الأمة علي طول تاريخها .
وبمراجعة تاريخ الأمة نجد أنها قد استطاعت أن تنتصر علي الحملات الصليبية الشرسة ، يوم أن كان الدين حاضراً في كل جوانب حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وأن هزيمتها الكبرى أمام الحملات الاستعمارية إنما كانت بعد أن بعدت عن الدين ومن ثم استجابت لمخططات أعدائها ، وهذا ما نبه إليه لويس التاسع عقب الهزائم المتوالية للحروب الصليبية ,حيث أوصي بضرورة انهاء حضور الدين قبل الغزو .
واليوم وقد بدأت تلوح في الأفق بشائر صحوة إسلامية عامة تؤذن بعودة شاملة للدين ، فإن ذلك لا بد وأن يترجم إلى رؤية سياسية للنهوض وتصور مستقبلي للأولويات والمراحل ، وفي هذا الأطار تتقدم قضية الإصلاح السياسي لتمثل موضوعاً من أهم موضوعات الساعة ، وتحتل موقعاً هاماً بين أولويات الأمة فضلاً عن كونها تحقق اجماعاً بين كافة القوي الإسلامية والوطنية ، لهذا يجب مناقشة إمكانيات وآفاق هذا الإصلاح من خلال أهم موضوعاته والتي يمكن التعامل معها كالتالي :
1-الإصلاح السياسي المفروض من الخارج : طبيعته وأهدافه .
2-موقف الأنظمة الحاكمة بالعالم العربي والإسلامي من قضية الإصلاح .
3-موقف الشعوب من قضية الإصلاح السياسي .
4-موقف القوي والحركات السياسية من قضية الإصلاح السياسي .
5-التجاوب الإسلامي الواجب مع قضية الإصلاح السياسي .
**
1-الإصلاح السياسي المفروض من الخارج : طبيعته وأهدافه
انطلقت قضية الإصلاح السياسي بشان العالم العربي والإسلامي – فيما سمي بالشرق الأوسط الكبير- ( [1] ) علي خلفية تفجيرات سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية ، والتي اتهم فيها تنظيم القاعدة الإسلامي وهكذا قامت هذه التفجيرات بتفجيرين علي مستوي العقل والتفكير الإستراتيجي الأمريكي :
الأول يدعو إلي دراسة أسباب هذا العنف – غير التقليدي – والموجه إلي الولايات المتحدة ، بهدف تأمين الداخل الأمريكي ، وكذلك المصالح الأمريكية في الخارج ، وهو ما توصل إلي أن أحد أهم أسباب العنف والإرهاب الإسلامي إنما هو الاستبداد والقمع السياسي .
الثاني يدعوا إلى استغلال الحدث في تطوير هيمنة الولايات المتحدة علي العالم من خلال الهيمنة علي التحولات الدولية المتسارعة والسيطرة علي النظام الدولي من خلال تكريس الأحادية القطبية ، وهو ما أعطي لمنطقة العالم الإسلامي أهمية كبري .
وفي هذا الأطار أصبح شعار نشر الحرية والديمقراطية هو الغطاء المناسب لأهداف المرحلة ، وهكذا ارتبط نشر الحرية في العالم الإسلامي بالسيطرة علية ، والذي أرتبط – هو الأخر – بتطوير هيمنة الولايات المتحـدة علي التحولات الدولية .
فإذا لمسنا بعض الجدية في حركة الولايات المتحدة من أجل نشر الديمقراطية فلأن ذلك أصبح يعكس مصالحها كما أصبح من ضرورات أمنها القومي ، وهو ما يستبعد أن يكون ذلك التزاما بالمبادئ الديمقراطية – كما يرى البعض – ولا سيما في عهد المحافظين الجدد .
ولهذا يصبح للشك – في نية الولايات المتحدة – مبررة ، لأن نشر الديمقراطية – استناداً إلى المصالح – سيقتضي حتماً نشرها في دولة وحجبها عن دولة أخري ، وهذا ما تقتضيه طبيعة الحركة علي الساحة الدولية – المعاصرة – في ظل سيادة الدولة القومية ، كما أن المصالح ستفضي حتماً إلي ايلاء تيارات سياسية بالعناية والاهتمام والعمل علي استبعاد تيارات أخري لا تعبر عن تلك المصالح ، وذلك – وحده – كفيل بإجهاض شعار المرحلة وتبديد محتواه .
وهكذا تصبح الأسباب والدوافع من أهم محددات أهداف وطبيعة تحرك الولايات المتحدة لنشر الحرية والديمقراطية ، ونظراً لثقلها في الميزان الدولي فإن رؤيتها هي التي تغلبت علي كل رؤى الأطراف الدولية الأخرى ، وحتى يمكن رسم صورة لأهم ملامح الإصلاح المفروض من الخارج من حيث طبيعته وأهدافه ، فلا بد من توضيح الأتي :-
1-أن الولايات المتحدة تتحرك علي الساحة الدولية كقائد وحيد يفتقد – علي المدى القصير والمتوسط – أدنى منازعة في توجيه دفة الأحداث والتحولات الدولية ، وأن قدرة أوروبا أو الصين أو اليابان أو روسيا أو الهند علي المعارضة لا تزال هشة ، لهذا فإن الإدارة الأمريكية للشئون العالمية ستظل منفردة لحين بزوغ قوى دولية جادة وقادرة .
2-إن المبادرة الأمريكية للإصلاح إنما تعبر عن جزء هام من الخطة الكاملة لتطوير هيمنة الولايات المتحدة علي العالم ، في ضوء أهمية ومحورية منطقة العالم الإسلامي بشأن هذه الهيمنة ، كما أنها تدير الشئون الدولية – عموماً – بأسلوب يكفل هيكلة القوى الدولية في نظام دولي تقوده الولايات المتحدة بإنفراد ، ولهذا فهي لا تسمح لأى من القوي الدولية بالخروج عن خطتها وبرامجها ، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح من خلال تتبع إدارة الولايات المتحدة لعملية احتلال العراق ، وتعقبها لكل مبادرات الإصلاح لإخضاعها للمبادرة الأمريكية .
3-إن الاتحاد الأوروبي – المصدر الثاني لمبادرات الإصلاح – لا يزال يحاول صناعة رؤية سياسية وأمنية مستقلة ، وهو أمر بعيد المنال ، وعلي هذا فإن تدخله في هذا الشأن إنما يرتكز علي : أن منطقة العالم الإسلامي – وخاصة العالم العربي – تعد منطقة حيوية أمنياً واقتصادياً بالنسبة لأوروبا ، ولذا لا ينبغي أن تنفرد الولايات المتحدة بإدارة شئونها فجاء تدخله – في أطار حملة مبادرات الإصلاح – ليؤكد دوره فيها ، وليحقق مصالحه من خلال رؤيته للإصلاح . وإن كان ذلك لا يعني تمرداً علي القيادة الأمريكية ، فإمكانيات أوروبا وقدراتها لا تسمح لها حتي الأن بذلك التمرد . وقد تعودت أوروبا في السنوات الأخيرة . علي مظاهر التمرد علي القيادة الأمريكية ، ثم لم تلبث أن تعود أدراجها حين يهزمها الواقع ، وإن كان ذلك يعطي فحسب – إشارات تجاه المستقبل الذي يجب أن يكون متعدد الأقطاب . وعلي هذا فقد هزمت الرؤية الأوروبية للإصلاح لصالح الرؤية الأمريكية ، كما حدث – ذلك – بشأن قضايا الإرهاب والعراق وفلسطين وقد لاحظ المراقبون " زيادة قوة التشابه فى الرأي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م فيما يتعلق بالقضايا العربية والشرق أوسطية " ( [2] ) وإن لم يمنع ذلك من وجود موضوعات للخلاف ، وتوتر في العلاقات بين الحين والآخر ، وصراع دائم حول أسواق الشرق الوسط .
4-إن المبادرة الأمريكية لإصلاح الشرق الأوسط ستكون هي المحدد الرئيس لاتجاه الإصلاح ومضمونه ، وأن المبادرات الأوروبية – مهما كانت درجة خلافها مع المبادرة الأمريكية – ستخضع في النهاية لإدارة أمريكية ، وبرغم أن الصراع بين مشروعّي : الشرق أوسطية – الذي تروج له الولايات المتحدة وإسرائيل – والمتوسطية – التي تدفع أوروبا باتجاهه – لا يزال قائماً ، فإن الصراع بين مبادرتي الإصلاح الأمريكية والأوروبية قد حسم لصالح الأولي في جانبه الأكبر .
5-إن مشروع الإصلاح الأمريكي بشان العالم العربي والإسلامي إنما يهدف إلي :
أ-دمج دول وسياسات العالم العربي والإسلامي في أطار خدمة إستراتيجية الهيمنة الأمريكية التي تمثل المنطقة بالنسبة لها محوراً رئيسياً ، ومن ثم فإن مجرد التلويح بورقة الإصلاح ، جعل العديد من الدول تسعي إلى توفيق أوضاعها السياسية – ولا سيما الخارجية – في أطار الرؤية الأمريكية .
ب-إعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يكرس القيادة الإسرائيلية للمنطقة وتأمين تدفق النفط واستمرار فتح الأسواق .
جـ- أعادة صياغة المجتمعات الإسلامية وفق الرؤية الأمريكية ، وهو ما يجعلها تركز علي تفكيك الالتزام الديني المؤسسي والشعبي – علي حد سواء – ولهذا نجد التأكد علي الأبعاد التعليمية والثقافية تحت دعوى تجفيف منابع الإرهاب .
د- أعادة ترتيب القوى والمنظمات داخل المجتمعات الإسلامية ، بما يقدم التيارات العلمانية أو الحداثية علي التيارات الإسلامية والوطنية ، والعمل علي دعم الشيعة والصوفية في مواجهة أهل السنة ، ثم العمل علي تفجير الخلافات داخل المذهب السني وخاصة بين الأحناف والحنابلة ( [3] ) . وعلي هذا فإن مركز الحرب الرئيسية ستكون هي التيارات الإسلامية السنية .
وفي أطار هذا المشروع يمكن النظر إليه علي أنه محاولة لقلب كل أوضاع المنطقة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإستراتيجية وهي محاولة وإن بدت بعض مؤشرات تقدمها إلا أن العثرات في طريقها كثيرة ، والمقاومة سـتكون في وجهها عنيفة .
إن مبادرات الإصلاح الخارجية إنما تتميز بالأتي :
1-أنها تعبر عن مصالح أصحابها – أمنياً واقتصادياً واستراتيجياً – وإن كانت تظهر في ثوب نشر الديمقراطية والتحديث . فعلي سبيل المثال : رغم تأكيد مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية علي أن الاستبداد والقمع السياسي هو المولد الرئيس للعنف والإرهاب ، وأن نشر الديمقراطية في العالم العربي مرتبط إلى حد كبير بالأمن القومي الأمريكي . إلا أن واقع السياسيات الأمريكية لا يزال بعيداً عن ذلك الطرح .
2- أنها غير بريئة من الغزو الثقافي ولا ينفي عنها هذا الاتهام الزعم بحياد الأليات الديمقراطية ، لأن عمليات الإصلاح المزعوم – وفق المبادرات والإجراءات المرئية – معبئة بحملات شرسة تشمل كل المجالات ، التعليم والإعلام والثقافة والإقتصاد فضلاً عن التركيز علي دعم منظمات المجتمع المدني ,التي تحقق أهداف الغزو .
3-أنها محملة ببذور الفتنة والتفكيك : التي لم تعد خافية علي التفكير الإصلاحي الأمريكي – في ضوء اتجاهات المحافظين الجدد – والذي يرى أن المنطقة لا تزال مؤهلة لاستدعاء نموذج الخلافة الإسلامية الجامعة ومن ثم فإن تفتيتها إلي كيانات صغيرة هشة ربما يكون أحد المعوقات الهامة ، فضلاً عن التمكين لدور إسرائيلي مركزى .
4-أن خبرة التعامل مع السلوك الأمريكى بشأن قضايا الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي – بل والعالم كله – إنما تدل علي انحياز واضح للمصالح وإهدار كامل للمبادئ ، وأن أى شبهة تعارض بين المبادئ والمصالح فإنها ستحسـم لصالح الثانية .
5-" لا تزال هناك شكوك حقيقية حول مصداقية التوجه الأمريكي بهذا الخصوص ، وذلك علي خلفية سجلها الطويل في دعم النظم التسلطية والاستبدادية في المنطقة طالما اتفقت مع مصالحها " ( [4] ) فضلاً عن تساؤلات جادة : حول مدى قبول الولايات المتحدة بإصلاح سياسي يدفع بالحركات الإسلامية أو الوطنية نحو كراسي الحكم ؟؟ بل إن أى نظام ديمقراطي لن يكون هو الخيار الأمثل بالنسبة للولايات المتحدة التي تعودت تمرير القرارات ذات الشأن بمصالحها – البترول ، التسهيلات العسكرية ، صفقات السلاح ، التطبيع مع إسرائيل – عن طريق نظم الاستبداد .
بغض النظر عن مصدر دعوات الإصلاح – في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ امتنا العربية والإسلامية – فإن المقطوع به والمتفق عليه بين كافة التيارات السياسية : أن الأمة بحاجه ماسة إلى هذا الإصلاح ، وذلك في ظل ما تشهده من تردى جميع أوضاعها في شتي المجالات ، وهو ما جعلها في مكانة متدنية علي الساحة الدولية ، فلا يكاد المدقق يراها إلا أضعف حلقة من حلقات النظام الدولي ، وربما كان المستقبل المنظور لها أسوأ من مستقبل أفريقيا – جنوب الصحراء – إذا استمرت حالة التدهور علي وتيرتها .
كما أن كل مشكلات الأمة وقضاياها الاستراتيجية تتجه للحسم لصالح أعدائها ، كما أن شعوبها تعاني حالة قهر واغتراب جعلتها أقرب ما تكون إلى الاستسلام لما يجرى لها وحولها ، كما أن نظمها السياسية – وهذا هو بيت القصيد – تعاني أزمة شرعية بالغة الحدة .
إن القراءة المتأنية لتاريخ الأمة تؤكد أن هزيمتها هي بالأساس تبدأ عند الهزيمة في دينها ، بمعني أن البعد عن الدين هو الذي يؤدي إلى كل الهزائم ، وتلك القاعدة يمكن استخلاصها بوضوح من هزيمة أحد كما أوردتها سورة آل عمران حيث أوسع معالجة قرآنية لأسباب الهزيمة )إنَّ الَذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا((آل عمران 155))أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ((آل عمران 165)، وهي قاعدة يمكن استخلاصها من كل " أحد " تعرضت لها الأمة علي طول تاريخها .
وبمراجعة تاريخ الأمة نجد أنها قد استطاعت أن تنتصر علي الحملات الصليبية الشرسة ، يوم أن كان الدين حاضراً في كل جوانب حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وأن هزيمتها الكبرى أمام الحملات الاستعمارية إنما كانت بعد أن بعدت عن الدين ومن ثم استجابت لمخططات أعدائها ، وهذا ما نبه إليه لويس التاسع عقب الهزائم المتوالية للحروب الصليبية ,حيث أوصي بضرورة انهاء حضور الدين قبل الغزو .
واليوم وقد بدأت تلوح في الأفق بشائر صحوة إسلامية عامة تؤذن بعودة شاملة للدين ، فإن ذلك لا بد وأن يترجم إلى رؤية سياسية للنهوض وتصور مستقبلي للأولويات والمراحل ، وفي هذا الأطار تتقدم قضية الإصلاح السياسي لتمثل موضوعاً من أهم موضوعات الساعة ، وتحتل موقعاً هاماً بين أولويات الأمة فضلاً عن كونها تحقق اجماعاً بين كافة القوي الإسلامية والوطنية ، لهذا يجب مناقشة إمكانيات وآفاق هذا الإصلاح من خلال أهم موضوعاته والتي يمكن التعامل معها كالتالي :
1-الإصلاح السياسي المفروض من الخارج : طبيعته وأهدافه .
2-موقف الأنظمة الحاكمة بالعالم العربي والإسلامي من قضية الإصلاح .
3-موقف الشعوب من قضية الإصلاح السياسي .
4-موقف القوي والحركات السياسية من قضية الإصلاح السياسي .
5-التجاوب الإسلامي الواجب مع قضية الإصلاح السياسي .
**
1-الإصلاح السياسي المفروض من الخارج : طبيعته وأهدافه
انطلقت قضية الإصلاح السياسي بشان العالم العربي والإسلامي – فيما سمي بالشرق الأوسط الكبير- ( [1] ) علي خلفية تفجيرات سبتمبر بالولايات المتحدة الأمريكية ، والتي اتهم فيها تنظيم القاعدة الإسلامي وهكذا قامت هذه التفجيرات بتفجيرين علي مستوي العقل والتفكير الإستراتيجي الأمريكي :
الأول يدعو إلي دراسة أسباب هذا العنف – غير التقليدي – والموجه إلي الولايات المتحدة ، بهدف تأمين الداخل الأمريكي ، وكذلك المصالح الأمريكية في الخارج ، وهو ما توصل إلي أن أحد أهم أسباب العنف والإرهاب الإسلامي إنما هو الاستبداد والقمع السياسي .
الثاني يدعوا إلى استغلال الحدث في تطوير هيمنة الولايات المتحدة علي العالم من خلال الهيمنة علي التحولات الدولية المتسارعة والسيطرة علي النظام الدولي من خلال تكريس الأحادية القطبية ، وهو ما أعطي لمنطقة العالم الإسلامي أهمية كبري .
وفي هذا الأطار أصبح شعار نشر الحرية والديمقراطية هو الغطاء المناسب لأهداف المرحلة ، وهكذا ارتبط نشر الحرية في العالم الإسلامي بالسيطرة علية ، والذي أرتبط – هو الأخر – بتطوير هيمنة الولايات المتحـدة علي التحولات الدولية .
فإذا لمسنا بعض الجدية في حركة الولايات المتحدة من أجل نشر الديمقراطية فلأن ذلك أصبح يعكس مصالحها كما أصبح من ضرورات أمنها القومي ، وهو ما يستبعد أن يكون ذلك التزاما بالمبادئ الديمقراطية – كما يرى البعض – ولا سيما في عهد المحافظين الجدد .
ولهذا يصبح للشك – في نية الولايات المتحدة – مبررة ، لأن نشر الديمقراطية – استناداً إلى المصالح – سيقتضي حتماً نشرها في دولة وحجبها عن دولة أخري ، وهذا ما تقتضيه طبيعة الحركة علي الساحة الدولية – المعاصرة – في ظل سيادة الدولة القومية ، كما أن المصالح ستفضي حتماً إلي ايلاء تيارات سياسية بالعناية والاهتمام والعمل علي استبعاد تيارات أخري لا تعبر عن تلك المصالح ، وذلك – وحده – كفيل بإجهاض شعار المرحلة وتبديد محتواه .
وهكذا تصبح الأسباب والدوافع من أهم محددات أهداف وطبيعة تحرك الولايات المتحدة لنشر الحرية والديمقراطية ، ونظراً لثقلها في الميزان الدولي فإن رؤيتها هي التي تغلبت علي كل رؤى الأطراف الدولية الأخرى ، وحتى يمكن رسم صورة لأهم ملامح الإصلاح المفروض من الخارج من حيث طبيعته وأهدافه ، فلا بد من توضيح الأتي :-
1-أن الولايات المتحدة تتحرك علي الساحة الدولية كقائد وحيد يفتقد – علي المدى القصير والمتوسط – أدنى منازعة في توجيه دفة الأحداث والتحولات الدولية ، وأن قدرة أوروبا أو الصين أو اليابان أو روسيا أو الهند علي المعارضة لا تزال هشة ، لهذا فإن الإدارة الأمريكية للشئون العالمية ستظل منفردة لحين بزوغ قوى دولية جادة وقادرة .
2-إن المبادرة الأمريكية للإصلاح إنما تعبر عن جزء هام من الخطة الكاملة لتطوير هيمنة الولايات المتحدة علي العالم ، في ضوء أهمية ومحورية منطقة العالم الإسلامي بشأن هذه الهيمنة ، كما أنها تدير الشئون الدولية – عموماً – بأسلوب يكفل هيكلة القوى الدولية في نظام دولي تقوده الولايات المتحدة بإنفراد ، ولهذا فهي لا تسمح لأى من القوي الدولية بالخروج عن خطتها وبرامجها ، وهو ما يمكن رؤيته بوضوح من خلال تتبع إدارة الولايات المتحدة لعملية احتلال العراق ، وتعقبها لكل مبادرات الإصلاح لإخضاعها للمبادرة الأمريكية .
3-إن الاتحاد الأوروبي – المصدر الثاني لمبادرات الإصلاح – لا يزال يحاول صناعة رؤية سياسية وأمنية مستقلة ، وهو أمر بعيد المنال ، وعلي هذا فإن تدخله في هذا الشأن إنما يرتكز علي : أن منطقة العالم الإسلامي – وخاصة العالم العربي – تعد منطقة حيوية أمنياً واقتصادياً بالنسبة لأوروبا ، ولذا لا ينبغي أن تنفرد الولايات المتحدة بإدارة شئونها فجاء تدخله – في أطار حملة مبادرات الإصلاح – ليؤكد دوره فيها ، وليحقق مصالحه من خلال رؤيته للإصلاح . وإن كان ذلك لا يعني تمرداً علي القيادة الأمريكية ، فإمكانيات أوروبا وقدراتها لا تسمح لها حتي الأن بذلك التمرد . وقد تعودت أوروبا في السنوات الأخيرة . علي مظاهر التمرد علي القيادة الأمريكية ، ثم لم تلبث أن تعود أدراجها حين يهزمها الواقع ، وإن كان ذلك يعطي فحسب – إشارات تجاه المستقبل الذي يجب أن يكون متعدد الأقطاب . وعلي هذا فقد هزمت الرؤية الأوروبية للإصلاح لصالح الرؤية الأمريكية ، كما حدث – ذلك – بشأن قضايا الإرهاب والعراق وفلسطين وقد لاحظ المراقبون " زيادة قوة التشابه فى الرأي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م فيما يتعلق بالقضايا العربية والشرق أوسطية " ( [2] ) وإن لم يمنع ذلك من وجود موضوعات للخلاف ، وتوتر في العلاقات بين الحين والآخر ، وصراع دائم حول أسواق الشرق الوسط .
4-إن المبادرة الأمريكية لإصلاح الشرق الأوسط ستكون هي المحدد الرئيس لاتجاه الإصلاح ومضمونه ، وأن المبادرات الأوروبية – مهما كانت درجة خلافها مع المبادرة الأمريكية – ستخضع في النهاية لإدارة أمريكية ، وبرغم أن الصراع بين مشروعّي : الشرق أوسطية – الذي تروج له الولايات المتحدة وإسرائيل – والمتوسطية – التي تدفع أوروبا باتجاهه – لا يزال قائماً ، فإن الصراع بين مبادرتي الإصلاح الأمريكية والأوروبية قد حسم لصالح الأولي في جانبه الأكبر .
5-إن مشروع الإصلاح الأمريكي بشان العالم العربي والإسلامي إنما يهدف إلي :
أ-دمج دول وسياسات العالم العربي والإسلامي في أطار خدمة إستراتيجية الهيمنة الأمريكية التي تمثل المنطقة بالنسبة لها محوراً رئيسياً ، ومن ثم فإن مجرد التلويح بورقة الإصلاح ، جعل العديد من الدول تسعي إلى توفيق أوضاعها السياسية – ولا سيما الخارجية – في أطار الرؤية الأمريكية .
ب-إعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يكرس القيادة الإسرائيلية للمنطقة وتأمين تدفق النفط واستمرار فتح الأسواق .
جـ- أعادة صياغة المجتمعات الإسلامية وفق الرؤية الأمريكية ، وهو ما يجعلها تركز علي تفكيك الالتزام الديني المؤسسي والشعبي – علي حد سواء – ولهذا نجد التأكد علي الأبعاد التعليمية والثقافية تحت دعوى تجفيف منابع الإرهاب .
د- أعادة ترتيب القوى والمنظمات داخل المجتمعات الإسلامية ، بما يقدم التيارات العلمانية أو الحداثية علي التيارات الإسلامية والوطنية ، والعمل علي دعم الشيعة والصوفية في مواجهة أهل السنة ، ثم العمل علي تفجير الخلافات داخل المذهب السني وخاصة بين الأحناف والحنابلة ( [3] ) . وعلي هذا فإن مركز الحرب الرئيسية ستكون هي التيارات الإسلامية السنية .
وفي أطار هذا المشروع يمكن النظر إليه علي أنه محاولة لقلب كل أوضاع المنطقة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإستراتيجية وهي محاولة وإن بدت بعض مؤشرات تقدمها إلا أن العثرات في طريقها كثيرة ، والمقاومة سـتكون في وجهها عنيفة .
إن مبادرات الإصلاح الخارجية إنما تتميز بالأتي :
1-أنها تعبر عن مصالح أصحابها – أمنياً واقتصادياً واستراتيجياً – وإن كانت تظهر في ثوب نشر الديمقراطية والتحديث . فعلي سبيل المثال : رغم تأكيد مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية علي أن الاستبداد والقمع السياسي هو المولد الرئيس للعنف والإرهاب ، وأن نشر الديمقراطية في العالم العربي مرتبط إلى حد كبير بالأمن القومي الأمريكي . إلا أن واقع السياسيات الأمريكية لا يزال بعيداً عن ذلك الطرح .
2- أنها غير بريئة من الغزو الثقافي ولا ينفي عنها هذا الاتهام الزعم بحياد الأليات الديمقراطية ، لأن عمليات الإصلاح المزعوم – وفق المبادرات والإجراءات المرئية – معبئة بحملات شرسة تشمل كل المجالات ، التعليم والإعلام والثقافة والإقتصاد فضلاً عن التركيز علي دعم منظمات المجتمع المدني ,التي تحقق أهداف الغزو .
3-أنها محملة ببذور الفتنة والتفكيك : التي لم تعد خافية علي التفكير الإصلاحي الأمريكي – في ضوء اتجاهات المحافظين الجدد – والذي يرى أن المنطقة لا تزال مؤهلة لاستدعاء نموذج الخلافة الإسلامية الجامعة ومن ثم فإن تفتيتها إلي كيانات صغيرة هشة ربما يكون أحد المعوقات الهامة ، فضلاً عن التمكين لدور إسرائيلي مركزى .
4-أن خبرة التعامل مع السلوك الأمريكى بشأن قضايا الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي – بل والعالم كله – إنما تدل علي انحياز واضح للمصالح وإهدار كامل للمبادئ ، وأن أى شبهة تعارض بين المبادئ والمصالح فإنها ستحسـم لصالح الثانية .
5-" لا تزال هناك شكوك حقيقية حول مصداقية التوجه الأمريكي بهذا الخصوص ، وذلك علي خلفية سجلها الطويل في دعم النظم التسلطية والاستبدادية في المنطقة طالما اتفقت مع مصالحها " ( [4] ) فضلاً عن تساؤلات جادة : حول مدى قبول الولايات المتحدة بإصلاح سياسي يدفع بالحركات الإسلامية أو الوطنية نحو كراسي الحكم ؟؟ بل إن أى نظام ديمقراطي لن يكون هو الخيار الأمثل بالنسبة للولايات المتحدة التي تعودت تمرير القرارات ذات الشأن بمصالحها – البترول ، التسهيلات العسكرية ، صفقات السلاح ، التطبيع مع إسرائيل – عن طريق نظم الاستبداد .