- الجمعة ديسمبر 02, 2011 7:30 pm
#40713
يقول الرئيس الفرنسي شيراك أنه يرا الحجاب عدواني .. ويدعو إلى سرعة سن قانون بحظره في المدارس.
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية : حظر الحجاب إهانة لمسلمي فرنسا ، وتدخل سافر في الحريات الشخصية التي تقرها العلمانية ذاتها.
- 400 مشكلة أثيرت بسبب الحجاب في فرنسا منذ عام 1989 وحتى اليوم.
- 100 شخصية علمانية فرنسية أصدرت بيانًا يؤكد حق المسلمات الفرنسيات في ارتداء الحجاب بالمدارس.
المعركة حول الحجاب في مدارس فرنسا تشتعل يومًا بعد يوم؛ فقد أثيرت القضية بشكل واسع في الأسابيع الأخيرة ، ونالت من جديد اهتمامًا إعلاميًّا كبيرًا، خاصة بعد تشكيل أول مجلس فرنسي للمسلمين، وإعلان رئيس الحكومة الفرنسية جان بيير رافاران في أول اجتماع للمجلس عقد في مايو الماضي عن احتمال إصدار الحكومة قانونًا بمنع الحجاب في المدارس الفرنسية.
وازدادت القضية سخونة بالتصريحات المستفزة التي قالها الرئيس الفرنسي جاك شيراك في خطاب متلفز ألقاه الأربعاء 17-12-2003 وبحضور 400 شخصية فرنسية سياسية ودينية ، من بينهم الأعضاء العشرون للّجنة " برنار ستاسي" التي قدمت تقريرها النهائي حول مراقبة تطبيق العلمانية في فرنسا في 11ديسمبر 2003، وأوصت فيه بحظر الحجاب في المدارس الحكومية.
فقد أعلن شيراك تأييده لسرعة إصدار قانون يحظر كافة الرموز الدينية الظاهرة، وعلى الأخص الحجاب، في المدارس الحكومية، وشدد على ضرورة منع الرموز الدينية أيضًا بالمؤسسات الحكومية الأخرى، كما رفض شيراك في الوقت ذاته اقتراحًا بمنح يومي عطلة للمسلمين واليهود بمناسبة عيدي الأضحى والكيبور، معتبرًا أن فرنسا ليست في حاجة إلى أعياد جديدة في مدارسها.
وقال شيراك: إن "الحجاب الإسلامي مهما اختلفت مسمياته والكيبا (القبعة اليهودية) والصليب كبير الحجم، لا مكان لها في المحيط المدرسي.. أما ما يتعلق بالرموز الخفية كالصليب الصغير ونجمة داود ويد فاطمة (قلادة تحوي أصابع اليد الخمسة وتلبسها المسلمات) فهي رموز مقبولة" على حد قوله.
ورأى شيراك أنه "من الضروري سن قانون بهذا الشأن"، معربا عن أمله في أن "يصادق البرلمان عليه، وأن تتم صياغته قريبا"، كما دعا في الوقت نفسه إلى إطلاق "حوار مع علماء الدين (المسلمين) لتوضيح المغزى الحقيقي من هذه الخطوة التي تهدف إلى الحفاظ على قيمنا المشتركة".
الحجاب عدواني !
وفي لقائه مع طلاب مدارس بيار منديس بتونس ، أثناء مشاركته في قمة 5 + 5 (لدول غرب المتوسط) ، أكد الرئيس الفرنسي رفضه ارتداء تلميذات المدارس للحجاب واعتبره أمرًا "عدوانيًّا"؛ لينضم بذلك التصريح إلى زمرة السياسيين الفرنسيين الذين عبروا عن رفضهم لهذا الأمر في الأشهر الأخيرة في فرنسا، وليعبر عن دعمه لسن قانون يحظر الحجاب بالمؤسسات التعليمية الفرنسية.
وأكد أن الحكومة الفرنسية، ذات النظام العلماني الصارم، لا يمكنها أن تدع التلميذات يرتدين ما وصفه بأنه "علامات متباهية للهداية الدينية"، وقال: إنه يرى "شيئًا ما عدوانيًّا" في ارتداء الحجاب. وقال: "في مدارسنا العامة.. الحجاب به شيء عدواني يمثل مشكلة من حيث المبدأ حتى إذا ارتدته أقلية صغيرة". وأعلن الرئيس الفرنسي أن بلاده "شعرت بشكل ما وكأنها تعرضت للتعنيف من خلال علامات دينية ظاهرة ، الأمر الذي يتعارض مع تقاليدها العلمانية".
وقد جاءت تصريحات شيراك رغم الرسالة المفتوحة التي وجهها إليه "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" قبل يوم من كلمته، وشدد فيها على أن الأخذ بتوصيات ستاسي يمثل "إهانة" لمسلمي هذا البلد، و"تراجعًا" عن مكاسب العلمانية الفرنسية التي تضمن حرية التدين.
ولأهمية هذه القضية التي تخص أكثر من ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ، وتعد تدخلاً سافرًا في حقوق وحريات الأقليات المسلمة في الغرب، ذكرت صحيفة "لو نوفيل أوبزيرفاتير" الفرنسية في تقرير لها أن الندوات حول الإسلام والحجاب اجتاحت مؤخرًا العديد من المدن الفرنسية ، وتشهد هذه الندوات آراء متباينة بين المسلمات حول ارتداء الحجاب.
ولقد تحوّل حجاب المرأة المسلمة في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة لافتة للنظر في بلدان أوربا الغربية ، حيث لم يعد ذلك الزي خاصًّا بالجيل الأول من النساء المسلمات اللاتي اصطُحبن من قبل أزواجهن الذين هاجروا خلال الستينيات والسبعينيات طلبًا للرزق والعمل؛ بل تحوّل إلى زي لبناتهن صغيرات السن ، من اللاتي دخلن المدارس والجامعات ، وتحتل بعضهن اليوم مواقع عمل مرموقة في بلدان الهجرة.
ولا تخلو شوارع المدن الكبرى في دول كهولندا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا ، من عدد كبير من النساء المسلمات المحجبات ، من مختلف الأعمار، وخصوصًا من الأجيال الشابة للأقليات المسلمة.
جذور المشكلة
وتعود أزمة ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية إلى 18-9-1989 عندما تم طرد 3 فتيات مغربيات من معهد كابريال هافاز بضواحي باريس ؛ بعد أن رفض مدير المدرسة قبولهن بالحجاب.
وثارت حملة إعلامية غير مسبوقة في الإعلام الفرنسي وجدل لم يهدأ بين من يرون أن الحجاب في المدارس تحدٍّ صريح لعلمانية الدولة ومن يرون أن طرد المحجبات من المدرسة يعني إقصاء جزء من الفرنسيات من حقهن في التعلم.
وانتصر اليسار الفرنسي -وقتها- لإدماج المحجبات في المجتمع الفرنسي ، بينما وقف اليمين يدافع عن علمانية المدرسة قائلاً: " لا مكان لمثل هذا الإسلام في مدارسنا ".. كما قال حينذاك الوزير اليميني جان بيير شوفنمان ، وقد تحداه وزير التربية الذي رأى أن " لا مجال للإقصاء".
وقد بلغ عدد المشاكل التي أثيرت بسبب الحجاب في فرنسا نحو 400 مشكلة ، حسب إحصاء أجرته مجلة " لو نوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية نشر بتاريخ 21-5-2003.
قانون بحظر الحجاب
وفي محاولة لطي ملف الحجاب في فرنسا كان الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" قد عين الملحق الإعلامي لرئاسة الجمهورية "برنار ستاسي" في أول يوليو الماضي رئيسًا للجنة "تكون مهمتها مراقبة تطبيق مبادئ العلمانية" في فرنسا، وإعداد توصيات بشأن إمكانية سن قانون يحظر الحجاب في المدارس الفرنسية من عدمه.
وبدأت اللجنة بالفعل في الاستماع إلى مسؤولي الأحزاب والأديان والجمعيات الذين أكد معظمهم عدم اعتراضه على سَن قانون يمنع الحجاب في المدارس؛ الأمر الذي دفع العديد من قيادات الجالية المسلمة بفرنسا إلى التأكيد على أن المسلمين سيدافعون بكل حرية ونضج عن حقهم في ممارسة معتقداتهم. ثم قدمت اللجنة تقريرها في 11 ديسمبر والذي يوصي بحظر الحجاب.
معارضة يسارية
وقد أثارت إمكانية سن قانون يمنع الحجاب في المدارس الفرنسية مؤخرًا معارضة غالبية تيارات اليسار الفرنسي ، فيما اعترض وزير الداخلية الفرنسي "نيكول ساركوزي" على مثل هذا القانون مشيرًا إلى أنه لا داعي لسن قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس.
وكانت حركة النضال العمالي التنظيم اليساري الوحيد الذي ساند سن قانون من هذا القبيل -ليس انطلاقًا من تفسيرها للعلمانية، ولكن من منطلق أن الحجاب في نظرها "مظهر استضعاف للمرأة"، فيما اعترضت باقي التنظيمات اليسارية ومن بينها الرابطة الشيوعية الثورية على سن هذا القانون باعتبار أن الأمر يؤدي إلى الإقصاء والحرمان من التعليم لجزء كبير من المتحجبات اللاتي يتمسكن بلبس حجابهن.
وفي إطار تعبيرها عن هذا الموقف المعارض ، نظمت عدة جمعيات يسارية فرنسية في أوائل أكتوبر تجمعا أمام معهد "هنري والون" في باريس دعت خلاله إلى عودة الأختين الفرنسيتين لمعى وليلى ليفي (16 و18 سنة) إلى مقاعد الدراسة بالمعهد الواقع في منطقة سانت ديني بضاحية "أوبرفيلي" شمال باريس بعد أن قررت إدارته منعهما من دخول المعهد ابتداء من الأربعاء 24-9-2003؛ بسبب تمسكهما بلبس الحجاب.
وكان والدهما "لورن ليفي" الذي يعرف نفسه بأنه "من أصل يهودي بلا ديانة" قد صرح "أن منع ابنتيه من دخول المعهد يعد تعديًّا على العلمانية "، ووصف الذين يتخذون العلمانية شماعة لآرائهم بأنهم "آيات الله العلمانية" في إشارة إلى احتكارهم تفسير القوانين العلمانية.
وجاء تجمع الجمعيات اليسارية ممثلة في جمعية الشباب الشيوعي الثوري والجمعية النسائية "المرأة والرأي العام" ومنظمة الهجرة والضواحي أمام المعهد لمدة يوم واحد قبل انعقاد مجلس التأديب التابع للمعهد للبت في مسألة تمسك الأختين لمعى وليلى ليفي بحجابهما.
والذي أصدر قراره بطرد الشقيقتين لمعى وليلى ليفي نهائيًّا من المدرسة بسبب رفضهما خلع الحجاب.
وبعد صدور القرار قالت لمعى لوكالة الأنباء الفرنسية: "أشعر بخيبة أمل وغضب.. إنه أمر فظيع وأعتقد أن القرار اتخذ منذ فترة طويلة وأرادوا فقط أن يجعلوا قضيتنا مثالاً".
وتنتقد إدارة المدرسة الطالبتين منذ بداية العام الدراسي 2003 وتتهمهما بأنهما ترتديان الحجاب بهدف "التفاخر" وهو ما تنفيه الفتاتان باستمرار ، كما اعتبرت إدارة المدرسة أن الحجاب الذي ترتديه الأختان "غير لائق"، وقالت: إنها اقترحت في وقت سابق على الأختين "تخفيف حجابهما وإبانة مقدمة الشعر، غير أنهما رفضتا" ، وأكدت الأختان تمسكهما بارتداء الحجاب في وجه هذه الاتهامات.
وقد وزعت الجمعيات اليسارية بيانًا قالت فيه: إنها "كجمعيات لا تساند لبس الحجاب باعتباره حجابًا في حد ذاته ، ولكنها مع مبدأ أن المدرسة الفرنسية للجميع ؛ وبالتالي فإنها ضد حرمان الأختين لمعى وليلى ليفي لأي سبب من الأسباب من حقهما في التردد على مقاعد الدراسة". وقد حمل المتظاهرون الذين قدر عددهم ببضع عشرات شعارات تدعو إلى أن تكون المدرسة للجميع مهما كان انتماؤهم الديني.
وقال ساركوزي أمام لجنة "برنار التي تتولى مراجعة قانون الفصل بين الكنيسة والدولة في فرنسا ودراسة مسألة الحجاب: إنه "لا داعي إلى سن قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس"، وأعرب عن تأييده لإيجاد لائحة داخلية بالمدارس لتنظيم الأمور.
وأوضح الوزير أمام اللجنة بأنه ليس من المفيد إصدار قانون جديد متشدد يحظر على النساء والفتيات ارتداء الحجاب في المدارس أو في أماكن العمل الرسمية. واعتبر أن من شأن ذلك أن "يعزل المسلمين، ويشجعهم على تبني مواقف أكثر راديكالية".
وقال ساركوزي: "يجدر بنا الحديث عن الصعوبات العديدة التي تعترض مسلمي فرنسا لمساعدتهم على الرقي بأوضاعهم"، مشيرًا أن هناك شبه غياب لمسلمي فرنسا في الوظائف العليا للدولة.
لا تهديد للعلمانية
وكان مجلس الدولة الفرنسي قد أصدر في 27-11-1989 قراره الشهير حول الرموز الدينية في المدارس، حيث رأى "أن الرموز الدينية ليست في حد ذاتها مهددة للعلمانية إلا إذا كانت طريقة للضغط والتحرش والمزايدة". وجاء ذلك القرار بعد شهرين من إثارة قضية الحجاب لأول مرة في المدارس الفرنسية.
ويشير المراقبون إلى وجود صعوبات تعترض سن القانون، أولها الانقسام الحكومي؛ فوزير الشؤون الاجتماعية يدعو صراحة إلى سن قانون يمنع الرموز الدينية. كما أن وزير التربية "ليك فيري" يفضل سن قانون يحدد علمانية المدرسة ، في حين أن رئيس الوزراء جان بيير رافاران ووزير الداخلية نيكول ساركوزي يدعوان إلى اعتماد الحوار، وعدم إصدار قانون في الوقت الراهن.
أما الصعوبة الثانية فتتمثل في المعارضة التي يلقاها إصدار قانون كهذا من بعض النخب الفرنسية؛ خاصة اليسارية. فبعد عريضة المائتي شخصية التي نشرتها صحيفة ليبراسيون في مارس 2003 التي تطالب باحترام الحق في ارتداء الحجاب باسم العلمانية ، لم يتبنّ "فرنسوا هولند" الأمين العام للحزب الاشتراكي -أكبر الأحزاب اليسارية- الدعوة إلى سن قانون ضد الحجاب في المدارس، بل طالب أمام لجنة ستاسي يوم 9-9-2003 بإصدار ميثاق للعلمانية، توقع عليه جميع الفعاليات الفرنسية.
من جهتها لم تتبنّ "ماري جورج بوفي" -الأمينة العامة للحزب الشيوعي - دعوة لسن قانون ضد الحجاب في المدارس أمام لجنة ستاسي، ورأت أن ارتداء الفتيات للحجاب "مرده الخوف، وطالما كان هناك خوف كان هناك حجاب"، دون أن تدعو صراحة لقانون يمنع الحجاب في المدارس.
والصعوبة الثالثة التي تواجه إصدار قانون يمنع الحجاب في المدارس تكمن في رد الفعل السلبي الذي من المنتظر أن يلقاه قانون كهذا داخل أوساط الجالية المسلمة، ذات الثقل الكبير في فرنسا اليوم. فقد أصبح الإسلام خلال السنوات الماضية ثاني دين في فرنسا بعد الكاثوليكية ، حيث يبلغ عدد أتباعه ستة ملايين ، ينحدر معظمهم من دول شمال إفريقيا . ويكفي أن هناك 2 مليون ناخب مسلم في فرنسا اليوم يلعبون دورًا هامًّا في التصويت والمشاركة السياسية ، مما جعل المرشحين يقدرون الدور الإسلامي في العملية الانتخابية ، ويسعون إلى إرضاء المسلمين لكسب أصواتهم وتأييدهم.
الحجاب تشريع وليس رمزًا
وردًا على التصريحات المستفزة لشيراك بشأن الحجاب أكد الدكتور يوسف القرضاوي رفض القول بأن الحجاب رمز للإسلام ، مثلما ينظر إلى الصليب كرمز للمسيحية والقلنسوة (الكيبا) كرمز لليهودية. وقال في برنامج الشريعة والحياة الذي أذيع مؤخرًا على قناة الجزيرة:"هناك فرق بين الرمزالذي لا وظيفة له والرمز ذي الوظيفة"، مشيرًا إلى أن الصليب والقلنسوة كلاهما رمز للديانة المسيحية واليهودية، بينما الحجاب له وظيفة معتبرة في الإسلام وهي الستر.
فالحجاب ليس رمزًا بل تشريع له وظيفة محددة وهي ستر المرأة المسلمة. وقال القرضاوي : إن الإسلام لم يحدد شكلاً معينًا للحجاب وإنما يضع شروطًا في زي المسلمة متى توافرت في أي زي أصبح زيًّا إسلاميًّا.
ويرى الدكتور محمد بشاري -رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا- أن منع المدارس وإدارات التعليم في فرنسا الطالبات المسلمات من لبس الحجاب صورة لروح الكراهية في نفوس بعض الفرنسيين على الإسلام والمسلمين ، والفدرالية عملت على إيجاد البنود التي تخول الصلاحية للفتيات المسلمات ارتداء حجابهن داخل المدارس.
وقد أكد رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية "دليل أبو بكر" - وهو أكثر أعضاء المجلس ليبرالية وقربًا من الأوساط العلمانية الفرنسية - في تصريح أمام لجنة ستاسي: إنه لا يتمنى سن قانون لمنع الحجاب في المدارس ، مشيرًا إلى ضرورة احترام قوانين الجمهورية.
وقال أبو بكر: "إن الحجاب وإنْ وقع توصيفه سياسيًّا من قبل البعض، فإن هذا لا يمنع من إيجاد منزلة وسطى بين ما يريده المسلمون وما تريده الجمهورية".
ولكن ثمة عوامل محلية ودولية تدفع في اتجاه إصدار توصية من اللجنة تمنع الحجاب في المدارس الفرنسية بمقتضى قانون. وأبرز هذه العوامل شعار الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه. ويرى العديد من الخبراء الغربيين أن هذا الشعار يعني تحجيم دور التيار الإسلامي وإنْ كان معتدلاً؛ لأنه بالنسبة لهم يمثل الخطوط الخلفية لما يصفونه بالتيار الإسلامي المتشدد.
لكن ثمة مخاوف من أن منع الحجاب في المدارس بمقتضى قانون قد يزيد من تشدد بعض الحركات، علاوة على إعطاء المبررات للخطاب الذي تروج له منظمة القاعدة بأننا "إزاء غرب يحارب الإسلام" . ولهذا حذر نيكول ساركوزي -وزير الداخلية الفرنسي- أكثر من مرة بضرورة توخي الحذر واعتماد الحوار مع الطائفة المسلمة حول هذه المسألة مع مراعاة احترام علمانية الدولة قبل كل شيء.
وثمة من يرى أن الحل هو إيجاد معادلة -تقبلها النخب الفرنسية- بين حرية اللباس من ناحية، وحرية التدين التي تضمنها العلمانية من الناحية الأخرى. وتفرض هذه المعادلة على المسلمين في فرنسا قبول قانون الأغلبية باعتباره قانونًا علمانيًّا يجب احترامه والخضوع له طواعية. في مقابل هذا يتعين على النخب العلمانية الفرنسية أن تطور فهمها للمصطلحات الإسلامية وأن تغير النظرة المتشنجة تجاه الإسلام.
دفاع علماني عن الحجاب!
وبينما لا يزال الجدل مستمرًّا في فرنسا حول قضية ارتداء الحجاب، أصدرت 100 شخصية علمانية فرنسية في مايو الماضي 2003 عريضة تؤكد حق المسلمات الفرنسيات في ارتداء الحجاب بالمدارس، مستندين إلى كون العلمانية التي يؤمنون بها تدعو إلى عدم التمييز.
وجاء في العريضة: "سن قانون يمنع ارتداء الحجاب بالمدارس يعتبر عقوبة تحرم آلاف الفرنسيات المسلمات من حق التعلم، كما يعد دعوة صريحة للتمييز".
وأكد الموقعون على العريضة - وهم جامعيون، وممثلات عن المنظمات النسائية الفرنسية، وفلاسفة، ومدافعون عن حقوق الإنسان- أنهم ليسوا من أنصار الحجاب، ولكنهم "من أنصار العلمانية التي تؤكد أن المدارس الفرنسية يجب أن تظل مفتوحة لكل طوائف وفئات المجتمع الفرنسي".
وقال الموقعون : "إن المدرسة العلمانية طبقًا لقوانين التعلم التي صدرت في 1881 و1882 و1886 لا تمانع في أن تحضر تلميذة إلى المدرسة متحجبة؛ شرط ألا تغيب عن حصص دراسية لأسباب دينية، وألا تعمل على إحداث الفوضى في المدرسة".
وشددت العريضة على أن "التجربة في فرنسا أثبتت أن التلميذات المحجبات لم يتسببن في تعطيل الدروس، ولم يحدث أن تعطل أساتذة عن ممارسة دورهم، ولا التلاميذ في التعلم" بسبب الحجاب.
وأضاف الموقعون: "إننا نرفض التركيز على قضية الحجاب في السياق الحالي باعتبارها مظهرًا اجتماعيًّا لتيار سياسي معين، أو أنه أصبح منتشرًا في كل الأماكن ومجالات الحياة الأخرى". وأضاف أصحاب العريضة: "نرفض الخلط بين القضايا في الجدل الدائر حاليًا بين الحجاب وقضايا الهجرة أو الإسلام والجمهورية الفرنسية، بينما المشاكل الحقيقية تتمثل في السياسة الاجتماعية والعنصرية وغياب العدالة الاجتماعية في التعامل مع المهاجرين".
وأوضح العلمانيون الموقعون على العريضة أن المدارس الفرنسية تعاني في حد ذاتها من مشاكل كثيرة، ومنها "مشاكل الاكتظاظ وغياب الرعاية للتلاميذ" التي يجب إعطاؤها الأولوية.
واختتم الموقعون عريضتهم بالسؤال الآتي: "هل يجب منع الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب من دخول المدارس؟".
وكانت إجابة الشخصيات العلمانية المئة بلا تردد: "لا؛ لأن المدرسة العلمانية من المفترض أن تكون مفتوحة للجميع" كما طالب الموقعون الجمعيات النسائية ونقابات التعليم والنخب العلمانية عامة بالتحرك ضد كل القوانين التي تكرس التمييز.
وكان من أبرز الموقعين على العريضة الفيلسوف الفرنسي "إيتان بليبار"، والباحثة الاجتماعية "كريستان بوديلوت"، والباحثة "ستيفان بود"، والحقوقي "دانيال بورينو"، والمناضلة النسوية "فيوليت كارير"، والحقوقية "مونيك شمايلر"، والباحث الاقتصادي "بير كونسيالدي".
لوبي الإسلامفوبيا
وقد اتهم "أكسفيان ترنسيان" المختص في الشؤون الإسلامية والأقليات والصحفي بجريدة "لوموند" الفرنسية من أسماهم بأتباع لوبي الإسلامفوبيا (الخوف من الإسلام) بإثارة مشكلة منع الحجاب بمدارس فرنسا، مشددًا على أنه في حالة إصدار قانون يمنع ارتداء الحجاب في المدارس؛ فإن هذا القانون يجب أن يشمل أيضًا منع الطلاب من ارتداء كل رموز الديانات الأخرى.
وقال ترنسيان مؤلف كتاب "فرنسا المساجد": أعتقد أن إثارة قضية منع الحجاب بالمدارس الفرنسية الآن هو محاولة مما يمكن أن نسميه بـ لوبي الإسلامفوبيا المعادي للإسلام الذي تكوّن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتضليل جزء من الرأي العام الفرنسي وكسبه إلى جانبه". وأشار إلى أن تابعي هذا التيار ألفوا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عدة كتب معادية للإسلام ، وأن الكثير من الكتاب والصحفيين الفرنسيين انخرطوا في موجة العداء للإسلام.
ويري ترنسيان أن أتباع لوبي الإسلامفوبيا يحاولون الخلط بشكل متعمد بين العنف والعنصرية المنتشرة في المدارس الفرنسية حاليًّا ووجود فتيات محجبات في هذه المدراس.
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية : حظر الحجاب إهانة لمسلمي فرنسا ، وتدخل سافر في الحريات الشخصية التي تقرها العلمانية ذاتها.
- 400 مشكلة أثيرت بسبب الحجاب في فرنسا منذ عام 1989 وحتى اليوم.
- 100 شخصية علمانية فرنسية أصدرت بيانًا يؤكد حق المسلمات الفرنسيات في ارتداء الحجاب بالمدارس.
المعركة حول الحجاب في مدارس فرنسا تشتعل يومًا بعد يوم؛ فقد أثيرت القضية بشكل واسع في الأسابيع الأخيرة ، ونالت من جديد اهتمامًا إعلاميًّا كبيرًا، خاصة بعد تشكيل أول مجلس فرنسي للمسلمين، وإعلان رئيس الحكومة الفرنسية جان بيير رافاران في أول اجتماع للمجلس عقد في مايو الماضي عن احتمال إصدار الحكومة قانونًا بمنع الحجاب في المدارس الفرنسية.
وازدادت القضية سخونة بالتصريحات المستفزة التي قالها الرئيس الفرنسي جاك شيراك في خطاب متلفز ألقاه الأربعاء 17-12-2003 وبحضور 400 شخصية فرنسية سياسية ودينية ، من بينهم الأعضاء العشرون للّجنة " برنار ستاسي" التي قدمت تقريرها النهائي حول مراقبة تطبيق العلمانية في فرنسا في 11ديسمبر 2003، وأوصت فيه بحظر الحجاب في المدارس الحكومية.
فقد أعلن شيراك تأييده لسرعة إصدار قانون يحظر كافة الرموز الدينية الظاهرة، وعلى الأخص الحجاب، في المدارس الحكومية، وشدد على ضرورة منع الرموز الدينية أيضًا بالمؤسسات الحكومية الأخرى، كما رفض شيراك في الوقت ذاته اقتراحًا بمنح يومي عطلة للمسلمين واليهود بمناسبة عيدي الأضحى والكيبور، معتبرًا أن فرنسا ليست في حاجة إلى أعياد جديدة في مدارسها.
وقال شيراك: إن "الحجاب الإسلامي مهما اختلفت مسمياته والكيبا (القبعة اليهودية) والصليب كبير الحجم، لا مكان لها في المحيط المدرسي.. أما ما يتعلق بالرموز الخفية كالصليب الصغير ونجمة داود ويد فاطمة (قلادة تحوي أصابع اليد الخمسة وتلبسها المسلمات) فهي رموز مقبولة" على حد قوله.
ورأى شيراك أنه "من الضروري سن قانون بهذا الشأن"، معربا عن أمله في أن "يصادق البرلمان عليه، وأن تتم صياغته قريبا"، كما دعا في الوقت نفسه إلى إطلاق "حوار مع علماء الدين (المسلمين) لتوضيح المغزى الحقيقي من هذه الخطوة التي تهدف إلى الحفاظ على قيمنا المشتركة".
الحجاب عدواني !
وفي لقائه مع طلاب مدارس بيار منديس بتونس ، أثناء مشاركته في قمة 5 + 5 (لدول غرب المتوسط) ، أكد الرئيس الفرنسي رفضه ارتداء تلميذات المدارس للحجاب واعتبره أمرًا "عدوانيًّا"؛ لينضم بذلك التصريح إلى زمرة السياسيين الفرنسيين الذين عبروا عن رفضهم لهذا الأمر في الأشهر الأخيرة في فرنسا، وليعبر عن دعمه لسن قانون يحظر الحجاب بالمؤسسات التعليمية الفرنسية.
وأكد أن الحكومة الفرنسية، ذات النظام العلماني الصارم، لا يمكنها أن تدع التلميذات يرتدين ما وصفه بأنه "علامات متباهية للهداية الدينية"، وقال: إنه يرى "شيئًا ما عدوانيًّا" في ارتداء الحجاب. وقال: "في مدارسنا العامة.. الحجاب به شيء عدواني يمثل مشكلة من حيث المبدأ حتى إذا ارتدته أقلية صغيرة". وأعلن الرئيس الفرنسي أن بلاده "شعرت بشكل ما وكأنها تعرضت للتعنيف من خلال علامات دينية ظاهرة ، الأمر الذي يتعارض مع تقاليدها العلمانية".
وقد جاءت تصريحات شيراك رغم الرسالة المفتوحة التي وجهها إليه "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" قبل يوم من كلمته، وشدد فيها على أن الأخذ بتوصيات ستاسي يمثل "إهانة" لمسلمي هذا البلد، و"تراجعًا" عن مكاسب العلمانية الفرنسية التي تضمن حرية التدين.
ولأهمية هذه القضية التي تخص أكثر من ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ، وتعد تدخلاً سافرًا في حقوق وحريات الأقليات المسلمة في الغرب، ذكرت صحيفة "لو نوفيل أوبزيرفاتير" الفرنسية في تقرير لها أن الندوات حول الإسلام والحجاب اجتاحت مؤخرًا العديد من المدن الفرنسية ، وتشهد هذه الندوات آراء متباينة بين المسلمات حول ارتداء الحجاب.
ولقد تحوّل حجاب المرأة المسلمة في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة لافتة للنظر في بلدان أوربا الغربية ، حيث لم يعد ذلك الزي خاصًّا بالجيل الأول من النساء المسلمات اللاتي اصطُحبن من قبل أزواجهن الذين هاجروا خلال الستينيات والسبعينيات طلبًا للرزق والعمل؛ بل تحوّل إلى زي لبناتهن صغيرات السن ، من اللاتي دخلن المدارس والجامعات ، وتحتل بعضهن اليوم مواقع عمل مرموقة في بلدان الهجرة.
ولا تخلو شوارع المدن الكبرى في دول كهولندا وبلجيكا وألمانيا وفرنسا ، من عدد كبير من النساء المسلمات المحجبات ، من مختلف الأعمار، وخصوصًا من الأجيال الشابة للأقليات المسلمة.
جذور المشكلة
وتعود أزمة ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية إلى 18-9-1989 عندما تم طرد 3 فتيات مغربيات من معهد كابريال هافاز بضواحي باريس ؛ بعد أن رفض مدير المدرسة قبولهن بالحجاب.
وثارت حملة إعلامية غير مسبوقة في الإعلام الفرنسي وجدل لم يهدأ بين من يرون أن الحجاب في المدارس تحدٍّ صريح لعلمانية الدولة ومن يرون أن طرد المحجبات من المدرسة يعني إقصاء جزء من الفرنسيات من حقهن في التعلم.
وانتصر اليسار الفرنسي -وقتها- لإدماج المحجبات في المجتمع الفرنسي ، بينما وقف اليمين يدافع عن علمانية المدرسة قائلاً: " لا مكان لمثل هذا الإسلام في مدارسنا ".. كما قال حينذاك الوزير اليميني جان بيير شوفنمان ، وقد تحداه وزير التربية الذي رأى أن " لا مجال للإقصاء".
وقد بلغ عدد المشاكل التي أثيرت بسبب الحجاب في فرنسا نحو 400 مشكلة ، حسب إحصاء أجرته مجلة " لو نوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية نشر بتاريخ 21-5-2003.
قانون بحظر الحجاب
وفي محاولة لطي ملف الحجاب في فرنسا كان الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" قد عين الملحق الإعلامي لرئاسة الجمهورية "برنار ستاسي" في أول يوليو الماضي رئيسًا للجنة "تكون مهمتها مراقبة تطبيق مبادئ العلمانية" في فرنسا، وإعداد توصيات بشأن إمكانية سن قانون يحظر الحجاب في المدارس الفرنسية من عدمه.
وبدأت اللجنة بالفعل في الاستماع إلى مسؤولي الأحزاب والأديان والجمعيات الذين أكد معظمهم عدم اعتراضه على سَن قانون يمنع الحجاب في المدارس؛ الأمر الذي دفع العديد من قيادات الجالية المسلمة بفرنسا إلى التأكيد على أن المسلمين سيدافعون بكل حرية ونضج عن حقهم في ممارسة معتقداتهم. ثم قدمت اللجنة تقريرها في 11 ديسمبر والذي يوصي بحظر الحجاب.
معارضة يسارية
وقد أثارت إمكانية سن قانون يمنع الحجاب في المدارس الفرنسية مؤخرًا معارضة غالبية تيارات اليسار الفرنسي ، فيما اعترض وزير الداخلية الفرنسي "نيكول ساركوزي" على مثل هذا القانون مشيرًا إلى أنه لا داعي لسن قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس.
وكانت حركة النضال العمالي التنظيم اليساري الوحيد الذي ساند سن قانون من هذا القبيل -ليس انطلاقًا من تفسيرها للعلمانية، ولكن من منطلق أن الحجاب في نظرها "مظهر استضعاف للمرأة"، فيما اعترضت باقي التنظيمات اليسارية ومن بينها الرابطة الشيوعية الثورية على سن هذا القانون باعتبار أن الأمر يؤدي إلى الإقصاء والحرمان من التعليم لجزء كبير من المتحجبات اللاتي يتمسكن بلبس حجابهن.
وفي إطار تعبيرها عن هذا الموقف المعارض ، نظمت عدة جمعيات يسارية فرنسية في أوائل أكتوبر تجمعا أمام معهد "هنري والون" في باريس دعت خلاله إلى عودة الأختين الفرنسيتين لمعى وليلى ليفي (16 و18 سنة) إلى مقاعد الدراسة بالمعهد الواقع في منطقة سانت ديني بضاحية "أوبرفيلي" شمال باريس بعد أن قررت إدارته منعهما من دخول المعهد ابتداء من الأربعاء 24-9-2003؛ بسبب تمسكهما بلبس الحجاب.
وكان والدهما "لورن ليفي" الذي يعرف نفسه بأنه "من أصل يهودي بلا ديانة" قد صرح "أن منع ابنتيه من دخول المعهد يعد تعديًّا على العلمانية "، ووصف الذين يتخذون العلمانية شماعة لآرائهم بأنهم "آيات الله العلمانية" في إشارة إلى احتكارهم تفسير القوانين العلمانية.
وجاء تجمع الجمعيات اليسارية ممثلة في جمعية الشباب الشيوعي الثوري والجمعية النسائية "المرأة والرأي العام" ومنظمة الهجرة والضواحي أمام المعهد لمدة يوم واحد قبل انعقاد مجلس التأديب التابع للمعهد للبت في مسألة تمسك الأختين لمعى وليلى ليفي بحجابهما.
والذي أصدر قراره بطرد الشقيقتين لمعى وليلى ليفي نهائيًّا من المدرسة بسبب رفضهما خلع الحجاب.
وبعد صدور القرار قالت لمعى لوكالة الأنباء الفرنسية: "أشعر بخيبة أمل وغضب.. إنه أمر فظيع وأعتقد أن القرار اتخذ منذ فترة طويلة وأرادوا فقط أن يجعلوا قضيتنا مثالاً".
وتنتقد إدارة المدرسة الطالبتين منذ بداية العام الدراسي 2003 وتتهمهما بأنهما ترتديان الحجاب بهدف "التفاخر" وهو ما تنفيه الفتاتان باستمرار ، كما اعتبرت إدارة المدرسة أن الحجاب الذي ترتديه الأختان "غير لائق"، وقالت: إنها اقترحت في وقت سابق على الأختين "تخفيف حجابهما وإبانة مقدمة الشعر، غير أنهما رفضتا" ، وأكدت الأختان تمسكهما بارتداء الحجاب في وجه هذه الاتهامات.
وقد وزعت الجمعيات اليسارية بيانًا قالت فيه: إنها "كجمعيات لا تساند لبس الحجاب باعتباره حجابًا في حد ذاته ، ولكنها مع مبدأ أن المدرسة الفرنسية للجميع ؛ وبالتالي فإنها ضد حرمان الأختين لمعى وليلى ليفي لأي سبب من الأسباب من حقهما في التردد على مقاعد الدراسة". وقد حمل المتظاهرون الذين قدر عددهم ببضع عشرات شعارات تدعو إلى أن تكون المدرسة للجميع مهما كان انتماؤهم الديني.
وقال ساركوزي أمام لجنة "برنار التي تتولى مراجعة قانون الفصل بين الكنيسة والدولة في فرنسا ودراسة مسألة الحجاب: إنه "لا داعي إلى سن قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس"، وأعرب عن تأييده لإيجاد لائحة داخلية بالمدارس لتنظيم الأمور.
وأوضح الوزير أمام اللجنة بأنه ليس من المفيد إصدار قانون جديد متشدد يحظر على النساء والفتيات ارتداء الحجاب في المدارس أو في أماكن العمل الرسمية. واعتبر أن من شأن ذلك أن "يعزل المسلمين، ويشجعهم على تبني مواقف أكثر راديكالية".
وقال ساركوزي: "يجدر بنا الحديث عن الصعوبات العديدة التي تعترض مسلمي فرنسا لمساعدتهم على الرقي بأوضاعهم"، مشيرًا أن هناك شبه غياب لمسلمي فرنسا في الوظائف العليا للدولة.
لا تهديد للعلمانية
وكان مجلس الدولة الفرنسي قد أصدر في 27-11-1989 قراره الشهير حول الرموز الدينية في المدارس، حيث رأى "أن الرموز الدينية ليست في حد ذاتها مهددة للعلمانية إلا إذا كانت طريقة للضغط والتحرش والمزايدة". وجاء ذلك القرار بعد شهرين من إثارة قضية الحجاب لأول مرة في المدارس الفرنسية.
ويشير المراقبون إلى وجود صعوبات تعترض سن القانون، أولها الانقسام الحكومي؛ فوزير الشؤون الاجتماعية يدعو صراحة إلى سن قانون يمنع الرموز الدينية. كما أن وزير التربية "ليك فيري" يفضل سن قانون يحدد علمانية المدرسة ، في حين أن رئيس الوزراء جان بيير رافاران ووزير الداخلية نيكول ساركوزي يدعوان إلى اعتماد الحوار، وعدم إصدار قانون في الوقت الراهن.
أما الصعوبة الثانية فتتمثل في المعارضة التي يلقاها إصدار قانون كهذا من بعض النخب الفرنسية؛ خاصة اليسارية. فبعد عريضة المائتي شخصية التي نشرتها صحيفة ليبراسيون في مارس 2003 التي تطالب باحترام الحق في ارتداء الحجاب باسم العلمانية ، لم يتبنّ "فرنسوا هولند" الأمين العام للحزب الاشتراكي -أكبر الأحزاب اليسارية- الدعوة إلى سن قانون ضد الحجاب في المدارس، بل طالب أمام لجنة ستاسي يوم 9-9-2003 بإصدار ميثاق للعلمانية، توقع عليه جميع الفعاليات الفرنسية.
من جهتها لم تتبنّ "ماري جورج بوفي" -الأمينة العامة للحزب الشيوعي - دعوة لسن قانون ضد الحجاب في المدارس أمام لجنة ستاسي، ورأت أن ارتداء الفتيات للحجاب "مرده الخوف، وطالما كان هناك خوف كان هناك حجاب"، دون أن تدعو صراحة لقانون يمنع الحجاب في المدارس.
والصعوبة الثالثة التي تواجه إصدار قانون يمنع الحجاب في المدارس تكمن في رد الفعل السلبي الذي من المنتظر أن يلقاه قانون كهذا داخل أوساط الجالية المسلمة، ذات الثقل الكبير في فرنسا اليوم. فقد أصبح الإسلام خلال السنوات الماضية ثاني دين في فرنسا بعد الكاثوليكية ، حيث يبلغ عدد أتباعه ستة ملايين ، ينحدر معظمهم من دول شمال إفريقيا . ويكفي أن هناك 2 مليون ناخب مسلم في فرنسا اليوم يلعبون دورًا هامًّا في التصويت والمشاركة السياسية ، مما جعل المرشحين يقدرون الدور الإسلامي في العملية الانتخابية ، ويسعون إلى إرضاء المسلمين لكسب أصواتهم وتأييدهم.
الحجاب تشريع وليس رمزًا
وردًا على التصريحات المستفزة لشيراك بشأن الحجاب أكد الدكتور يوسف القرضاوي رفض القول بأن الحجاب رمز للإسلام ، مثلما ينظر إلى الصليب كرمز للمسيحية والقلنسوة (الكيبا) كرمز لليهودية. وقال في برنامج الشريعة والحياة الذي أذيع مؤخرًا على قناة الجزيرة:"هناك فرق بين الرمزالذي لا وظيفة له والرمز ذي الوظيفة"، مشيرًا إلى أن الصليب والقلنسوة كلاهما رمز للديانة المسيحية واليهودية، بينما الحجاب له وظيفة معتبرة في الإسلام وهي الستر.
فالحجاب ليس رمزًا بل تشريع له وظيفة محددة وهي ستر المرأة المسلمة. وقال القرضاوي : إن الإسلام لم يحدد شكلاً معينًا للحجاب وإنما يضع شروطًا في زي المسلمة متى توافرت في أي زي أصبح زيًّا إسلاميًّا.
ويرى الدكتور محمد بشاري -رئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا- أن منع المدارس وإدارات التعليم في فرنسا الطالبات المسلمات من لبس الحجاب صورة لروح الكراهية في نفوس بعض الفرنسيين على الإسلام والمسلمين ، والفدرالية عملت على إيجاد البنود التي تخول الصلاحية للفتيات المسلمات ارتداء حجابهن داخل المدارس.
وقد أكد رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية "دليل أبو بكر" - وهو أكثر أعضاء المجلس ليبرالية وقربًا من الأوساط العلمانية الفرنسية - في تصريح أمام لجنة ستاسي: إنه لا يتمنى سن قانون لمنع الحجاب في المدارس ، مشيرًا إلى ضرورة احترام قوانين الجمهورية.
وقال أبو بكر: "إن الحجاب وإنْ وقع توصيفه سياسيًّا من قبل البعض، فإن هذا لا يمنع من إيجاد منزلة وسطى بين ما يريده المسلمون وما تريده الجمهورية".
ولكن ثمة عوامل محلية ودولية تدفع في اتجاه إصدار توصية من اللجنة تمنع الحجاب في المدارس الفرنسية بمقتضى قانون. وأبرز هذه العوامل شعار الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه. ويرى العديد من الخبراء الغربيين أن هذا الشعار يعني تحجيم دور التيار الإسلامي وإنْ كان معتدلاً؛ لأنه بالنسبة لهم يمثل الخطوط الخلفية لما يصفونه بالتيار الإسلامي المتشدد.
لكن ثمة مخاوف من أن منع الحجاب في المدارس بمقتضى قانون قد يزيد من تشدد بعض الحركات، علاوة على إعطاء المبررات للخطاب الذي تروج له منظمة القاعدة بأننا "إزاء غرب يحارب الإسلام" . ولهذا حذر نيكول ساركوزي -وزير الداخلية الفرنسي- أكثر من مرة بضرورة توخي الحذر واعتماد الحوار مع الطائفة المسلمة حول هذه المسألة مع مراعاة احترام علمانية الدولة قبل كل شيء.
وثمة من يرى أن الحل هو إيجاد معادلة -تقبلها النخب الفرنسية- بين حرية اللباس من ناحية، وحرية التدين التي تضمنها العلمانية من الناحية الأخرى. وتفرض هذه المعادلة على المسلمين في فرنسا قبول قانون الأغلبية باعتباره قانونًا علمانيًّا يجب احترامه والخضوع له طواعية. في مقابل هذا يتعين على النخب العلمانية الفرنسية أن تطور فهمها للمصطلحات الإسلامية وأن تغير النظرة المتشنجة تجاه الإسلام.
دفاع علماني عن الحجاب!
وبينما لا يزال الجدل مستمرًّا في فرنسا حول قضية ارتداء الحجاب، أصدرت 100 شخصية علمانية فرنسية في مايو الماضي 2003 عريضة تؤكد حق المسلمات الفرنسيات في ارتداء الحجاب بالمدارس، مستندين إلى كون العلمانية التي يؤمنون بها تدعو إلى عدم التمييز.
وجاء في العريضة: "سن قانون يمنع ارتداء الحجاب بالمدارس يعتبر عقوبة تحرم آلاف الفرنسيات المسلمات من حق التعلم، كما يعد دعوة صريحة للتمييز".
وأكد الموقعون على العريضة - وهم جامعيون، وممثلات عن المنظمات النسائية الفرنسية، وفلاسفة، ومدافعون عن حقوق الإنسان- أنهم ليسوا من أنصار الحجاب، ولكنهم "من أنصار العلمانية التي تؤكد أن المدارس الفرنسية يجب أن تظل مفتوحة لكل طوائف وفئات المجتمع الفرنسي".
وقال الموقعون : "إن المدرسة العلمانية طبقًا لقوانين التعلم التي صدرت في 1881 و1882 و1886 لا تمانع في أن تحضر تلميذة إلى المدرسة متحجبة؛ شرط ألا تغيب عن حصص دراسية لأسباب دينية، وألا تعمل على إحداث الفوضى في المدرسة".
وشددت العريضة على أن "التجربة في فرنسا أثبتت أن التلميذات المحجبات لم يتسببن في تعطيل الدروس، ولم يحدث أن تعطل أساتذة عن ممارسة دورهم، ولا التلاميذ في التعلم" بسبب الحجاب.
وأضاف الموقعون: "إننا نرفض التركيز على قضية الحجاب في السياق الحالي باعتبارها مظهرًا اجتماعيًّا لتيار سياسي معين، أو أنه أصبح منتشرًا في كل الأماكن ومجالات الحياة الأخرى". وأضاف أصحاب العريضة: "نرفض الخلط بين القضايا في الجدل الدائر حاليًا بين الحجاب وقضايا الهجرة أو الإسلام والجمهورية الفرنسية، بينما المشاكل الحقيقية تتمثل في السياسة الاجتماعية والعنصرية وغياب العدالة الاجتماعية في التعامل مع المهاجرين".
وأوضح العلمانيون الموقعون على العريضة أن المدارس الفرنسية تعاني في حد ذاتها من مشاكل كثيرة، ومنها "مشاكل الاكتظاظ وغياب الرعاية للتلاميذ" التي يجب إعطاؤها الأولوية.
واختتم الموقعون عريضتهم بالسؤال الآتي: "هل يجب منع الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب من دخول المدارس؟".
وكانت إجابة الشخصيات العلمانية المئة بلا تردد: "لا؛ لأن المدرسة العلمانية من المفترض أن تكون مفتوحة للجميع" كما طالب الموقعون الجمعيات النسائية ونقابات التعليم والنخب العلمانية عامة بالتحرك ضد كل القوانين التي تكرس التمييز.
وكان من أبرز الموقعين على العريضة الفيلسوف الفرنسي "إيتان بليبار"، والباحثة الاجتماعية "كريستان بوديلوت"، والباحثة "ستيفان بود"، والحقوقي "دانيال بورينو"، والمناضلة النسوية "فيوليت كارير"، والحقوقية "مونيك شمايلر"، والباحث الاقتصادي "بير كونسيالدي".
لوبي الإسلامفوبيا
وقد اتهم "أكسفيان ترنسيان" المختص في الشؤون الإسلامية والأقليات والصحفي بجريدة "لوموند" الفرنسية من أسماهم بأتباع لوبي الإسلامفوبيا (الخوف من الإسلام) بإثارة مشكلة منع الحجاب بمدارس فرنسا، مشددًا على أنه في حالة إصدار قانون يمنع ارتداء الحجاب في المدارس؛ فإن هذا القانون يجب أن يشمل أيضًا منع الطلاب من ارتداء كل رموز الديانات الأخرى.
وقال ترنسيان مؤلف كتاب "فرنسا المساجد": أعتقد أن إثارة قضية منع الحجاب بالمدارس الفرنسية الآن هو محاولة مما يمكن أن نسميه بـ لوبي الإسلامفوبيا المعادي للإسلام الذي تكوّن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتضليل جزء من الرأي العام الفرنسي وكسبه إلى جانبه". وأشار إلى أن تابعي هذا التيار ألفوا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عدة كتب معادية للإسلام ، وأن الكثير من الكتاب والصحفيين الفرنسيين انخرطوا في موجة العداء للإسلام.
ويري ترنسيان أن أتباع لوبي الإسلامفوبيا يحاولون الخلط بشكل متعمد بين العنف والعنصرية المنتشرة في المدارس الفرنسية حاليًّا ووجود فتيات محجبات في هذه المدراس.