منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#40845
الاحتلال الأوربي للعالم الإسلامى
كان الدافع الاقتصادي سببًا رئيسيًّا للهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي؛ إذ أحدثت الثورة الصناعية في الدول الأوربية طفرة هائلة في الإنتاج، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ضرورة فتح أسواقٍ جديدة، وقد وجدت الدول الأوربية ضالتها في أسواق البلاد الإسلامية التي كان معظمها في ذلك الوقت يجتمع تحت راية الخلافة العثمانية.
بدأت الهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي في عصرنا الحديث في أوائل القرن السادس عشر، وبالتحديد عندما سيطرت البرتغال على الشواطئ الغربية للهند، ثم تبعتها بريطانيا وفرنسا وروسيا. أما في عالمنا العربي فقد توزعت أراضيه بين بريطانيا وفرنسا، حيث سيطرت بريطانيا على أكثر دول الشرق العربي، في حين سيطرت فرنسا على دول المغرب العربي.
وقد عانى العالم الإسلامي كل أنواع الاستعمار، التي يأتي في مقدمتها الاستعمار السياسي، وهو قدرة إحدى الدول على بسط نفوذها على دولة أخرى بدون الاستخدام الفعلي للقوة أو إخضاعها للاحتلال المباشر. كما عانى العالم الإسلامي بشدَّة من نوع آخر من الاستعمار وهو الاستعمار الاقتصادي، ويقع هذا النوع من الاستعمار عن طريق إبرام اتفاقات غير متكافئة بين دولتين يتم بموجبها إعطاء حق احتكار الدولة القوية الغنيَّة لاستغلال الثروات الطبيعية للدولة الفقيرة.
ويعدّ الاستعمار الثقافي أخطر أشكال الاستعمار التي عانى منها العالم الإسلامي في العصر الحديث؛ وكانت صورته القديمة تتمثل في سعي الدول والجماعات المغتصِبة إلى فرض لغتها وثقافتها وتراثها وأيديولوجيتها على الشعوب المستعمرة بالقوة. أما صورته الحديثة بعد استقلال دول العالم الإسلامي، فتتمثل في الغزو الفكري عن طريق الترويج للأفكار العلمانية الغربية، مثل التركيز على مبدأ فصل الدين عن الدولة، أو الترويج للأفكار المادية الماركسية الشرقية.
ولعل السياسات العفوية للدول الإسلامية قد ساعدت ومهّدت الطريق أمام الاستعمار الثقافي؛ وذلك نظرًا لغياب الإستراتيجية الشاملة التي تحدِّد نوعية الأجيال المراد تنشئتها، وابتعاد المناهج الدراسية عن التراث الإسلامي. كما لعبت وسائل الإعلام المختلفة في دول العالم الإسلامي دورًا مماثلاً لا إراديًّا في إبعاد الأجيال عن تراثها وثقافتها؛ إذ أصبحت أداة لنقل الثقافات الأخرى دون الحرص على الانتقاء واختيار ما هو مفيدٌ وبنَّاء.
وقد تبنَّت الدول الاستعمارية الأوربية سياسات عديدة في حربها ضد الإسلام؛ منها قيام القوى الاستعمارية بنشر الدعوات الدينية الهدَّامة كالبهائية والقاديانية، واجتهاد الاستعمار في إثارة النعرات القومية التي نجح الإسلام في القضاء عليها، والعمل على إدخال فكرة العلمانية في العالم الإسلامي، وتشجيع الأقليات في بعض أقطار العالم الإسلامي على تسلُّم السلطة، وتسخير وسائل الإعلام المختلفة والأقلام الغربية أو المستغربة الفكر من الكتاب المحليين للعمل على إيجاد مجتمع مسلم بالاسم فقط.

دوافع احتلال العالم الإسلامي
قال الله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران: 139- 142].
وقال رسول الله r: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا". قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"[1].
وبدايةً نوضح أنَّ ما نقصده بالاحتلال والاستعمار هو أن تسيطر دولة ما بقوة السلاح أو المال أو التفوق التكنولوجي والعلمي على دولة أو عِدَّة دول، ثم تقوم الدولة المسيطرة باستغلال موارد وثروات هذه الدولة أو الدول لصالحها بصرف النظر عن مصالح الدولة المستضعفة التي تم احتلالها. وقد عَرِف العالم الإنساني الاستعمار منذ القِدَم على يد الحضارة الفرعونية والرومانية، وغيرهما من الحضارات على مَرِّ التاريخ.
وسوف نركِّز في هذه الدراسة على الهجمة الاستعمارية التي تعرَّض لها العالم الإسلامي في العصر الحديث، والتي بلغت أشُدَّها في القرن التاسع عشر.
وقد كانت أبرز القوى الاستعمارية التي عانى منها العالم الإسلامي في هذه الفترة بريطانيا وفرنسا.
وقد كانت بريطانيا العظمى هي أكبر القوى المؤثرة في ذلك الوقت؛ حيث كانت تتحكم في إمبراطورية ضخمة تُعَدُّ من أكبر الإمبراطوريات في تاريخ البشرية، إضافةً إلى بسط نفوذها القويّ على مجمل أنحاء الكرة الأرضية من خلال ذراعها العسكرية وقواعدها البحرية التي كانت تسيطر على معظم القنوات، ومراكز الارتباط ذات الأهمية الاستراتيجية في العالم أجمع.
كذلك كانت فرنسا في ذلك الوقت قوة عسكرية لا يستهان بها، فقد برز اسمها بشدة على يد قائدها نابليون بونابرت وحملاته الشهيرة التي طالت العالم الإسلامي، وبعد انكسار هذه الحملات ورغم هزيمة نابليون إلاَّ أن الدولة الفرنسية استطاعت القيام مرة أخرى، وعادت من جديد إلى ميدان القوى الاستعمارية معتمدة على الروح القومية التي تولدت لدى الشعب الفرنسي بعد هزيمته أمام الألمان في عام 1871م.
وقد كان للنهضة الأوروبية التي تُعَدُّ إحدى الخصائص المميزة للقرن التاسع عشر، أعظمُ الدور في تحريك الأطماع الاستعمارية؛ حيث ظهرت الاختراعات الآلية، واستخدمت دول أوربا لأول مرة السكك الحديدية، كما استطاعت سفنها التجارية عبور المحيط الأطلسي[2].
كما أحدثت الثورة الصناعية في الدول الأوربية طفرة هائلة في الإنتاج، فارتفعت معدلات النمو السلعي بشكل عجزت الأسواق الأوربية عن استيعابه، وظهرت الحاجة إلى ضرورة فتح أسواقٍ جديدة، وقد وجدت الدول الأوربية ضالتها في أسواق البلاد الإسلامية التي كان معظمها في ذلك الوقت يجتمع تحت راية الخلافة العثمانية[3].
ومع أهمية الدافع الاقتصادي كسببٍ رئيسي للهجمة الاستعمارية على العالم الإسلامي إلاَّ أننا لا نستطيع أن نُغفِل الدافع الديني كمحرِّك مهم في نفوس البعض؛ طمعًا في أخذ ثأر قديم من الفتوحات الإسلامية التي نجحت في رفع راية الإسلام عاليةً في أقصى العمق النصراني، ولعل أقوى دليل على وجود هذا الدافع الديني لدى البعض هو ما قاله قادتهم أنفسهم.
فعندما دخل الجنرال الإنجليزي اللّنبي بجيشه إلى القدس في عام 1916م قال:
"الآن انتهت الحروب الصليبية"!!
وكان أول ما فعله الجنرال جورو بعد دخول جيشه إلى دمشق في عام 1920م أن توجّه بزيِّه العسكري وسيفه إلى قبر القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، ووجَّه له قولته الشهيرة الشامتة:
"لقد زعمتَ بعد الحروب الصليبية أننا خرجنا من الشرق ولن نعود. وها قد عدنا، فانهضْ لترانا هاهنا وقد ظفرنا باحتلال سوريا".
كما لم يُخفِ المؤرخون المعاصرون هذه الحقيقة، فوصف المؤرخ الفرنسي (إدوار دريو) حادث الاستيلاء على الجزائر:
"بأنه كان أوَّل إسفين يُدقُّ في ظهر الإسلام"[4]!
وغير ذلك الكثير من الأقوال التي تواترت عن قادة غربيين يسهل على المتأمِّل رؤية ما تحمله في طيَّاتها من مشاعر البغض والكراهية للإسلام والمسلمين.