- الثلاثاء ديسمبر 06, 2011 8:09 pm
#41235
القادة السياسيون.. ومفهوم العظمة
أمينة بريمكو
12.09.2007
مفهوم العظمة من المفاهيم الشديدة التعقيد، التي تنعش ذاكرة المرء، وتغريه للوصول إلى مستوى العظمة. هناك عوامل عديدة تساهم في تكوين الشخصية العظيمة، وتخلد اسمه عبر التاريخ، ربما بعضها ايجابي، وبعضها الأخر سلبي، لكننا كقراء للتاريخ، لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء إلا بالعظمة.
لقد كرس الكاتب اميل لودفيغ معظم مؤلفاته في كتابة السيرة الذاتية، لعدد كبير من القادة السياسيين، وبعض المفكرين. يستعرض للقارئ في كتابه " من العظمة" مقارنة بين أهم قائدين قورنت أسماءهم بمفهوم العظمة: نابليون وهتلر، حسب رأيه عظمة هتلر مالت إلى السلبية وهو يقول:" إن هتلر لم يعرف سوى التخريب، وكان همه السيطرة على العالم". بينما حملت عظمة نابليون صفات ايجابية وهو يقول:" استطاع نابليون في ليلة انقلابه، تأليف لجنة لوضع قوانين جديدة، للقضاء على الفوضى، حيث ما زالت بعض قوانينه فعالة حتى وقتنا الراهن".
برأي لودفيغ أهم العوامل التي ساهمت في عظمة نابليون، انه كان يعامل أعداءه برقي، يروي لنا احد المواقف التي تدل على نبل نابليون، حيث كان نابليون في إحدى الأيام يصطاد، وأثناء مروره أمام كوخ شاتوبريان احد أعدائه، قام بقطع غصن من الغار، ومدهَّ أمام بابه، ووضع عليه قفازه، وعندما كانت زوجته تلد له وارثه، سأله الطبيب: إننا لا نقدر على إنقاذ الأم ما لم نضح بالولد. كان جواب نابليون: أنقذ الأم في بدء الأمر.
يؤكد لودفيغ بان العظمة غالبا غير خلقية، يأتي لنا بمثال مواهب كازنوفا الغرامية.
هل مغامرات كازنوفا كانت أخلاقية حتى يصبح عظيما؟؟
لكن هل عظمة هتلر كانت سلبية بمجملها كما يعتقد لودفيغ؟
امتاز هتلر بقوة داخلية خلاقة، يقول كولن ولسن:" بعض الرجال يفتقرون إلى التدريب الأخلاقي الأخطر بين أنماط الجنس البشري". يؤكد ولسن بان نابليون وهتلر يمتازان بهذه القوة الداخلية، ويشّبه قوة هتلر في نواح كثيرة بقوة راسبوتين، من حيث استخدام هتلر تعبير التنويم المغناطيسي في تأثيره على جمهوره.
يروي" كيرت لوديك" أحد القادة الاشتراكيين بأنه حضر في احد الأيام خطاباً لهتلر ولشدة تأثره في بلاغة هتلر الخطابية، كاد ينضم إلى معسكر هتلر يقول:" أنىّ لي أن أنأى عن سطوة قوته؟ إنها تمسك بي وتؤرجحني.. لست أنا فحسب بل جميع من كان في الصالة، لقد أسرني شعور أن أتخلى عن إرادتي لقيادته".
كان هتلر يهتم كثيراً في توقيت الخطابات، التي يلقيها، حيث كانت معظم الخطابات تنظم في الليل، ووجهة نظر هتلر بان الحديث في الليل له اثر اكبر وأعمق على الجمهور.
يعتقد لودفيغ بان العظمة الذهنية هي الأساس والأهم والأبقى، يقول:" هناك أبطالٌ كثيرون ليسوا من العظماء، وعظماء كثيرون ليسوا من الأبطال، فالجندي الذي استطاع بجسارته ومهارته أن ينقذ ثمانين جندياً من زملائه في دنكرك، وان كان جديراً بأن يعلق على صدره وسامٌ، وان ينظم له أنشودة، وان يقام له تمثال، لا مكان له في معرض العظماء".
حسب رأيه الموت هو المفتاح الذي تعرف به حياة الرجل، وهل من مثال على كلام لودفيغ أكثر أمانة كموت سقراط. حيث مات بمحض إرادته، رغم انه كان باستطاعته الهروب.
عندما نعود إلى نابليون، الذي عاش عظيما، ومات عظيما، ونتذكر مذكراته في المنفى، حيث كان يعيش في المنفى حزيناً، نعرف لأية درجة صاغ حياته كرجل عظيم يقول:" إن للمحنة جانباً طيباً فهي تعلمنا الحقائق.. الآن فقط أستطيع أن أفكر في العصور كفيلسوف".
فيما لو استعرضتا الأيام الأخيرة لبسمارك، سنلامس العظمة في بعض جوانب شخصيته.
عام 1866 كان من أكثر اللحظات حرجاً في حياة هذا الرجل، حيث رأى نفسه مستقيلاً، والكل يعارض رأيه، الملك والجنرالات. يروي لودفيغ كيف كان بسمارك مريضاً، يرتدي لباسه المدني، لأول مرة وهو يستقبل الملك والقادة العسكريين في غرفته، باعتباره الشخص الوحيد المعارض. كتب بسمارك عن تلك اللحظة بمرارة وهو يقول:" لم تقوى أعصابي على مقاومة التأثيرات التي كانت تتملكني بالنهار والليل، فنهضت صامتاً، وذهبت إلى مخدع نومي المجاور، حيث تولتني نوبة بكاء عنيفة، في تلك الأثناء سمعت كيف انقضى المجلس الحربي الذي كان منعقداً في الغرفة المجاورة".
يؤكد لودفيغ بان أحداً لم يجرؤ عل الاحتكاك بهذا الألماني، الذي هو أقوى رجل بين قومه، وأمتع رجل في نفس الوقت.
لكن هل نستطيع أن نصبغ مفهوم العظمة بأي شكل من الأشكال على مجمل حياة ستالين؟
ما من قائد سياسي عبر التاريخ وصلت شعبيته إلى أدنى مراتبها، كما وصلت شعبية ستالين؛ خاصة في أيامه الأخيرة، حيث كانت ذروة المأساة، عندما لا مست الانكسارات عائلته، وذلك في إحدى أمسيات تشرين الثاني من عام 1932. كان ستالين وزوجته يزوران بيت فورشيلوف إلى جانب وجود أعضاء المكتب السياسي الآخرين، وعندما تحدثوا عن المسائل السياسية، تدخلت ناديا زوجة ستالين، وتكلمت بصراحة عن المجاعة والاستياء اللذين يعمان البلد، وعن التدهور الخلقي الذي ألحقه الإرهاب بالحزب، حينها انفجر ستالين أمام الجميع موبخاً زوجته بفيض الشتائم.
يذكر بان ناديا خرجت من بيت فورشيلوف وانتحرت في الليلة ذاتها. يؤكد اسحق دويتشر كاتب سيرته الذاتية، بان ستالين كان يمتاز بقلة الكلام والتهذيب، ويروي للقراء عن المحادثة التي تمت بين هتلر وستالين قبيل الحرب بيومين، حيث كان هتلر يخاطب ستالين بصيغة المفرد كأن يقول:" أني أقبل.. أني أحب.. وزيري" بينما كان ستالين يخاطبه بصيغة الجمع، لكن ستالين كان يفقتد إلى عامل الثقة بالنفس، خاصة عندما علم بانتصارات هتلر الساحقة على بولونيا، نرى بان هتلر كان يمتلك الثقة بالنفس حتى لحظة انتحاره.
ربما عدم ارتقاء ستالين إلى العظمة، لكونه كان عسكرياً أكثر من أن يكون رجلاً خلاقاً، بينما نرى بان الشخصية العظيمة تمتلك على الدوام القوة الداخلية والأرضية الثقافية الخصبة، كما في شخصية هتلر وبسمارك ونابليون وبطل الحرب العالمية الثانية شارل ديغول.
نلاحظ أن العوامل التي تلعب دوراً أساسيا في الشخصية العظيمة هي صفات ملهمة ومميزة، ليس من الضروري أن تخدم هذه الصفات القيم الإنسانية النبيلة كما ذكرنا في البداية: مقولة لودفيغ الشهيرة عن مفهوم العظمة، ولكننا لا نستطيع ا ن ننكر بان هؤلاء العظماء استطاعوا أن يمنحوا البشر دروساً هامة في فن الحياة.
____
المراجع:
• " راسبوتين وسقوط القياصرة" تأليف.. كولن ولسن
• " من العظمة" تأليف.. اميل لودفيغ
• " نابليون" تأليف.. اميل لودفيغ
• " بسمارك" تأليف.. اميل لودفيغ
• " ستالين" تأليف.. اسحق دويتش
أمينة بريمكو
12.09.2007
مفهوم العظمة من المفاهيم الشديدة التعقيد، التي تنعش ذاكرة المرء، وتغريه للوصول إلى مستوى العظمة. هناك عوامل عديدة تساهم في تكوين الشخصية العظيمة، وتخلد اسمه عبر التاريخ، ربما بعضها ايجابي، وبعضها الأخر سلبي، لكننا كقراء للتاريخ، لا نستطيع أن نحكم على هؤلاء إلا بالعظمة.
لقد كرس الكاتب اميل لودفيغ معظم مؤلفاته في كتابة السيرة الذاتية، لعدد كبير من القادة السياسيين، وبعض المفكرين. يستعرض للقارئ في كتابه " من العظمة" مقارنة بين أهم قائدين قورنت أسماءهم بمفهوم العظمة: نابليون وهتلر، حسب رأيه عظمة هتلر مالت إلى السلبية وهو يقول:" إن هتلر لم يعرف سوى التخريب، وكان همه السيطرة على العالم". بينما حملت عظمة نابليون صفات ايجابية وهو يقول:" استطاع نابليون في ليلة انقلابه، تأليف لجنة لوضع قوانين جديدة، للقضاء على الفوضى، حيث ما زالت بعض قوانينه فعالة حتى وقتنا الراهن".
برأي لودفيغ أهم العوامل التي ساهمت في عظمة نابليون، انه كان يعامل أعداءه برقي، يروي لنا احد المواقف التي تدل على نبل نابليون، حيث كان نابليون في إحدى الأيام يصطاد، وأثناء مروره أمام كوخ شاتوبريان احد أعدائه، قام بقطع غصن من الغار، ومدهَّ أمام بابه، ووضع عليه قفازه، وعندما كانت زوجته تلد له وارثه، سأله الطبيب: إننا لا نقدر على إنقاذ الأم ما لم نضح بالولد. كان جواب نابليون: أنقذ الأم في بدء الأمر.
يؤكد لودفيغ بان العظمة غالبا غير خلقية، يأتي لنا بمثال مواهب كازنوفا الغرامية.
هل مغامرات كازنوفا كانت أخلاقية حتى يصبح عظيما؟؟
لكن هل عظمة هتلر كانت سلبية بمجملها كما يعتقد لودفيغ؟
امتاز هتلر بقوة داخلية خلاقة، يقول كولن ولسن:" بعض الرجال يفتقرون إلى التدريب الأخلاقي الأخطر بين أنماط الجنس البشري". يؤكد ولسن بان نابليون وهتلر يمتازان بهذه القوة الداخلية، ويشّبه قوة هتلر في نواح كثيرة بقوة راسبوتين، من حيث استخدام هتلر تعبير التنويم المغناطيسي في تأثيره على جمهوره.
يروي" كيرت لوديك" أحد القادة الاشتراكيين بأنه حضر في احد الأيام خطاباً لهتلر ولشدة تأثره في بلاغة هتلر الخطابية، كاد ينضم إلى معسكر هتلر يقول:" أنىّ لي أن أنأى عن سطوة قوته؟ إنها تمسك بي وتؤرجحني.. لست أنا فحسب بل جميع من كان في الصالة، لقد أسرني شعور أن أتخلى عن إرادتي لقيادته".
كان هتلر يهتم كثيراً في توقيت الخطابات، التي يلقيها، حيث كانت معظم الخطابات تنظم في الليل، ووجهة نظر هتلر بان الحديث في الليل له اثر اكبر وأعمق على الجمهور.
يعتقد لودفيغ بان العظمة الذهنية هي الأساس والأهم والأبقى، يقول:" هناك أبطالٌ كثيرون ليسوا من العظماء، وعظماء كثيرون ليسوا من الأبطال، فالجندي الذي استطاع بجسارته ومهارته أن ينقذ ثمانين جندياً من زملائه في دنكرك، وان كان جديراً بأن يعلق على صدره وسامٌ، وان ينظم له أنشودة، وان يقام له تمثال، لا مكان له في معرض العظماء".
حسب رأيه الموت هو المفتاح الذي تعرف به حياة الرجل، وهل من مثال على كلام لودفيغ أكثر أمانة كموت سقراط. حيث مات بمحض إرادته، رغم انه كان باستطاعته الهروب.
عندما نعود إلى نابليون، الذي عاش عظيما، ومات عظيما، ونتذكر مذكراته في المنفى، حيث كان يعيش في المنفى حزيناً، نعرف لأية درجة صاغ حياته كرجل عظيم يقول:" إن للمحنة جانباً طيباً فهي تعلمنا الحقائق.. الآن فقط أستطيع أن أفكر في العصور كفيلسوف".
فيما لو استعرضتا الأيام الأخيرة لبسمارك، سنلامس العظمة في بعض جوانب شخصيته.
عام 1866 كان من أكثر اللحظات حرجاً في حياة هذا الرجل، حيث رأى نفسه مستقيلاً، والكل يعارض رأيه، الملك والجنرالات. يروي لودفيغ كيف كان بسمارك مريضاً، يرتدي لباسه المدني، لأول مرة وهو يستقبل الملك والقادة العسكريين في غرفته، باعتباره الشخص الوحيد المعارض. كتب بسمارك عن تلك اللحظة بمرارة وهو يقول:" لم تقوى أعصابي على مقاومة التأثيرات التي كانت تتملكني بالنهار والليل، فنهضت صامتاً، وذهبت إلى مخدع نومي المجاور، حيث تولتني نوبة بكاء عنيفة، في تلك الأثناء سمعت كيف انقضى المجلس الحربي الذي كان منعقداً في الغرفة المجاورة".
يؤكد لودفيغ بان أحداً لم يجرؤ عل الاحتكاك بهذا الألماني، الذي هو أقوى رجل بين قومه، وأمتع رجل في نفس الوقت.
لكن هل نستطيع أن نصبغ مفهوم العظمة بأي شكل من الأشكال على مجمل حياة ستالين؟
ما من قائد سياسي عبر التاريخ وصلت شعبيته إلى أدنى مراتبها، كما وصلت شعبية ستالين؛ خاصة في أيامه الأخيرة، حيث كانت ذروة المأساة، عندما لا مست الانكسارات عائلته، وذلك في إحدى أمسيات تشرين الثاني من عام 1932. كان ستالين وزوجته يزوران بيت فورشيلوف إلى جانب وجود أعضاء المكتب السياسي الآخرين، وعندما تحدثوا عن المسائل السياسية، تدخلت ناديا زوجة ستالين، وتكلمت بصراحة عن المجاعة والاستياء اللذين يعمان البلد، وعن التدهور الخلقي الذي ألحقه الإرهاب بالحزب، حينها انفجر ستالين أمام الجميع موبخاً زوجته بفيض الشتائم.
يذكر بان ناديا خرجت من بيت فورشيلوف وانتحرت في الليلة ذاتها. يؤكد اسحق دويتشر كاتب سيرته الذاتية، بان ستالين كان يمتاز بقلة الكلام والتهذيب، ويروي للقراء عن المحادثة التي تمت بين هتلر وستالين قبيل الحرب بيومين، حيث كان هتلر يخاطب ستالين بصيغة المفرد كأن يقول:" أني أقبل.. أني أحب.. وزيري" بينما كان ستالين يخاطبه بصيغة الجمع، لكن ستالين كان يفقتد إلى عامل الثقة بالنفس، خاصة عندما علم بانتصارات هتلر الساحقة على بولونيا، نرى بان هتلر كان يمتلك الثقة بالنفس حتى لحظة انتحاره.
ربما عدم ارتقاء ستالين إلى العظمة، لكونه كان عسكرياً أكثر من أن يكون رجلاً خلاقاً، بينما نرى بان الشخصية العظيمة تمتلك على الدوام القوة الداخلية والأرضية الثقافية الخصبة، كما في شخصية هتلر وبسمارك ونابليون وبطل الحرب العالمية الثانية شارل ديغول.
نلاحظ أن العوامل التي تلعب دوراً أساسيا في الشخصية العظيمة هي صفات ملهمة ومميزة، ليس من الضروري أن تخدم هذه الصفات القيم الإنسانية النبيلة كما ذكرنا في البداية: مقولة لودفيغ الشهيرة عن مفهوم العظمة، ولكننا لا نستطيع ا ن ننكر بان هؤلاء العظماء استطاعوا أن يمنحوا البشر دروساً هامة في فن الحياة.
____
المراجع:
• " راسبوتين وسقوط القياصرة" تأليف.. كولن ولسن
• " من العظمة" تأليف.. اميل لودفيغ
• " نابليون" تأليف.. اميل لودفيغ
• " بسمارك" تأليف.. اميل لودفيغ
• " ستالين" تأليف.. اسحق دويتش