- الجمعة ديسمبر 09, 2011 2:18 pm
#41476
تزايد في الآونة الأخيرة الاهتمام بالتحكيم على الصعيد المحلي, فعقدت ندوات حول التحكيم تناولت بالبحث والمناقشة خصائصه ومزاياه, وأود في هذا المقال أن أسلط بعض الضوء على التحكيم كوسيلة من وسائل الفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية نظرا لأن هذه العقود تعتبر إحدى وسائل الفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية, نظرا لأن هذه العقود تعتبر إحدى وسائل الدولة في تنفيذ مشروعاتها وبرامجها الإنمائية. ولعل من المفيد للقارئ غير المتخصص أن نبدأ بتحديد مفهوم العقد الإداري Administrative Contract. فالعقد يعتبر إداريا إذا كان أحد طرفيه شخصا اعتباريا عاما وكان موضوعه متصلا بنشاط مرفق عام وملحوظ فيه سلطة الإدارة العامة أي الحكومية في الإشراف على تنفيذه ومراقبة كيفية سيره بما لها من سلطة عامة ومتضمنا شروطا غير مألوفة في نطاق العقود الخاصة. وهو ما يعبر عنه فقهاء القانون الإداري بلجوء الإدارة إلى وسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق والتزامات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها. ومصطلح (العقد الإداري) هو المصطلح السائد في الدول التي تأخذ بمفاهيم النظام القانوني اللاتيني مثل القانون الفرنسي, أما دول النظام القانوني الأنجلو أمريكي فتأخذ بمصطلح (العقد الحكومي) Government Contract. وتختلف فلسفة النظامين حول هذه العقود, ففي النظام القانوني اللاتيني تسمو إرادة الطرف الإداري (أي الحكومي), بينما في النظام الأنجلو أمريكي ليس للطرف الحكومي هذه الميزة, وهناك فوارق أخرى عديدة بين النظامين لسنا هنا بصدد الحديث عنها.
وتتنوع العقود الإدارية إلى أنواع عديدة نذكر منها عقد التوريد, وعقد التوظيف, وعقد الأشغال العامة والتي يكون موضوعها إنشاء الجسور أو الأنفاق أو المطارات أو الموانئ وغير ذلك من الأعمال الإنشائية, وعقد التشغيل والصيانة وعقد استثمار ثروة طبيعية مثل المياه أو النفط أو الغاز أو المعادن, وعقد نقل التكنولوجيا, وغير ذلك من العقود اللازمة لتسيير المرافق العامة وتنفيذ المشروعات والبرامج الإنمائية.
والأصل في العقود الإدارية أن الخلافات الناشئة عن تنفيذها أو تفسيرها تدخل ضمن اختصاص هيئات القضاء الإداري, ففي مصر وفرنسا يختص مجلس الدولة (وهو هيئة قضائية إدارية) بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية. وفي المملكة العربية السعودية يختص ديوان المظالم كهيئة قضاء إداري بالفصل في العقود التي تكون الحكومة أو أحد الشخصيات المعنوية العامة طرفا فيها سواء أكانت هذه العقود إدارية أم غير إدارية.
واختلفت اتجاهات الأنظمة القانونية حيال مشروعية اللجوء إلى التحكيم في الفصل في منازعات العقود الإدارية, ففي مصر ثار خلاف كبير في الفقه والقضاء حول مشروعية التحكيم في منازعات هذه العقود إلى أن تدخل المشروع للقانون رقم 9/1997 الذي أجاز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية شريطة أن يكون هذا الاتفاق قد تم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للشخصيات الاعتبارية العامة ولا يجوز التفويض في ذلك.
أما في فرنسا فقد كان محظورا اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية إلا أن هذا الوضع قد تعدل بموجب قانون صدر في عام 1986 حيث اقتصر حظر التحكيم في العقود الداخلية مع بعض الاستثناءات وأجاز التحكيم بشروط معينة في العقود الإدارية الدولية أي العقود التي تبرم مع مؤسسات وشركات أجنبية.
وفي المملكة العربية السعودية نصت المادة الثالثة من نظام التحكيم بأنه (لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء, ويجوز بقرار مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم). وقررت المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم أنه (في المنازعات التي تكون جهة حكومية طرفا فيها مع آخرين ورأت اللجوء إلى التحكيم يجب على هذه الجهة إعداد مذكرة بشأن التحكيم في هذا النزاع مبينا فيها موضوعه ومبررات التحكيم وأسماء الخصوم لرفعها لرئيس مجلس الوزراء للنظر في الموافقة على التحكيم ويجوز بقرار مسبق من رئيس مجلس الوزراء أن يرخص لهيئة حكومية في عقد معين بإنهاء المنازعات الناشئة عنه عن طريق التحكيم. وفي جميع الحالات يتم إخطار مجلس الوزراء بالأحكام التي تصدر فيها).
ومما سبق يتضح أن القاعدة العامة في النظام السعودي أنه من غير الجائز للهيئات الحكومية اللجوء إلى التحكيم لفض الخلافات التي تنشأ عن العقود التي تبرمها مع الغير, وأنه يترتب على ذلك بطلان أي شرط يرد في أي عقد مبرم بين جهة حكومية وجهة أخرى ينص على تسوية المنازعات عن طريق التحكيم. وأنه استثناء من هذا الحظر يجوز بموافقة رئيس مجلس الوزراء اللجوء إلى التحكيم.
والواقع أن موافقة رئيس مجلس الوزراء على اللجوء للتحكيم في المنازعات الناشئة عن عقود الدولة تعد بمثابة صمام الأمان الذي به يمكن التأكد من أن اختيار التحكيم هو الوسيلة الأكثر ملاءمة لتحقيق المصلحة العامة.
ومن نافلة القول إن التحكيم هو إحدى الوسائل التي تساعد على تشجيع أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الدول التي تسعى لجذب الأموال الأجنبية للاستثمار على أرضها. لأن المستثمر الأجنبي يفضل عادة أسلوب التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات لأنه يتوجس خيفة من انحياز القضاء الوطني لدولته ويرى في التحكيم وسيلة محايدة تدعو إلى الطمأنينة. ولعل أكثر عقود الدولة في دول العام الثالث أخذا بأسلوب التحكيم كوسيلة لفض المنازعات هي عقود استثمار الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن, وعقود الإنشاء والإدارة وتحويل الملكية المعروفة اختصارا باسم B.O.T ولقد استقرت أحكام هيئات التحكيم الدولية على أن الدولة التي تقبل بشرط التحكيم في العقود التي تبرمها مع أطراف أجنبية لا يمكنها التمسك بحصانتها القضائية أمام هيئة التحكيم لأن الدولة بقبولها شرط التحكيم تكون قد تنازلت عن حصانتها ومن ثم فإنه لا يمكن بعد قبول شرط التحكيم وعند بدء إجراءاته أن تدفع الدولة برد دعوى التحكيم استنادا إلى حصانتها القضائية لأن هذا يتنافى مع مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية, وهو من المبادئ المستقرة في المعاملات الدولية, يضاف إلى ذلك أن محاولة التحلل من شرط التحكيم بعد الاتفاق عليه في العقد المبرم مع طرف أجنبي بذريعة الحصانة القضائية من شأنه أن يهز ثقة المتعاملين مع الجهات الحكومية ويجعل المستثمرين الأجانب يمتنعون عن الاستثمار في الدولة التي لا تحترم تعهداتها.
ومن ناحية أخرى فقد استقرت قاعدة في الفقه والقضاء الدوليين مفادها أن شرط التحكيم يبقى ساريا ونافذا بعد إنهاء الدولة للعقد بإرادتها المنفردة. وقد أكدت هذه القاعدة اتفاقية واشنطن المبرمة سنة 1965 والخاصة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدولة ورعايا الدول الأخرى, حيث نصت المادة 25 من هذه الاتفاقية على أنه إذا اتفق الأطراف على التحكيم فلا يجوز لأي طرف أن يسحب موافقته منفردا, يضاف إلى ذلك أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 وتاريخ 21/12/1962, نص على أنه مع التسليم بالسيادة الدائمة للشعوب والأمم على مواردها الطبيعية فإنه يجب التأكيد على التزام الدول باحترام اتفاقيات التحكيم.
ولما كان شرط التحكيم المنصوص عليه في العقد ملزما لطرفيه, فإنه من الأفضل للجهة الحكومية ألا تلتزم مسبقا بهذا الالتزام وإنما تترك موضوع الاتفاق على التحكيم إلى المستقبل أي بعد نشوب النزاع, فإن قدرت حينئذ أن المصلحة العامة تستوجب اللجوء إلى التحكيم لتسوية النزاع أبرمت مع الطرف المتعاقد اتفاقا مستقلا بشأن التحكيم يسمى في المصطلح القانوني باسم (مشارطة التحكيم) تمييزا له عن (شرط التحكيم) الذي يرد في صلب العقد.
وتتنوع العقود الإدارية إلى أنواع عديدة نذكر منها عقد التوريد, وعقد التوظيف, وعقد الأشغال العامة والتي يكون موضوعها إنشاء الجسور أو الأنفاق أو المطارات أو الموانئ وغير ذلك من الأعمال الإنشائية, وعقد التشغيل والصيانة وعقد استثمار ثروة طبيعية مثل المياه أو النفط أو الغاز أو المعادن, وعقد نقل التكنولوجيا, وغير ذلك من العقود اللازمة لتسيير المرافق العامة وتنفيذ المشروعات والبرامج الإنمائية.
والأصل في العقود الإدارية أن الخلافات الناشئة عن تنفيذها أو تفسيرها تدخل ضمن اختصاص هيئات القضاء الإداري, ففي مصر وفرنسا يختص مجلس الدولة (وهو هيئة قضائية إدارية) بالفصل في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية. وفي المملكة العربية السعودية يختص ديوان المظالم كهيئة قضاء إداري بالفصل في العقود التي تكون الحكومة أو أحد الشخصيات المعنوية العامة طرفا فيها سواء أكانت هذه العقود إدارية أم غير إدارية.
واختلفت اتجاهات الأنظمة القانونية حيال مشروعية اللجوء إلى التحكيم في الفصل في منازعات العقود الإدارية, ففي مصر ثار خلاف كبير في الفقه والقضاء حول مشروعية التحكيم في منازعات هذه العقود إلى أن تدخل المشروع للقانون رقم 9/1997 الذي أجاز الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية شريطة أن يكون هذا الاتفاق قد تم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للشخصيات الاعتبارية العامة ولا يجوز التفويض في ذلك.
أما في فرنسا فقد كان محظورا اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية إلا أن هذا الوضع قد تعدل بموجب قانون صدر في عام 1986 حيث اقتصر حظر التحكيم في العقود الداخلية مع بعض الاستثناءات وأجاز التحكيم بشروط معينة في العقود الإدارية الدولية أي العقود التي تبرم مع مؤسسات وشركات أجنبية.
وفي المملكة العربية السعودية نصت المادة الثالثة من نظام التحكيم بأنه (لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء, ويجوز بقرار مجلس الوزراء تعديل هذا الحكم). وقررت المادة الثامنة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم أنه (في المنازعات التي تكون جهة حكومية طرفا فيها مع آخرين ورأت اللجوء إلى التحكيم يجب على هذه الجهة إعداد مذكرة بشأن التحكيم في هذا النزاع مبينا فيها موضوعه ومبررات التحكيم وأسماء الخصوم لرفعها لرئيس مجلس الوزراء للنظر في الموافقة على التحكيم ويجوز بقرار مسبق من رئيس مجلس الوزراء أن يرخص لهيئة حكومية في عقد معين بإنهاء المنازعات الناشئة عنه عن طريق التحكيم. وفي جميع الحالات يتم إخطار مجلس الوزراء بالأحكام التي تصدر فيها).
ومما سبق يتضح أن القاعدة العامة في النظام السعودي أنه من غير الجائز للهيئات الحكومية اللجوء إلى التحكيم لفض الخلافات التي تنشأ عن العقود التي تبرمها مع الغير, وأنه يترتب على ذلك بطلان أي شرط يرد في أي عقد مبرم بين جهة حكومية وجهة أخرى ينص على تسوية المنازعات عن طريق التحكيم. وأنه استثناء من هذا الحظر يجوز بموافقة رئيس مجلس الوزراء اللجوء إلى التحكيم.
والواقع أن موافقة رئيس مجلس الوزراء على اللجوء للتحكيم في المنازعات الناشئة عن عقود الدولة تعد بمثابة صمام الأمان الذي به يمكن التأكد من أن اختيار التحكيم هو الوسيلة الأكثر ملاءمة لتحقيق المصلحة العامة.
ومن نافلة القول إن التحكيم هو إحدى الوسائل التي تساعد على تشجيع أصحاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الدول التي تسعى لجذب الأموال الأجنبية للاستثمار على أرضها. لأن المستثمر الأجنبي يفضل عادة أسلوب التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات لأنه يتوجس خيفة من انحياز القضاء الوطني لدولته ويرى في التحكيم وسيلة محايدة تدعو إلى الطمأنينة. ولعل أكثر عقود الدولة في دول العام الثالث أخذا بأسلوب التحكيم كوسيلة لفض المنازعات هي عقود استثمار الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن, وعقود الإنشاء والإدارة وتحويل الملكية المعروفة اختصارا باسم B.O.T ولقد استقرت أحكام هيئات التحكيم الدولية على أن الدولة التي تقبل بشرط التحكيم في العقود التي تبرمها مع أطراف أجنبية لا يمكنها التمسك بحصانتها القضائية أمام هيئة التحكيم لأن الدولة بقبولها شرط التحكيم تكون قد تنازلت عن حصانتها ومن ثم فإنه لا يمكن بعد قبول شرط التحكيم وعند بدء إجراءاته أن تدفع الدولة برد دعوى التحكيم استنادا إلى حصانتها القضائية لأن هذا يتنافى مع مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية, وهو من المبادئ المستقرة في المعاملات الدولية, يضاف إلى ذلك أن محاولة التحلل من شرط التحكيم بعد الاتفاق عليه في العقد المبرم مع طرف أجنبي بذريعة الحصانة القضائية من شأنه أن يهز ثقة المتعاملين مع الجهات الحكومية ويجعل المستثمرين الأجانب يمتنعون عن الاستثمار في الدولة التي لا تحترم تعهداتها.
ومن ناحية أخرى فقد استقرت قاعدة في الفقه والقضاء الدوليين مفادها أن شرط التحكيم يبقى ساريا ونافذا بعد إنهاء الدولة للعقد بإرادتها المنفردة. وقد أكدت هذه القاعدة اتفاقية واشنطن المبرمة سنة 1965 والخاصة بتسوية منازعات الاستثمار بين الدولة ورعايا الدول الأخرى, حيث نصت المادة 25 من هذه الاتفاقية على أنه إذا اتفق الأطراف على التحكيم فلا يجوز لأي طرف أن يسحب موافقته منفردا, يضاف إلى ذلك أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 وتاريخ 21/12/1962, نص على أنه مع التسليم بالسيادة الدائمة للشعوب والأمم على مواردها الطبيعية فإنه يجب التأكيد على التزام الدول باحترام اتفاقيات التحكيم.
ولما كان شرط التحكيم المنصوص عليه في العقد ملزما لطرفيه, فإنه من الأفضل للجهة الحكومية ألا تلتزم مسبقا بهذا الالتزام وإنما تترك موضوع الاتفاق على التحكيم إلى المستقبل أي بعد نشوب النزاع, فإن قدرت حينئذ أن المصلحة العامة تستوجب اللجوء إلى التحكيم لتسوية النزاع أبرمت مع الطرف المتعاقد اتفاقا مستقلا بشأن التحكيم يسمى في المصطلح القانوني باسم (مشارطة التحكيم) تمييزا له عن (شرط التحكيم) الذي يرد في صلب العقد.