منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#42392
بعد أن صارت مبادئ الصيرفة والتجارة الإسلامية عِلما قائما بذاته له نظرياته وأسسه الفكرية الخاصة به، تصبح مسألة المحافظة عليه أمرا أصعب بكثير من الجهد الشاق والمضني الذي بُذل في سبيل إنشائه.

وأصحاب المبادئ السامية ومنهم أصحاب الرسالات السماوية (الأنبياء) أكثر ما يخشونه هو استخدام أفكارهم لأغراض وغايات غير التي أتوا بها أو ألقيت على مسامعهم.

وواحدة من الدعائم التي تستند إليها الصيرفة الإسلامية هي الأخلاق الحميدة في التعامل التجاري والمصرفي. والأخلاق الحميدة غير مرتبطة بقوم أو دولة أو حتى دين معين.

ولكن المسؤولية الملقاة أمام الله وأمام البشر على عاتق الأشخاص الذين يتبعون هدى كتاب سماوي يحثهم على تطبيق الأخلاق الحميدة أكثر بكثير من قوم لا كتاب لهم.

واليوم ارتبط اسم الصيرفة والتجارة التي نتحدث عنها بالإسلام. بزوغها وازدهارها في عالم تعصف به الأزمات الاقتصادية ينعكس إيجابيا على الإسلام وفشلها ـــ لا سمح الله ـــ لا بد أن ينعكس سلبا على الإسلام.

وهذه المسألة في حد ذاتها تظهر عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الذين يديرون شؤون الصيرفة والتجارة والمال من وجهة نظر إسلامية. لذا، الاحتياط والحذر واجب ولا يجوز الاستكانة للنجاحات الباهرة التي تحققت حتى الآن.

والخطر الكامن، من وجهة نظري، لن يأتي إلا من شخص ينصب نفسه حكما وحيدا على النصوص المقدسة التي تعنى بشؤون الاقتصاد والمال والصيرفة. النص يبقى مقدسا كما هو، أما التفسير فلا يجوز منحه الدرجة ذاتها من القدسية والأهمية لأنه يختلف من جيل إلى جيل ومن زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان وحسب توجه المفسر وظروفه.

في بريطانيا حيث يزداد الإقبال من غير المسلمين على الصيرفة الإسلامية هناك هيئة شرعية يستشيرها البنك الإسلامي البريطاني في الأمور الخاصة بالشريعة، ولكن هذه الهيئة والمجلس الذي يدير المصرف على اطلاع تام بأن هناك أحكاما عامة على كل المصارف في بريطانيا العمل بها ولن يستثنى أي مصرف إسلامي منها.

أقول هذا بينما تتجه أنظار هذا المصرف الإسلامي صوب السويد والدول الاسكندنافية (شمالي أوروبا) ذات الثراء الفاحش، وحيث تتواجد جالية إسلامية كبيرة قد يقترب تعدادها من مليون شخص.

السلطات المالية في السويد بعد درس وتمحيص رأت أن لا مانع للمصارف الإسلامية من العمل، ولكن ضمن نطاق القوانين والأحكام التي تعمل بموجبها المصارف الأخرى.

القرار يبدو أنه أصاب بعض المصارف السويدية بالهلع وهي تقاوم دخول الصيرفة الإسلامية، ولكن لا أظن أنها ستنجح وسنحاول الكتابة عن هذا الموضوع ـــ بإذن الله.

ولكن قد لا يعرف أغلبية المسلمين أن السويد فيها مصارف تطبق آليات لا تختلف كثيرا عن الآليات التي تتبعها المصارف الإسلامية، حيث ظهرت بعض المصارف الصغيرة التي لا تقبل بمفهوم الربا وتعتمد الصدق والأمانة وعدم الغش ورفض الاستثمار في مجالات غير إنسانية وأخلاقية قبل أكثر من نصف قرن، أي عدة عقود قبل تأسيس أي مصرف إسلامي في أوروبا.

فلسفة هذه المصارف السويدية والمنتشرة حاليا في شمال أوروبا ولو على نطاق ضيق قريبة جدا من فلسفة المصارف الإسلامية لأنها ترى في الربا (سعر الفائدة) شرا للاقتصاد وسببا لكثير من الأزمات الاقتصادية وفقدان العدالة في توزيع الثروة والبطالة ومشاكل البيئة. والربا في فلسفتها تزيد الأغنياء مالا، وذلك بأخذ القليل الذي لدى الفقراء والمرابي إن كان فردا أو مؤسسة يحبذ المشاريع التي تعطي ربحية أكثر بغض النظر عن فائدتها وقيمتها الإنسانية.

الصيرفة الإسلامية ستكون أمام امتحان صعب عند دخولها السويد، حيث الأخلاق الحميدة هي الهدى لأغلبية المجتمع.

ليون برخو