منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#43447
يحمل "الإعلام الجديد" والإنترنت في طيّاتهما تحدّيات أمنية وسياسية واقتصادية وتشريعية وتنموية جدية لا بُدّ من مقاربتها بجديّة مماثلة، خصوصا تلك المتعلّقة بمسؤولية الأفراد الناجمة عن تعبيرهم عن النفس، داخل الإطار المهني وخارجه، عبر المواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الإجتماعي، والمنتديات، والهواتف الذكية، والمحتوى الرَقمي... وما قد يستتبع ذلك من موجبات قانونية، ومساءلة مهنية، ومحاسبة وظيفية وتعاقدية ومالية، وغيرها.


سمعنا منذ مدة عن فصل إعلامية من شبكة تلفزة إخبارية عالمية بسبب "تغريدة" شخصية على "تويتر"، عبّرت فيها عن رأيها بطريقة لم تتوافق وسياسة المحطّة، ولم تحظ بمباركة أرباب العمل والمموّلين والدّاعمين الكبار، مما أثار حفيظة هؤلاء، وأدّى إلى اتخاذ الإجراء الوظيفي في حقّها. ونسمع اليوم، همساً وغمزاً، عن تحدّيات "الإعلام الجديد" والإنترنت، وانعكاساتهما المتزايدة على المسيرة المهنية لعدد من "الضحايا" - القادة المنتخَبين، والمسؤولين الحكوميين، والديبلوماسيين، والإداريين، والمصرفيين، والإعلاميين، وغيرهم من كبار المديرين والموظفين... علماً أن بعض هؤلاء يُعتبَر من "أبطال الإعلام الجديد"، وأكبر مستهلكي الإنترنت، وأنجح المنتِجين "الهواة" للمحتوى الرَقَمي، في حياتهم الخاصة.

وتتكرّر الأمثلة يومياً، وتزداد معها الأسئلة: أين تقف المؤسسات من حقوق مديريها ومنسوبيها اذا أعلنوا مواقف شخصية قد لا تستسيغها بالضرورة أو تتلاءم مع توجّهاتها العامة، خصوصا عندما يرتكبون أخطاء أو هفوات رقَمية من تعليقات، و"تغريدات"، وصور، ومقاطع فيديو، وروابط إلكترونية، وغيرها؟ وهل يجوز أن يدفع المديرون والموظفون ضريبة مواقفهم الشخصية وآرائهم الخاصة، أكانت مُعلَنة أو إفتراضية، من رصيدهم المهني والوظيفي والتعاقدي والمالي؟ وما الذي يأتي أولاً: حرية رأي الموظفين ضمن مؤسّساتهم، وحقّهم في التعبير عن النفس، داخل الإطار المهني وخارجه، أم سياسة المؤسسات التي ينتمون إليها، والتي أصبحت تُرتِّب عليهم مسؤوليات، في كل مكان وزمان، حتى خلال عدم مزاولتهم عملهم؟ وأخيراً، هل نرى نوعاً جديداً من العقود الوظيفية، قد تَعتبر الموظف مفصولاً حُكماً اذا ارتكب خطأ أو هفوة رقمية، فلا يعود ينطبق عليه عندذاك بند "الصرف التعسّفي"؟!

وريثما تتم معرفة الحدّ الفاصل ما بين الشخصي والمهني في ثنايا "الإعلام الجديد" والإنترنت، وبالتالي تحديد المُباح من المحظور، وتمييز "الأبطال" الحقيقيين من "الضحايا" المحتملين... تبقى الخيارات المتاحة أمامنا في الحياة الخاصة تُراوِح ما بين "قرار المواجهة" سعياً للمحافظة على الحقوق والمكتسبات والحريّات، أو "واجب التحفُّظ" للحدّ من الخسائر والمسؤوليات والتبعات في الحياة المهنية.