منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#44526
حدث انقلاب منغستو نواي بعد انفضاض مؤتمر أسمرا الذي عقدته حركة تحرير إرتريا ، فبعد انفضاض المؤتمر قمت بجولة في داخل إرتريا وذلك في عام

1960م . وعند حدوث الانقلاب كنت بالصدفة موجودا في مدينة أغوردات ، وهذا الانقلاب الذي قاده الجنرال ( منقستو نواي ) قائد الحرس الإمبراطوري في عام 1960م ضد الإمبراطور هيلي سيلاسي ونظامه يعتبر علامة بارزة في تاريخ نضال الشعب الأثيوبي ضد الإقطاع والعبودية ضد النظام الإمبراطوري الكهنوتي وضد المجاعات الطاحنة والتخلف .

ولكنني أبادر بالقول أن تقييم ثورة منقستو نواي هي من شأن أبناء الشعب الأثيوبي وطلائعه الذين يعتبرون الأقدر على دراستها ثم الحكم لها أو عليها . وما أقوله عنها يعتبر مجرد وجهة نظر قابلة للتصحيح ، أو ما يتعلق منها بقضيتنا .
وفي هذا الصياغ لابد وأن أشير بأن منقستو نواي وأقرانه من الضباط والمثقفين الذين تصدروا الانقلاب كانوا من الواضح وعبر الشعارات التي رفعوها كانوا يعبرون عن معاناة الشعب الأثيوبي ويتطلعون لتحقيق طموحاته المستقبلية . ورغم أن حركتهم فشلت في حينها إلا أنها ساهمت بشكل أساسي في زعزعة النظام الإمبراطوري من أساسه وفتحت الطريق للآخرين لكي يكملوا المشوار .
ففي بداية حركتهم كانوا قد اعتقلوا كل رموز النظام الإمبراطوري وأركانه الذين كانوا مستشارين ومنفذين للإمبراطور وسياساته . ولكن عندما شعروا بأن هناك تحرك مضاد لهم قد بدأ من بعض قطاعات الجيش والطيران لصالح الإمبراطور ، فأنهم جمعوا كل هؤلاء الكهنة من أعمدة النظام وقضوا عليهم دفعة واحدة ، وكانت تلك أكبر ضربة وجهت للإمبراطور هيلي سيلاسي حيث فقد توازنه وظل يتخبط إلى أن سقط للأبد .
أن هؤلاء الضباط تميزوا بشجاعة نادرة كانت مضربا للأمثال ، أولا بقيامهم بانقلابهم ضد هيلي سيلاسي في تلك الفترة المبكرة . وثانيا عندما فشلت حركتهم وبدأت مطاردتهم فإنهم كانوا يرفضون الاستسلام والوقوع في الأسر ، فعندما كان أحدهم يجد نفسه محاصرا كان يوجه مسدسه نحو رأسه قائلا ) : ( هكذا علمنا تيدروس )) ثم يضغط على الزناد ويخر صريعا . وتيدروس المقصود هنا هو الإمبراطور تيدروس الذي رفض الاستسلام للحملة البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر وظل يقاوم في معقله الأخير في قلعة ( مجدلا ) ، وفي النهاية وعندما أيقن من الهزيمة فإنه لم يستسلم بل وجه مسدسه إلى رأسه وخر صريعا ولسان حاله يقول ( بيدي لا بيد عمرو) .أما قائد الانقلاب منقستو نواي فقد تم القبض عليه وهو جريح وعولج ثم قدم للمحكمة التي حكمت بإعدامه شنقا ، فقد أوحى إليه الإمبراطور بواسطة زبانيته لكي يطلب العفو الإمبراطوري ، لكنه رفض بكل إباء وشمم أن يطلب العفو ، وقال عبارته المشهورة أثناء تنفيذ حكم الإعدام حيث قال : (( إننا قد أدينا واجبنا ، وعندما تذهب أرواحنا إلى بارئها فإننا سنخطر أولئك الذين سبقونا بأننا غرسنا بذرة عميقة الجذور في التراب الإثيوبي لايمكن اقتلاعها ))
وبعدها تم شنقه ، وحقا إن عبارته كانت نبؤة صادقة ، فمن بعدهم استمرت الانتفاضات حتى أطاحت بهيلاسيلاسى.
وبصرف النظر عن موقفهم من قضيتنا ، ولكن في الإطار الإثيوبي لانملك إلا الإشادة بمنقستو نواي وأقرانه . فلقد كانت حركتهم ومواقفهم تمثل إلهاما للجيل الذي عاصرهم والجيل الذي جاء من بعدهم .
كما إن ثورة منقستو نواي كانت أيضا وفي التحليل النهائي لمصلحتنا في ارتريا لأنها لعبت دورا كبيرا في زعزعة نظام هيلاسيلاسى