ومتى يتحرك العقل العربي؟
تركي عبدالله السديري
كنت أتصور أن شاهد الإعجاز في كفاءة التاريخ الغربي هو كيفية تمكّنه من الحروب الدينية ثم تحييد الكنائس وفتح كل آفاق المجتمع لمختلف التنوعات الثقافية..
لم يكن ذلك سهلاً آنذاك.. ولم يكن من السهولة كبح أي طموح غير موضوعي عند زعامة مسيحية..
أتت الحروب الاستعمارية داخل الدول التي ربضت بطواعية يأس تحت قسوة الحكم الأجنبي، كما أتت بين الدول المتفوقة عسكرياً التي أرادت أن تحتوي المستعمرات من ناحية ثم أن تؤكد السيادة على أوروبا.. أيضاً كانت الحرب العالمية الثانية هي نهاية هذا السلوك العدواني الشرس والقاسي النتائج..
الحقيقة لم تكن الحرب العالمية الثانية هي فاصل الحجز بين سلوكيات قسوة ثم سلوكيات تفاهم، لأنه مازالت هناك تفاهمات سرية تحفظ لدول الغرب مصادر مكاسبها أياً كان نوع هذه المكاسب.. لكن الوصول إليها لا يتم عبر ميادين الحروب، وربما تكون أمريكا الدولة الوحيدة التي مازالت تؤمن بجدوى الحروب، لكنها غالباً لا تنتصر في كل ما تذهب إليه.. العراق مثلاً الذي انتصرت فيه على صدام حسين، لكن مازال العراق كمجتمع بعيداً عن نفوذها بل هو الأقرب إلى خصومها.. قبل العراق فيتنام ثم أفغانستان وباكستان بشكل غير مباشر..
تأتي ممارسة خاصة هي في نتائجها البشرية والإنسانية أقسى من الحروب.. استيراد العبيد.. أمر لم تمارسه أي دولة آسيوية أو أفريقية مثلما فعل ذلك الغرب.. لم يكونوا حضور عرض بشري يباع كما في العالم العربي سابقاً، وإنما كانوا شحنات بواخر ضخمة ترغمهم على مغادرة أفريقيا وتحولهم مرغمين أيضاً إلى عمال عبودية في مناخات مزارع حارة لا يفضلون هم العمل فيها، ولم يكن هناك أجر وإنما مواد غذاء متقشفة..
كيف خرجت أوروبا مع بداية القرن التاسع عشر، أي قبل قرنين، من هذه الآفاق المظلمة.. هذه السلوكيات البعيدة عن أي حس إنساني؟.. أرى أن كيف لن تتجه إلى الأوروبيين الذين حققوا تميزاً إنسانياً وسكانياً معاصراً، وإنما إلى العالم العربي.. كيف سيغادر هذا الاختلاط المخيف بين شتى المخاطر التي جعلت أرضه امتدادات ملاعب بالغة اليأس في استقلالية وجودها الإنساني؟..