- الخميس ديسمبر 22, 2011 5:21 pm
#45188
محاوله لشرح القضية السورية ..
بدءاً من منتصف آذار، وفي سياق “الربيع العربي”، انطلقت احتجاجات شعبية في سوريا. واجهها النظام منذ البداية بعنف مألوف منه، امتزج فيه على الدوم عدوانية وكره شديدان للمقموعين. لكن الاحتجاجات استمرت واتسعت. من درعا امتدت إلى ضواحي دمشق، ودمشق نفسها، وإلى اللاذقية وجبلة وحمص وبانياس.
ثابر النظام على مواجهتها بالعنف، وعلى نشر سردية تتكلم على مندسّين وإرهابيين وإمارات سلفية، وتتكلم على الفتنة الطائفية وقت كانت شعارات السوريين وممارساتهم من أنبل ما عرفت سوريا في تاريخها ومن أكثره وطنية.
فكان أن اتسعت الثورة أكثر وشملت حماة وإدلب ودير الزور وعشرات البلدات والمدن في أنحاء سوريا كلها.
النظام استمر في العنف والاعتقال والتعذيب.
لكنه اعترف بصورة مداورة، بأن الأزمة داخلية حين صار يتكلم على إصلاحات وحوار وطني. الإصلاحات كانت كلها لا شيء، ليس لأن القتل استمر والاعتقال والتعذيب تصاعدا بينما كان يجري الكلام على الإصلاح، بل كذلك لأن الإصلاح المزعوم لا يطال من قريب أو بعيد “النظام”: الحكم الأبدي الوراثي في الأسرة الأسدية، وحاكمية المخابرات وحصانتها، والموقع الامتيازي غير المراقب حيال الموارد الوطنية لطغمة السلطة.
الاحتجاجات اتسعت. وفي الصيف كان يتجمع مئات الألوف في ساحة العاصي في حماة، ومثلهم في دير الزور، والمئات والألوف وعشرات الألوف في عشرات البؤر في طول سوريا وعرضها.
النظام استمر في العنف والاعتقال والتعذيب. والكذب الصفيق.
يعرف العالم كثيراً من القصص في هذا الشأن. في المقابل، ليس هناك رواية واحدة من مصدر مستقل تقول إن عنفاً مارسه المحتجون خلال الشهور الأولى للثورة. ولا واحدة على الإطلاق.
النظام اعتمد أساساً في القمع على الأجهزة الأمنية الشهيرة طوال عقود بوحشيتها وحصانة رجالها. لكنه لم يكتف به. هي مهيأة لمواجهة تنظيمات معارضة مسالمة، وليس احتجاجات شعبية واسعة. زجّ بميليشيا الشبّيحة المكوّنة من موالين مرتزقة، أشد وحشية بعد من المخابرات، وأشد ولاء. فوق هؤلاء وأولئك، زجّ بالجيش النظامي في مواجهة الشعب الثائر (هذا بينما شجع مدنيين، فلسطينيين وسوريين، على التوجه نحو جبهة الجولان المحتل، وقد قتل منهم فوق عشرين في ذكرى احتلال فلسطين في 15 أيار 2011).
لكن الجيش، وهو مهمل طوال عقود، أخذ يتفتت بتأثير هذا التسخير اللاإنساني واللاوطني له، فكان أن “انشقّ” عنه جنود وضباط في مجموعات صغيرة، لكن مجموعها بلغ الألوف. من المرجح جداً أن مئات من هؤلاء الشبان الشجعان قتلتهم المخابرات لرفضهم إطاعة الأوامر بإطلاق النار على المحتجين العزّل، وأن كثيرين منهم قتلوا في مواجهة مع عناصر المخابرات والجيش الموالي. يعرف هؤلاء الجنود أن النظام لا يدّخر لهم غير القتل الشنيع إن تمكّن منهم. لذلك، ولأنهم جنود، يواجهونه بالسلاح وبقوة، دفاعياً في الغالب، وهجومياً في حالات قليلة. ومنهم تشكّل “الجيش الحر” الذي يصعب القول إنه موحّد، إطاراً أو توجهاً، السيئ التسليح أيضاً، والمفتقر حتماً لوسائل اتصال مأمونة.
في المحصلة، تسبّب النظام بتشقق الجيش الوطني، وهو الذي لم يقترح في أيّ وقت حلاًّ سورياً للأزمة الوطنية المتفاقمة، ولم يعترف بأيّ معارضين أو يتفاوض معهم.
استثار السلوك العدواني المتغطرس للنظام استنكاراً شعبياً عربياً مهماً، و”امتعاضاً” من الدول العربية، واستنكاراً غربياً. كانت علاقة النظام مع القوى الغربية والدول العربية تتحسن أكثر وأكثر في السنوات الأخيرة، ولم يكن هناك أيّ سبب لانتكاسها غير سلوك النظام اللاإنساني حيال محكوميه، وخشية هذه القوى من أن تتحول سوريا بؤرة فوضى واضطراب تتسع في الإقليم ككل، وتمسّ بمصالحها.
الأوروبيون والأميركيون قرروا عقوبات اقتصادية متصاعدة مع تصاعد قمع النظام. دول عربية سحبت سفراءها من دمشق.
وبعد أربعة شهور طويلة من الثورة، وفوق 2000 شهيد، دخلت الجامعة العربية على خط معالجة الأزمة. في زيارته الأولى لسوريا، تكلم أمينها العام على وعود إصلاحية من النظام، ما كان مثار إحباط شديد في الشارع السوري الذي أحسّ أن ظهره الى الجدار.
شعارات السوريين صارت تعكس هذا الشعور بأنهم متروكون لمصيرهم في مواجهة نظام لا ضمير وطنياً أو إنسانياً له. هتفوا: يا ألله، ما إلنا غيرك يا ألله! وسخروا من الجامعة العربية، وأسقطوا العالم كله: يسقط النظام والمعارضة، تسقط الأمة العربية والإسلامية، يسقط العالم، يسقط كل شيء! والتوقيع “كفرنبل المحتلة”!
على أن السوريين أظهروا عزماً مذهلاً على الاستمرار في احتجاجاتهم السلمية. في شهر تموز كان ما يقدَّر بمليون ونصف مليون ينزلون إلى الشوارع أيام الجمع. لكن في مطلع آب أخذ النظام يحتل المدن بالدبابات، حماة، ودير الزور، وحمص عاصمة الثورة السورية. وبدءاً من مطلع رمضان، مطلع آب نفسه، صارت التظاهرات يومية في عشرات البؤر، والقتل يومياً، وبمعدل بين العشرين والخمسة وعشرين يومياً، من دون استثناء عيدي الفطر والأضحى. مَن يحتمل أنهم اعتقلوا، يقدَّر مجموعهم بعشرات الألوف، وقد يتجاوز مئة ألف. قُتل ناشطون عمداً. عذِّب أكثر الناشطين، وقُتل بعضهم تحت التعذيب. أهين السكان في مناطق متنوعة. اغتصبت نساء وأولاد. عومل الثائرون وعموم بيئات الثورة بعدائية وحقد شديدين.
بعد تسعة شهور، تظهر الثورة السورية عزماً متجدداً لا يفتر. هذا مدهش حتى لمن هو منحاز قلباً وقالباً للثورة مثل كاتب هذه السطور.
لكن منذ نهاية الصيف أخذت تعلو أصوات تدعو إلى الردّ على العنف بالعنف، وصارت تطرح على المستوى السياسي قضية الحماية الدولية للمدنيين السوريين.
المعارضة السورية التي لم تشكل إطاراً سياسياً فاعلاً لمساعدة الثورة إلا في وقت متأخر جداً، مطلع تشرين الأول، وجدت نفسها في وضع متناقض: إن لم تعتنق قضية الثورة، إسقاط النظام، وهي التي لم تفجرها، ومشاركتها المباشرة فيها ضئيلة أو معدومة، فإنه لن يكون لها أي تأثير عليها، وستبقى “معارضة تقليدية” قبل ثورية وغير ثورية؛ لكن إذا اعتنقت قضية الثورة التي، مرةً أخرى، لم تفجرها ومشاركتها المباشرة فيها محدودة، فإنها ربما تغدو منفعلة بها، مقودة لها، بدل أن تكون فاعلة أو قائدة. هذه هي المعضلة التي يواجهها المجلس الوطني الذي حاز شرعية شعبية لأنه وقف بوضوح ومن دون غمغمة إلى جانب الثورة، لكن يصعب القول إنه يشغل موقعاً قائداً لها.
اللافت عموماً أن مطالب الحماية الدولية والحظر الجوي والمنطقة العازلة، وكذلك دعم “الجيش الحر”، صدرت من أوساط الثورة المباشرة، في حمص وإدلب وضواحي دمشق ودرعا ودير الزور، الأكثر تحسساً بما يجري على الأرض. قد تكون هذه المطالبات خرقاء سياسياً، وتنم عن تفكير “قَرايا” معزولة، لا يزعج “السرايا” السورية، ولا يصل الى “السرايا” العالمية (يمكن القول بقدر كافٍ من اليقين إن إسلاميين هم من كانوا أكثر دفعاً في هذا الاتجاه، وهذا أمر يتعيّن التوقف عنده).
خلال هذا كله ثابر النظام على خطة واحدة وحيدة: القضاء على الثورة بالعنف، وبالكذب المطلق.
لكنه لم ينجح إلا في مزيد من تفتت الجيش، وانتشار العنف في البلد، ووقوع حوادث طائفية في غير مكان، حمص بخاصة. الشواهد المتواترة من حمص وغيرها تفيد أن النظام يجتهد في التحريض الطائفي، إما كي يلعب دور الإطفائي (لم تبق أي سيارة إطفاء صالحة في حمص!)، وإما كي يسوّغ سحقه للمناطق الثائرة.
منذ مطلع تشرين الثاني الماضي تسارعت جهود الجامعة العربية، وقبِل النظام مبادرة عربية لم ينفّذ منها شيئاً، ثم علّقت الجامعة مشاركة النظام في اجتماعاتها، وطالبته بالقبول بمراقبين عرب يتأكدون من وقفه للعنف وإفراجه عن جميع معتقلي الثورة. راوغ النظام كعادته، ولم يلتزم في النهاية شيئاً، واستمر في القتل اليومي والاعتقال اليومي.
الدول العربية مرتبكة لأنها لا تريد تدويل المشكلة، لكن يبدو أن الحيلة أعيتها، وهي لا تستطيع أن تعطي النظام مهلاً إلى الأبد من أجل حل عربي. ليس وراء ذلك مشاعر أخوية خاصة، لكن لأن من شأن التدويل أن يضعفها دولاً منفردة ومجموعة، معنوياً وسياسياً. ثم أن من شأن تفلت الأوضاع السورية من أي تحكم، والتفلت هو سمة تعامل النظام مع الاحتجاجات الشعبية، أن يؤدي إلى تحوّل سوريا منطقة اضطرابات وفوضى، لا بد أن تنعكس على محيطها كله.
ويبدو أن الأزمة السورية تنزع بالفعل إلى التفلت من أيدي الجميع، الأيدي السورية والعربية قبل الجميع، وتتجه نحو التدويل.
لكن في عالم الدول- الدول أيضاً لا يبدو أن أحداً راغب في التدخل. لا شيء يغريهم، وهناك الكثير مما يقلقهم من تبعات التدخل المحتملة. لكنهم، لكل أنواع الأسباب، لا يستطيعون ألا يكونوا مبالين: فإما يُسقط السوريون النظام بقواهم الخاصة، ولا تريد القوى الدولية ألا يكون لها تأثير على هذا الاحتمال الذي يبدو اليوم مستبعداً، وإما تستمر الأوضاع الحالية، وتنذر بأن تتحول سوريا بؤرة فوضى في إقليم حيوي، وهو ما لا يناسب مصالح القوى الدولية والعربية جميعاً.
المقدمة التي يبدو أن الدول كلها تبني سلوكها عليها، هي أن النظام السوري لا يمكن أن يستعيد السيطرة على البلد ويضمن استمرار حكمه. وكل الدلائل المتاحة تؤكد أنها مقدمة صحيحة.
لذلك لا يستطيع أحد، بخاصة قوى إقليمية ودولية مهمة، أن لا تهتم، وأن لا تحاول التأثير في مسار الأمور بما يضمن مصالحها. برغم ذلك، لا شيء يوحي بتلهف أي قوى دولية على التدخل في سوريا، خلافا للانطباع الذي تحرص على بثه إيديولوجيا الممانعة ومروّجوها الكثيرون. وعلى أرض هذه الإيديولوجيا السقيمة ذاتها، يمكن القول إنه أنسب لتلك القوى الغربية (المعادية تعريفاً وفي كل حال) أن يستمر النظام في تعذيب شعبه وقتله وتمزيقه، وأن تطول الأزمة السورية إلى ما شاء الله. الواقع أننا نرجح أن هذا هو التفضيل الثاني لإسرائيل فعلاً (تفضيلها الأول هو بقاء النظام سليماً بما يكفي ليضمن هدوء جبهة الجولان، أي باختصار: “الأسد أو لا أحد”، إسرائيليا أيضا!). أما الدول الغربية فلا يناسبها ذلك لأنه قد يتسبب في انتشار عدم الاستقرار في محيط أوسع، ولأنها لا تصدر عن منطق “الصراع التناحري” الذي تصدر عنه إسرائيل.
تبدو الدول العربية والقوى الغربية واقفة أمام معضلة: التدخل مكلف ومربك وغير مضمون النتائج، وعدم التدخل ليس خياراً مسؤولاً من وجهة نظر مصالحها. الأرجح أنها كانت تفضل لو كان النظام أقل عنجهية وإجراماً، بما يعفيها من الاضطرار إلى كل هذه الحسابات الصعبة. ليس الأمر أنها تعطي النظام مهلاً، على ما يقول ثائرون سوريون ساخطون. الأمر أنها مرتبكة، ومدركة أنه ليس لديها خيارات جيدة. هناك خيارات سيئة، وأخرى أكثر سوءاً. وعليها أن تحتسب لنفسها.
من بين ما تخشاه فراغ سياسي وأمني في سوريا بعد سقوط النظام. من هنا اهتمامها بوحدة المعارضة السورية. تريد بديلاً يجنّب البلد والمنطقة أخطار عدم الاستقرار. وهي تخشى شياطين كثيرة: أوضاع متفلتة (“الفوضى”)، نظام “إسلامي” متطرف، مسار ديموقراطي مثمر.
من جهتها، المعارضة السورية لا تستطيع أن تنعزل عن هذا الاهتمام الدولي أو تأخذ موقفاً تطهرياً منه، على ما تقضي إيديولوجيا الممانعة التي لم يوجع قلبها البتة سيلان دماء السوريين، لكنها متلهفة لتخوين معارضين سوريون شبّوا عن الطوق وتحللوا من عقدة النقص حيال النظام وعقيدته الكاذبة. ليس خياراً مكافئاً لغيره أن يتفاعل المعارضون السوريون مع العمليات الدولية الجارية حول بلدهم. بل هو ضرورة وواجب لا يعلى عليهما إلا مصلحة الشعب السوري. من شأن الانخراط في هذه العمليات أن يتيح لهم فرصاً للتأثير عليها في اتجاهات ملائمة للمصلحة الوطنية، ويحدّ من الاستفراد المحتمل لهذه القوى بصنع مستقبل البلد. أما الاستنكاف والتطهر فلا يغيّران شيئاً، وهما مؤشر إلى الانتهازية والتخاذل الفكري والسياسي، وليس على الشجاعة والمسؤولية الوطنية.
على أن هذا لا يجعل كل ضروب الانخراط متساوية، ولا يعفي من المسؤولية عن الخيارات السياسية التي يعتمدها المعارضون. القاعدة العامة البديهية هنا هي الحرص على مصلحة الشعب السوري وعلى الكرامة الوطنية السورية.
مختصر القصة أن في سوريا ثورة، واجهها النظام الأسدي بعنف لا إنساني ولا وطني، وقائعه معروفة أو يمكن التعرف إليها بسهولة، ويمكن الاستدلال عليه بيسر من منع النظام أي وسائل إعلام مستقلة من دخول البلد. وبينما لم يفكر لحظة واحدة في حل سوري يحقن دماء السوريين ويحول دون أي تدخلات خارجية، فإن النظام يمعن في تفويت فرصة حل عربي، ينصف محكوميه جزئيا، ويجنّب “الوطن العربي” تدخلاً دولياً جديداً مرهقاً.
هنا أصل القصة وفصلها.
إن حصل التدخل الدولي بحكم القانون (“دو جوري”، أي بتفويض قانوني من الأمم المتحدة؛ التدخل بحكم الواقع، “دو فاكتو”، حاصل دوماً)، وقد يحصل بعد تلكؤ، فليس لأن ثائرين على الأرض طلبوه، ولا لأن ثائرين على الأرض ومعارضين سوريين تكلموا على حماية دولية، ولكن لأن هناك قاتلاً متمرساً اختطف 23 مليون رهينة، ويمعن في التنكيل بهم منذ تسعة شهور. وبينما يبدو متعذرا أن يستعيد الإمساك بزمام الأمور في البلد، فإن تبجحه وتطرفه قد يدفعان سوريا والمنطقة إلى نفق المجهول!
وليس غير هذا القاتل المتمرس من يمكنه أن يقطع، الآن، طريق التدويل ويجنّب البلد أسوأ أخطاره: يتوقف عن القتل، ويقبل أن يتحمل المسؤولية السياسية عنه، وأن سوريا لا يمكن أن تحكم على يده بعد اليوم.
أشد: طفح الكيل بسوريين فثاروا ضد النظام،
فواجههم هذا بعنف حقود وكذب مهول،
فانتشرت الثورة،
فثابر النظام على العنف ونشر الكذب والكراهية،
فدخلت وساطات متنوعة كي ينضبط،
لكنه تصرف كشبّيح، وتوسع في العنف والبغضاء، وأفاض في الكذب،
ففرض القريبون والغريبون عقوبات عليه كي يتوقف عن العنف،
لكنه أمعن في قتل محكوميه الثائرين والافتراء والتحريض عليهم،
فصار بعض السوريين يواجهونه بالعنف،
فكان أن أوغل في عنفه وتغوّل فيه،
فعمل الأقربون على أن يحلّوا المشكلة في إطار عربي،
فتحايل وراوغ وكذب،
واشتد في العنف القاتل،
وفي تفريق محكوميه.
اليوم، بعد نحو تسعة شهور من العنف المهول والكذب المهول والبغض المهول، يبدو أن الجميع داخل سوريا وخارجها مرتبكون في كيفية التعامل مع هذا الشبّيح الكريه، لكن يبدو أن الجميع يعرفون أنه لا بد لهم من وضع حد له، وإن لم يستقروا على شيء حتى الآن.
يُغفل هذا المختصر الأخير دور المعارضين السوريين. ليس هذا سهواً ولا تقليلاً من شأنهم. لكنه إقرار بأن مَن جرى تحطيمهم وتهميشهم طوال عقود، يصعب أن يصنعوا فرقاً حاسماً اليوم. هذا ما لا يحب أن يدركه إيديولوجيون، لم يجدوا ما يشغل بالهم في سوريا، إلا حين تفجرت ثورة في سوريا، وأخذ سوريون يفكرون ويتصرفون بطريقة مستقلة.
بدءاً من منتصف آذار، وفي سياق “الربيع العربي”، انطلقت احتجاجات شعبية في سوريا. واجهها النظام منذ البداية بعنف مألوف منه، امتزج فيه على الدوم عدوانية وكره شديدان للمقموعين. لكن الاحتجاجات استمرت واتسعت. من درعا امتدت إلى ضواحي دمشق، ودمشق نفسها، وإلى اللاذقية وجبلة وحمص وبانياس.
ثابر النظام على مواجهتها بالعنف، وعلى نشر سردية تتكلم على مندسّين وإرهابيين وإمارات سلفية، وتتكلم على الفتنة الطائفية وقت كانت شعارات السوريين وممارساتهم من أنبل ما عرفت سوريا في تاريخها ومن أكثره وطنية.
فكان أن اتسعت الثورة أكثر وشملت حماة وإدلب ودير الزور وعشرات البلدات والمدن في أنحاء سوريا كلها.
النظام استمر في العنف والاعتقال والتعذيب.
لكنه اعترف بصورة مداورة، بأن الأزمة داخلية حين صار يتكلم على إصلاحات وحوار وطني. الإصلاحات كانت كلها لا شيء، ليس لأن القتل استمر والاعتقال والتعذيب تصاعدا بينما كان يجري الكلام على الإصلاح، بل كذلك لأن الإصلاح المزعوم لا يطال من قريب أو بعيد “النظام”: الحكم الأبدي الوراثي في الأسرة الأسدية، وحاكمية المخابرات وحصانتها، والموقع الامتيازي غير المراقب حيال الموارد الوطنية لطغمة السلطة.
الاحتجاجات اتسعت. وفي الصيف كان يتجمع مئات الألوف في ساحة العاصي في حماة، ومثلهم في دير الزور، والمئات والألوف وعشرات الألوف في عشرات البؤر في طول سوريا وعرضها.
النظام استمر في العنف والاعتقال والتعذيب. والكذب الصفيق.
يعرف العالم كثيراً من القصص في هذا الشأن. في المقابل، ليس هناك رواية واحدة من مصدر مستقل تقول إن عنفاً مارسه المحتجون خلال الشهور الأولى للثورة. ولا واحدة على الإطلاق.
النظام اعتمد أساساً في القمع على الأجهزة الأمنية الشهيرة طوال عقود بوحشيتها وحصانة رجالها. لكنه لم يكتف به. هي مهيأة لمواجهة تنظيمات معارضة مسالمة، وليس احتجاجات شعبية واسعة. زجّ بميليشيا الشبّيحة المكوّنة من موالين مرتزقة، أشد وحشية بعد من المخابرات، وأشد ولاء. فوق هؤلاء وأولئك، زجّ بالجيش النظامي في مواجهة الشعب الثائر (هذا بينما شجع مدنيين، فلسطينيين وسوريين، على التوجه نحو جبهة الجولان المحتل، وقد قتل منهم فوق عشرين في ذكرى احتلال فلسطين في 15 أيار 2011).
لكن الجيش، وهو مهمل طوال عقود، أخذ يتفتت بتأثير هذا التسخير اللاإنساني واللاوطني له، فكان أن “انشقّ” عنه جنود وضباط في مجموعات صغيرة، لكن مجموعها بلغ الألوف. من المرجح جداً أن مئات من هؤلاء الشبان الشجعان قتلتهم المخابرات لرفضهم إطاعة الأوامر بإطلاق النار على المحتجين العزّل، وأن كثيرين منهم قتلوا في مواجهة مع عناصر المخابرات والجيش الموالي. يعرف هؤلاء الجنود أن النظام لا يدّخر لهم غير القتل الشنيع إن تمكّن منهم. لذلك، ولأنهم جنود، يواجهونه بالسلاح وبقوة، دفاعياً في الغالب، وهجومياً في حالات قليلة. ومنهم تشكّل “الجيش الحر” الذي يصعب القول إنه موحّد، إطاراً أو توجهاً، السيئ التسليح أيضاً، والمفتقر حتماً لوسائل اتصال مأمونة.
في المحصلة، تسبّب النظام بتشقق الجيش الوطني، وهو الذي لم يقترح في أيّ وقت حلاًّ سورياً للأزمة الوطنية المتفاقمة، ولم يعترف بأيّ معارضين أو يتفاوض معهم.
استثار السلوك العدواني المتغطرس للنظام استنكاراً شعبياً عربياً مهماً، و”امتعاضاً” من الدول العربية، واستنكاراً غربياً. كانت علاقة النظام مع القوى الغربية والدول العربية تتحسن أكثر وأكثر في السنوات الأخيرة، ولم يكن هناك أيّ سبب لانتكاسها غير سلوك النظام اللاإنساني حيال محكوميه، وخشية هذه القوى من أن تتحول سوريا بؤرة فوضى واضطراب تتسع في الإقليم ككل، وتمسّ بمصالحها.
الأوروبيون والأميركيون قرروا عقوبات اقتصادية متصاعدة مع تصاعد قمع النظام. دول عربية سحبت سفراءها من دمشق.
وبعد أربعة شهور طويلة من الثورة، وفوق 2000 شهيد، دخلت الجامعة العربية على خط معالجة الأزمة. في زيارته الأولى لسوريا، تكلم أمينها العام على وعود إصلاحية من النظام، ما كان مثار إحباط شديد في الشارع السوري الذي أحسّ أن ظهره الى الجدار.
شعارات السوريين صارت تعكس هذا الشعور بأنهم متروكون لمصيرهم في مواجهة نظام لا ضمير وطنياً أو إنسانياً له. هتفوا: يا ألله، ما إلنا غيرك يا ألله! وسخروا من الجامعة العربية، وأسقطوا العالم كله: يسقط النظام والمعارضة، تسقط الأمة العربية والإسلامية، يسقط العالم، يسقط كل شيء! والتوقيع “كفرنبل المحتلة”!
على أن السوريين أظهروا عزماً مذهلاً على الاستمرار في احتجاجاتهم السلمية. في شهر تموز كان ما يقدَّر بمليون ونصف مليون ينزلون إلى الشوارع أيام الجمع. لكن في مطلع آب أخذ النظام يحتل المدن بالدبابات، حماة، ودير الزور، وحمص عاصمة الثورة السورية. وبدءاً من مطلع رمضان، مطلع آب نفسه، صارت التظاهرات يومية في عشرات البؤر، والقتل يومياً، وبمعدل بين العشرين والخمسة وعشرين يومياً، من دون استثناء عيدي الفطر والأضحى. مَن يحتمل أنهم اعتقلوا، يقدَّر مجموعهم بعشرات الألوف، وقد يتجاوز مئة ألف. قُتل ناشطون عمداً. عذِّب أكثر الناشطين، وقُتل بعضهم تحت التعذيب. أهين السكان في مناطق متنوعة. اغتصبت نساء وأولاد. عومل الثائرون وعموم بيئات الثورة بعدائية وحقد شديدين.
بعد تسعة شهور، تظهر الثورة السورية عزماً متجدداً لا يفتر. هذا مدهش حتى لمن هو منحاز قلباً وقالباً للثورة مثل كاتب هذه السطور.
لكن منذ نهاية الصيف أخذت تعلو أصوات تدعو إلى الردّ على العنف بالعنف، وصارت تطرح على المستوى السياسي قضية الحماية الدولية للمدنيين السوريين.
المعارضة السورية التي لم تشكل إطاراً سياسياً فاعلاً لمساعدة الثورة إلا في وقت متأخر جداً، مطلع تشرين الأول، وجدت نفسها في وضع متناقض: إن لم تعتنق قضية الثورة، إسقاط النظام، وهي التي لم تفجرها، ومشاركتها المباشرة فيها ضئيلة أو معدومة، فإنه لن يكون لها أي تأثير عليها، وستبقى “معارضة تقليدية” قبل ثورية وغير ثورية؛ لكن إذا اعتنقت قضية الثورة التي، مرةً أخرى، لم تفجرها ومشاركتها المباشرة فيها محدودة، فإنها ربما تغدو منفعلة بها، مقودة لها، بدل أن تكون فاعلة أو قائدة. هذه هي المعضلة التي يواجهها المجلس الوطني الذي حاز شرعية شعبية لأنه وقف بوضوح ومن دون غمغمة إلى جانب الثورة، لكن يصعب القول إنه يشغل موقعاً قائداً لها.
اللافت عموماً أن مطالب الحماية الدولية والحظر الجوي والمنطقة العازلة، وكذلك دعم “الجيش الحر”، صدرت من أوساط الثورة المباشرة، في حمص وإدلب وضواحي دمشق ودرعا ودير الزور، الأكثر تحسساً بما يجري على الأرض. قد تكون هذه المطالبات خرقاء سياسياً، وتنم عن تفكير “قَرايا” معزولة، لا يزعج “السرايا” السورية، ولا يصل الى “السرايا” العالمية (يمكن القول بقدر كافٍ من اليقين إن إسلاميين هم من كانوا أكثر دفعاً في هذا الاتجاه، وهذا أمر يتعيّن التوقف عنده).
خلال هذا كله ثابر النظام على خطة واحدة وحيدة: القضاء على الثورة بالعنف، وبالكذب المطلق.
لكنه لم ينجح إلا في مزيد من تفتت الجيش، وانتشار العنف في البلد، ووقوع حوادث طائفية في غير مكان، حمص بخاصة. الشواهد المتواترة من حمص وغيرها تفيد أن النظام يجتهد في التحريض الطائفي، إما كي يلعب دور الإطفائي (لم تبق أي سيارة إطفاء صالحة في حمص!)، وإما كي يسوّغ سحقه للمناطق الثائرة.
منذ مطلع تشرين الثاني الماضي تسارعت جهود الجامعة العربية، وقبِل النظام مبادرة عربية لم ينفّذ منها شيئاً، ثم علّقت الجامعة مشاركة النظام في اجتماعاتها، وطالبته بالقبول بمراقبين عرب يتأكدون من وقفه للعنف وإفراجه عن جميع معتقلي الثورة. راوغ النظام كعادته، ولم يلتزم في النهاية شيئاً، واستمر في القتل اليومي والاعتقال اليومي.
الدول العربية مرتبكة لأنها لا تريد تدويل المشكلة، لكن يبدو أن الحيلة أعيتها، وهي لا تستطيع أن تعطي النظام مهلاً إلى الأبد من أجل حل عربي. ليس وراء ذلك مشاعر أخوية خاصة، لكن لأن من شأن التدويل أن يضعفها دولاً منفردة ومجموعة، معنوياً وسياسياً. ثم أن من شأن تفلت الأوضاع السورية من أي تحكم، والتفلت هو سمة تعامل النظام مع الاحتجاجات الشعبية، أن يؤدي إلى تحوّل سوريا منطقة اضطرابات وفوضى، لا بد أن تنعكس على محيطها كله.
ويبدو أن الأزمة السورية تنزع بالفعل إلى التفلت من أيدي الجميع، الأيدي السورية والعربية قبل الجميع، وتتجه نحو التدويل.
لكن في عالم الدول- الدول أيضاً لا يبدو أن أحداً راغب في التدخل. لا شيء يغريهم، وهناك الكثير مما يقلقهم من تبعات التدخل المحتملة. لكنهم، لكل أنواع الأسباب، لا يستطيعون ألا يكونوا مبالين: فإما يُسقط السوريون النظام بقواهم الخاصة، ولا تريد القوى الدولية ألا يكون لها تأثير على هذا الاحتمال الذي يبدو اليوم مستبعداً، وإما تستمر الأوضاع الحالية، وتنذر بأن تتحول سوريا بؤرة فوضى في إقليم حيوي، وهو ما لا يناسب مصالح القوى الدولية والعربية جميعاً.
المقدمة التي يبدو أن الدول كلها تبني سلوكها عليها، هي أن النظام السوري لا يمكن أن يستعيد السيطرة على البلد ويضمن استمرار حكمه. وكل الدلائل المتاحة تؤكد أنها مقدمة صحيحة.
لذلك لا يستطيع أحد، بخاصة قوى إقليمية ودولية مهمة، أن لا تهتم، وأن لا تحاول التأثير في مسار الأمور بما يضمن مصالحها. برغم ذلك، لا شيء يوحي بتلهف أي قوى دولية على التدخل في سوريا، خلافا للانطباع الذي تحرص على بثه إيديولوجيا الممانعة ومروّجوها الكثيرون. وعلى أرض هذه الإيديولوجيا السقيمة ذاتها، يمكن القول إنه أنسب لتلك القوى الغربية (المعادية تعريفاً وفي كل حال) أن يستمر النظام في تعذيب شعبه وقتله وتمزيقه، وأن تطول الأزمة السورية إلى ما شاء الله. الواقع أننا نرجح أن هذا هو التفضيل الثاني لإسرائيل فعلاً (تفضيلها الأول هو بقاء النظام سليماً بما يكفي ليضمن هدوء جبهة الجولان، أي باختصار: “الأسد أو لا أحد”، إسرائيليا أيضا!). أما الدول الغربية فلا يناسبها ذلك لأنه قد يتسبب في انتشار عدم الاستقرار في محيط أوسع، ولأنها لا تصدر عن منطق “الصراع التناحري” الذي تصدر عنه إسرائيل.
تبدو الدول العربية والقوى الغربية واقفة أمام معضلة: التدخل مكلف ومربك وغير مضمون النتائج، وعدم التدخل ليس خياراً مسؤولاً من وجهة نظر مصالحها. الأرجح أنها كانت تفضل لو كان النظام أقل عنجهية وإجراماً، بما يعفيها من الاضطرار إلى كل هذه الحسابات الصعبة. ليس الأمر أنها تعطي النظام مهلاً، على ما يقول ثائرون سوريون ساخطون. الأمر أنها مرتبكة، ومدركة أنه ليس لديها خيارات جيدة. هناك خيارات سيئة، وأخرى أكثر سوءاً. وعليها أن تحتسب لنفسها.
من بين ما تخشاه فراغ سياسي وأمني في سوريا بعد سقوط النظام. من هنا اهتمامها بوحدة المعارضة السورية. تريد بديلاً يجنّب البلد والمنطقة أخطار عدم الاستقرار. وهي تخشى شياطين كثيرة: أوضاع متفلتة (“الفوضى”)، نظام “إسلامي” متطرف، مسار ديموقراطي مثمر.
من جهتها، المعارضة السورية لا تستطيع أن تنعزل عن هذا الاهتمام الدولي أو تأخذ موقفاً تطهرياً منه، على ما تقضي إيديولوجيا الممانعة التي لم يوجع قلبها البتة سيلان دماء السوريين، لكنها متلهفة لتخوين معارضين سوريون شبّوا عن الطوق وتحللوا من عقدة النقص حيال النظام وعقيدته الكاذبة. ليس خياراً مكافئاً لغيره أن يتفاعل المعارضون السوريون مع العمليات الدولية الجارية حول بلدهم. بل هو ضرورة وواجب لا يعلى عليهما إلا مصلحة الشعب السوري. من شأن الانخراط في هذه العمليات أن يتيح لهم فرصاً للتأثير عليها في اتجاهات ملائمة للمصلحة الوطنية، ويحدّ من الاستفراد المحتمل لهذه القوى بصنع مستقبل البلد. أما الاستنكاف والتطهر فلا يغيّران شيئاً، وهما مؤشر إلى الانتهازية والتخاذل الفكري والسياسي، وليس على الشجاعة والمسؤولية الوطنية.
على أن هذا لا يجعل كل ضروب الانخراط متساوية، ولا يعفي من المسؤولية عن الخيارات السياسية التي يعتمدها المعارضون. القاعدة العامة البديهية هنا هي الحرص على مصلحة الشعب السوري وعلى الكرامة الوطنية السورية.
مختصر القصة أن في سوريا ثورة، واجهها النظام الأسدي بعنف لا إنساني ولا وطني، وقائعه معروفة أو يمكن التعرف إليها بسهولة، ويمكن الاستدلال عليه بيسر من منع النظام أي وسائل إعلام مستقلة من دخول البلد. وبينما لم يفكر لحظة واحدة في حل سوري يحقن دماء السوريين ويحول دون أي تدخلات خارجية، فإن النظام يمعن في تفويت فرصة حل عربي، ينصف محكوميه جزئيا، ويجنّب “الوطن العربي” تدخلاً دولياً جديداً مرهقاً.
هنا أصل القصة وفصلها.
إن حصل التدخل الدولي بحكم القانون (“دو جوري”، أي بتفويض قانوني من الأمم المتحدة؛ التدخل بحكم الواقع، “دو فاكتو”، حاصل دوماً)، وقد يحصل بعد تلكؤ، فليس لأن ثائرين على الأرض طلبوه، ولا لأن ثائرين على الأرض ومعارضين سوريين تكلموا على حماية دولية، ولكن لأن هناك قاتلاً متمرساً اختطف 23 مليون رهينة، ويمعن في التنكيل بهم منذ تسعة شهور. وبينما يبدو متعذرا أن يستعيد الإمساك بزمام الأمور في البلد، فإن تبجحه وتطرفه قد يدفعان سوريا والمنطقة إلى نفق المجهول!
وليس غير هذا القاتل المتمرس من يمكنه أن يقطع، الآن، طريق التدويل ويجنّب البلد أسوأ أخطاره: يتوقف عن القتل، ويقبل أن يتحمل المسؤولية السياسية عنه، وأن سوريا لا يمكن أن تحكم على يده بعد اليوم.
أشد: طفح الكيل بسوريين فثاروا ضد النظام،
فواجههم هذا بعنف حقود وكذب مهول،
فانتشرت الثورة،
فثابر النظام على العنف ونشر الكذب والكراهية،
فدخلت وساطات متنوعة كي ينضبط،
لكنه تصرف كشبّيح، وتوسع في العنف والبغضاء، وأفاض في الكذب،
ففرض القريبون والغريبون عقوبات عليه كي يتوقف عن العنف،
لكنه أمعن في قتل محكوميه الثائرين والافتراء والتحريض عليهم،
فصار بعض السوريين يواجهونه بالعنف،
فكان أن أوغل في عنفه وتغوّل فيه،
فعمل الأقربون على أن يحلّوا المشكلة في إطار عربي،
فتحايل وراوغ وكذب،
واشتد في العنف القاتل،
وفي تفريق محكوميه.
اليوم، بعد نحو تسعة شهور من العنف المهول والكذب المهول والبغض المهول، يبدو أن الجميع داخل سوريا وخارجها مرتبكون في كيفية التعامل مع هذا الشبّيح الكريه، لكن يبدو أن الجميع يعرفون أنه لا بد لهم من وضع حد له، وإن لم يستقروا على شيء حتى الآن.
يُغفل هذا المختصر الأخير دور المعارضين السوريين. ليس هذا سهواً ولا تقليلاً من شأنهم. لكنه إقرار بأن مَن جرى تحطيمهم وتهميشهم طوال عقود، يصعب أن يصنعوا فرقاً حاسماً اليوم. هذا ما لا يحب أن يدركه إيديولوجيون، لم يجدوا ما يشغل بالهم في سوريا، إلا حين تفجرت ثورة في سوريا، وأخذ سوريون يفكرون ويتصرفون بطريقة مستقلة.