- الأحد ديسمبر 25, 2011 3:56 pm
#46198
النـظـام الـرئـاسـي الامـريـكي :
إذا كان النظام البرلماني كأحد أساليب الحكم في إطار النظام الديمقراطي النيابي قد نشأ وتطور في إنجلترا
أولا قبل أن ينتشر خارجها ، فإن النظام الرئاسي بدوره قد نشأ وتطور في الو م أ .
وإذا كان النظام البرلماني يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات مع وجود نوع من التعامل بين كل من السلطة التشريعية والتنفيذية ،فإن النظام الرئاسي يقوم على أساس الفصل التام بين السلطتين .ويتميز أيضا وبصفة جوهرية بالفصل المطلق والتام بين السلطات ،غير أن هناك بعض الإستثناءات على هذا الفصل المطلق في علاقة السلطتين ،استثناءات محدودة مصدرها الدستور أحيانا والتطورات العملية في أحيان أخرى .
والإشكالية المطروحة :ماهي الأسس التي يقوم عليها هذا النظام؟
وسوف نبدأ بدراسة أركان النظام ، ثم نبحث بعد ذلك كيفية تطبيق هذا النظام في الو م أ باعتبارها بلد نشأة وتطور ذلك النظام.
مفهـوم النظام الرئاسي ودعـائـمه
مفهوم النظام الرئاسي:
النظام الرئاسي هو نظام يقوم على أساس الاستقلال والفصل الكبير بين السلطة التشريعية والتنفيذية وعدم إمكانية تأثير إحداهما على الأخر الشيء الذي يؤدي إلى وجود توازن بينهما بحكم الاستقلالية وليس بحكم وسائل التأثير المتبادل مثلما هو الحال في النظام البرلماني، ويعتبر النظام الأمريكي هو النموذج المثالي للنظام الرئاسي من الناحية النظرية على الأقل، ويقوم النظام الرئاسي على دعائم وتتمثل فيما يلي:
دعائم النظام الرئاسي:
1 أحادية السلطة التنفيذية : رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة ينتخبه الشعب بواسطة الاقتراع المباشر .البرلمان والسلطة التنفيذية يكونوا في كفة واحدة لأن كليهـما منتخبين من طرف الشعب، كما أن الرئيس والذي يقوم باختيار الوزراء الذين يساعدونه ،كماله حق عزلهم ،كما أن الوزراء يخضعون لرئيس الجمهورية خضوعا تاما ويتبعون السياسة العامة التي يضعها الرئيس ،لهذا فهم ليسوا مسؤولين أمام البرلمان بل أمامه فقط، الشيء الذي يجعل الوزراء مجرد كتاب للدولة فهم يطبقون توصيات وبرنامج الرئيس .
2 الفصل التام بين السلطات: وهنا أيضا نلحظ التقابل والاختلاف الجوهري بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي .ففي النظام البرلماني ـ كما سبق أن رأينا ـ يوجد تعاون ورقابة متبادلة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، فالفصل بين السلطتين هو إذن فصل نسبي أومرن .ولكن في النظام الرئاسي تسود فكرة الفصل التام بين السلطات ، فلقد تأثر واضعوا الدستور الأمريكي في عام 1787بأفكار مونتسكيو عن مبدأ الفصل بين السلطات ، ولكنهم لم يأخذوا بالفصل المرن بل أرادوا تحقيق الفصل التام بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية دون أي تداخل بين السلطتين ،وذلك بهدف تحقيق التوازن والمساواة الكاملة بينهما.
السلطة التنفيذية :الرئيس فهو الذي يتولى تحديد سياسة الدولة داخليا وخارجيا ،ويشرف على تنفيذها عن طريق الأعوان الذين يختارهم ، وهو يتصرف في كافة هياكل وأجهزة الدولة ومرافقها ، ويتمتع بالسلطة التنظيمية ،وليس له الحق في المبادرة بالتشريع بطرق مباشرة ورسمية ،حتى وان كان يمارس ذلك بطريق غير مباشرة.
السلطة التشريعية : يتكون البرلمان من نواب المنتخبين من طرف الشعب ، وقد يتشكل من مجلس واحد أو مجلسين والبرلمان مستقل تماما عن الرئيس.
السلطة القضائية : تتمثل في الأجهزة القضائية ،قمة الجهاز القضائي وهو المحكمة العليا الدستورية وهي مستقلة في ممارسة وظيفتها لأن القضاة معينين من طرف الرئيس ،ويبقون أحيانا مدى الحياة مما يؤدي بشعورهم بالاستقلالية والحرية ، وكذلك بأنهم يتمتعون بالحصانة .
وفيما يلي عرض لمظاهر هذا الفصل التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية:
1 لا يجوز الجمع بين المنصب الوزاري وعضوية البرلمان
2 لا يجوز للوزراء دخول البرلمان لشرح سياسة الرئيس او الدفاع عنها أو حتى لمناقشتهم من جانب البرلمان.
3 ليس من حق رئيس الجمهورية أقترح القوانين على البرلمان .
4 ليس من حق السلطة التنفيذية إعداد مشروع الميزانية ،فالبرلمان هو الذي يعد الميزانية العامة للدولة عن طريق لجانه الفنية ويقوم بمناقشتها وإقرارها ، وكل ما يسمح به من جانب السلطة التنفيذية هو تقديم تقرير سنوي يبين الحالة المالية للدولة ومصروفات الحكومة في السنة المنقضية و احتياجاتها للسنة الجديدة.
5 لا توجد رقابة من جانب البرلمان على رئيس الجمهورية والوزراء، فرئيس الجمهورية غير مسؤول سياسيا أمام البرلمان ،وكذلك لا يجوز للبرلمان أن يوجه أسئلة أو استجوابات للوزراء ،كما لا يجوز له مساءلتهم سياسيا وطرح الثقة بهم للتصويت وإقالتهم.
فالوزراء ليسوا مسؤولين سياسيا سوى أمام الرئيس وحده الذي قام بتعيينهم وله وحده حق عزلهم.
أما من الناحية الجنائية فقط ، فرئيس الجمهورية والوزراء تمكن أن يكونوا موضع اتهام ومحاكمة أمام البرلمان عن الجرائم التي يرتكبونها.
6 كذلك ليس للسلطة التنفيذية أي رقابة على البرلمان.
فلا يجوز لرئيس الجمهورية حق دعوة البرلمان لاجتماعاته السنوية العادية.
7 كذلك لا يجوز للرئيس حل البرلمان، ونحن نعرف أن حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان يتحقق في النظام البرلماني كسلاح يقابل ويوازن حق البرلمان في تحريك المسؤولية السياسية للوزراء ، ولكن في النظام الرئاسي لا يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان ومن ناحية المقابلة لا يحق للبرلمان مساءلة الرئيس أو وزرائه من الناحية السياسية.
كما نرى النظام الرئاسي يعمل على إقامة الفصل التام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، و يستهدف النظام الرئاسي من ذلك تحقيق المساواة الكاملة بين سلطتين واستغلال كل سلطة عن الأخرى بشكل كامل ، ولكن إذا كانت القاعدة أو الأصل العام هو الفصل المطلق إلا أن هناك حالات استثنائية وردت في الدستور الأمريكي وتمثل نوعا من التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعي ة، ولكننا نكرر أن تلك حالات استثنائية محدودة .
تطبيق النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية:
الولايات المتحدة هي البلد النموذجي للنظام الرئاسي حيث نشأ فيها بمقتضى دستور 1787 المطبق حتى الآن مع التعديلات المتلاحقة التي طرأت عليه نتيجة تطور المجتمع الأمريكي.ونظرا لأن النظام الرئاسي يقوم ركن فردية السلطة التنفيذية حيث تتركز هذه السلطة في يد رئيس الجمهورية وعلى ركن الفصل المطلق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، لذلك فإننا ندرس الحكم الرئاسي الأمريكي من حيث مركز رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ومن ناحية الكونغرس وعلاقته بحكومة الرئيس.
أركان النظام الرئاسي:
الفرع1 الرئيس: هو أقوى رجل في الدولة وهو زعيم الأمة المنتخب.
وقد أراد واضعوا دستور 1787 في مؤتمر فيلادلفيا أن يكون الرئيس قويا ليس فقط بانتخابه عن طريق الشعب ومندوب الشعب ، بل بالذات قويا بسلطته وامتيازاته الدستورية.
فهو رئيس السلطة التنفيذية اسما وفعلا ويمارسها بنفسه ووزراؤه ليسوا سوى كتاب دولة التابعين له وليس لهم استقلال عن الرئيس. والرئيس هو القائد العام للقوات المسلحة بما لذلك من أهمية في أمريكا .كذلك رئيس الجمهورية يضع السياسة العامة للدولة في الداخل والخارج بجانب اختصاصات أخرى كثيرة .
وسنعالج بقدر من التركيز جميع النقاط الهامة بالرئيس الأمريكي:
ا - أن يكون أمريكيا بالمولد .
ب - أن يبلغ من العمر 35 سنة على الأقل .
جـ- أن يكون قد أقام في الولايات المتحدة 14 سنة.
اختصاصات الرئيس : يتمتع الرئيس باختصاصات واسعة ومتنوعة تشمل كل نواحي السلطة التنفيذية التي تتركز أساسا في أيدي الرئيس بصفة أصلية ومباشرة.
وهناك اختصاصات أخرى ذات طابع قضائي أو طابع تشريعي.
رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي هو رئيس الحكومة في نفس الوقت فلا يوجد مجلس وزراء له كيان مستقل عن الرئيس ، بل إن الرئيس هو الذي يعين وزرائه ويعزلهم ويحدد اختصاصاتهم كيفما يشاء،ولا يلتزم عند وضعه لسياسة الدولة باستشارة وزرائه.
تنفيذ القوانين : المادة الثانية من الدستور الأمريكي تؤكد واجب رئيس الجمهورية في تنفيذ القوانين التي يضعها الكونغرس تنفيذا كاملا.
وهذا هو جوهر اختصاص أية سلطة تنفيذية:
تعيين الموظفين : الرئيس يرشح ثم يعين بعد موافقة مجلس الشيوخ كبار الموظفين مثل الوزراء والقناصل وقضاة المحكمة العليا.
إصدار اللوائح الادارية: هي أساس اللوائح التنفيذية للقوانين الاتحادية ، كما يصدر بعض اللوائح التنظيمية والتي تسمى باللوائح المستقلة لأنها لا تصدر تنفيذا لقانون معين وإنما لتنظيم بعض المرافق أو المصالح العامة ، وهناك ما يسمى باللوائح التفويضية التي يصدرها الرئيس بناء على تفويض من الكونغرس في موضوعات هي أصلا من اختصاصات الكونغرس مثل هذه التفويضات التشريعية الصادرة من الكونغرس يمكن أن تعتبر من مظاهر التعاون بين السلطتين في النظام الرئاسي.
الاختصاصات الحربية : وزع الدستور الأمريكي السلطات في المسائل الحربية والعسكرية بين الكونغرس وبين رئيس الجمهورية.
فالكونغرس يختص بإعلان الحرب والتجنيد و إنشاء القوات المسلحة ، ووضع القواعد اللازمة لتنظيمها.
أما الرئيس فهو بنص الدستور يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة.
الاختصاصات ذات الطابع السياسي : يختص الرئيس وحده بالاعتراف بالدول والحكومات الأجنبية ، واستقر الرأي على انفراد الرئيس بذلك دون إشراك الكونغرس معه على اعتبار أن الاعتراف اختصاص تنفيذي ، والقاعدة العامة هي الفصل التام الذي يمنع الكونغرس من التدخل في المسائل التنفيذية.
كما له الحق في عقد المعاهدات الدولية:
الاختصاصات ذات الطابع القضائي : يعطي الدستور للرئيس حق إلغاء العقوبة الجنائية أو تخفيضها أو إيقاف تنفيذها ، وأيضا حق العفو عن الجرائم التي ترتكب ضد قوانين الولايات المتحدة.
ولكن الغريب هو الاعتراف للرئيس بحق العفو عن الجرائم ،وسر الغرابة في الأمر أن التجريم ورفع وصف التجريم عن بعض الأفعال هو من اختصاص البرلمان في كل الأنظمة النيابية ، ومن ثم إعطائه لرئيس الجمهورية يمثل مخالفة لبدأ الفصل التام بين السلطات الذي يتأسس عليه النظام الرئاسي.
الاختصاصات ذات الطابع التشريعي : استثناء على مبدأ الفصل المطلق بين السلطات هناك حالات استثنائية قررها الدستور ، ويتحقق فيها بعض التعاون والتأثير المتبادل بين السلطات.
وبناء على ذلك يسمح الدستور للرئيس من قبيل الاستثناء التدخل في النشاط التشريعي للكونغرس من ناحتين:
ا- يحق للرئيس أن يقدم للكونغرس توصيات تشريعية خاصة بأحوال الاتحاد من وقت لآخر.
ب- للرئيس حق الاعتراض التوقيفي على القوانين التي أقرها الكونغرس بمجلسيه ، بمعنى أن أثره ليس إعدام القانون الصادر تماما ،بل مجرد إقافه وإرجاعه للبرلمان بحيث إذا عاد ووافق عليه مرة أخرى بأغلبية ثلثي لأعضاء في كل من المجلسين صار المشروع المعترض عليه قانونا واجب النفاذ.
الفرع 2 الكونغرس: يمتاز المجتمع الأمريكي عن المجتمعات الأوربية كونه لم يرث نظام الطبقات الاجتماعية ،كطبقة النبلاء ، لهذا لم يكن المؤسس الأمريكي بحاجة إلى إيجاد مجلس للوردات ،ولكنه تجنبا لاحتكار السلطة التشريعية من قبل مجلس واحد، وزع السلطة التشريعية بين مجلسين .وقد شجع هذا التوجه الطابع الفدرالي للدولة ذاته ، إذ أصبح معقولا أن يوجد مجلس
آخر: مجلس يمثل الشعب الأمريكي ،وآخر يمثل الولايات .
وهكذا فالسلطة التشريعية متكونة من مجلسي : الشيوخ والنواب
ا-مجلس النواب : ويتم تشكيله بأسلوب الانتخاب العام على أساس عدد السكان كل ولاية() وهو يتكون من 435 عضوا، ومدة النيابة سنتين فقط قابلة للتجديد بالكامل.
ب-مجلس الشيوخ: يتشكل من 100 نائبا، منتخبا من طرف شعب الولاية ،ومدة نيابته ست سنوات ،ولكن يتم تجديد ثلث أعضاء المجلس 33 عضوا منهم كل سنتين .وتمثل فيه كل ولاية بنائبين ،مهما كانت أهميتها الاقتصادية والجغرافية .
والأصل العام أن المجلسين يشتركان معا في ممارسة السلطة ، فالقانون لابد من إقراره في المجلسين معا بالأغلبية المطلقة .ولكن مع ذلك يتميز مجلس الشيوخ ببعض الاختصاصات دون مجلس النواب ،فمجلس الشيوخ كما سبق أن ذكرنا تجب موافقته عند تعيين رئيس الجمهورية لكبار الموظفين ،كذلك يجب موفقته على المعاهدات بأغلبية ثلثي أعضائه حتى تكون نافذة.
يضاف إلى ذلك أن مجلس الشيوخ يكتسب أهمية خاصة نظرا لأنه المجلس الممثل للولايات ولأنه محدود في عدد أعضائه بالنظر لمجلس النواب ،وكذلك مدة نيابته أطول من مدة نيابة مجلس النواب.
وليس لمجلس النواب تلك الاختصاصات ،كل ذلك يجعل لمجلس الشيوخ ولأعضائه مكانة خاصة وعليا في الحياة السياسية الأمريكية.
يضاف إلى ذلك أن الكونغرس بمجلسيه يملك وسيلة أخرى هامة للتأثير على سياسة الرئيس داخليا وخارجيا، هذه الوسيلة هي ضرورة موافقة الكونغرس على ميزانية الاتحاد وعلى الاعتمادات الإضافية التي يطلبها الرئيس وإدارته ،يملك الكونغرس وسيلة رقابية فعالة عن طريق اقرار الميزانية والاعتمادات المالية.
وأخيرا يجب أن نذكر أن الحياة العملية قد فرضت هي الأخرى وسائل للتعاون وأحيانا للرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهذا التعاون راجع إلى حالة انتماءهم إلى نفس الحزب السياسي.
الفرع3 المحكمة العليا: يبدو واضح أن واضعي الدستور الأمريكي لعام 1787 قد تأثروا بصيغة منتيسكو ()،التي أكد من خلالها بأن النظام الإنجليزي يتضمن سلطة قضائية مستقلة ، وهذه الصيغة قد لعبت دورا هاما في إرساء ضرورة إقامة مؤسسة قضائية مستقلة ، في أذهان واضعي الدستور الاتحادي .
وقد ترجمت هذه الرغبة في النص على إنشاء المحكمة العليا التي يعد العمود الثالث للدستور الأمريكي ، الذي اعتنق النظام الفيدرالي ،الذي يتطلب بدوره وجود هيئة قضائية تتولى الفصل في النزاعات المحتملة بين الدول الأعضاء الداخلة في الاتحاد.
وكانت فكرة إنشاء المحكمة العليا استجابة لهذا المطلب الضروري.
هذا و تمتاز تشكلة المحكمة العليا باستقرار عددأ عضائها ،حيث تتكون من 9 قضاة منذ 1869 .ويتم انتخابهم من طرف الشعب هذا ما ينص عليه الدستور الأمريكي. ويعينون من طرف رئيس الجمهورية بموافقة مجلس الشيوخ ،وهناك اعتبارات تتعلق بالتوازن بين مختلف مكونات الأمة الأمريكية ،تدخل في توجيه اختيار الرئيس لأعضاء المحكمة العليا .
وبالتالي هم مستقلون في وظيفتهم عن السلطات الأخرى ، هذا وقد يعود شعور القضاة بهذا الاستقلال إلى كونهم معينين لمدى الحياة ، الأمر الذي ينمي في نفوسهم الإحساس بأنهم يمثلون المجتمع الأمريكي ، من جهة ،ويجسدون فكرة استمرارية الدولة ، من جهة ثانية كل هذه المؤشرات تبين أن هناك استقلالية بين السلطات.
وهناك نظام قضائي خاص بدولة اتحادية ،فهو يبنى على أساس الازدواجية.
نظام قضائي على مستوى الولايات : ينظر في النزاعات المحلية التي تثور داخل حدود الولاية.
نظام قضائي على مستوى الاتحاد : فهو المسمى المجلس الأعلى ورئيس هذا المجلس هو ثاني شخصية بعد رئيس الجمهورية وهو معين على مدى الحياة ومهمته هي الرقابة على دستورية القوانين.
اختصاصات المحكمة :
العليا: فتتلخص في حل النزاعات التي تكون فيها الدولة السفير ،أو الوزير طرفا .أما صلاحياتها كهيئة استئناف تمتد إلى المحاكمات المطروحة أمام المحاكم الفدرالية ، وبعض القضايا المطروحة أمام محاكم الدول الأعضاء الاتحاد.
الإستثناءات القانونية التي رسخها الدستور و الإستثناءات التي فرضتها الظروف السياسية:
في الواقع أن الو م أ تأخذ بالفصل التام بين السلطات ،لكن عمليا نجد أنه لا يوجد تطبيق لمبدأ الفصل التام ، فقد ظهرت معطيات جديدة ممكن أن نعتبرها أنها جاءت بفعل الدستور، أو أن الظروف فرضتها.
الإستثناءات القانونية التي رسخها الدستور:
1-حق الاعتراض التوفيقي: للرئيس حق الاعتراض على أي قانون أصدره البرلمان خلال مدة 10أيام من تبليغه ،وعند الاعتراض من طرف الرئيس يعاد القانون من جديد إلى الكونغرس،مع بيان أوجه أسباب الاعتراض.
-إذا وافق المجلسان التشريعيان على ذات القانون بأغلبية ثلثي أعضائهما ،فإن الاعتراض يسقط ويلتزم الرئيس وإدارته بتنفيذ القانون.
2-أعطى الدستور الحق للرئيس دعوة الكونغرس لانعقاد في الحالات الاستثنائية.
3-الدستور يخول للرئيس الحق في إخطار الكونغرس من وقت لآخر بأحوال الاتحاد ويقدم توصياته بالإجراءات التشريعية التي يراها ضرورية من وجهة نظره.
4-لمجلس الشيوخ أيضا دور رقابي على السياسة الخارجية التي يضعها رئيس الجمهورية، فقد اشترط الدستور ضرورة موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي أعضائه على المعاهدات الدولية التي يعقدها الرئيس.
5-أعطى الدستور لمجلس الشيوخ الحق في تعيين كبار الموظفين في الدولة.
6-الدستور أعطى لمجلس النواب(الغرفة الأولى) حق في توجيه الاتهام لأعضاء السلطة التنفيذية بما فيهم رئيس الجمهورية على أن يتولى مجلس الشيوخ محاكمتهم وهذا في حالة ارتكابهم لجنايات أو جنح مثل الخيانة العظمى .
وهنا لا نتكلم عن الأخطاء السياسية ففي هذه الحالة يصدر المجلس حكمه بأغلبية ثلثي أعضائه يتضمن عقوبة واحدة وهي العزل من الوظيفة.
الإستثناءات التي فرضتها الظروف السياسية:
1-وجود نظام الثنائية الحزبية خاصة إذا كان الرئيس الجمهورية ينضم إلى حزب معين وكانت الأغلبية في صفه .
2-اللجان البرلمانية كان لدا أثر في تقوية الصلة بين السلطتين(عن طريق هذه اللجان تلعب الجماعة الضاغطة دورها).
3-الكونغرس اعتمد على إنشاء لجان قضائية للتحقيق في بعض الاتهامات التي تنسب لأعضاء السلطة التنفيذية.
مبدأ الفصل بين السلطات في الو م أ قد تخلى عن صورة الفصل التام والمطلق في الحياة العملية وإن لم إلى درجة التعاون ،رغم هذا التطور لم يمنع إلى استقرار النظام السياسي في الو م أ.
ملاحظة هامة: لابد أن نفرق بين النظام الرئاسي والنظام الرئاساوي ،فالنظام الرئاسي هو الذي نتكلم عنه اليوم في بحثنا ،أما النظام الرئاساوي أسفرت عنه التجربة العالمية في الدول الأخرى.
أن معظم الاختصاصات يسيطر عليها رئيس الجمهورية ولو على حساب البرلمان لأن هذه الأنظمة كلها حاولت تطبيق النظام الرئاسي دون مراعاة البيئة.
النظام البرلماني :
إن النظام البرلماني هو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم "السلطة" بين هيئتين احدهما الحكومة أو مجلس الوزراء "الوزارة" وثانيهما البرلمان الذي يتم انتخاب أعضاءه من قبل الشعب مباشرة ومنه تنبثق الحكومة، ويجوز فيه البرلمان سحب الثقة عن الحكومة، كما يجوز للحكومة حل البرلمان، فهو إذاً نظام يعتمد التعاون والتوازن بين السلطات، وعلى مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.
وهناك من يعرف النظام البرلماني بشكل موجز ويرى بأنه ذلك النظام الذي يتضح فيه بوضوح التوازن والتعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية.
ويقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس كما يتطلب مجموعة متطلبات وله مجموعة من المزايا والعيوب، وسنتناول الموضوع في الفقرات أدناه:-
نشأة وتطور النظام البرلماني:
من المعروف إن نشأة النظام البرلماني ومهده الأول كانت بريطانيا، وقد تحددت أسسه وخصائصه ومميزاته فيها، وقد مر النظام البرلماني بتطورات كثيرة وفترة طويلة قبل أن يستقر على الشكل الذي هو عليه اليوم، وكذلك الحال بالنسبة للدول التي اقتبست النظام البرلماني فنرى تفاوتاً واضحاً في تطبيقات هذا النموذج.
لقد مر النظام البرلماني بتطورات عديدة كانت موازية ومتناغمه مع تطور التاريخ السياسي لبريطانيا نفسها فمن الملكية المطلقة في العصور الوسطى إلى الملكية المقيدة منذ القرن الثالث عشر إلى النظام البرلماني الذي أخذ صورته الكاملة في القرن التاسع عشر، فبعد أن كان الملوك في العصور الوسطى يتمتعون بسلطات مطلقه أخذت هذه السلطات تنكمش قليلاً حتى تضاءلت تماماً وأصبحت مجرد سلطات إسميه أو رمزية وكان التطور الأخير نتيجة تقرير المسؤولية الوزارية إمام البرلمان، وانتقال سلطات الملك إليهم وفي ظل حكومة أسرة "هانوج" التي وليت عرش بريطانيين من سنة1714 إلى سنة1873 والتي عجز ملوكها عن مباشره سلطاتهم واضطروا لأسباب مختلفة أن يتركوها بيد الوزراء
إن تطور ونجاح التجربة البريطانية في النظام البرلماني كشكل من أشكال الأنظمة السياسية الموجودة في دول العالم إلى الآخذ بهذا الشكل لأنظمتهم السياسية ولكن اختلاف البيئة الداخلية والخارجية لهذه الدولة أو تلك قد كان لها دور بارز وواضح في نجاح أو عدم نجاح هذه التجربة ولعل فشل التجربة البرلمانية العراقية في عشرينات القرن المنصرم خير دليل على ذلك.
أسس ومتطلبات النظام البرلماني :
يقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن إيجاز هذه الأسس والمتطلبات وكما يأتي:-
1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي.
2- وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات.
3- وجود نوع من الصرامه الحزبية أو الانضباط الحزبي.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات بشيء من التفصيل وكما يأتي:-
1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي.
إن ذلك يعني وجود منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وتكون المسؤولية السياسية ملغاة على عاتق الحكومة، وتكون الوزارة مسؤوله مسؤولية تضامنية أمام البرلمان وهذا يفضي بطبيعة الحال إلى وجود رئيس دولة بغض النظر سواء أكان ملكاً أم رئيساً للجمهورية، غير مسؤول سياسياً أي يسود ولا يحكم ويختص بأمور شكلية وفخرية ولكن رئيس الدولة يسأل جنائياً في الأنظمة الجمهورية "عكس الأنظمة الملكية التي تعد الملك منزه عن الخطأ وبالتالي عن المسؤولية".
ولذلك تبعاً لوظيفة الرئيس تلك انقسم الفقه بشأن دور الرئيس إلى قسمين قسم يرى سلبية ذلك الدور وأنه لا يستطيع ممارسة أي سلطات حقيقة، وقسم يرى أن الدستور يسند له بعض الصلاحيات والسلطات خصوصاً بعد التنسيق مع الوزارة .
أما الجهاز التنفيذي الثاني فهو الحكومة أو الوزارة، حيث أنها هي التي تضطلع بأعباء الحكم بوصفها المحور الرئيس للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني لذلك فالمسؤولية السياسية الكاملة تقع على عاتقها أمام الهيئة النيابية، ولذلك فالمسؤولية الوزارية تعد بالفعل حجر الزاوية في النظام البرلماني والركن الأساسي في بنائه وبدونها يفتقد هذا النظام جوهره وتتغير طبيعته وهذه المسؤولية قد تكون جماعية تضامنية أو فردية تتعلق بوزير أخر، وتعني المسؤولية التضامنية أو الجماعية إن الوزارة تكون مسؤولة بمجموعها عن السياسة العامة التي تسير عليها أمام البرلمان ويلزم الحصول على تأييده لها وإذا اعترض البرلمان على هذه السياسة ولم يوافق عليها فإن هذا يعني سحب الثقة من الوزارة وإسقاطها بمجموعها، أما المسؤولية الفردية فتتعلق بمسؤولية وزير واحد عن تصرفاته الخاصة بإدارة وزارته، وسحب الثقه منه يحتم عليه تقديم استقالته من الوزارة،
2- وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات.
فالنسبة لهذا الأساس فهو يعني أن توزيع الاختصاصات ما بين السلطات مرن غير جامد، فمع قيام السلطة التشريعية بوظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والتصديق عليها وبالمقابل فإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على الاتفاقيات التي تقدمها السلطة التنفيذية، وتنظيم العلاقة هذه بين السلطتين يكون قائماً على فكرة التوازن بينهما فهناك مساواة وتداخل بين السلطتين، فللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد وحتى حله، وكذلك للبرلمان الحق في استجواب الوزراء والتحقيق معهم وحجب الثقة عن الوزارة أي تقرير المسؤولية الوزارية.
ولعل هذا الأمر واضحاً جداً في بريطانيا حيث أن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكل الحكومة، ورئيس الوزراء يكون رئيس الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، وهنا تظهر وشائح العلاقة الواضحة ما بين الحكومة "بوصفها جزءاً من السلطة التنفيذية" والبرلمان "بوصفه جزءاً من السلطة التشريعية".
3- وجود نوع من الصرامه الحزبية أو الانضباط الحزبي.
وهو مطلب أساسي آخر، إذ يتطلب النظام البرلماني نوع من الانضباط الحزبي لأنه وكما قلنا فإن الحزب الفائز بالأغلبية البرلماني هو الذي يشكل الحكومة وبالتالي فإن الحكومة.. ومن الناحية النظرية سوف تتمتع بأغلبية برلمانية مساندة مما يسهل عمل الحكومة، وقد يثور التساؤل لماذا؟ فالجواب لأننا وكما نعرف إن السلطة المالية مثلاً بيد البرلمان فإنه في حالة وجود انضباط حزبي قد تكون أية خلافات وعدم التزام نائب من حزب الأغلبية بالتصويت لمشروع الحكومة سيؤدي إلى نوع من الجمود في العمل الحكومي. ولذلك نرى انه بمرور الوقت فإن الأحزاب البريطانية ولكونها تتبع النظام البرلماني نرى أنها تتميز بالانضباط الحزبي العالي بل والمركزية المفرطه في بعض الأحيان.
لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك دمج كامل للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وكأنهما جهاز واحد يعني انعدام المعارضة لأنه وإنْ كانت هناك أغلبية برلمانية مؤيدة للحكومة لكن هذا لا يلغي وجود المعارضة التي تنتقد أعمال الحكومة "حكومة الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية" إضافة إلى التقاليد الديمقراطية المترسخه منذ زمن طويل لهذه الأنظمة.
بيد إن هذا الكلام وإن أنطبق على الدول المتقدمة ديمقراطياً لكنه لا ينطبق في حقيقة الأمر على الدول ذات التجربة السياسية الحديثة والتي تفتقد إلى الجذور الديمقراطية والى ترسيخ قواعد وأحوال ممارسة العمل الحكومي بأسلوب ديمقراطي.
مزايا وعيوب النظام البرلماني:
للنظام البرلماني جملة من المزايا التي يتسم بها بيد إن ذلك لا يلغي كونه يحمل في طياته من العيوب والأمور السلبية أيضاً ويمكن إيضاح ذلك وكما يلي:-
أ- المزايا:
1- إنه يؤدي إلى التفاعل الحقيقي بين السلطات الثلاث التي تعد كلاً منها مكملة للأخرى.
2- إنه يرسخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد.
3- إن هناك المسؤولية السياسية مما يعني استحالة التهرب من الخطأ السياسي وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
4- إنه يؤدي إلى وحدة السيادة للدولة.
ب- العيوب:-
1- إنه قد يؤدي في دول عالم الجنوب إلى ظاهرة عدم الاستقرار للحكومة .
2- في ظل الاتجاهات الحزبية المعارضة والمتضاربة من الصعوبة بمكان الحصول على تأييد قوي لعمل الحكومة ،
3- إن رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص مما قد لا يفضي عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز للأمة.
4- إن الحكومة ستكون خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة وستكون الولاءات الضيقه حزبياً طافيه على السطح.
5- إن نظام غير فعال في الدول ذات التجربة السياسية الحديثة فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية
الفرق بين النظام الرئاسي و النظام البرلماني :
النظام البرلماني:
(1) النظام البرلماني هو نوع من أنواع الحكومات النيابية ويقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسئولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية ومسؤولية الوزراء إما أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية بالنسبة لأعمالهم.
يؤخذ بهذا النظام في الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه.
ومع أن السلطة التشريعية لها وظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والاشتراك في مناقشتها أمام البرلمان كذلك فيما يتعلق بوضع السياسات العامة من حق السلطة التنفيذية لكنها تمتلك الحق في نقاش السياسات وإبداء الرأي فيها كما تمتلك السلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على ما تعقده من اتفاقيات.
لذلك فمعظم العلاقة بين السلطتين مبنية على التوازن والتعاون أما ما يتعلق برئيس الدولة في النظام البرلماني فقد اختلف الفقهاء حول دوره في النظام البرلماني ويكون معظم دوره سلبياً ويكون مركزه مركز شرفي ومن ثم ليس له أن يتدخل في شؤون الإدارة الفعلية للحكم وكل ما يملكه في هذا الخصوص هو مجرد توجيه النصح والإرشاد إلى سلطات الدولة لذلك قيل أن رئيس الدولة في هذا النظام لا يملك من السلطة إلا جانبها الاسمي أما الجانب الفعلي فيها فيكون للوزراء.
لذلك فرئيس الدولة يترك للوزراء الإدارة الفعلية في شؤون الحكم وهو لا يملك وحده حرية التصرف في أمر من الأمور الهامة في الشؤون العامة أو حتى المساس بها وهذا هو المتبع في بريطانيا وهي موطن النظام البرلماني حتى صار من المبادئ المقررة أن (الملك يسود ولا يحكم).
فالنظام البرلماني المولود في بريطانيا انتقل إلى القارة الأوروبية في القرن التاسع عشر أرسيت قواعده في فرنسا بين عامي (1814-1840م) أي تحت الملكية واعتمدته بلجيكا عام (1831م) وهولندا في نهاية القرن التاسع عشر وكذلك النرويج و الدنمارك والسويد بين عامي (1900م-1914م) وكانت فرنسا في عام 1875م الدولة الأولى في العالم التي أرست جمهورية برلمانية.
أي أن الوظيفة الفخرية لرئيس الدولة والمجردة من السلطات الفعلية ساعدت في الإبقاء على ظاهر ملكي لنظام هو في الحقيقة نظام ديمقراطي، وبعد حرب 1914م انتشر النظام البرلماني في دول أوروبا الوسطى والجديدة التي أنشأتها معاهدة فرساي.
ويختلف الفقهاء حول الاختصاصات لرئيس الدولة، وذلك لتكليف البرلمان الاختصاصات الرئيسية للوزراء، ونستدل على بعض الآراء لهذه المهام في النظام البرلماني.
الوزارة هي السلطة الفعلية في النظام البرلماني والمسئولة عن شؤون الحكم أما رئيس الدولة فانه غير مسئول سياسياً بوجه عام فلا يحق له مباشرة السلطة الفعلية في الحكم طبقاً لقاعدة (حيث تكون المسؤولية تكون السلطة) وفي رأي آخر إن إشراك رئيس الدولة- ملكاً أو رئيساً للجمهورية- مع الوزارة في إدارة شؤون السلطة لا يتعارض مع النظام البرلماني بشرط وجود وزارة تتحمل مسؤولية تدخله في شؤون الحكم.
لذلك نرى من خلال الجانب العملي فإن الوزارة في النظام البرلماني هي المحور الرئيسي الفعال في ميدان السلطة التنفيذية حيث تتولى العبء الأساسي في هذا الميدان وتتحمل المسؤولية دون سلب رئيس الدولة حق ممارسة بعض الاختصاصات التي قررتها أو تقررها بعض الدساتير البرلمانية في الميدان التشريعي أو التنفيذي ولكن شريطة أن يتم ذلك بواسطة وزارته الأمر الذي يوجب توقيع الوزراء المعنيين إلى جانب رئيس الدولة على كافة القرارات المتصلة بشؤون الحكم إلى جانب صلاحية حضور رئيس الدولة إثناء اجتماعات مجلس الوزراء ولكن بشرط عدم احتساب صوته ضمن الأصوات.
لذلك يفرق الوضع الدستوري في بعض الدول بين مجلس الوزراء والمجلس الوزاري حيث يسمى المجلس بمجلس الوزراء إذا ما انعقد برئاسة رئيس الدولة ويسمى بالمجلس الوزاري إذا ما انعقد برئاسة رئيس الوزراء.
ورئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم ولكن حقه مقيد بضرورة اختيارهم من حزب الأغلبية في البرلمان- ولو لم يكن رئيس الدولة راضياً- فالبرلمان هو الذي يمنح الثقة للحكومة وتختلف الحكومات في النظام البرلماني بقوة أعضائها و الأحزاب المشتركة في الائتلاف حيث تسود الثنائية الحزبية عند وجود التكتلات المتوازنة في البرلمان.
وفي النظام البرلماني رئيس الدولة هو الذي يدعو لإجراء الانتخابات النيابية وتأتي بعد حل المجلس النيابي قبل انتهاء فترته أو عند انتهاء الفترة القانونية إلى جانب أن بعض الدساتير تمنح لرئيس الدولة الحق في التعيين في المجلس النيابي أو مجلس الشورى أو حل البرلمان.
(2)النظام البرلماني فتقوم العلاقة فيه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أساس التعاون وتبادل المراقبة. ويتميز الجهاز التنفيذي بالثنائية من حيث وجود رئيس دولة منصبه شرفي وحكومة تختار من حزب الأغلبية في البرلمان تمارس السلطة الفعلية وتكون مسئولة عنها أمام البرلمان، كما أن مسؤولية الحكومة تضامنية وهي مسؤولية سياسية تتمثل في وجوب استقالة كل حكومة تفقد ثقة البرلمان، بينما في النظام الرئاسي لا وجود لحكومة متجانسة متضامنة في المسؤولية.
وتقام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية علاقة تعاون وتوازن أبرزها حق الحكومة في الدفاع عن سياستها أمام البرلمان، والمشاركة في العملية التشريعية بما يمنحه لها الدستور من حق اقتراح القوانين والتصديق عليها، أما الرقابة المتبادلة فأبرز مظاهرها حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة ويقابله حق الحكومة في حل البرلمان.
النظام الرئاسي :
(1)إن مبدأ الفصل بين السلطات قد اتخذ المعيار لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة ويتضح النظام الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.
لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني أو في النظام النصف رئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير إرادته مثل ذلك عندما دعا الرئيس الأمريكي (لنكولن) مساعديه (الوزراء) إلى اجتماع وكان عددهم سبعة أشخاص حيث اجتمعوا على رأي مخالف لرأيه فما كان منه إلا أن رد عليهم بقوله المشهور (سبعة «لا» واحد «نعم» ونعم هي التي تغلب) لذلك نرى أن رئيس الدولة الأمريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي.
فعلى المستوى الوطني يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس إلى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونجرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين.
أما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسئول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الأجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الدبلوماسي الأول.
لذلك أصبح من المهم جداً في الأنظمة الجمهورية التقيد دستورياً في النظام الرئاسي أن يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشراً أو غير مباشر ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان شرعيته الديمقراطية والشعبية.
ولكن وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند أليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في الكونجرس فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره حزبياً في البرلمان والسعي إلى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.
الأنظمة النصف رئاسية :
إن النظام الذي أرساه الإصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961م بإقرار انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشامل دون إلغاء الإطار البرلماني و أنظمة برلمانية أخرى مارست أو تمارس هذا الشكل من الانتخاب الرئاسي مثل ألمانيا والنمسا عبر هذه التجارب يبرز نموذج متميز من العلاقات بين الحكومة والبرلمان يمكن تسميتها بالنصف رئاسي ويحدد الكاتب ( موريس دوزجيه ) هذا المفهوم للنظام النصف رئاسي (يبدو أن النظام النصف رئاسي اقرب إلى النظام البرلماني منه إلى النظام الرئاسي) وبالفعل فأننا نجد في هذا النظام العناصر الجوهرية للبرلمانية السلطة التنفيذية منقسمة بين رئيس دولة ووزارة يرأسها رئيس حكومة الوزارة هي مسئولة سياسياً أمام البرلمان أي أن هذا الأخير يسوغ له أن يرغم - عبر التصويت على حجب الثقة - رئيس الحكومة على الاستقالة مع مجموع وزارته وللسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان مما يزيد من نفوذها على الأخير. الفارق الأساسي يتعلق باختيار رئيس الدولة فعوضاً عن أن يكون منتخباً من قبل البرلمانيين أو عدد قليل من الوجهاء يكون هو رئيساً منتخباً بالاقتراع الشامل كما في الولايات المتحدة الأمريكية أنها حالة فرنسا والنمسا هذا ما كانت عليه الحالة في جمهورية ويمار وتعرف فنلندا منظومة مختلفة بعض الشيء اقرب إلى البرلمانية ينتخب فيها رئيس الجمهورية باقتراع غير مباشر من ناخبين رئاسيين معينين خصوصاً لهذا الهدف من قبل المواطنين لكن هؤلاء الناخبين هم منتخبون بالتمثيل النسبي ويجتمعون في جمعية الانتخاب الرئيس مما يجعل منهم وسطاء حقيقيين.
نظرية النظام النصف رئاسي
سبعة بلدان في الغرب عاشت تجربة دستور تنص أحكامه على انتخاب رئيس بالاقتراع الشامل ومنحه صلاحيات خاصة كما في النظام الرئاسي وعلى رئيس الحكومة أن يقود حكومة يمكن للنواب عزلها كما في النظام البرلماني في هذه البلدان لم يستمر ويثبت هذا النظام طويلاً في ألمانيا و ويمار أزاحها الإعصار الهتلري في البرلمان طبق فيها منذ ثمانية عشر شهراً بعد نصف قرن من الدكتاتورية في أمكنة أخرى عمل بهذا النظام دون اهتزازات منذ عشرين عاماً في فرنسا وثلاثين عاماً في فنلندا.
الصلاحيات الدستورية للرئيس في الدساتير السبعة نصف رئاسية منها في فرنسا فرئيس الدولة هو منظم أكثر منه حاكم يمكنه إعادة القوانين أمام البرلمان لدراستها من جديد ويمكنه حل الجمعية الوطنية وحتى اللجوء إلى الاستفتاء ويمكنه أن يختار رئيس الوزراء الذي يبدو أنه قادر على الحصول على دعم الأغلبية البرلمانية لكنه لا يشارك بنفسه في التشريع والحكم إلا في حالتين عبر تعيين كبار الموظفين وفي حالة الظروف الاستثنائية.
وفي ايرلندا سلطات الرئيس من الضعف بحيث نتردد في وصفه بالمنظم فلا يمكنه أن يقرر وحده دون موافقة رئيس الوزراء إلا عندما يطلب من المحكمة العليا التحقق من دستورية قانون صوت عليه البرلمان أو عندما يدعو أحد المجلسين أو كليهما للانعقاد في جلسة غير اعتيادية أو لتوجيه رسالة للنواب و أعضاء مجلس الشيوخ ويملك صلاحية الإعاقة لرفض الحل الذي يطالبه به رئيس الوزراء واللجوء إلى استفتاء تطلبه أغلبية مجلس الشيوخ وثلث مجلس النواب وهذه السلطات لا تعطي نفوذاً سياسياً لكنها تتجاوز وضعيته كرئيس دولة رمزي بحت.
غير أن النظام الفرنسي يبقى برلمانياً فرئيس الوزراء والوزراء يشكلون وزارة مسئولة أمام البرلمان الذي يستطيع إرغامها على الاستقالة بحجب الثقة عنها ولا تستطيع الحكومة أن تحكم إذا لم تحصل على أغلبية أصوات الجمعية الوطنية إن أهمية الأغلبية الديجولية منذ عام 1962م اخفت هذه المشكلة و إذا ما غابت من جديد هذه الأغلبية التي ميزت الجمهوريتين السابقتين فسوف يعمل النظام نصف الرئاسي على نحو مختلف جداً عنه اليوم. يتميز النظام السياسي الفرنسي بالميزة الثانية وهي ميزة الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية ومنظمة في الجمعية الوطنية منذ عام 1962م أيضاً ميزة التطابق بين التوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لرئيس الدولة الذي يقيم وحده وثيقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والميزة الأخرى أن الرئيس هو زعيم الأغلبية ورئيس الوزراء نفسه الأركان للرئيس.
إن أعجب ما في هذه الميزات يتعلق بتحول منظومة الأحزاب حتى عام 1955م عرفت أحزباً متعددة ضعيفة قليلة التنظيم تتجمع ضمن تحالفات هشة ومؤقتة وبصورة عامة موجهة نحو الوسط ومنذ عام 1962م تجمعت الأحزاب ضمن تحالفين كبيرين منظمين أحدهما يميني والآخر يساري وهذا يسمى (ثنائية الأقطاب) وهذا ما يشكل جوهر الأغلبية البرلمانية.
(2) يقوم النظام الرئاسي على حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة كما يقوم على الفصل التام بين السلطات فرئيس الدولة منتخب من قبل الشعب مالك السلطة ومصدرها، ويرأس رئيس الدولة الحكومة ويمارس سلطاته بنفسه وهو الذي يختار وزراءه الذين يقومون بتنفيذ السياسة العامة التي يرسمها لهم.
ومن أهم مظاهر الفصل بين السلطات حرمان السلطة التنفيذية من حق اقتراح القوانين وحرمان الوزراء ورئيس الدولة من الاشتراك في مناقشات البرلمان وحرمانهم أيضا من حل المجلس النيابي، ويقابل ذلك حرمان البرلمان من حق سحب الثقة من الرئيس أو وزرائه.
وقد نشـــأ النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن معالمه قد تغيرت كثيراً وبخاصة فيما يتعلق بالفصل بين السلطات إذ حل التعاون محل التباعد والاستقلال المطلق. أما النظام البرلماني فقد نشأ في انجلترا ومنها تحددت معالمه المذكورة أعلاه.
إذا كان النظام البرلماني كأحد أساليب الحكم في إطار النظام الديمقراطي النيابي قد نشأ وتطور في إنجلترا
أولا قبل أن ينتشر خارجها ، فإن النظام الرئاسي بدوره قد نشأ وتطور في الو م أ .
وإذا كان النظام البرلماني يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات مع وجود نوع من التعامل بين كل من السلطة التشريعية والتنفيذية ،فإن النظام الرئاسي يقوم على أساس الفصل التام بين السلطتين .ويتميز أيضا وبصفة جوهرية بالفصل المطلق والتام بين السلطات ،غير أن هناك بعض الإستثناءات على هذا الفصل المطلق في علاقة السلطتين ،استثناءات محدودة مصدرها الدستور أحيانا والتطورات العملية في أحيان أخرى .
والإشكالية المطروحة :ماهي الأسس التي يقوم عليها هذا النظام؟
وسوف نبدأ بدراسة أركان النظام ، ثم نبحث بعد ذلك كيفية تطبيق هذا النظام في الو م أ باعتبارها بلد نشأة وتطور ذلك النظام.
مفهـوم النظام الرئاسي ودعـائـمه
مفهوم النظام الرئاسي:
النظام الرئاسي هو نظام يقوم على أساس الاستقلال والفصل الكبير بين السلطة التشريعية والتنفيذية وعدم إمكانية تأثير إحداهما على الأخر الشيء الذي يؤدي إلى وجود توازن بينهما بحكم الاستقلالية وليس بحكم وسائل التأثير المتبادل مثلما هو الحال في النظام البرلماني، ويعتبر النظام الأمريكي هو النموذج المثالي للنظام الرئاسي من الناحية النظرية على الأقل، ويقوم النظام الرئاسي على دعائم وتتمثل فيما يلي:
دعائم النظام الرئاسي:
1 أحادية السلطة التنفيذية : رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة ينتخبه الشعب بواسطة الاقتراع المباشر .البرلمان والسلطة التنفيذية يكونوا في كفة واحدة لأن كليهـما منتخبين من طرف الشعب، كما أن الرئيس والذي يقوم باختيار الوزراء الذين يساعدونه ،كماله حق عزلهم ،كما أن الوزراء يخضعون لرئيس الجمهورية خضوعا تاما ويتبعون السياسة العامة التي يضعها الرئيس ،لهذا فهم ليسوا مسؤولين أمام البرلمان بل أمامه فقط، الشيء الذي يجعل الوزراء مجرد كتاب للدولة فهم يطبقون توصيات وبرنامج الرئيس .
2 الفصل التام بين السلطات: وهنا أيضا نلحظ التقابل والاختلاف الجوهري بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي .ففي النظام البرلماني ـ كما سبق أن رأينا ـ يوجد تعاون ورقابة متبادلة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، فالفصل بين السلطتين هو إذن فصل نسبي أومرن .ولكن في النظام الرئاسي تسود فكرة الفصل التام بين السلطات ، فلقد تأثر واضعوا الدستور الأمريكي في عام 1787بأفكار مونتسكيو عن مبدأ الفصل بين السلطات ، ولكنهم لم يأخذوا بالفصل المرن بل أرادوا تحقيق الفصل التام بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية دون أي تداخل بين السلطتين ،وذلك بهدف تحقيق التوازن والمساواة الكاملة بينهما.
السلطة التنفيذية :الرئيس فهو الذي يتولى تحديد سياسة الدولة داخليا وخارجيا ،ويشرف على تنفيذها عن طريق الأعوان الذين يختارهم ، وهو يتصرف في كافة هياكل وأجهزة الدولة ومرافقها ، ويتمتع بالسلطة التنظيمية ،وليس له الحق في المبادرة بالتشريع بطرق مباشرة ورسمية ،حتى وان كان يمارس ذلك بطريق غير مباشرة.
السلطة التشريعية : يتكون البرلمان من نواب المنتخبين من طرف الشعب ، وقد يتشكل من مجلس واحد أو مجلسين والبرلمان مستقل تماما عن الرئيس.
السلطة القضائية : تتمثل في الأجهزة القضائية ،قمة الجهاز القضائي وهو المحكمة العليا الدستورية وهي مستقلة في ممارسة وظيفتها لأن القضاة معينين من طرف الرئيس ،ويبقون أحيانا مدى الحياة مما يؤدي بشعورهم بالاستقلالية والحرية ، وكذلك بأنهم يتمتعون بالحصانة .
وفيما يلي عرض لمظاهر هذا الفصل التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية:
1 لا يجوز الجمع بين المنصب الوزاري وعضوية البرلمان
2 لا يجوز للوزراء دخول البرلمان لشرح سياسة الرئيس او الدفاع عنها أو حتى لمناقشتهم من جانب البرلمان.
3 ليس من حق رئيس الجمهورية أقترح القوانين على البرلمان .
4 ليس من حق السلطة التنفيذية إعداد مشروع الميزانية ،فالبرلمان هو الذي يعد الميزانية العامة للدولة عن طريق لجانه الفنية ويقوم بمناقشتها وإقرارها ، وكل ما يسمح به من جانب السلطة التنفيذية هو تقديم تقرير سنوي يبين الحالة المالية للدولة ومصروفات الحكومة في السنة المنقضية و احتياجاتها للسنة الجديدة.
5 لا توجد رقابة من جانب البرلمان على رئيس الجمهورية والوزراء، فرئيس الجمهورية غير مسؤول سياسيا أمام البرلمان ،وكذلك لا يجوز للبرلمان أن يوجه أسئلة أو استجوابات للوزراء ،كما لا يجوز له مساءلتهم سياسيا وطرح الثقة بهم للتصويت وإقالتهم.
فالوزراء ليسوا مسؤولين سياسيا سوى أمام الرئيس وحده الذي قام بتعيينهم وله وحده حق عزلهم.
أما من الناحية الجنائية فقط ، فرئيس الجمهورية والوزراء تمكن أن يكونوا موضع اتهام ومحاكمة أمام البرلمان عن الجرائم التي يرتكبونها.
6 كذلك ليس للسلطة التنفيذية أي رقابة على البرلمان.
فلا يجوز لرئيس الجمهورية حق دعوة البرلمان لاجتماعاته السنوية العادية.
7 كذلك لا يجوز للرئيس حل البرلمان، ونحن نعرف أن حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان يتحقق في النظام البرلماني كسلاح يقابل ويوازن حق البرلمان في تحريك المسؤولية السياسية للوزراء ، ولكن في النظام الرئاسي لا يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان ومن ناحية المقابلة لا يحق للبرلمان مساءلة الرئيس أو وزرائه من الناحية السياسية.
كما نرى النظام الرئاسي يعمل على إقامة الفصل التام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، و يستهدف النظام الرئاسي من ذلك تحقيق المساواة الكاملة بين سلطتين واستغلال كل سلطة عن الأخرى بشكل كامل ، ولكن إذا كانت القاعدة أو الأصل العام هو الفصل المطلق إلا أن هناك حالات استثنائية وردت في الدستور الأمريكي وتمثل نوعا من التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعي ة، ولكننا نكرر أن تلك حالات استثنائية محدودة .
تطبيق النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية:
الولايات المتحدة هي البلد النموذجي للنظام الرئاسي حيث نشأ فيها بمقتضى دستور 1787 المطبق حتى الآن مع التعديلات المتلاحقة التي طرأت عليه نتيجة تطور المجتمع الأمريكي.ونظرا لأن النظام الرئاسي يقوم ركن فردية السلطة التنفيذية حيث تتركز هذه السلطة في يد رئيس الجمهورية وعلى ركن الفصل المطلق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، لذلك فإننا ندرس الحكم الرئاسي الأمريكي من حيث مركز رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ومن ناحية الكونغرس وعلاقته بحكومة الرئيس.
أركان النظام الرئاسي:
الفرع1 الرئيس: هو أقوى رجل في الدولة وهو زعيم الأمة المنتخب.
وقد أراد واضعوا دستور 1787 في مؤتمر فيلادلفيا أن يكون الرئيس قويا ليس فقط بانتخابه عن طريق الشعب ومندوب الشعب ، بل بالذات قويا بسلطته وامتيازاته الدستورية.
فهو رئيس السلطة التنفيذية اسما وفعلا ويمارسها بنفسه ووزراؤه ليسوا سوى كتاب دولة التابعين له وليس لهم استقلال عن الرئيس. والرئيس هو القائد العام للقوات المسلحة بما لذلك من أهمية في أمريكا .كذلك رئيس الجمهورية يضع السياسة العامة للدولة في الداخل والخارج بجانب اختصاصات أخرى كثيرة .
وسنعالج بقدر من التركيز جميع النقاط الهامة بالرئيس الأمريكي:
ا - أن يكون أمريكيا بالمولد .
ب - أن يبلغ من العمر 35 سنة على الأقل .
جـ- أن يكون قد أقام في الولايات المتحدة 14 سنة.
اختصاصات الرئيس : يتمتع الرئيس باختصاصات واسعة ومتنوعة تشمل كل نواحي السلطة التنفيذية التي تتركز أساسا في أيدي الرئيس بصفة أصلية ومباشرة.
وهناك اختصاصات أخرى ذات طابع قضائي أو طابع تشريعي.
رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي هو رئيس الحكومة في نفس الوقت فلا يوجد مجلس وزراء له كيان مستقل عن الرئيس ، بل إن الرئيس هو الذي يعين وزرائه ويعزلهم ويحدد اختصاصاتهم كيفما يشاء،ولا يلتزم عند وضعه لسياسة الدولة باستشارة وزرائه.
تنفيذ القوانين : المادة الثانية من الدستور الأمريكي تؤكد واجب رئيس الجمهورية في تنفيذ القوانين التي يضعها الكونغرس تنفيذا كاملا.
وهذا هو جوهر اختصاص أية سلطة تنفيذية:
تعيين الموظفين : الرئيس يرشح ثم يعين بعد موافقة مجلس الشيوخ كبار الموظفين مثل الوزراء والقناصل وقضاة المحكمة العليا.
إصدار اللوائح الادارية: هي أساس اللوائح التنفيذية للقوانين الاتحادية ، كما يصدر بعض اللوائح التنظيمية والتي تسمى باللوائح المستقلة لأنها لا تصدر تنفيذا لقانون معين وإنما لتنظيم بعض المرافق أو المصالح العامة ، وهناك ما يسمى باللوائح التفويضية التي يصدرها الرئيس بناء على تفويض من الكونغرس في موضوعات هي أصلا من اختصاصات الكونغرس مثل هذه التفويضات التشريعية الصادرة من الكونغرس يمكن أن تعتبر من مظاهر التعاون بين السلطتين في النظام الرئاسي.
الاختصاصات الحربية : وزع الدستور الأمريكي السلطات في المسائل الحربية والعسكرية بين الكونغرس وبين رئيس الجمهورية.
فالكونغرس يختص بإعلان الحرب والتجنيد و إنشاء القوات المسلحة ، ووضع القواعد اللازمة لتنظيمها.
أما الرئيس فهو بنص الدستور يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة.
الاختصاصات ذات الطابع السياسي : يختص الرئيس وحده بالاعتراف بالدول والحكومات الأجنبية ، واستقر الرأي على انفراد الرئيس بذلك دون إشراك الكونغرس معه على اعتبار أن الاعتراف اختصاص تنفيذي ، والقاعدة العامة هي الفصل التام الذي يمنع الكونغرس من التدخل في المسائل التنفيذية.
كما له الحق في عقد المعاهدات الدولية:
الاختصاصات ذات الطابع القضائي : يعطي الدستور للرئيس حق إلغاء العقوبة الجنائية أو تخفيضها أو إيقاف تنفيذها ، وأيضا حق العفو عن الجرائم التي ترتكب ضد قوانين الولايات المتحدة.
ولكن الغريب هو الاعتراف للرئيس بحق العفو عن الجرائم ،وسر الغرابة في الأمر أن التجريم ورفع وصف التجريم عن بعض الأفعال هو من اختصاص البرلمان في كل الأنظمة النيابية ، ومن ثم إعطائه لرئيس الجمهورية يمثل مخالفة لبدأ الفصل التام بين السلطات الذي يتأسس عليه النظام الرئاسي.
الاختصاصات ذات الطابع التشريعي : استثناء على مبدأ الفصل المطلق بين السلطات هناك حالات استثنائية قررها الدستور ، ويتحقق فيها بعض التعاون والتأثير المتبادل بين السلطات.
وبناء على ذلك يسمح الدستور للرئيس من قبيل الاستثناء التدخل في النشاط التشريعي للكونغرس من ناحتين:
ا- يحق للرئيس أن يقدم للكونغرس توصيات تشريعية خاصة بأحوال الاتحاد من وقت لآخر.
ب- للرئيس حق الاعتراض التوقيفي على القوانين التي أقرها الكونغرس بمجلسيه ، بمعنى أن أثره ليس إعدام القانون الصادر تماما ،بل مجرد إقافه وإرجاعه للبرلمان بحيث إذا عاد ووافق عليه مرة أخرى بأغلبية ثلثي لأعضاء في كل من المجلسين صار المشروع المعترض عليه قانونا واجب النفاذ.
الفرع 2 الكونغرس: يمتاز المجتمع الأمريكي عن المجتمعات الأوربية كونه لم يرث نظام الطبقات الاجتماعية ،كطبقة النبلاء ، لهذا لم يكن المؤسس الأمريكي بحاجة إلى إيجاد مجلس للوردات ،ولكنه تجنبا لاحتكار السلطة التشريعية من قبل مجلس واحد، وزع السلطة التشريعية بين مجلسين .وقد شجع هذا التوجه الطابع الفدرالي للدولة ذاته ، إذ أصبح معقولا أن يوجد مجلس
آخر: مجلس يمثل الشعب الأمريكي ،وآخر يمثل الولايات .
وهكذا فالسلطة التشريعية متكونة من مجلسي : الشيوخ والنواب
ا-مجلس النواب : ويتم تشكيله بأسلوب الانتخاب العام على أساس عدد السكان كل ولاية() وهو يتكون من 435 عضوا، ومدة النيابة سنتين فقط قابلة للتجديد بالكامل.
ب-مجلس الشيوخ: يتشكل من 100 نائبا، منتخبا من طرف شعب الولاية ،ومدة نيابته ست سنوات ،ولكن يتم تجديد ثلث أعضاء المجلس 33 عضوا منهم كل سنتين .وتمثل فيه كل ولاية بنائبين ،مهما كانت أهميتها الاقتصادية والجغرافية .
والأصل العام أن المجلسين يشتركان معا في ممارسة السلطة ، فالقانون لابد من إقراره في المجلسين معا بالأغلبية المطلقة .ولكن مع ذلك يتميز مجلس الشيوخ ببعض الاختصاصات دون مجلس النواب ،فمجلس الشيوخ كما سبق أن ذكرنا تجب موافقته عند تعيين رئيس الجمهورية لكبار الموظفين ،كذلك يجب موفقته على المعاهدات بأغلبية ثلثي أعضائه حتى تكون نافذة.
يضاف إلى ذلك أن مجلس الشيوخ يكتسب أهمية خاصة نظرا لأنه المجلس الممثل للولايات ولأنه محدود في عدد أعضائه بالنظر لمجلس النواب ،وكذلك مدة نيابته أطول من مدة نيابة مجلس النواب.
وليس لمجلس النواب تلك الاختصاصات ،كل ذلك يجعل لمجلس الشيوخ ولأعضائه مكانة خاصة وعليا في الحياة السياسية الأمريكية.
يضاف إلى ذلك أن الكونغرس بمجلسيه يملك وسيلة أخرى هامة للتأثير على سياسة الرئيس داخليا وخارجيا، هذه الوسيلة هي ضرورة موافقة الكونغرس على ميزانية الاتحاد وعلى الاعتمادات الإضافية التي يطلبها الرئيس وإدارته ،يملك الكونغرس وسيلة رقابية فعالة عن طريق اقرار الميزانية والاعتمادات المالية.
وأخيرا يجب أن نذكر أن الحياة العملية قد فرضت هي الأخرى وسائل للتعاون وأحيانا للرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهذا التعاون راجع إلى حالة انتماءهم إلى نفس الحزب السياسي.
الفرع3 المحكمة العليا: يبدو واضح أن واضعي الدستور الأمريكي لعام 1787 قد تأثروا بصيغة منتيسكو ()،التي أكد من خلالها بأن النظام الإنجليزي يتضمن سلطة قضائية مستقلة ، وهذه الصيغة قد لعبت دورا هاما في إرساء ضرورة إقامة مؤسسة قضائية مستقلة ، في أذهان واضعي الدستور الاتحادي .
وقد ترجمت هذه الرغبة في النص على إنشاء المحكمة العليا التي يعد العمود الثالث للدستور الأمريكي ، الذي اعتنق النظام الفيدرالي ،الذي يتطلب بدوره وجود هيئة قضائية تتولى الفصل في النزاعات المحتملة بين الدول الأعضاء الداخلة في الاتحاد.
وكانت فكرة إنشاء المحكمة العليا استجابة لهذا المطلب الضروري.
هذا و تمتاز تشكلة المحكمة العليا باستقرار عددأ عضائها ،حيث تتكون من 9 قضاة منذ 1869 .ويتم انتخابهم من طرف الشعب هذا ما ينص عليه الدستور الأمريكي. ويعينون من طرف رئيس الجمهورية بموافقة مجلس الشيوخ ،وهناك اعتبارات تتعلق بالتوازن بين مختلف مكونات الأمة الأمريكية ،تدخل في توجيه اختيار الرئيس لأعضاء المحكمة العليا .
وبالتالي هم مستقلون في وظيفتهم عن السلطات الأخرى ، هذا وقد يعود شعور القضاة بهذا الاستقلال إلى كونهم معينين لمدى الحياة ، الأمر الذي ينمي في نفوسهم الإحساس بأنهم يمثلون المجتمع الأمريكي ، من جهة ،ويجسدون فكرة استمرارية الدولة ، من جهة ثانية كل هذه المؤشرات تبين أن هناك استقلالية بين السلطات.
وهناك نظام قضائي خاص بدولة اتحادية ،فهو يبنى على أساس الازدواجية.
نظام قضائي على مستوى الولايات : ينظر في النزاعات المحلية التي تثور داخل حدود الولاية.
نظام قضائي على مستوى الاتحاد : فهو المسمى المجلس الأعلى ورئيس هذا المجلس هو ثاني شخصية بعد رئيس الجمهورية وهو معين على مدى الحياة ومهمته هي الرقابة على دستورية القوانين.
اختصاصات المحكمة :
العليا: فتتلخص في حل النزاعات التي تكون فيها الدولة السفير ،أو الوزير طرفا .أما صلاحياتها كهيئة استئناف تمتد إلى المحاكمات المطروحة أمام المحاكم الفدرالية ، وبعض القضايا المطروحة أمام محاكم الدول الأعضاء الاتحاد.
الإستثناءات القانونية التي رسخها الدستور و الإستثناءات التي فرضتها الظروف السياسية:
في الواقع أن الو م أ تأخذ بالفصل التام بين السلطات ،لكن عمليا نجد أنه لا يوجد تطبيق لمبدأ الفصل التام ، فقد ظهرت معطيات جديدة ممكن أن نعتبرها أنها جاءت بفعل الدستور، أو أن الظروف فرضتها.
الإستثناءات القانونية التي رسخها الدستور:
1-حق الاعتراض التوفيقي: للرئيس حق الاعتراض على أي قانون أصدره البرلمان خلال مدة 10أيام من تبليغه ،وعند الاعتراض من طرف الرئيس يعاد القانون من جديد إلى الكونغرس،مع بيان أوجه أسباب الاعتراض.
-إذا وافق المجلسان التشريعيان على ذات القانون بأغلبية ثلثي أعضائهما ،فإن الاعتراض يسقط ويلتزم الرئيس وإدارته بتنفيذ القانون.
2-أعطى الدستور الحق للرئيس دعوة الكونغرس لانعقاد في الحالات الاستثنائية.
3-الدستور يخول للرئيس الحق في إخطار الكونغرس من وقت لآخر بأحوال الاتحاد ويقدم توصياته بالإجراءات التشريعية التي يراها ضرورية من وجهة نظره.
4-لمجلس الشيوخ أيضا دور رقابي على السياسة الخارجية التي يضعها رئيس الجمهورية، فقد اشترط الدستور ضرورة موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي أعضائه على المعاهدات الدولية التي يعقدها الرئيس.
5-أعطى الدستور لمجلس الشيوخ الحق في تعيين كبار الموظفين في الدولة.
6-الدستور أعطى لمجلس النواب(الغرفة الأولى) حق في توجيه الاتهام لأعضاء السلطة التنفيذية بما فيهم رئيس الجمهورية على أن يتولى مجلس الشيوخ محاكمتهم وهذا في حالة ارتكابهم لجنايات أو جنح مثل الخيانة العظمى .
وهنا لا نتكلم عن الأخطاء السياسية ففي هذه الحالة يصدر المجلس حكمه بأغلبية ثلثي أعضائه يتضمن عقوبة واحدة وهي العزل من الوظيفة.
الإستثناءات التي فرضتها الظروف السياسية:
1-وجود نظام الثنائية الحزبية خاصة إذا كان الرئيس الجمهورية ينضم إلى حزب معين وكانت الأغلبية في صفه .
2-اللجان البرلمانية كان لدا أثر في تقوية الصلة بين السلطتين(عن طريق هذه اللجان تلعب الجماعة الضاغطة دورها).
3-الكونغرس اعتمد على إنشاء لجان قضائية للتحقيق في بعض الاتهامات التي تنسب لأعضاء السلطة التنفيذية.
مبدأ الفصل بين السلطات في الو م أ قد تخلى عن صورة الفصل التام والمطلق في الحياة العملية وإن لم إلى درجة التعاون ،رغم هذا التطور لم يمنع إلى استقرار النظام السياسي في الو م أ.
ملاحظة هامة: لابد أن نفرق بين النظام الرئاسي والنظام الرئاساوي ،فالنظام الرئاسي هو الذي نتكلم عنه اليوم في بحثنا ،أما النظام الرئاساوي أسفرت عنه التجربة العالمية في الدول الأخرى.
أن معظم الاختصاصات يسيطر عليها رئيس الجمهورية ولو على حساب البرلمان لأن هذه الأنظمة كلها حاولت تطبيق النظام الرئاسي دون مراعاة البيئة.
النظام البرلماني :
إن النظام البرلماني هو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم "السلطة" بين هيئتين احدهما الحكومة أو مجلس الوزراء "الوزارة" وثانيهما البرلمان الذي يتم انتخاب أعضاءه من قبل الشعب مباشرة ومنه تنبثق الحكومة، ويجوز فيه البرلمان سحب الثقة عن الحكومة، كما يجوز للحكومة حل البرلمان، فهو إذاً نظام يعتمد التعاون والتوازن بين السلطات، وعلى مسؤولية الحكومة أمام البرلمان.
وهناك من يعرف النظام البرلماني بشكل موجز ويرى بأنه ذلك النظام الذي يتضح فيه بوضوح التوازن والتعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية.
ويقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس كما يتطلب مجموعة متطلبات وله مجموعة من المزايا والعيوب، وسنتناول الموضوع في الفقرات أدناه:-
نشأة وتطور النظام البرلماني:
من المعروف إن نشأة النظام البرلماني ومهده الأول كانت بريطانيا، وقد تحددت أسسه وخصائصه ومميزاته فيها، وقد مر النظام البرلماني بتطورات كثيرة وفترة طويلة قبل أن يستقر على الشكل الذي هو عليه اليوم، وكذلك الحال بالنسبة للدول التي اقتبست النظام البرلماني فنرى تفاوتاً واضحاً في تطبيقات هذا النموذج.
لقد مر النظام البرلماني بتطورات عديدة كانت موازية ومتناغمه مع تطور التاريخ السياسي لبريطانيا نفسها فمن الملكية المطلقة في العصور الوسطى إلى الملكية المقيدة منذ القرن الثالث عشر إلى النظام البرلماني الذي أخذ صورته الكاملة في القرن التاسع عشر، فبعد أن كان الملوك في العصور الوسطى يتمتعون بسلطات مطلقه أخذت هذه السلطات تنكمش قليلاً حتى تضاءلت تماماً وأصبحت مجرد سلطات إسميه أو رمزية وكان التطور الأخير نتيجة تقرير المسؤولية الوزارية إمام البرلمان، وانتقال سلطات الملك إليهم وفي ظل حكومة أسرة "هانوج" التي وليت عرش بريطانيين من سنة1714 إلى سنة1873 والتي عجز ملوكها عن مباشره سلطاتهم واضطروا لأسباب مختلفة أن يتركوها بيد الوزراء
إن تطور ونجاح التجربة البريطانية في النظام البرلماني كشكل من أشكال الأنظمة السياسية الموجودة في دول العالم إلى الآخذ بهذا الشكل لأنظمتهم السياسية ولكن اختلاف البيئة الداخلية والخارجية لهذه الدولة أو تلك قد كان لها دور بارز وواضح في نجاح أو عدم نجاح هذه التجربة ولعل فشل التجربة البرلمانية العراقية في عشرينات القرن المنصرم خير دليل على ذلك.
أسس ومتطلبات النظام البرلماني :
يقوم النظام البرلماني على مجموعة من الأسس والمتطلبات التي يتميز بها عن غيره من الأنظمة السياسية الأخرى ويمكن إيجاز هذه الأسس والمتطلبات وكما يأتي:-
1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي.
2- وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات.
3- وجود نوع من الصرامه الحزبية أو الانضباط الحزبي.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات بشيء من التفصيل وكما يأتي:-
1- وجود ثنائية الجهاز التنفيذي.
إن ذلك يعني وجود منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وتكون المسؤولية السياسية ملغاة على عاتق الحكومة، وتكون الوزارة مسؤوله مسؤولية تضامنية أمام البرلمان وهذا يفضي بطبيعة الحال إلى وجود رئيس دولة بغض النظر سواء أكان ملكاً أم رئيساً للجمهورية، غير مسؤول سياسياً أي يسود ولا يحكم ويختص بأمور شكلية وفخرية ولكن رئيس الدولة يسأل جنائياً في الأنظمة الجمهورية "عكس الأنظمة الملكية التي تعد الملك منزه عن الخطأ وبالتالي عن المسؤولية".
ولذلك تبعاً لوظيفة الرئيس تلك انقسم الفقه بشأن دور الرئيس إلى قسمين قسم يرى سلبية ذلك الدور وأنه لا يستطيع ممارسة أي سلطات حقيقة، وقسم يرى أن الدستور يسند له بعض الصلاحيات والسلطات خصوصاً بعد التنسيق مع الوزارة .
أما الجهاز التنفيذي الثاني فهو الحكومة أو الوزارة، حيث أنها هي التي تضطلع بأعباء الحكم بوصفها المحور الرئيس للسلطة التنفيذية في النظام البرلماني لذلك فالمسؤولية السياسية الكاملة تقع على عاتقها أمام الهيئة النيابية، ولذلك فالمسؤولية الوزارية تعد بالفعل حجر الزاوية في النظام البرلماني والركن الأساسي في بنائه وبدونها يفتقد هذا النظام جوهره وتتغير طبيعته وهذه المسؤولية قد تكون جماعية تضامنية أو فردية تتعلق بوزير أخر، وتعني المسؤولية التضامنية أو الجماعية إن الوزارة تكون مسؤولة بمجموعها عن السياسة العامة التي تسير عليها أمام البرلمان ويلزم الحصول على تأييده لها وإذا اعترض البرلمان على هذه السياسة ولم يوافق عليها فإن هذا يعني سحب الثقة من الوزارة وإسقاطها بمجموعها، أما المسؤولية الفردية فتتعلق بمسؤولية وزير واحد عن تصرفاته الخاصة بإدارة وزارته، وسحب الثقه منه يحتم عليه تقديم استقالته من الوزارة،
2- وجود تعاون وتوازن ما بين السلطات.
فالنسبة لهذا الأساس فهو يعني أن توزيع الاختصاصات ما بين السلطات مرن غير جامد، فمع قيام السلطة التشريعية بوظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والتصديق عليها وبالمقابل فإن للسلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على الاتفاقيات التي تقدمها السلطة التنفيذية، وتنظيم العلاقة هذه بين السلطتين يكون قائماً على فكرة التوازن بينهما فهناك مساواة وتداخل بين السلطتين، فللسلطة التنفيذية الحق في دعوة البرلمان للانعقاد وحتى حله، وكذلك للبرلمان الحق في استجواب الوزراء والتحقيق معهم وحجب الثقة عن الوزارة أي تقرير المسؤولية الوزارية.
ولعل هذا الأمر واضحاً جداً في بريطانيا حيث أن الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكل الحكومة، ورئيس الوزراء يكون رئيس الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية، وهنا تظهر وشائح العلاقة الواضحة ما بين الحكومة "بوصفها جزءاً من السلطة التنفيذية" والبرلمان "بوصفه جزءاً من السلطة التشريعية".
3- وجود نوع من الصرامه الحزبية أو الانضباط الحزبي.
وهو مطلب أساسي آخر، إذ يتطلب النظام البرلماني نوع من الانضباط الحزبي لأنه وكما قلنا فإن الحزب الفائز بالأغلبية البرلماني هو الذي يشكل الحكومة وبالتالي فإن الحكومة.. ومن الناحية النظرية سوف تتمتع بأغلبية برلمانية مساندة مما يسهل عمل الحكومة، وقد يثور التساؤل لماذا؟ فالجواب لأننا وكما نعرف إن السلطة المالية مثلاً بيد البرلمان فإنه في حالة وجود انضباط حزبي قد تكون أية خلافات وعدم التزام نائب من حزب الأغلبية بالتصويت لمشروع الحكومة سيؤدي إلى نوع من الجمود في العمل الحكومي. ولذلك نرى انه بمرور الوقت فإن الأحزاب البريطانية ولكونها تتبع النظام البرلماني نرى أنها تتميز بالانضباط الحزبي العالي بل والمركزية المفرطه في بعض الأحيان.
لكن هذا لا يعني أنه سيكون هناك دمج كامل للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وكأنهما جهاز واحد يعني انعدام المعارضة لأنه وإنْ كانت هناك أغلبية برلمانية مؤيدة للحكومة لكن هذا لا يلغي وجود المعارضة التي تنتقد أعمال الحكومة "حكومة الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية" إضافة إلى التقاليد الديمقراطية المترسخه منذ زمن طويل لهذه الأنظمة.
بيد إن هذا الكلام وإن أنطبق على الدول المتقدمة ديمقراطياً لكنه لا ينطبق في حقيقة الأمر على الدول ذات التجربة السياسية الحديثة والتي تفتقد إلى الجذور الديمقراطية والى ترسيخ قواعد وأحوال ممارسة العمل الحكومي بأسلوب ديمقراطي.
مزايا وعيوب النظام البرلماني:
للنظام البرلماني جملة من المزايا التي يتسم بها بيد إن ذلك لا يلغي كونه يحمل في طياته من العيوب والأمور السلبية أيضاً ويمكن إيضاح ذلك وكما يلي:-
أ- المزايا:
1- إنه يؤدي إلى التفاعل الحقيقي بين السلطات الثلاث التي تعد كلاً منها مكملة للأخرى.
2- إنه يرسخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد.
3- إن هناك المسؤولية السياسية مما يعني استحالة التهرب من الخطأ السياسي وسهولة معرفة المسؤول الحقيقي عن الخطأ.
4- إنه يؤدي إلى وحدة السيادة للدولة.
ب- العيوب:-
1- إنه قد يؤدي في دول عالم الجنوب إلى ظاهرة عدم الاستقرار للحكومة .
2- في ظل الاتجاهات الحزبية المعارضة والمتضاربة من الصعوبة بمكان الحصول على تأييد قوي لعمل الحكومة ،
3- إن رئيس الحكومة قد لا يتمتع بشعبية كبيرة كشخص مما قد لا يفضي عليه من الهيبة والرمزية العالية كرمز للأمة.
4- إن الحكومة ستكون خاضعة لتأثير جماعات مصالح مهمة وستكون الولاءات الضيقه حزبياً طافيه على السطح.
5- إن نظام غير فعال في الدول ذات التجربة السياسية الحديثة فهو يحتاج إلى وعي وإدراك سياسيين عاليين، إضافة إلى تعمق التجربة الحزبية
الفرق بين النظام الرئاسي و النظام البرلماني :
النظام البرلماني:
(1) النظام البرلماني هو نوع من أنواع الحكومات النيابية ويقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسئولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية ومسؤولية الوزراء إما أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية بالنسبة لأعمالهم.
يؤخذ بهذا النظام في الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه.
ومع أن السلطة التشريعية لها وظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والاشتراك في مناقشتها أمام البرلمان كذلك فيما يتعلق بوضع السياسات العامة من حق السلطة التنفيذية لكنها تمتلك الحق في نقاش السياسات وإبداء الرأي فيها كما تمتلك السلطة التشريعية الحق في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية والتصديق على ما تعقده من اتفاقيات.
لذلك فمعظم العلاقة بين السلطتين مبنية على التوازن والتعاون أما ما يتعلق برئيس الدولة في النظام البرلماني فقد اختلف الفقهاء حول دوره في النظام البرلماني ويكون معظم دوره سلبياً ويكون مركزه مركز شرفي ومن ثم ليس له أن يتدخل في شؤون الإدارة الفعلية للحكم وكل ما يملكه في هذا الخصوص هو مجرد توجيه النصح والإرشاد إلى سلطات الدولة لذلك قيل أن رئيس الدولة في هذا النظام لا يملك من السلطة إلا جانبها الاسمي أما الجانب الفعلي فيها فيكون للوزراء.
لذلك فرئيس الدولة يترك للوزراء الإدارة الفعلية في شؤون الحكم وهو لا يملك وحده حرية التصرف في أمر من الأمور الهامة في الشؤون العامة أو حتى المساس بها وهذا هو المتبع في بريطانيا وهي موطن النظام البرلماني حتى صار من المبادئ المقررة أن (الملك يسود ولا يحكم).
فالنظام البرلماني المولود في بريطانيا انتقل إلى القارة الأوروبية في القرن التاسع عشر أرسيت قواعده في فرنسا بين عامي (1814-1840م) أي تحت الملكية واعتمدته بلجيكا عام (1831م) وهولندا في نهاية القرن التاسع عشر وكذلك النرويج و الدنمارك والسويد بين عامي (1900م-1914م) وكانت فرنسا في عام 1875م الدولة الأولى في العالم التي أرست جمهورية برلمانية.
أي أن الوظيفة الفخرية لرئيس الدولة والمجردة من السلطات الفعلية ساعدت في الإبقاء على ظاهر ملكي لنظام هو في الحقيقة نظام ديمقراطي، وبعد حرب 1914م انتشر النظام البرلماني في دول أوروبا الوسطى والجديدة التي أنشأتها معاهدة فرساي.
ويختلف الفقهاء حول الاختصاصات لرئيس الدولة، وذلك لتكليف البرلمان الاختصاصات الرئيسية للوزراء، ونستدل على بعض الآراء لهذه المهام في النظام البرلماني.
الوزارة هي السلطة الفعلية في النظام البرلماني والمسئولة عن شؤون الحكم أما رئيس الدولة فانه غير مسئول سياسياً بوجه عام فلا يحق له مباشرة السلطة الفعلية في الحكم طبقاً لقاعدة (حيث تكون المسؤولية تكون السلطة) وفي رأي آخر إن إشراك رئيس الدولة- ملكاً أو رئيساً للجمهورية- مع الوزارة في إدارة شؤون السلطة لا يتعارض مع النظام البرلماني بشرط وجود وزارة تتحمل مسؤولية تدخله في شؤون الحكم.
لذلك نرى من خلال الجانب العملي فإن الوزارة في النظام البرلماني هي المحور الرئيسي الفعال في ميدان السلطة التنفيذية حيث تتولى العبء الأساسي في هذا الميدان وتتحمل المسؤولية دون سلب رئيس الدولة حق ممارسة بعض الاختصاصات التي قررتها أو تقررها بعض الدساتير البرلمانية في الميدان التشريعي أو التنفيذي ولكن شريطة أن يتم ذلك بواسطة وزارته الأمر الذي يوجب توقيع الوزراء المعنيين إلى جانب رئيس الدولة على كافة القرارات المتصلة بشؤون الحكم إلى جانب صلاحية حضور رئيس الدولة إثناء اجتماعات مجلس الوزراء ولكن بشرط عدم احتساب صوته ضمن الأصوات.
لذلك يفرق الوضع الدستوري في بعض الدول بين مجلس الوزراء والمجلس الوزاري حيث يسمى المجلس بمجلس الوزراء إذا ما انعقد برئاسة رئيس الدولة ويسمى بالمجلس الوزاري إذا ما انعقد برئاسة رئيس الوزراء.
ورئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم ولكن حقه مقيد بضرورة اختيارهم من حزب الأغلبية في البرلمان- ولو لم يكن رئيس الدولة راضياً- فالبرلمان هو الذي يمنح الثقة للحكومة وتختلف الحكومات في النظام البرلماني بقوة أعضائها و الأحزاب المشتركة في الائتلاف حيث تسود الثنائية الحزبية عند وجود التكتلات المتوازنة في البرلمان.
وفي النظام البرلماني رئيس الدولة هو الذي يدعو لإجراء الانتخابات النيابية وتأتي بعد حل المجلس النيابي قبل انتهاء فترته أو عند انتهاء الفترة القانونية إلى جانب أن بعض الدساتير تمنح لرئيس الدولة الحق في التعيين في المجلس النيابي أو مجلس الشورى أو حل البرلمان.
(2)النظام البرلماني فتقوم العلاقة فيه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أساس التعاون وتبادل المراقبة. ويتميز الجهاز التنفيذي بالثنائية من حيث وجود رئيس دولة منصبه شرفي وحكومة تختار من حزب الأغلبية في البرلمان تمارس السلطة الفعلية وتكون مسئولة عنها أمام البرلمان، كما أن مسؤولية الحكومة تضامنية وهي مسؤولية سياسية تتمثل في وجوب استقالة كل حكومة تفقد ثقة البرلمان، بينما في النظام الرئاسي لا وجود لحكومة متجانسة متضامنة في المسؤولية.
وتقام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية علاقة تعاون وتوازن أبرزها حق الحكومة في الدفاع عن سياستها أمام البرلمان، والمشاركة في العملية التشريعية بما يمنحه لها الدستور من حق اقتراح القوانين والتصديق عليها، أما الرقابة المتبادلة فأبرز مظاهرها حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة ويقابله حق الحكومة في حل البرلمان.
النظام الرئاسي :
(1)إن مبدأ الفصل بين السلطات قد اتخذ المعيار لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة ويتضح النظام الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستور الولايات المتحدة الأمريكية من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.
لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني أو في النظام النصف رئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير إرادته مثل ذلك عندما دعا الرئيس الأمريكي (لنكولن) مساعديه (الوزراء) إلى اجتماع وكان عددهم سبعة أشخاص حيث اجتمعوا على رأي مخالف لرأيه فما كان منه إلا أن رد عليهم بقوله المشهور (سبعة «لا» واحد «نعم» ونعم هي التي تغلب) لذلك نرى أن رئيس الدولة الأمريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي.
فعلى المستوى الوطني يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس إلى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونجرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين.
أما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسئول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الأجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الدبلوماسي الأول.
لذلك أصبح من المهم جداً في الأنظمة الجمهورية التقيد دستورياً في النظام الرئاسي أن يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشراً أو غير مباشر ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان شرعيته الديمقراطية والشعبية.
ولكن وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند أليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في الكونجرس فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره حزبياً في البرلمان والسعي إلى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.
الأنظمة النصف رئاسية :
إن النظام الذي أرساه الإصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961م بإقرار انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشامل دون إلغاء الإطار البرلماني و أنظمة برلمانية أخرى مارست أو تمارس هذا الشكل من الانتخاب الرئاسي مثل ألمانيا والنمسا عبر هذه التجارب يبرز نموذج متميز من العلاقات بين الحكومة والبرلمان يمكن تسميتها بالنصف رئاسي ويحدد الكاتب ( موريس دوزجيه ) هذا المفهوم للنظام النصف رئاسي (يبدو أن النظام النصف رئاسي اقرب إلى النظام البرلماني منه إلى النظام الرئاسي) وبالفعل فأننا نجد في هذا النظام العناصر الجوهرية للبرلمانية السلطة التنفيذية منقسمة بين رئيس دولة ووزارة يرأسها رئيس حكومة الوزارة هي مسئولة سياسياً أمام البرلمان أي أن هذا الأخير يسوغ له أن يرغم - عبر التصويت على حجب الثقة - رئيس الحكومة على الاستقالة مع مجموع وزارته وللسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان مما يزيد من نفوذها على الأخير. الفارق الأساسي يتعلق باختيار رئيس الدولة فعوضاً عن أن يكون منتخباً من قبل البرلمانيين أو عدد قليل من الوجهاء يكون هو رئيساً منتخباً بالاقتراع الشامل كما في الولايات المتحدة الأمريكية أنها حالة فرنسا والنمسا هذا ما كانت عليه الحالة في جمهورية ويمار وتعرف فنلندا منظومة مختلفة بعض الشيء اقرب إلى البرلمانية ينتخب فيها رئيس الجمهورية باقتراع غير مباشر من ناخبين رئاسيين معينين خصوصاً لهذا الهدف من قبل المواطنين لكن هؤلاء الناخبين هم منتخبون بالتمثيل النسبي ويجتمعون في جمعية الانتخاب الرئيس مما يجعل منهم وسطاء حقيقيين.
نظرية النظام النصف رئاسي
سبعة بلدان في الغرب عاشت تجربة دستور تنص أحكامه على انتخاب رئيس بالاقتراع الشامل ومنحه صلاحيات خاصة كما في النظام الرئاسي وعلى رئيس الحكومة أن يقود حكومة يمكن للنواب عزلها كما في النظام البرلماني في هذه البلدان لم يستمر ويثبت هذا النظام طويلاً في ألمانيا و ويمار أزاحها الإعصار الهتلري في البرلمان طبق فيها منذ ثمانية عشر شهراً بعد نصف قرن من الدكتاتورية في أمكنة أخرى عمل بهذا النظام دون اهتزازات منذ عشرين عاماً في فرنسا وثلاثين عاماً في فنلندا.
الصلاحيات الدستورية للرئيس في الدساتير السبعة نصف رئاسية منها في فرنسا فرئيس الدولة هو منظم أكثر منه حاكم يمكنه إعادة القوانين أمام البرلمان لدراستها من جديد ويمكنه حل الجمعية الوطنية وحتى اللجوء إلى الاستفتاء ويمكنه أن يختار رئيس الوزراء الذي يبدو أنه قادر على الحصول على دعم الأغلبية البرلمانية لكنه لا يشارك بنفسه في التشريع والحكم إلا في حالتين عبر تعيين كبار الموظفين وفي حالة الظروف الاستثنائية.
وفي ايرلندا سلطات الرئيس من الضعف بحيث نتردد في وصفه بالمنظم فلا يمكنه أن يقرر وحده دون موافقة رئيس الوزراء إلا عندما يطلب من المحكمة العليا التحقق من دستورية قانون صوت عليه البرلمان أو عندما يدعو أحد المجلسين أو كليهما للانعقاد في جلسة غير اعتيادية أو لتوجيه رسالة للنواب و أعضاء مجلس الشيوخ ويملك صلاحية الإعاقة لرفض الحل الذي يطالبه به رئيس الوزراء واللجوء إلى استفتاء تطلبه أغلبية مجلس الشيوخ وثلث مجلس النواب وهذه السلطات لا تعطي نفوذاً سياسياً لكنها تتجاوز وضعيته كرئيس دولة رمزي بحت.
غير أن النظام الفرنسي يبقى برلمانياً فرئيس الوزراء والوزراء يشكلون وزارة مسئولة أمام البرلمان الذي يستطيع إرغامها على الاستقالة بحجب الثقة عنها ولا تستطيع الحكومة أن تحكم إذا لم تحصل على أغلبية أصوات الجمعية الوطنية إن أهمية الأغلبية الديجولية منذ عام 1962م اخفت هذه المشكلة و إذا ما غابت من جديد هذه الأغلبية التي ميزت الجمهوريتين السابقتين فسوف يعمل النظام نصف الرئاسي على نحو مختلف جداً عنه اليوم. يتميز النظام السياسي الفرنسي بالميزة الثانية وهي ميزة الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية ومنظمة في الجمعية الوطنية منذ عام 1962م أيضاً ميزة التطابق بين التوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لرئيس الدولة الذي يقيم وحده وثيقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والميزة الأخرى أن الرئيس هو زعيم الأغلبية ورئيس الوزراء نفسه الأركان للرئيس.
إن أعجب ما في هذه الميزات يتعلق بتحول منظومة الأحزاب حتى عام 1955م عرفت أحزباً متعددة ضعيفة قليلة التنظيم تتجمع ضمن تحالفات هشة ومؤقتة وبصورة عامة موجهة نحو الوسط ومنذ عام 1962م تجمعت الأحزاب ضمن تحالفين كبيرين منظمين أحدهما يميني والآخر يساري وهذا يسمى (ثنائية الأقطاب) وهذا ما يشكل جوهر الأغلبية البرلمانية.
(2) يقوم النظام الرئاسي على حصر السلطة التنفيذية بيد رئيس الدولة كما يقوم على الفصل التام بين السلطات فرئيس الدولة منتخب من قبل الشعب مالك السلطة ومصدرها، ويرأس رئيس الدولة الحكومة ويمارس سلطاته بنفسه وهو الذي يختار وزراءه الذين يقومون بتنفيذ السياسة العامة التي يرسمها لهم.
ومن أهم مظاهر الفصل بين السلطات حرمان السلطة التنفيذية من حق اقتراح القوانين وحرمان الوزراء ورئيس الدولة من الاشتراك في مناقشات البرلمان وحرمانهم أيضا من حل المجلس النيابي، ويقابل ذلك حرمان البرلمان من حق سحب الثقة من الرئيس أو وزرائه.
وقد نشـــأ النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن معالمه قد تغيرت كثيراً وبخاصة فيما يتعلق بالفصل بين السلطات إذ حل التعاون محل التباعد والاستقلال المطلق. أما النظام البرلماني فقد نشأ في انجلترا ومنها تحددت معالمه المذكورة أعلاه.