- الاثنين إبريل 07, 2008 12:08 pm
#2410
قناة السويس
تعريف القناة
هي القناة الصناعية التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر مرورًا ببرزخ السويس، والتي تقع بين كتلة اليابسة بمصر وشبه جزيرة سيناء، وفي نهاية المنفذ الشمالي تقع مدينة بورسعيد، وعلى منفذها الجنوبي مدينة السويس، المعروفة في العصور المبكرة باسم القلزم، وهي ميناء قديم. وتمتد القناة بطول 190كم، ويبلغ عمقها 19 مترًا، وعرضها 92 مترًا عند القاع و226 مترًا عند السطح، وهو ما يسمح لها بمرور السفن الكبيرة .
قصة القناة :
- المشروعات السابقة لتوصيل البحرين:
ترجع فكرة حفر قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر إلى أقدم العصور، وسجل التاريخ أن مصر شقت أول قناة صناعية على وجه الأرض، فقد حفر القدماء المصريين قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، وجرت هذه القناة حينًا وتوقفت آخر . وعندما فتح المسلمون مصر جدد عمرو بن العاص هذه القناة تنفيذًا لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، وفي رواية للمقريزي أكد أن السفن استطاعت أن تصل من الفسطاط إلى القلزم (السويس) إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بعد أقل من عام على الفتح، ومجد الفيلسوف والشاعر الفرنسي المعروف فوليتير فضل عمر بن الخطاب على الملاحة بتجديده لهذه القناة الحيوية التي استمرت في العمل حوالي مائة وخمسين عامًا حتى أوصدها عند نهايتها أحد الخلفاء العباسيين عام 775م.
ذكرت بعض المصادر أن عمرو بن العاص فكر في وصل البحرين الأبيض والأحمر، لكن الخليفة عمر منعه من ذلك، واكتفى بتجديد قناة فرعون التي كانت تمتد بطول مائة وخمسين كيلو مترًا .
وعندما اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية، ولم تعد مصر والإسكندرية قلب هذه التجارة، وعانت من جراء ذلك معاناة شديدة. ومع تزايد التنافس الاستعماري بين الدول الكبرى نشط الفرنسيون للتغلب على منافسيهم البرتغاليين في الشرق الأقصى، ورأوا أنه لا سبيل لذلك إلا بإعادة التجارة إلى طريقها القديم والحصول على حاصلات الشرق بواسطة السويس، وصارت تلك الفكرة الشغل الشاغل للدبلوماسية الفرنسية ردحًا من الزمن. وفي تلك الفترة، لم تكن فكرة إيجاد صلة مباشرة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر تلقى القبول على أساس أن مستوى المياه في البحرين غير ملائم من الناحية العملية .
- مشروع لوبير:
عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، فتحت صفحة جديدة في تاريخ توصيل البحرين المتوسط والأحمر حيث درس فكرة إنشاء قناة تربط البحرين، وكلف بعثة علمية لوضع دراسات هذا المشروع الذي كان العمود الفقري في برنامجه الاستعماري، وقد قامت اللجنة بثلاث رحلات إلي منطقة البرزخ: الأولي بدأت في 27 يناير 1799، وبعد أن وصلت اللجنة إلي السويس غادرتها لاستكشاف المنطقة في شمالها ، حتى وصلت إلي حوض البحيرات المرة، واضطرت بسبب قلة المياه إلي الاتجاه صوب وادي طوميلات حيث عثروا في جانبه الشمالي علي معالم القناة القديمة وتتبعوها حتى بلدة العباسة الواقعة عند مدخل الوادي، ولما تعذر عليهم بعد ذلك تتبع الأثر عادت اللجنة غلي القاهرة عن طريق بلبيس للتزود بإمدادات جديدة تعينهم علي مواصلة البحث فواصلوا القاهرة في التاسع من فبراير 1799 .
ولما كان بونابرت قد خرج بحملته علي سوريا منذ 6 فبراير 1799 فقد توقفت مؤقتا أعمال اللجنة حتى عاد بونابرت من الحملة السورية وشغل بمقاومة العثمانيين في موقعة أبي قير البرية ثم رحل عن مصر إلي فرنسا، وعلي ذلك لم تستأنف اللجنة أعمالها في برزخ السويس إلا في عهد كليبر حيث خرج لوبير للمرة الثانية في 29 سبتمبر 1799 ومعه أخوه جراتيان لوبير، وسنت جنيس، وفيفر، دي شانوي، وغيرهم وصارت الرحلة إلي بلبيس وأخذت في قياس سطح البرزخ ابتداء من العباسة عند رأس وادي"طوميلات" حتى نقطة "سبع أببار" ثم البحيرات المرة، وتابعت سيرها إلي السويس ومنها عادت إلي القاهرة .
ولما كانت اللجنة في رحلتيها السابقتين لم تدرس تلك المنطقة من البرزخ المجاورة للبحر المتوسط فقد خرجت للمرة الثالثة والأخيرة في الرابع عشر من نوفمبر 1799 واتجهت شمالا في هضبة التيه صوب ساحل البحر المتوسط، ثم قفلت راجعة إلي القاهرة .
وقد لقيت اللجنة في رحلاتها الثلاث صعوبات كثيرة أهمها نقص المياه العذبة لدرجة أنها اضطرت في كثير من الأحيان إلي ترك مكان البحث لتعود إلي القاهرة أو لتذهب إلي السويس، وثمة سبب أخر لتعطيل أبحاث اللجنة كان غزو الفرنسيين لسوريا (فبراير–يونيه)، فأرجأت اللجنة أعمالها عدة شهور، وإلي جانب ذلك فقد كانت اللجنة تعاني نقصا في الأجهزة ووسائل النقل والمواصلات وتتعرض لهجمات الأعراب في الصحراء وتشكو من عدم إخلاص الأدلاء الذين استعانت بهم لإرشادها في الصحراء إذ كثيرا ما يضللونها .
وكان من نتيجة هذه الصعوبات جميعا أن وقع لوبير في خطأ علمي هندسي قال فيه بارتفاع مستوى البحر الأبيض عن البحر الأحمر بمقدار ثلاثين قدما وست بوصات، مما أكد المخاوف التي ساورت القدماء من شق قناة مستقيمة بين البحرين المتوسط والأحمر . وضمن نتائجه في تقرير أعده بتاريخ السادس من ديسمبر 1800 وقدمه إلي القنصل الأول في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1803، ولو أن هذا التقرير لم ينشر إلا في عام 1808 .
ولقد ترتب علي وقوع لوبير في هذا الخطأ في حساب مستوي البحرين أنه صار يعتقد بضرورة حل مشكلة توصيل البحرين علي أساس إعادة حفر القناة القديمة التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر، ثم وصل النيل بالبحر المتوسط إتماما لهذا الاتصال، ومع ذلك لم يكن يخلو مشروع لوبير من مزايا كانت موضع تقدير الكثير من المتخصصين، فلقد ضمن لوبير تقريره كثيرا من المعلومات عن ظروف المنطقة التي سوف تخترقها القناة ودراسة الملاحة في البحر الأحمر ، وجدولا بالمقاييس التي أنجزها في منطقة البرزخ، وكان لهذه الدراسات جميعا أثر كبير علي المحاولات التالية التي بذلت لشق القناة فأسدت معونة كبيرة لجميع الأبحاث التي جاءت بعد لوبير ، واسترشدت بآرائه ودراساته وعلي الأخص للسان سيمونيين .
- السان سيمونيين ( ) ومشروع القناة:
كان مشروع حفر قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر موضع اهتمام سان سيمون الذي راودته فكرة إنشاء هذا المشروع، إلا أن سان سيمون توفي في عام 1825 قبل أن تخطو بمشروع القناة بين البحرين المتوسط والأحمر سوي مجرد التفكير، تاركا هذه الفكرة لأتباعه يتعهدونها، ولذلك أخذ خليفته "أنفاتان" يعمل بهمة ونشاط من أجل شق هذه القناة التي اعتبرها – هي وقناة بنما - ذات أهمية قصوى في سبيل تقدم التجارة وما يترتب علي ذلك من تقدم وازدهار وربط شعوب العالم ببعضها البعض .
وقد تناول السان سيمونيين مشروع القناة بين البحرين المتوسط والأحمر في كتاباتهم ومقالاتهم التي كانوا ينشرونها في الصحف . ورغم أن الحكومة حلت جماعة السان سيمونيين وسجنت زعمائها في أواخر عام 1833 إلا أنهم كانوا يفكرون في سجنهم في مشروع شق قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط، حتى أصبحت أفكار الأب أنفاتان وخططه عندما أطلق سراحه في أغسطس 1833 – تدور حول الرحيل إلي مصر وشق قناة في برزخ السويس ، فأعرب أنفاتان في احدي رسائله – بتاريخ 8 أغسطس عام 1833 – إلي زميله بارو عن اعتقاده بوجوب قيام الجماعة بشق قناة بين البحرين المتوسط والأحمر لتصل أوروبا بالهند والصين علي أمل أن يؤدي نجاحهم في حفر هذا الطريق المائي إلي تثبيت نفوذهم في الأقطار الواقعة علي جانبي القناة أي في مصر وفلسطين، ثم امتداد هذا النفوذ إلي البحر الأحمر والبحر المتوسط، فيتسنى لهم عن هذا الطريق ربط العالمين الإسلامي والمسيحي، الأمر الذي يؤكد للعالم قوتهم ومقدرتهم . ولم تكن كتابات أنفاتان وحده هي التي تعبر عن أهمية المشروع في نظر السان سيمونيين، بل لقد عبر بقية زعمائهم عن هذا الرأي أمثال ميشيل شيفاليه، فورنل وغيرهم .
ولما كان الأب أنفاتان قد أعلن أن الواجب يقتضي السان سيمونيين عدم التخلي عن مشروع القناة باعتبار أنه أولي ثمرات سياستهم الاقتصادية فقد صار ضروريا معرفة الصلة بين مشروع القناة وبين أراء السان سيمونيين الاقتصادية .
فلقد كان التصنيع أساس فلسفة سان سيمون الاجتماعية، كما كان السيمونيين يرون أن الصناعة وحدها هي التي تمكن الإنسان من السيطرة علي الطبيعة واستغلال مواردها لفائدة الإنسان، وفي رأيهم المجتمع الصناعي هو أقدر المجتمعات علي إسعاد المواطنين، وأن الدولة الصناعية هي نظام المستقبل . ولكي يستمر النشاط الصناعي ويزدهر المجتمع الصناعي الذي ينادي به السان سيمونيين كان لابد من قيام حركة واسعة للتبادل التجاري بين الشرق والغرب، ومن ثم كانت الفكرة التي سيطرت علي ذهن الأب انفاتان وأعوانه هي غزو مصر علي أن يكون هذا الغزو اقتصاديا واجتماعيا وليس حربيا وسياسيا، وذلك عن طريق المساهمة في المشروعات التي يتسنى بفضلها إعطاء فرنسا مركزا ممتازا في مصر فهو احتلالا تجاريا وليس علي غرار الاحتلال الذي قامت به في الجزائر .
وتجد الإشارة هنا إلي، الدراسات والأبحاث التي توصل إليها تشيزني الذي أوفدته بريطانيا لبحث مشروع توصيل البحرين وللمفاضلة بين الطريق بين من البحر المتوسط إلي الخليج الفارسي عبر سوريا وبلاد ما بين النهرين، وبين الطريق البري عبر مصر، ورغم أن أبحاث تشيزني توصلت إلي تساوي مستوي البحرين فإن النتائج التي وصل إليها وأعلنها لم تكن تستطيع بسهولة محو الأثر السيئ الذي خلفته بعثة الحملة الفرنسية برئاسة لوبير .
وهكذا يبدو أن رحيل السان سيمونيين إلي مصر والشرق في عام 1833 إنما هو بمثابة استكمال لحملة نابليون بونابرت في مصر في عام 1798، غير أنها تختلف عن حملة بونابرت فهي حملة سلمية لا تستخدم العنف أو القوة بل تتغلغل سلميا لضمان عم معارضة الدول الآخري لنشاط فرنسا في مصر .
- الإعداد لتنفيذ المشروع:
حدد السان سيمونيين هدفهم من الرحيل إلي مصر بزيارة منطقة برزخ السويس، وهي المنطقة التي تفصل البحر المتوسط عن البحر الأحمر ، وذلك لإتمام البحوث والدراسات التي كانت بدأت حديثا علي أيام الحملة الفرنسية علي مصر واختيار أفضل السبل لشق طريق مائي للمواصلات يربط بين هذين البحرين، كما اهتم السان سيمونيين بضم عددا من المهندسين المتخرجين من مدرسة الهندسة العليا بمختلف أقسامها، وقد استغرق ذلك نحو عامين حتى أصبح في مقدورهم اقتحام ميدان العمل لتنفيذ المشروع .
وأهم ما يلاحظ أن نشاط السان سيمونيين الفني لم يتمخض عن وضع مشروع محدد لتوصيل البحرين قبل حضورهم إلي مصر وإنما اقتصر نشاطهم علي دراسة المشروعات السابقة وما يتعلق ببرزخ السويس من بيانات تاركين وضع مشروع للقناة لحين حضورهم إلي مصر وإتمام بحوثهم ودراساتهم في المنطقة التي سوف تشقها القناة .
- فكرة الحياد:
بحث السانسيمونيين وسيلة تنفيذ المشروع وتمويله وتوصلوا إلي أن التنفيذ يمكن أن يكون فرديا أي من يقوم به أفراد أو جماعة ينتمون إلي واحدة فقط من الدول الأوروبية أو جماعيا تشترك فيه الدول الأوروبية جميعا وأعلن السانسيمونيين تفضيلهم للمشروع جماعيا . ودعوا إلي مساهمة الدول في ذلك وأعربوا عن أملهم في أن ينعقد مؤتمر أوروبي لتنفيذ المشروع التزاما بفكرة الحياد وتجنب احتكار أي دولة للحصول علي امتيازات خاصة في مشروع الحفر . بمعني أخر تدويل القناة لدرجة التفكير في انتزاع منطقة القناة من الحكم المصري لوضعها تحت إشراف أجنبي علي يد الدول الأوروبية .
ولا شك أن الأب أنفاتان وأنصاره من السان سيمونيين بهذا التفكير قد تجاهل وجود تلك الوحدة الطبيعية التي تربط بين أقاليم مصر المختلفة والتي تحول دون انتزاع منطقة القناة من الحكم المصري لوضعها تحت إشراف أجنبي علي يد الدول الأوروبية .
وأوفد السان سيمونيين "دوجويه" قبلهم إلي مصر مع الاستعانة بالمسيو "ميمو" قنصل فرنسا في مصر، للتعرف علي المشروعات التي تشغل بال محمد علي في ذلك الوقت، ولمعرفة إذا كان هناك إنجليز في مصر يهتمون بفكرة توصيل البحرين، ووصل في العاشر من أكتوبر1833 ، كما غادر الأب أنفاتان ميناء مرسيليا في الثالث والعشرين من سبتمبر 1833 .
ومع أن أنفاتان كان يتوقع أن يلقي ترحيبا من محمد علي حيث أنه في تلك الفترة كان مهتما بإنشاء مدرية للهندسة في مصر وكان أنفاتان أن يساعده في ذلك، إلا أن محمد علي كان غير ميال لإقامتهم في مصر بعد طردهم من فرنسا لغرابة أفكارهم ومبادئهم وخاصة بعد أن أبعدتهم الدولة العثمانية عن أراضيها خشية اضطراب الأمن العام .
كان ديليسبس في ذلك الوقت هو نائب القنصل الفرنسي في مصر واستطاع أن يقنع محمد علي بجدوى وجودهم، وقد فاتح السان سيمونيين القنصل الفرنسي يشأن مشروعهم لشق قناة بين البحرين، إلا أن كل ما فعلوه هو مجرد دراسات قاموا بها لكي يحيطوا هم ببعض الحقائق عن المشروع .
عقب وصول لامبير وفورنل إلي القاهرة في الثامن عشر من ديسمبر 1833، ودأب فونل علي إقناع محمد علي بمشروع توصيل البحرين بكل الطرق وذلك أثناء مقابلة لهم في الثالث عشر من يناير 1834 حتى أن محمد علي عهد إليه بمشروع الخط الحديدي بين القاهرة والسويس إلا أنه تراجع عن إسنادها إليه وكلف مهندسا إنجليزيا بذلك، إلا أن فورنل لم ييأس لأنه لم يأتي إلا من أجل مشروع شق القناة .
وبالفعل حاول فونل إقناع محمد علي بمشروع شق القناة بين البحرين المتوسط والأحمر، وقدم هو وزميله لامبير ، ولكن محمد علي كان في ذلك الوقت يبحث عدة مشروعات مقدمة إليه من من ضمنها مشروع القناة، القناطر الخيرية، إنشاء خط حديدي بين القاهرة والسويس، وغيرها، وإزاء هذا قرر محمد علي بحث هذه المشروعات في اجتماعات المجلس العالي الذي عقد جلساته أيام 28 و 29 و 31 يناير 1834.
وافق المجلس فقط علي تفضيل مشروع القناطر علي غيره من المشروعات . وكان هذا القرار صدمة لفورنل وفقد الأمل في إقناع محمد علي بمشروع توصيل البحرين وهو المشروع الرئيسي في رحلتهم إلي مصر، فاعتزم العودة إلي فرنسا بعد أن تأكد له أن رحلة السان سيمونين إلي مصر دون جدوى . وقد كان لرحيل فورنا وغيره من الأتباع إلي فرنسا بعد فشلهم في إقناع محمد علي أبلغ الأثر علي الأب انفاتان الذي غادر القاهرة أيضا في الثامن من نوفمبر 1834 عائدا إلي فرنسا .
هذا هو نشاط السان سيمونيين من أجل مشروع القناة في تلك الفترة وأهم ما يلاحظ علي هذا النشاط أنه اقتصر علي ناحيتين:
o الأولي: محاولة إقناع محمد علي بالمشروع وقد فشلوا في ذلك .
o الثانية: القيام بدراسات وأبحاث تمهيدية في منطقة برزخ السويس، إلا أنها لم تسفر عن قيامهم بوضع مشروع محدد لتوصيل البحرين، ومن هنا كان نشاطهم يعتبر ناقصا من الناحية الفنية .
- ديليسبس والقناة:
أراد فرديناند ديليسبس ( ) أن يجعل من مشروع قناة السويس أداة لتمكين فرنسا من احتلال مصر والسيطرة على الشرق، وكان قد وقع في يد المسيو ديليسبس وهو في الإسكندرية بحث المسيو لوبير عن وصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر ودرس هذا البحث درسا متعمقا، فلم يلبث أن اتجهت نفسه إلي تحقيق مشروع الاتصال بين البحرين بقناة بحرية، ولقد استولى على الدراسات الهندسية الخاصة بإنشاء القناة ونسبها إلى نفسه بعد ذلك .
أصبح مقتنعا بالفائدة الاقتصادية لشق قناة السويس عبر شريط من الأرض يربط سيناء بباقي اليابسة في مصر، رغم أن تقديرات العلماء الذين رافقوا نابليون في غزوه لمصر 1789 كانت تشير إلي عدم جدوى ذلك، علي أن المزايا التجارية لربط البحر المتوسط والبحر الأحمر أدت إلي تأييد الوالي محمد علي للمشروع وتشكلت لجنة فنية 1846 من بعض المهندسين لدرس مشروع القناة في أواخر عهده، إضافة إلي المساعدات المالية الأوروبية .
وقد فكر محمد علي في شق قناة تصل بين القاهرة والسويس، وتأسست جمعية في أوروبا غرضها الدعوة لشق قناة في برزخ السويس، والتقى بعض أعضاء هذه الجمعية بمحمد علي في الفيوم سنة 1845م، وأعلن محمد علي أنه يريد أن ينفذ هذا المشروع بنفسه، وأن تكون القناة ملكًا لمصر مع حيادها التام . علي أن المزايا التجارية لربط البحر المتوسط والبحر الأحمر أدت إلي تأييد الوالي محمد علي للمشروع وتشكلت لجنة فنية 1846 من بعض المهندسين لدرس مشروع القناة في أواخر عهده، إضافة إلي المساعدات المالية الأوروبية .
توقف المشروع مؤقتا أثناء عصر عباس الأول (1848 – 1854)، الذي عارضه تماما مع جميع التجديدات التي كان يحبذها أبوه، رغم أن دليسبس أرسل تقريرا عنه إلي المسيو رويسنر قنصل هولندا العام في مصر ليعرضه علي عباس ولكن الفكرة لم تلقي من الأمير قبولا ، واتجه فكره إلي تسهيل المواصلات بطريق البر بين الإسكندرية والسويس بدلا من شق ترعة ملاحية بين البحرين، ويئس دليسبس من نجاح مشروعه علي يد عباس الأول .
بعد وفاة الخديوي عباس وتولي سعيد باشا استبشر دليسبس خيرا بنجاح فكرته، علي يد صديقه القديم، فأرسل يهنئه بارتقاء العرش، فاستدعاه سعيد إلي مصر وجاء فعلا إلي الإسكندرية في نوفمبر 1854، انتهز الفرصة أثناء رحلة مع الخديوي، فاتحه في أمر المشروع، فوافق وحصل ديليسبس واستطاع أن يحصل من خديوي مصر سعيد باشا على امتياز شق قناة مباشرة تربط البحرين في الثلاثين من نوفمبر 1854م، وتضمن هذا الفرمان اثني عشر بندًا كلها من الأعاجيب، منها الحصول على ماء النيل بدون مقابل، والحق في استغلال الشركة صاحبة الامتياز جميع المواد اللازمة لأعمال القناة، مع تعهد الحكومة المصرية بتقديم كل معونة في سبيل تنفيذ المشروع علي امتياز أولي لحفر قناة السويس والموافقة على تأسيس شركة لحفر القناة و إدارتها ، وأصدر في 30 نوفمبر من عام 1854 أي بعد ما يزيد قليلا عن شهرين من توليه عرش مصر فرمان الامتياز الأول الذي خول به دليسبس الحق في إنشاء الشركة العامة لقناة السويس وهو الفرمان الذي منحت بمقتضاه الشركة التي تولى دليسبس تأسيسها حقا للانتفاع بالقناة مدة 99 سنة تالية لتاريخ افتتاحها وأعطاها في الوقت ذاته الحق في مصادر كل ما يلزمها من أراض لصالح المشروع من دون مقابل وكذلك الحق في شق ترعة نهرية لري الأراضي الزراعية التي ستستولي عليها الشركة و الحق في بيع مياهها إلى الأهالي إذا ما أرادوا ري أراضيهم من مياه الترعة إضافة إلى حق استغلال المحاجر والمنجم المصرية العامة لاستخراج كل ما يلزم العمل دون مقابل مع إعفاء واردات الشركة من المعدات وغير ذلك من الرسوم الجمركية وأعطى الفرمان للحكومة المصرية الحق في تعيين مدير للشركة مع أفضلية اختياره من بين المساهمين وكذلك في الاستحواذ على القناة و أملاك الشركة بعد نهاية مدة الالتزام أو حق الانتفاع - 99 عاما – على أن تعوض الشركة عن المهمات والأشياء المنقولة التي ستترك للحكومة بعد انتهاء مدة الامتياز .
عارضت الحكومة البريطانية – وكذلك ممثلها لدي الباب العالي- علي الامتياز الأولي بشدة، ورغم هذا استطاع ديليسبس أن يجمع التأييد لمشروع شق القناة في أوروبا لحد كبير من خلال الضغوط الشخصية التي مارسها، لم يكد يمر نحو أربعة عش شهرا على صدور هذا الفرمان حتى أصدر محمد سعيد فرمان الامتياز الثاني في الخامس من يناير عام 1856 والذي تضمن في مادته الثانية إلزاما للشركة باستخدام ما لا يقل عن عشرون بالمائة ممن تحتاجهم الأعمال من المصريين وهو البند الذي كان يوحى ظاهريا كما في جوهره بحرص الوالي على توظيف المصريين بأعمال الشركة وعلى عكس الغرض منه فسره دليسبس بعد ذلك - على هواه – بأنه يلزم الحكومة المصرية بتوفير العمال لأعمال الحفر دون مقابل وكان ذلك هو الأساس الباطل الذي اعتمد عليه دليسبس لتسخير المصريين .
أستصدر بعد ذلك لائحة تفسيرية من الخديوي ألزم فيها الأخير مصر بتقديم كل ما يلزم الشركة من عمال للحفر، مستعينا بمسئولي الحكومة المصرية الذين باتوا منفذين لسياسة الشركة في جلب العمال من المصريين رغما عنهم لمواقع الحفر، كما نزع الفرمان الثاني حق مصر في تعيين مدير للشركة واكتفى بحقها في انتداب مندوب عنها بمقر إدارة الشركة و أعطى لدليسبس نفسه الحق في رئاسة الشركة مدة عشر سنوات تبدأ من بدء تشغيل القناة، بحثت بعثة دولية (تأسست غالبا بتشجيع من ديليسبس) جوانب المشروع الهندسية والفنية، وجاء التمويل لديليسبس من مصادر كثيرة، غير أن خديوي مصر وبعض البنوك الأوروبية وفروا القدر الأكبر منه .
رغم نجاح ديليسبس في استصدار الفرمانين من صديقه محمد سعيد إلا أن ربط الخديوي سريانهما بموافقة الباب العالي السلطان العثماني الذي كانت مصر خاضعة لولايته في ذلك الوقت حال دون بدء دليسبس في العمل بعد صدورهما إذ ظل الباب العالي رافضا للمشروع، إلا انه مارس ضغوطه دون اعتبار للعوائق، أقدم في نوفمبر عام 1858 على طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام في باريس ونفذت بعد 25 يوم على طرحها .
في أعقاب تأسيس الشركة وتشكيل مجلس إدارتها أعلن فرديناند دليسبس في شهر ابريل من عام 1859 بدء العمل في حفر قناة السويس ورغم الإعلان رسميا عن بدء العمل إلا أن تنفيذ المشروع ظل متعثرا على مدى اقترب من العام ونصف العام أعقبت تاريخ بدء الحفر في الخامس والعشرين من ابريل عام 1859 ذلك أن الخديوي سعيد الذي أصدر الفرمانين المشبوهين كان لم يزل يخشى غضبة السلطان العثماني الذي بدأ العمل في المشروع بمصر التي كانت وقتها ولاية تابعة له من دون الحصول على موافقته فحاول أن يعطل قدر ما استطاع تنفيذ لائحة استخدام العمال حتى لا يثير الباب العالي ضده إلا أنه وبمرور الوقت واثر تدخلات من الإمبراطورة الفرنسية أوجيني لم يعد يعطى بالا لما قد يغضب السلطان في الأستانة فراح يسخر كل أجهزة السلطة لاستجلاب الفلاحين من كل ربوع المحروسة و اقتيادهم مكبلين بالقيود إلى مواقع العمل و لم يكتفي بالفلاحين و إنما أمر بتوجيه آلاف من عساكر الجيش المصري للعمل في حفر القناة .
في الخامس والعشرين من أبريل عام 1859 جمع فرديناند مهندسيه ومستشاريه ومساعديه في مدخل القناة – وهي بورسعيد الآن – واحتفل بأول ضربة ضربها هو لشق القناة، وكان معه اثنان من كبار المهندسين الفرنسيين هما " لينان " و "موجل" دخل ديليسبس خلال عشر سنوات في معارك سياسية ومالية لكنه تمكن من التغلب عليها كلها . - سار العمل في إنفاذ المشروع وحفر القناة إلي أن جرت فيها مياه البحر الأبيض حتى بحيرة التمساح وذلك في الثامن عشر من نوفمبر 1862، وإلي هذه المرحلة وصلت القناة في عهد سعيد، إذ أدركته الوفاة بعد ذلك بشهرين في 18 يناير 1863، تاركا لإسماعيل إتمام ما بدأ به، والوصول بالمشروع إلي نهايته .
- عصر الخديوي إسماعيل:
سعي إسماعيل باشا خديوي مصر إلى إلغاء نظام السخرة فدخل في خلاف حاد جدا مع شركة قناة السويس ورئيسها دليسبس لإلغاء لائحة استخدام المصريين الذين لم يكن الواحد منهم يتقاضى ما يكفى قوت يومه . احتدم الخلاف بينهما فلجأ دليسبس إلى نابليون الثالث للتحكيم بينه و بين خديوي مصر والغريب أن الأخير ورغم ما كشف عنه موقفه من ملمح لشخصية وطنية ارتضى بدليسبس حكما فوافقه على منح الشركة تعويضا بلغت قيمته 3ملايين و 360 ألف جنيه استرلينى غير التنازل عن أراض بمنطقة القناة كمقابل لإلغاء لائحة استخدام العمال التي وقعها سلفه سعيد لدليسبس والأغرب أن سداد المبلغ تم على أقساط ذات فوائد مركبة . و تم افتتاحها بحضور دليسبس عام 1869 .
- بريطانيا والقناة:
أثار مشروع القناة معركة دبلوماسية بين بريطانيا وفرنسا خاضتها لندن في القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية التي كانت لها السيطرة على مصر، ورغم ذلك بدأ ديليسبس حفر القناة في 25 إبريل 1859م، وافتتحت رسميًا للملاحة في عهد الخديوي إسماعيل في 17 نوفمبر 1869م في احتفالات كبرى حضرها أغلب ملوك وأمراء أوربا، وكانت مدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ افتتاح القناة تعود بعد هذه المدة ملكيتها إلى الحكومة المصرية، وكان الفرنسيون يمتلكون معظم أسهمها .
ورد في كتاب " قناة السويس " للدكتور مصطفى الحفناوي أن الأساليب التي استخدمها الخديوي إسماعيل مع الفلاحين المصريين العاملين في الحفر كانت قاسية و"لن يغفر الله له السخرة والسياط".
ومنذ ذلك الحين صار الاستيلاء على هذا الطريق المائي الجديد من أغراض السياسة الإنجليزية، خاصة بعد تحقيق ألمانيا وإيطاليا لوحدتهما السياسية ودخولهما ميدان المنافسة الاستعمارية، وما يترتب على ذلك من تأثير على مركز بريطانيا في حوض البحر المتوسط، وكان ذلك كفيلاً بأن تتحول أطماع بريطانيا نحو مصر والقناة باعتبارهما مفتاح السيطرة في البحر المتوسط والمدخل للتوسع الاستعماري في إفريقيا، فضلاً عن أن بقاء القناة تحت السيطرة الفرنسية أمر لم يكن يطمئن إنجلترا في حركتها التجارية أو في الوصول إلى مستعمراتها في الهند.
وفي البداية لم تقبل إنجلترا على استخدام القناة في طريقها إلى الهند إلا في عام 1888م بعد أن فرضت سيطرتها التامة على القناة ومصر، وقبل هذا التاريخ اكتفت بسفينتين كل شهر، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى إظهار مشروع القناة في صورة خاسرة، ومضاعفة متاعب الشركة، بل أرادت أن تشتري القناة بأبخس سعر ممكن، وتمكنت من شراء أسهم مصر في القناة في نوفمبر 1875م واعتبر هذا البيع ضربة موجعة شديدة للمصالح الفرنسية، أما بريطانيا فطالبت بحقها في إدارة القناة .
كانت بريطانيا تمارس نفوذا دبلوماسيا قويا علي مصر من خلال الباب العالي، ورغم أن سعيد يسير علي سياسة والده في التعامل مع فرنسا بحذر حتى لا يثير شكوك بريطانيا إلا أن منحه الامتياز لفرنسي علي هذه الصورة كان يثير الشكوك في نفس بريطانيا .
- كانت معارضة بريطانيا المعلنة قائمة علي:
o أن الدول الواقعة علي ساحل البحر الأبيض المتوسط ستنتفع من شق القناة أكثر مما ستنتفع بريطانيا رغما عن أن بريطانيا ستخفض بمقدار الثلث من تكاليف تجارتها وبمقدار النصف من مسافة النقل البحري .
o أن تخفيض مسافة النقل البحري بمقدار النصف سيؤدي إلي الاستغناء عن عدد كبير من بحارة السفن وبطالتهم، وهم من البريطانيين .
في الوقت نفسه كتب لورد" كلارندون" وزير خارجية "بلمرستون" إلي لورد "كاولي" سفير بريطانيا في باريس لدي بلاط نابليون الثالث ملك فرنسا شارحا له اعتراضات بريطانيا بحجة أن:
o أولا: ترك الموضوع بين حكومة السلطان وباش مصر يثير متاعب بين الحكومتين وان اعتراضات فرنسا تتلخص في أن حفر القناة هو أمر غير ممكن عمليا إلا إذا أنفقت عليها أموال تجعلها في النهاية عملية تجارية غير رابحة، وأنها لن تكون إلا عاملا للمناورات السياسية فقط .
o ثانيا: أن عملية حفر القناة ستؤخر إن لم تمنع كلية إتمام مشروع مد الخط الحديدي بين القاهرة والسويس .
o ثالثا: أن مشروع القناة قائم علي أساس سياسة التحكم في أسهل طريق مواصلات بين بريطانيا والهند .
وعلي الرغم من الموقف العدائي الذي اتخذته الحكومة البريطانية إزاء حفر قناة السويس منذ البداية ورغما عن المعارضة التي أثيرت عندما دزرائيلي رئيس الحكومة البريطانية حصة الخديوي إسماعيل من أسهم شركة قناة السويس وقدرها 177 ألف سهم فقد حققت تلك الصفقة إشراف لبريطانيا علي القناة حتى تاريخ تأميمها في آخر عام 1956 .
ولم يمض وقت طويل حتى رأت بريطانيا أن مصالحها التجارية والسياسية مرتبطة بالقناة، لذلك استغلت الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها مصر في أواخر عهد إسماعيل، وتدخلت في الشؤون السياسية والمالية في البلاد، وهو الأمر الذي انتهى بالاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882م .
- اتفاقية الآستانة:
أثار استيلاء بريطانيا على مصر مشكلة مع فرنسا التي كانت ترى ضرورة تنظيم استخدام القناة، وتمت الموافقة بين الدولتين على أن تستند دراسة التنظيمات الخاصة بالقناة للجنة دولية في باريس وتضم ممثلين لدول أوروبية ومعها تركيا ومصر، وبعد مفاوضات تم توقيع اتفاقية الآستانة الخاصة بتنظيم إدارة القناة في أكتوبر 1889م وأقرت هذه الاتفاقية حياد القناة.
أما من الناحية الواقعية فإن إنجلترا ظلت تحتل مصر والقناة معًا، كما حرصت على أن تجعل سيطرتها على مصر والقناة أمرًا معترفًا به من جانب الدول الكبرى، وتم لها ذلك بتوقيع الاتفاق الودي مع فرنسا في1904م، وما إن حازت هذا الاتفاق حتى عمدت إلى إضعاف السياسة العثمانية في مصر، وإثبات سيادة الأتراك على مصر سيادة اسمية فقط، ثم ألغت هذه السيادة هي الأخرى في الحرب العالمية الأولى وفرضت حمايتها على مصر، وفرضت رقابة شديدة على منطقة القناة .
- الحركة الوطنية ومحاولات مد امتياز شركة قناة السويس ( 1909 – 1910 ) :
رغم السيطرة البريطانية الكاملة علي مصر وقناة السويس إلا أنها رأت أنه من الضروري العمل علي مد امتياز قناة السويس الذي ينتهي في عام 1968 لمدة 40 سنة أخري أي يصبح الامتياز ساري المفعول حتى 2008 . إلا أنها لاقت مواجهة شديدة من قبل الحركة الوطنية المصرية في أول اختبار لها بعد هزيمة الثورة العرابية، وكانت بريطانيا قد أعدت خيوط المؤامرة مع شركة قناة السويس، وقام المستشار المالي البريطاني بإجراء مفاوضات سرية مع الحكومة المصرية لكي توافق علي مد الامتياز في نهاية عام 1909، وكاد الاتفاق أن يتم بالفعل، إلا أن البرلمان الذي كان موجودا في مصر في تلك الفترة " الجمعية العمومية " كان استشاريا ولم يكن هناك ما يدعو إلي عرض الاتفاق عليها .
في عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولي والتي مثلت أول محنة تواجهها بريطانيا في القناة منذ توقيعها اتفاقية القسطنطينية 1888 وانتهكت حيدة القناة ولم تنفذ المبدأ الذي أقرته اتفاقية الآستانة بالنسبة لسفن أعدائها في هذه الحرب، فحرمت القناة علي أعدائها ووضعت البوارج علي مدخلها ومخرجها وأقامت الاستحكامات ونشرت قواتها وقوات الحلفاء علي ضفتيها . وكان هذا الموقف الذي وجدت بريطانيا نفسها أمامه هو التمهيد المباشر للمفاوضات التي انتهت بعقد معاهدة 1936
- معاهدة 1936:
استمرت السيطرة البريطانية على مصر والقناة، واستمرت معها مطالب الوطنيين بالجلاء حتى تم توقيع معاهدة 1936 التي نصت على احتفاظ بريطانيا بقاعدة حربية وجوية لها في منطقة القناة، واستفادت بريطانيا من قواعدها في القناة أثناء الحرب العالمية الثانية . واستطاعت بريطانيا بتوقيع هذه المعاهدة أن تقنن وجودها في القناة وتضفي عليه الشرعية ، وكان لها بذلك حرية التصرف في قناة السويس والملاحة فيها .
في أغسطس 1939 قامت الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه الحرب هي الاختبار الثاني لبريطانيا في مسألة حياد القناة، فقد كان أول إجراء اتخذته بريطانيا هو إغلاق القناة في وجه السفن الألمانية ثم السفن الإيطالية . وكانت نتيجة ذلك أن تحولت منطقة القناة إلي منطقة حرب ، وكانت هدفا دائما للغارات الجوية، فضربت بورسعيد مرارا بالقنابل واستخدمت بريطانيا القناة كقاعدة عسكرية، كما ضربت السويس والإسماعيلية . وفي أثنا الحرب كانت مصر هي التي تحمي القناة ومنطقة القناة بواسطة المدفعية المصرية المضادة للطائرات . وقد تكبدت مصر في سبيل ذلك خسائر بالغة، ولعل استخدام انجلترا للقناة لتحقيق أهدافها العسكرية هو الذي حمل الألمان والإيطاليين علي مهاجمة مصر ولو تركت أمر حماية القناة لمصر احتراما لمعاهدة 1888 لما كانت حملات روميل وجرازياني .
حاولت الحكومة المصرية إلغاء معاهدة 1936 أو تعديلها، وجرت مفاوضات طويلة وشاقة مع الإنجليز بهذا الخصوص، وقام الفدائيون المصريون بأعمال بطولية ضد المعسكرات الإنجليزية في القناة، وقام النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية بإلغاء المعاهدة في أكتوبر 1951م التي ظلت تربط مصر وبريطانيا مدة تزيد على خمسة عشر عامًا، وهو ما جعل بريطانيا ترفع درجة استعدادها في منطقة القناة .
- القناة بين الجلاء والتأميم:
قامت ثورة يوليو 1952 ضد الحكم الملكي والفساد، وسعت حكومة الثورة بعد إلغاء الملكية إلى مطالبة إنجلترا بجلاء قواتها عن منطقة وقاعدة قناة السويس، وأدت تلك المطالبات المصرية إلى التوصل للاتفاقية المصرية– الإنجليزية للجلاء عام 1954م، ونصت على أن يتم انسحاب القوات البريطانية على مراحل خلال عشرين شهرا، ونصت على بقاء مناطق محددة في قاعدة قناة السويس في حالة تشغيل تتسم بالكفاءة والصلاحية للاستخدام الفوري بواسطة بريطانيا في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة خارجية على إحدى الدول العربية أو التركية، مع ضمان حرية الملاحة في القناة .
وما كادت اتفاقية الجلاء توقع حتى شعرت إسرائيل بقلق شديد، إذ اعتبرت تنفيذها بداية الخطر على كيانها، وصرح موسى شاريت وزير خارجيتها آنذاك أن إسرائيل تلقي جانبًا من اللوم على بريطانيا، لأنها وقعت هذه الاتفاقية دون أن تسعى أولاً إلى إنهاء حالة الحرب القائمة بين مصر وإسرائيل .
كانت حرية عبور السفن الإسرائيلية في قناة السويس محل جدل شديد منذ توقيع الهدنة المصرية الإسرائيلية في فبراير 1949م، وبحث مجلس الأمن هذا النزاع، إذ كانت إسرائيل تحتج بأن منع مصر لسفنها من المرور في القناة يعد انتهاكا للقانون الدولي والهدنة بين الجانبين واتفاقية قناة السويس الموقعة 1888م، أما مصر فكانت تدفع هذه الحجج بأن الهدنة لم تتحول بعد إلى اتفاق سلام، وأن التدخل المصري في شئون الملاحة في القناة ضروري لسلامتها .
ورغم هذه المناقشات استمر الحظر المصري للسفن الإسرائيلية، وحدثت أزمة عندما حاولت السفينة الإسرائيلية (بات جاليم) اختبار النوايا المصرية بعبور القناة، فاحتجزتها السلطات المصرية، ثم ضمتها مصر بعد ذلك إلى بحريتها .
- مصر وشركة القناة:
لم يؤثر الانسحاب التدريجي للقوات البريطانية من قاعدة قناة السويس، أو إصرار مصر على رفض السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور في القناة على أداء الشركة، كما لم تؤثر التطورات التي حدثت في مصر في أعقاب ثورة يوليو على أدائها، إلا أنه في عام 1955م حدثت بعض المشكلات الطفيفة بين الجانبي، إذ كانت الحكومة المصرية تصر على توظيف الشركة للمرشدين المصريين، غير أن أخطر خلاف يبن الجانبين كان متعلقًا بالأمور المالية، خاصة مع اقتراب انتهاء امتيازها في عام1968م، وكانت الحكومة المصرية تريد من الشركة أن تستثمر نصف احتياطياتها في مصر، غير أن الشركة شعرت أن ذلك سوف يؤدي إلى فقدانها لسيطرتها .
- الغرب ومصر والقناة:
كانت الدول الغربية المنتفعة بقناة السويس تحاول التكهن بمستقبل القناة بعد انتهاء الامتياز وعودتها إلى مصر، وكانت ترى أن يكون لها رأي في تقرير طبيعة تنظيمها وكفاءة تشغيلها في المستقبل، إلا أن تدهور العلاقة بين مصر والغرب انعكس على شركة قناة السويس، فقد اعترضت مصر على الانحياز الغربي الشديد لإسرائيل، واعترضت على التحركات الغربية لإقامة دفاع إقليمي في الشرق الأوسط، وانعكس هذه الاعتراض المصري في منع بعض السفن من المرور في القناة، واحتجت السفارة الأمريكية في القاهرة في يوليو 1956م على اشتراط توفير سفن الولايات المتحدة بعض البيانات كشرط لعبورها .
- التأميم:
وكان لاتجاه مصر للحصول على السلاح من الكتلة الشرقية، ونجاح عبد الناصر في الحصول على أول شحنة من الأسلحة التشيكية في أكتوبر 1955م صداه الكبير في الغرب، انعكس ذلك في رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي؛ حيث سحب البنك عرضه بتمويل المشروع؛ فلم تجد مصر بُدا من الرد على هذا القرار، فأعلن الرئيس عبد الناصر في خطاب ألقاه في 26 يوليو 1956م تأميم الشركة العالمية البحرية لقناة السويس، التي وصفها بأنها (شركة نصب) اغتصبت حقوق المصريين، وأكد أن التاريخ لن يعيد نفسه، وأن يوجين بلاك رئيس البنك الدولي لن يلعب نفس الدور الذي لعبه ديليسبس، وأن مصر سوف تبني السد العالي؛ لذلك ستقوم بتحصيل الدخل السنوي للقناة والذي يقدر بمائة مليون دولار.
- إعلان تأميم قناة السويس:
في 26 يوليو 1956 م أعلن عبد الناصر في مدينة الإسكندرية بقرار جمهوري تأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية لتمويل مشروع السد العالي بعد سحب الولايات المتحدة والبنك الدولي مشروع تمويل بناء السد وازداد التوتر مع فرنسا بسبب دعم مصر لثورة الجزائر وذلك قبل انتهاء عقد امتلاك بريطانيا للشركة بعدة سنين مما أدى إلى توتر وتصاعد وجلب العداء لمصر .
- التدويل وأزمة السويس:
وفي اليوم التالي للتأميم أعلنت بريطانيا وفرنسا رفضهما الاعتراف بتأميم القناة، وأعلنتا أنهما ستتخذان جميع التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما وحماية مصالحهما، وتلا ذلك تجميد بريطانيا للأرصدة الإسترلينية لمصر، وأقدمت فرنسا والولايات المتحدة على إجراءات مشابهة . ثم اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث في لندن في أغسطس 1956م، وأصدروا بيانًا عارضوا فيه قرار التأميم، وقالوا بأن القناة كانت لها دائمًا صفة دولية، وأنه يجب لهذا الغرض ضمان دوليتها بصفة مستديمة، واقترحوا عقد مؤتمر دولي للدول الموقعة على معاهدة الأستانة والدول الأخرى، وفي الوقت ذاته قامت حكومتا بريطانيا وفرنسا بعدد من الإجراءات العسكرية مثل دعوة الاحتياط، وتحركت قواتهما إلى شرقي البحر المتوسط .
ورفضت مصر حضور مؤتمر لندن واعتبرته القاهرة تدخلاً في شؤونها الداخلية، وأبدى الاتحاد السوفيتي تأييدًا كاملاً للموقف المصري خاصة بعد تعهد مصر باحترام حرية الملاحة في القناة، وبدفع تعويض لحملة الأسهم . وقد بذل المصريون جهودًا خارقة لتجنيد المرشدين المصريين لتيسير استمرار تدفق حركة العبور في القناة بعد انسحاب المرشدين الأجانب.
كانت الولايات المتحدة غير راضية عن المسلك البريطاني في التفكير في إحالة مسألة القناة إلى مجلس الأمن الدولي، وبدأت الخارجية الأمريكية ببحث إمكانية حل المشكلة من خلال تشكيل هيئة من المنتفعين بالقناة، في محاولة منها تجنب اللجوء إلى استخدام القوة أو الرضوخ لعبد الناصر، وصرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس أن ترك عبد الناصر ليحقق النصر غير وارد، وذكر أن استخدام القوة لن يكون له ما يبرره، والواضح أن الولايات المتحدة كانت تسعى للقضاء على النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط، لتحل محل بريطانيا العظمى إيذانًا ببدء عصر جديد، وكانت تصريحات دالاس ترسم هذه الصورة الجديدة.
وعرضت مشكلة القناة على مجلس الأمن الدولي الذي اعتمد قرارًا لتسوية المشكلة، واشترط له ستة بنود، منها ضمان حرية الملاحة، واحترام سيادة مصر، وضرورة أن تبتعد إدارة القناة عن سياسة أي دولة، وصرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية جولد مائير أنها لن تقبل بأي صياغة عامة للملاحة في القناة لا تذكر إسرائيل صراحة .
وتطورت الأحداث سريعًا وزادت شراسة المعركة الدبلوماسية التي تكتل فيها الغرب بقيادة الولايات المتحدة لمشاركة مصر في حقها المشروع في إدارة القناة، وفي هذه المرحلة تلاقت وافترقت كثير من خطط ونوايا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وكانت المعركة في حقيقتها معركة إرادات سياسية يحاول كل طرف فيها إملاء إرادته على الطرف الآخر، إلا أن قدرة مصر على الصمود أعطى لها ثقلاً في العملية التفاوضية.
وكانت الولايات المتحدة تعلم أن التحرك الدولي لبريطانيا وفرنسا ليس إلا مجرد غطاء للتحرك العسكري لضرب مصر بالاتفاق مع إسرائيل، والذي بلغ ذروته بالعدوان الثلاثي على الحدود المصرية في29 أكتوبر 1956م، الذي فشل بسبب الموقف الأمريكي المعارض له، والموقف السوفيتي المؤيد لمصر الذي هدد بضرب لندن وباريس بالصواريخ، وهو الموقف الذي وقفت حياله الولايات المتحدة صامتة، فلم تستطع بريطانيا وفرنسا تنفيذ مخططهما لاستعادة السيطرة على القناة، فانسحبتا من المنطقة .
- هيئة قناة السويس:
تأسست عام 1957بعد عام واحد من تأميم القناة، وتقوم بتشغيل القناة وإداراتها وقيادتها باعتبارها مؤسسة عامة، وقاد أول مدير لها وهو محمود يونس عملية احتلال مقار شركة القناة أثناء الإعلان عن تأميمها، ونال تقديرا كبيرا لمهارته في إنجاح انتقالها من الملكية الخاصة إلي الملكية العامة مما زاد بصورة أساسية فوائد القناة . وأشرفت الهيئة علي تطهير القناة عقب حرب السويس في 1956. وفي الخامس عشر من فبراير 1957 كانت كل عمليات التطهير في القناة قد تمت، وقد تم إعادة فتح القناة في مارس 1957م تحت إدارة مصرية، وكان من نتائج ذلك تقوية المركز السياسي للنظام المصري ولعبد الناصر، واستعادة إسرائيل حرية الملاحة في مضايق تيران، وحصلت بريطانيا وفرنسا على تعويضات مالية لحملة أسهم القناة .
عادت الملاحة إلي القناة في العاشر من أبريل من نفس العام ، وفي نفس اليوم أصد جمال عبد الناصر القانون رقم 46 لعام 1957بنظام ( هيئة قناة السويس ) . وكان عبد الناصر مع رجال القناة يعدون المشروع الضخم للتحسن والتطوير، بل أن المشروع نفسه أطلق عليه اسم "مشروع ناصر"وتم تنفيذه علي مراحل، وكانت أولي مراحله ما بين عامي 1958، 1963 واستمر في باقي مراحله لولا حرب 1967 . وبالإضافة للمهام الإشرافية علي تشغيل القناة، تقوم الهيئة أيضا بتحديد معدلات التعريفات الجمركية علي السفن المارة بها وتشرف علي مشاريع التطوير ذات الصلة في المناطق الملحقة بالقناة .
- الخبرة المصرية وتطهير القناة وتطويرها بعد العدوان الثلاثي:
ترتب علي العدوان الثلاثي علي مصر – تعطيل الملاحة في قناة السويس، وعانت الدول الأوروبية من ذلك بسبب تعذر وصول شاحنات البترول التي كانت تمر بالقناة في طريقها غلي البحر المتوسط فأوروبا، واضطرت لاستخدام الطريق الطويل حول رأس الرجاء الصالح فارتفعت أسعار البترول – وتوقفت العديد من الصناعات في البلاد الأوروبية، وعاني الأوروبيون من البرد والجوع والبطالة .
وتضافرت الجهود – بعد انتهاء العدوان – لتطهير القناة وإعادة الملاحة بها ، وقد أسهمت الخبرة المصرية في ذلك - فأعادوا العمل في ورش القناة، واستطاع المهندسون والخبراء و العمال المصريون أن يعيدوا الحياة في القناة واستأنفوا الملاحة فيها في وقت قصير . وسارت الملاحة في القناة بدقة متناهية في ظل الإدارة المصرية، وفي 12 يوليه 1958 – وقع اتفاق بين مصر وممثلي الشركة السابقة صفيت بموجبه كافة المشكلات المعلقة .
- مشروعات تطوير القناة:
بعد تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية – قامت الإدارة المصرية بعدة مشروعات لتحسين الملاحة وتطويرها:
o مشروع عام 1961 – بزيادة القطاع المائي، وزيادة الغاطس المسموح به .
o مشروع عام 1965 – وذلك لزيادة القطاع المائي وزيادة الغاطس مرة أخري – وقد تطلب الأمر إزالة كوبري الفردان القديم وإقامة كوبري جديد، وترتب علي ذلك زيادة عدد السفن العابرة للقناة .
o مشروع عام 1966 – والهدف منه تطوير القناة بتوسيعها وتعميقها لتسمح بمرور أكبر نسبة ممكنة من ناقلات البترول . وفي الذكري العاشرة لتأميم القناة ( 26 يوليو 1966 ) – أعلن جمال عبد الناصر اعتماد مشروع جديد لتطوير القناة يتم علي مرحلتين .
o مشروع عام 1974 – وهو يهدف لتطوير القناة بعد إغلاقها ثمان سنوات بسبب الحرب (1967– 1975)، والهدف من المشروع إعداد القناة لمرور غالبية ناقلات البترول العملاقة التي كانت تضطر لاستخدام طريق رأس الرجاء الصالح .
وقد انتهت المرحلة الأولي للمشروع في 16 ديسمبر 1980، ووصل القطاع المائي إلي 3300 / 3600 مترا مربعا، وبلغ الغاطس 53 قدما .
أما المرحلة الثانية، فقد بدأ تنفيذها بعد تقييم نتائج المرحلة الأولي بهدف أن يصل القطاع المائي إلي 4700 / 5200 متر مربع . والغاطس إلي 67 / 68 قدما .
o وقد اهتمت الإدارة المصرية بالإضافة لذلك بتطوير الجهاز الفني للقناة وذلك بإعداد طاقم كفء من المرشدين، وإعداد مركز للاتصالات البحرية وتزويده بأحدث الأجهزة، وإنشاء محطات في منطقة القناة للتنبؤ بالأحوال الجوية لخدمة الملاحة في القناة، كما اهتمت الإدارة المصرية ببناء ترسانتين بحريتين – ترسانة بورسعيد البحرية، وترسانة بور توفيق البحرية – وتستمر الإدارة المصرية في تنفيذ المشروعات الهامة الآخري لتطوير وتحسين هذا المرفق الهام
أنور السادات وقناة السويس:
سيذكر التاريخ دائما أن الرئيس الراحل أنور السادات كان وراء تحقيق الانجاز العظيم في قناة السويس ومنفذا للإرادة المصرية في تطهير القناة بعد حرب أكتوبر وإعدادها للملاحة من جديد وتطويرها كي تعود أهم الممرات البحرية في العالم ، والتمست مصر المساعدة الدولية من أجل تطهيرها ورفع السفن الغارقة والألغام منها .
ولم يعد فتحها إلا في يونيو 1975م، بعد أن نجحت مصر في معركتي تطهير القناة من الألغام والمفرقعات والقنابل، ثم أنهت مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل الحظر الذي فرضته على مرور السفن الإسرائيلية .
كان اهتمام أنور السادات بقناة السويس لا يتوقف وإصراره علي تطويرها طوال السنوات التي أعقبت حرب أكتوبر أكبر الأثر في تنفيذ مشروع التطوير العملاق، ففي الفترة ما بين العاشر من أكتوبر 1975 حتى شهر يونيه عام 1980 قام السادات بعشرين زيارة لقناة السويس لمتابعة سير العمل بنفسه .
وعندما انتهت الإدارة المصرية في القناة من تنفيذ مشروعات المرحلة الأولي للتطوير وانتهت من تشغيل التفريعات الثلاث التي تضيف غلي القناة ازدواج القناة مسافة 68 كيلو مترا تتمكن السفن من خلالها العبور من الاتجاهين، اعتبر السادات أن هذا النجاح الذي حققته مصر لابد أن يسجل في التاريخ في افتتاح ثالث لأن حجم الانجاز يزيد مرة ونصف عن كل ما تحقق في القناة في أكثر من 110 أعوام متصلة، وكان يوم السادس عشر من ديسمبر عام 1980 هو الموعد الذي اختاره السادات لاحتفالات الفتح الثالث للقناة . وطلب السادات قبل مغادرته بورسعيد من الإدارة المصرية الاستعداد لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروعات التطوير لكي تبدأ في عام 1982 وكانت هذه هي آخر كلمات قالها السادات عن القناة وآخر زيارة رسمية قام بها لقناة السويس قبل استشهاده في السادس من أكتوبر عام 1981 .
تعريف القناة
هي القناة الصناعية التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر مرورًا ببرزخ السويس، والتي تقع بين كتلة اليابسة بمصر وشبه جزيرة سيناء، وفي نهاية المنفذ الشمالي تقع مدينة بورسعيد، وعلى منفذها الجنوبي مدينة السويس، المعروفة في العصور المبكرة باسم القلزم، وهي ميناء قديم. وتمتد القناة بطول 190كم، ويبلغ عمقها 19 مترًا، وعرضها 92 مترًا عند القاع و226 مترًا عند السطح، وهو ما يسمح لها بمرور السفن الكبيرة .
قصة القناة :
- المشروعات السابقة لتوصيل البحرين:
ترجع فكرة حفر قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر إلى أقدم العصور، وسجل التاريخ أن مصر شقت أول قناة صناعية على وجه الأرض، فقد حفر القدماء المصريين قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر، وجرت هذه القناة حينًا وتوقفت آخر . وعندما فتح المسلمون مصر جدد عمرو بن العاص هذه القناة تنفيذًا لأوامر الخليفة عمر بن الخطاب، وفي رواية للمقريزي أكد أن السفن استطاعت أن تصل من الفسطاط إلى القلزم (السويس) إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة بعد أقل من عام على الفتح، ومجد الفيلسوف والشاعر الفرنسي المعروف فوليتير فضل عمر بن الخطاب على الملاحة بتجديده لهذه القناة الحيوية التي استمرت في العمل حوالي مائة وخمسين عامًا حتى أوصدها عند نهايتها أحد الخلفاء العباسيين عام 775م.
ذكرت بعض المصادر أن عمرو بن العاص فكر في وصل البحرين الأبيض والأحمر، لكن الخليفة عمر منعه من ذلك، واكتفى بتجديد قناة فرعون التي كانت تمتد بطول مائة وخمسين كيلو مترًا .
وعندما اكتشف البرتغال طريق رأس الرجاء الصالح في بداية القرن السادس عشر الميلادي تغيرت معه حركة التجارة العالمية، ولم تعد مصر والإسكندرية قلب هذه التجارة، وعانت من جراء ذلك معاناة شديدة. ومع تزايد التنافس الاستعماري بين الدول الكبرى نشط الفرنسيون للتغلب على منافسيهم البرتغاليين في الشرق الأقصى، ورأوا أنه لا سبيل لذلك إلا بإعادة التجارة إلى طريقها القديم والحصول على حاصلات الشرق بواسطة السويس، وصارت تلك الفكرة الشغل الشاغل للدبلوماسية الفرنسية ردحًا من الزمن. وفي تلك الفترة، لم تكن فكرة إيجاد صلة مباشرة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر تلقى القبول على أساس أن مستوى المياه في البحرين غير ملائم من الناحية العملية .
- مشروع لوبير:
عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، فتحت صفحة جديدة في تاريخ توصيل البحرين المتوسط والأحمر حيث درس فكرة إنشاء قناة تربط البحرين، وكلف بعثة علمية لوضع دراسات هذا المشروع الذي كان العمود الفقري في برنامجه الاستعماري، وقد قامت اللجنة بثلاث رحلات إلي منطقة البرزخ: الأولي بدأت في 27 يناير 1799، وبعد أن وصلت اللجنة إلي السويس غادرتها لاستكشاف المنطقة في شمالها ، حتى وصلت إلي حوض البحيرات المرة، واضطرت بسبب قلة المياه إلي الاتجاه صوب وادي طوميلات حيث عثروا في جانبه الشمالي علي معالم القناة القديمة وتتبعوها حتى بلدة العباسة الواقعة عند مدخل الوادي، ولما تعذر عليهم بعد ذلك تتبع الأثر عادت اللجنة غلي القاهرة عن طريق بلبيس للتزود بإمدادات جديدة تعينهم علي مواصلة البحث فواصلوا القاهرة في التاسع من فبراير 1799 .
ولما كان بونابرت قد خرج بحملته علي سوريا منذ 6 فبراير 1799 فقد توقفت مؤقتا أعمال اللجنة حتى عاد بونابرت من الحملة السورية وشغل بمقاومة العثمانيين في موقعة أبي قير البرية ثم رحل عن مصر إلي فرنسا، وعلي ذلك لم تستأنف اللجنة أعمالها في برزخ السويس إلا في عهد كليبر حيث خرج لوبير للمرة الثانية في 29 سبتمبر 1799 ومعه أخوه جراتيان لوبير، وسنت جنيس، وفيفر، دي شانوي، وغيرهم وصارت الرحلة إلي بلبيس وأخذت في قياس سطح البرزخ ابتداء من العباسة عند رأس وادي"طوميلات" حتى نقطة "سبع أببار" ثم البحيرات المرة، وتابعت سيرها إلي السويس ومنها عادت إلي القاهرة .
ولما كانت اللجنة في رحلتيها السابقتين لم تدرس تلك المنطقة من البرزخ المجاورة للبحر المتوسط فقد خرجت للمرة الثالثة والأخيرة في الرابع عشر من نوفمبر 1799 واتجهت شمالا في هضبة التيه صوب ساحل البحر المتوسط، ثم قفلت راجعة إلي القاهرة .
وقد لقيت اللجنة في رحلاتها الثلاث صعوبات كثيرة أهمها نقص المياه العذبة لدرجة أنها اضطرت في كثير من الأحيان إلي ترك مكان البحث لتعود إلي القاهرة أو لتذهب إلي السويس، وثمة سبب أخر لتعطيل أبحاث اللجنة كان غزو الفرنسيين لسوريا (فبراير–يونيه)، فأرجأت اللجنة أعمالها عدة شهور، وإلي جانب ذلك فقد كانت اللجنة تعاني نقصا في الأجهزة ووسائل النقل والمواصلات وتتعرض لهجمات الأعراب في الصحراء وتشكو من عدم إخلاص الأدلاء الذين استعانت بهم لإرشادها في الصحراء إذ كثيرا ما يضللونها .
وكان من نتيجة هذه الصعوبات جميعا أن وقع لوبير في خطأ علمي هندسي قال فيه بارتفاع مستوى البحر الأبيض عن البحر الأحمر بمقدار ثلاثين قدما وست بوصات، مما أكد المخاوف التي ساورت القدماء من شق قناة مستقيمة بين البحرين المتوسط والأحمر . وضمن نتائجه في تقرير أعده بتاريخ السادس من ديسمبر 1800 وقدمه إلي القنصل الأول في الرابع والعشرين من أغسطس عام 1803، ولو أن هذا التقرير لم ينشر إلا في عام 1808 .
ولقد ترتب علي وقوع لوبير في هذا الخطأ في حساب مستوي البحرين أنه صار يعتقد بضرورة حل مشكلة توصيل البحرين علي أساس إعادة حفر القناة القديمة التي كانت تصل النيل بالبحر الأحمر، ثم وصل النيل بالبحر المتوسط إتماما لهذا الاتصال، ومع ذلك لم يكن يخلو مشروع لوبير من مزايا كانت موضع تقدير الكثير من المتخصصين، فلقد ضمن لوبير تقريره كثيرا من المعلومات عن ظروف المنطقة التي سوف تخترقها القناة ودراسة الملاحة في البحر الأحمر ، وجدولا بالمقاييس التي أنجزها في منطقة البرزخ، وكان لهذه الدراسات جميعا أثر كبير علي المحاولات التالية التي بذلت لشق القناة فأسدت معونة كبيرة لجميع الأبحاث التي جاءت بعد لوبير ، واسترشدت بآرائه ودراساته وعلي الأخص للسان سيمونيين .
- السان سيمونيين ( ) ومشروع القناة:
كان مشروع حفر قناة تربط بين البحرين المتوسط والأحمر موضع اهتمام سان سيمون الذي راودته فكرة إنشاء هذا المشروع، إلا أن سان سيمون توفي في عام 1825 قبل أن تخطو بمشروع القناة بين البحرين المتوسط والأحمر سوي مجرد التفكير، تاركا هذه الفكرة لأتباعه يتعهدونها، ولذلك أخذ خليفته "أنفاتان" يعمل بهمة ونشاط من أجل شق هذه القناة التي اعتبرها – هي وقناة بنما - ذات أهمية قصوى في سبيل تقدم التجارة وما يترتب علي ذلك من تقدم وازدهار وربط شعوب العالم ببعضها البعض .
وقد تناول السان سيمونيين مشروع القناة بين البحرين المتوسط والأحمر في كتاباتهم ومقالاتهم التي كانوا ينشرونها في الصحف . ورغم أن الحكومة حلت جماعة السان سيمونيين وسجنت زعمائها في أواخر عام 1833 إلا أنهم كانوا يفكرون في سجنهم في مشروع شق قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط، حتى أصبحت أفكار الأب أنفاتان وخططه عندما أطلق سراحه في أغسطس 1833 – تدور حول الرحيل إلي مصر وشق قناة في برزخ السويس ، فأعرب أنفاتان في احدي رسائله – بتاريخ 8 أغسطس عام 1833 – إلي زميله بارو عن اعتقاده بوجوب قيام الجماعة بشق قناة بين البحرين المتوسط والأحمر لتصل أوروبا بالهند والصين علي أمل أن يؤدي نجاحهم في حفر هذا الطريق المائي إلي تثبيت نفوذهم في الأقطار الواقعة علي جانبي القناة أي في مصر وفلسطين، ثم امتداد هذا النفوذ إلي البحر الأحمر والبحر المتوسط، فيتسنى لهم عن هذا الطريق ربط العالمين الإسلامي والمسيحي، الأمر الذي يؤكد للعالم قوتهم ومقدرتهم . ولم تكن كتابات أنفاتان وحده هي التي تعبر عن أهمية المشروع في نظر السان سيمونيين، بل لقد عبر بقية زعمائهم عن هذا الرأي أمثال ميشيل شيفاليه، فورنل وغيرهم .
ولما كان الأب أنفاتان قد أعلن أن الواجب يقتضي السان سيمونيين عدم التخلي عن مشروع القناة باعتبار أنه أولي ثمرات سياستهم الاقتصادية فقد صار ضروريا معرفة الصلة بين مشروع القناة وبين أراء السان سيمونيين الاقتصادية .
فلقد كان التصنيع أساس فلسفة سان سيمون الاجتماعية، كما كان السيمونيين يرون أن الصناعة وحدها هي التي تمكن الإنسان من السيطرة علي الطبيعة واستغلال مواردها لفائدة الإنسان، وفي رأيهم المجتمع الصناعي هو أقدر المجتمعات علي إسعاد المواطنين، وأن الدولة الصناعية هي نظام المستقبل . ولكي يستمر النشاط الصناعي ويزدهر المجتمع الصناعي الذي ينادي به السان سيمونيين كان لابد من قيام حركة واسعة للتبادل التجاري بين الشرق والغرب، ومن ثم كانت الفكرة التي سيطرت علي ذهن الأب انفاتان وأعوانه هي غزو مصر علي أن يكون هذا الغزو اقتصاديا واجتماعيا وليس حربيا وسياسيا، وذلك عن طريق المساهمة في المشروعات التي يتسنى بفضلها إعطاء فرنسا مركزا ممتازا في مصر فهو احتلالا تجاريا وليس علي غرار الاحتلال الذي قامت به في الجزائر .
وتجد الإشارة هنا إلي، الدراسات والأبحاث التي توصل إليها تشيزني الذي أوفدته بريطانيا لبحث مشروع توصيل البحرين وللمفاضلة بين الطريق بين من البحر المتوسط إلي الخليج الفارسي عبر سوريا وبلاد ما بين النهرين، وبين الطريق البري عبر مصر، ورغم أن أبحاث تشيزني توصلت إلي تساوي مستوي البحرين فإن النتائج التي وصل إليها وأعلنها لم تكن تستطيع بسهولة محو الأثر السيئ الذي خلفته بعثة الحملة الفرنسية برئاسة لوبير .
وهكذا يبدو أن رحيل السان سيمونيين إلي مصر والشرق في عام 1833 إنما هو بمثابة استكمال لحملة نابليون بونابرت في مصر في عام 1798، غير أنها تختلف عن حملة بونابرت فهي حملة سلمية لا تستخدم العنف أو القوة بل تتغلغل سلميا لضمان عم معارضة الدول الآخري لنشاط فرنسا في مصر .
- الإعداد لتنفيذ المشروع:
حدد السان سيمونيين هدفهم من الرحيل إلي مصر بزيارة منطقة برزخ السويس، وهي المنطقة التي تفصل البحر المتوسط عن البحر الأحمر ، وذلك لإتمام البحوث والدراسات التي كانت بدأت حديثا علي أيام الحملة الفرنسية علي مصر واختيار أفضل السبل لشق طريق مائي للمواصلات يربط بين هذين البحرين، كما اهتم السان سيمونيين بضم عددا من المهندسين المتخرجين من مدرسة الهندسة العليا بمختلف أقسامها، وقد استغرق ذلك نحو عامين حتى أصبح في مقدورهم اقتحام ميدان العمل لتنفيذ المشروع .
وأهم ما يلاحظ أن نشاط السان سيمونيين الفني لم يتمخض عن وضع مشروع محدد لتوصيل البحرين قبل حضورهم إلي مصر وإنما اقتصر نشاطهم علي دراسة المشروعات السابقة وما يتعلق ببرزخ السويس من بيانات تاركين وضع مشروع للقناة لحين حضورهم إلي مصر وإتمام بحوثهم ودراساتهم في المنطقة التي سوف تشقها القناة .
- فكرة الحياد:
بحث السانسيمونيين وسيلة تنفيذ المشروع وتمويله وتوصلوا إلي أن التنفيذ يمكن أن يكون فرديا أي من يقوم به أفراد أو جماعة ينتمون إلي واحدة فقط من الدول الأوروبية أو جماعيا تشترك فيه الدول الأوروبية جميعا وأعلن السانسيمونيين تفضيلهم للمشروع جماعيا . ودعوا إلي مساهمة الدول في ذلك وأعربوا عن أملهم في أن ينعقد مؤتمر أوروبي لتنفيذ المشروع التزاما بفكرة الحياد وتجنب احتكار أي دولة للحصول علي امتيازات خاصة في مشروع الحفر . بمعني أخر تدويل القناة لدرجة التفكير في انتزاع منطقة القناة من الحكم المصري لوضعها تحت إشراف أجنبي علي يد الدول الأوروبية .
ولا شك أن الأب أنفاتان وأنصاره من السان سيمونيين بهذا التفكير قد تجاهل وجود تلك الوحدة الطبيعية التي تربط بين أقاليم مصر المختلفة والتي تحول دون انتزاع منطقة القناة من الحكم المصري لوضعها تحت إشراف أجنبي علي يد الدول الأوروبية .
وأوفد السان سيمونيين "دوجويه" قبلهم إلي مصر مع الاستعانة بالمسيو "ميمو" قنصل فرنسا في مصر، للتعرف علي المشروعات التي تشغل بال محمد علي في ذلك الوقت، ولمعرفة إذا كان هناك إنجليز في مصر يهتمون بفكرة توصيل البحرين، ووصل في العاشر من أكتوبر1833 ، كما غادر الأب أنفاتان ميناء مرسيليا في الثالث والعشرين من سبتمبر 1833 .
ومع أن أنفاتان كان يتوقع أن يلقي ترحيبا من محمد علي حيث أنه في تلك الفترة كان مهتما بإنشاء مدرية للهندسة في مصر وكان أنفاتان أن يساعده في ذلك، إلا أن محمد علي كان غير ميال لإقامتهم في مصر بعد طردهم من فرنسا لغرابة أفكارهم ومبادئهم وخاصة بعد أن أبعدتهم الدولة العثمانية عن أراضيها خشية اضطراب الأمن العام .
كان ديليسبس في ذلك الوقت هو نائب القنصل الفرنسي في مصر واستطاع أن يقنع محمد علي بجدوى وجودهم، وقد فاتح السان سيمونيين القنصل الفرنسي يشأن مشروعهم لشق قناة بين البحرين، إلا أن كل ما فعلوه هو مجرد دراسات قاموا بها لكي يحيطوا هم ببعض الحقائق عن المشروع .
عقب وصول لامبير وفورنل إلي القاهرة في الثامن عشر من ديسمبر 1833، ودأب فونل علي إقناع محمد علي بمشروع توصيل البحرين بكل الطرق وذلك أثناء مقابلة لهم في الثالث عشر من يناير 1834 حتى أن محمد علي عهد إليه بمشروع الخط الحديدي بين القاهرة والسويس إلا أنه تراجع عن إسنادها إليه وكلف مهندسا إنجليزيا بذلك، إلا أن فورنل لم ييأس لأنه لم يأتي إلا من أجل مشروع شق القناة .
وبالفعل حاول فونل إقناع محمد علي بمشروع شق القناة بين البحرين المتوسط والأحمر، وقدم هو وزميله لامبير ، ولكن محمد علي كان في ذلك الوقت يبحث عدة مشروعات مقدمة إليه من من ضمنها مشروع القناة، القناطر الخيرية، إنشاء خط حديدي بين القاهرة والسويس، وغيرها، وإزاء هذا قرر محمد علي بحث هذه المشروعات في اجتماعات المجلس العالي الذي عقد جلساته أيام 28 و 29 و 31 يناير 1834.
وافق المجلس فقط علي تفضيل مشروع القناطر علي غيره من المشروعات . وكان هذا القرار صدمة لفورنل وفقد الأمل في إقناع محمد علي بمشروع توصيل البحرين وهو المشروع الرئيسي في رحلتهم إلي مصر، فاعتزم العودة إلي فرنسا بعد أن تأكد له أن رحلة السان سيمونين إلي مصر دون جدوى . وقد كان لرحيل فورنا وغيره من الأتباع إلي فرنسا بعد فشلهم في إقناع محمد علي أبلغ الأثر علي الأب انفاتان الذي غادر القاهرة أيضا في الثامن من نوفمبر 1834 عائدا إلي فرنسا .
هذا هو نشاط السان سيمونيين من أجل مشروع القناة في تلك الفترة وأهم ما يلاحظ علي هذا النشاط أنه اقتصر علي ناحيتين:
o الأولي: محاولة إقناع محمد علي بالمشروع وقد فشلوا في ذلك .
o الثانية: القيام بدراسات وأبحاث تمهيدية في منطقة برزخ السويس، إلا أنها لم تسفر عن قيامهم بوضع مشروع محدد لتوصيل البحرين، ومن هنا كان نشاطهم يعتبر ناقصا من الناحية الفنية .
- ديليسبس والقناة:
أراد فرديناند ديليسبس ( ) أن يجعل من مشروع قناة السويس أداة لتمكين فرنسا من احتلال مصر والسيطرة على الشرق، وكان قد وقع في يد المسيو ديليسبس وهو في الإسكندرية بحث المسيو لوبير عن وصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر ودرس هذا البحث درسا متعمقا، فلم يلبث أن اتجهت نفسه إلي تحقيق مشروع الاتصال بين البحرين بقناة بحرية، ولقد استولى على الدراسات الهندسية الخاصة بإنشاء القناة ونسبها إلى نفسه بعد ذلك .
أصبح مقتنعا بالفائدة الاقتصادية لشق قناة السويس عبر شريط من الأرض يربط سيناء بباقي اليابسة في مصر، رغم أن تقديرات العلماء الذين رافقوا نابليون في غزوه لمصر 1789 كانت تشير إلي عدم جدوى ذلك، علي أن المزايا التجارية لربط البحر المتوسط والبحر الأحمر أدت إلي تأييد الوالي محمد علي للمشروع وتشكلت لجنة فنية 1846 من بعض المهندسين لدرس مشروع القناة في أواخر عهده، إضافة إلي المساعدات المالية الأوروبية .
وقد فكر محمد علي في شق قناة تصل بين القاهرة والسويس، وتأسست جمعية في أوروبا غرضها الدعوة لشق قناة في برزخ السويس، والتقى بعض أعضاء هذه الجمعية بمحمد علي في الفيوم سنة 1845م، وأعلن محمد علي أنه يريد أن ينفذ هذا المشروع بنفسه، وأن تكون القناة ملكًا لمصر مع حيادها التام . علي أن المزايا التجارية لربط البحر المتوسط والبحر الأحمر أدت إلي تأييد الوالي محمد علي للمشروع وتشكلت لجنة فنية 1846 من بعض المهندسين لدرس مشروع القناة في أواخر عهده، إضافة إلي المساعدات المالية الأوروبية .
توقف المشروع مؤقتا أثناء عصر عباس الأول (1848 – 1854)، الذي عارضه تماما مع جميع التجديدات التي كان يحبذها أبوه، رغم أن دليسبس أرسل تقريرا عنه إلي المسيو رويسنر قنصل هولندا العام في مصر ليعرضه علي عباس ولكن الفكرة لم تلقي من الأمير قبولا ، واتجه فكره إلي تسهيل المواصلات بطريق البر بين الإسكندرية والسويس بدلا من شق ترعة ملاحية بين البحرين، ويئس دليسبس من نجاح مشروعه علي يد عباس الأول .
بعد وفاة الخديوي عباس وتولي سعيد باشا استبشر دليسبس خيرا بنجاح فكرته، علي يد صديقه القديم، فأرسل يهنئه بارتقاء العرش، فاستدعاه سعيد إلي مصر وجاء فعلا إلي الإسكندرية في نوفمبر 1854، انتهز الفرصة أثناء رحلة مع الخديوي، فاتحه في أمر المشروع، فوافق وحصل ديليسبس واستطاع أن يحصل من خديوي مصر سعيد باشا على امتياز شق قناة مباشرة تربط البحرين في الثلاثين من نوفمبر 1854م، وتضمن هذا الفرمان اثني عشر بندًا كلها من الأعاجيب، منها الحصول على ماء النيل بدون مقابل، والحق في استغلال الشركة صاحبة الامتياز جميع المواد اللازمة لأعمال القناة، مع تعهد الحكومة المصرية بتقديم كل معونة في سبيل تنفيذ المشروع علي امتياز أولي لحفر قناة السويس والموافقة على تأسيس شركة لحفر القناة و إدارتها ، وأصدر في 30 نوفمبر من عام 1854 أي بعد ما يزيد قليلا عن شهرين من توليه عرش مصر فرمان الامتياز الأول الذي خول به دليسبس الحق في إنشاء الشركة العامة لقناة السويس وهو الفرمان الذي منحت بمقتضاه الشركة التي تولى دليسبس تأسيسها حقا للانتفاع بالقناة مدة 99 سنة تالية لتاريخ افتتاحها وأعطاها في الوقت ذاته الحق في مصادر كل ما يلزمها من أراض لصالح المشروع من دون مقابل وكذلك الحق في شق ترعة نهرية لري الأراضي الزراعية التي ستستولي عليها الشركة و الحق في بيع مياهها إلى الأهالي إذا ما أرادوا ري أراضيهم من مياه الترعة إضافة إلى حق استغلال المحاجر والمنجم المصرية العامة لاستخراج كل ما يلزم العمل دون مقابل مع إعفاء واردات الشركة من المعدات وغير ذلك من الرسوم الجمركية وأعطى الفرمان للحكومة المصرية الحق في تعيين مدير للشركة مع أفضلية اختياره من بين المساهمين وكذلك في الاستحواذ على القناة و أملاك الشركة بعد نهاية مدة الالتزام أو حق الانتفاع - 99 عاما – على أن تعوض الشركة عن المهمات والأشياء المنقولة التي ستترك للحكومة بعد انتهاء مدة الامتياز .
عارضت الحكومة البريطانية – وكذلك ممثلها لدي الباب العالي- علي الامتياز الأولي بشدة، ورغم هذا استطاع ديليسبس أن يجمع التأييد لمشروع شق القناة في أوروبا لحد كبير من خلال الضغوط الشخصية التي مارسها، لم يكد يمر نحو أربعة عش شهرا على صدور هذا الفرمان حتى أصدر محمد سعيد فرمان الامتياز الثاني في الخامس من يناير عام 1856 والذي تضمن في مادته الثانية إلزاما للشركة باستخدام ما لا يقل عن عشرون بالمائة ممن تحتاجهم الأعمال من المصريين وهو البند الذي كان يوحى ظاهريا كما في جوهره بحرص الوالي على توظيف المصريين بأعمال الشركة وعلى عكس الغرض منه فسره دليسبس بعد ذلك - على هواه – بأنه يلزم الحكومة المصرية بتوفير العمال لأعمال الحفر دون مقابل وكان ذلك هو الأساس الباطل الذي اعتمد عليه دليسبس لتسخير المصريين .
أستصدر بعد ذلك لائحة تفسيرية من الخديوي ألزم فيها الأخير مصر بتقديم كل ما يلزم الشركة من عمال للحفر، مستعينا بمسئولي الحكومة المصرية الذين باتوا منفذين لسياسة الشركة في جلب العمال من المصريين رغما عنهم لمواقع الحفر، كما نزع الفرمان الثاني حق مصر في تعيين مدير للشركة واكتفى بحقها في انتداب مندوب عنها بمقر إدارة الشركة و أعطى لدليسبس نفسه الحق في رئاسة الشركة مدة عشر سنوات تبدأ من بدء تشغيل القناة، بحثت بعثة دولية (تأسست غالبا بتشجيع من ديليسبس) جوانب المشروع الهندسية والفنية، وجاء التمويل لديليسبس من مصادر كثيرة، غير أن خديوي مصر وبعض البنوك الأوروبية وفروا القدر الأكبر منه .
رغم نجاح ديليسبس في استصدار الفرمانين من صديقه محمد سعيد إلا أن ربط الخديوي سريانهما بموافقة الباب العالي السلطان العثماني الذي كانت مصر خاضعة لولايته في ذلك الوقت حال دون بدء دليسبس في العمل بعد صدورهما إذ ظل الباب العالي رافضا للمشروع، إلا انه مارس ضغوطه دون اعتبار للعوائق، أقدم في نوفمبر عام 1858 على طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام في باريس ونفذت بعد 25 يوم على طرحها .
في أعقاب تأسيس الشركة وتشكيل مجلس إدارتها أعلن فرديناند دليسبس في شهر ابريل من عام 1859 بدء العمل في حفر قناة السويس ورغم الإعلان رسميا عن بدء العمل إلا أن تنفيذ المشروع ظل متعثرا على مدى اقترب من العام ونصف العام أعقبت تاريخ بدء الحفر في الخامس والعشرين من ابريل عام 1859 ذلك أن الخديوي سعيد الذي أصدر الفرمانين المشبوهين كان لم يزل يخشى غضبة السلطان العثماني الذي بدأ العمل في المشروع بمصر التي كانت وقتها ولاية تابعة له من دون الحصول على موافقته فحاول أن يعطل قدر ما استطاع تنفيذ لائحة استخدام العمال حتى لا يثير الباب العالي ضده إلا أنه وبمرور الوقت واثر تدخلات من الإمبراطورة الفرنسية أوجيني لم يعد يعطى بالا لما قد يغضب السلطان في الأستانة فراح يسخر كل أجهزة السلطة لاستجلاب الفلاحين من كل ربوع المحروسة و اقتيادهم مكبلين بالقيود إلى مواقع العمل و لم يكتفي بالفلاحين و إنما أمر بتوجيه آلاف من عساكر الجيش المصري للعمل في حفر القناة .
في الخامس والعشرين من أبريل عام 1859 جمع فرديناند مهندسيه ومستشاريه ومساعديه في مدخل القناة – وهي بورسعيد الآن – واحتفل بأول ضربة ضربها هو لشق القناة، وكان معه اثنان من كبار المهندسين الفرنسيين هما " لينان " و "موجل" دخل ديليسبس خلال عشر سنوات في معارك سياسية ومالية لكنه تمكن من التغلب عليها كلها . - سار العمل في إنفاذ المشروع وحفر القناة إلي أن جرت فيها مياه البحر الأبيض حتى بحيرة التمساح وذلك في الثامن عشر من نوفمبر 1862، وإلي هذه المرحلة وصلت القناة في عهد سعيد، إذ أدركته الوفاة بعد ذلك بشهرين في 18 يناير 1863، تاركا لإسماعيل إتمام ما بدأ به، والوصول بالمشروع إلي نهايته .
- عصر الخديوي إسماعيل:
سعي إسماعيل باشا خديوي مصر إلى إلغاء نظام السخرة فدخل في خلاف حاد جدا مع شركة قناة السويس ورئيسها دليسبس لإلغاء لائحة استخدام المصريين الذين لم يكن الواحد منهم يتقاضى ما يكفى قوت يومه . احتدم الخلاف بينهما فلجأ دليسبس إلى نابليون الثالث للتحكيم بينه و بين خديوي مصر والغريب أن الأخير ورغم ما كشف عنه موقفه من ملمح لشخصية وطنية ارتضى بدليسبس حكما فوافقه على منح الشركة تعويضا بلغت قيمته 3ملايين و 360 ألف جنيه استرلينى غير التنازل عن أراض بمنطقة القناة كمقابل لإلغاء لائحة استخدام العمال التي وقعها سلفه سعيد لدليسبس والأغرب أن سداد المبلغ تم على أقساط ذات فوائد مركبة . و تم افتتاحها بحضور دليسبس عام 1869 .
- بريطانيا والقناة:
أثار مشروع القناة معركة دبلوماسية بين بريطانيا وفرنسا خاضتها لندن في القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية التي كانت لها السيطرة على مصر، ورغم ذلك بدأ ديليسبس حفر القناة في 25 إبريل 1859م، وافتتحت رسميًا للملاحة في عهد الخديوي إسماعيل في 17 نوفمبر 1869م في احتفالات كبرى حضرها أغلب ملوك وأمراء أوربا، وكانت مدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ افتتاح القناة تعود بعد هذه المدة ملكيتها إلى الحكومة المصرية، وكان الفرنسيون يمتلكون معظم أسهمها .
ورد في كتاب " قناة السويس " للدكتور مصطفى الحفناوي أن الأساليب التي استخدمها الخديوي إسماعيل مع الفلاحين المصريين العاملين في الحفر كانت قاسية و"لن يغفر الله له السخرة والسياط".
ومنذ ذلك الحين صار الاستيلاء على هذا الطريق المائي الجديد من أغراض السياسة الإنجليزية، خاصة بعد تحقيق ألمانيا وإيطاليا لوحدتهما السياسية ودخولهما ميدان المنافسة الاستعمارية، وما يترتب على ذلك من تأثير على مركز بريطانيا في حوض البحر المتوسط، وكان ذلك كفيلاً بأن تتحول أطماع بريطانيا نحو مصر والقناة باعتبارهما مفتاح السيطرة في البحر المتوسط والمدخل للتوسع الاستعماري في إفريقيا، فضلاً عن أن بقاء القناة تحت السيطرة الفرنسية أمر لم يكن يطمئن إنجلترا في حركتها التجارية أو في الوصول إلى مستعمراتها في الهند.
وفي البداية لم تقبل إنجلترا على استخدام القناة في طريقها إلى الهند إلا في عام 1888م بعد أن فرضت سيطرتها التامة على القناة ومصر، وقبل هذا التاريخ اكتفت بسفينتين كل شهر، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى إظهار مشروع القناة في صورة خاسرة، ومضاعفة متاعب الشركة، بل أرادت أن تشتري القناة بأبخس سعر ممكن، وتمكنت من شراء أسهم مصر في القناة في نوفمبر 1875م واعتبر هذا البيع ضربة موجعة شديدة للمصالح الفرنسية، أما بريطانيا فطالبت بحقها في إدارة القناة .
كانت بريطانيا تمارس نفوذا دبلوماسيا قويا علي مصر من خلال الباب العالي، ورغم أن سعيد يسير علي سياسة والده في التعامل مع فرنسا بحذر حتى لا يثير شكوك بريطانيا إلا أن منحه الامتياز لفرنسي علي هذه الصورة كان يثير الشكوك في نفس بريطانيا .
- كانت معارضة بريطانيا المعلنة قائمة علي:
o أن الدول الواقعة علي ساحل البحر الأبيض المتوسط ستنتفع من شق القناة أكثر مما ستنتفع بريطانيا رغما عن أن بريطانيا ستخفض بمقدار الثلث من تكاليف تجارتها وبمقدار النصف من مسافة النقل البحري .
o أن تخفيض مسافة النقل البحري بمقدار النصف سيؤدي إلي الاستغناء عن عدد كبير من بحارة السفن وبطالتهم، وهم من البريطانيين .
في الوقت نفسه كتب لورد" كلارندون" وزير خارجية "بلمرستون" إلي لورد "كاولي" سفير بريطانيا في باريس لدي بلاط نابليون الثالث ملك فرنسا شارحا له اعتراضات بريطانيا بحجة أن:
o أولا: ترك الموضوع بين حكومة السلطان وباش مصر يثير متاعب بين الحكومتين وان اعتراضات فرنسا تتلخص في أن حفر القناة هو أمر غير ممكن عمليا إلا إذا أنفقت عليها أموال تجعلها في النهاية عملية تجارية غير رابحة، وأنها لن تكون إلا عاملا للمناورات السياسية فقط .
o ثانيا: أن عملية حفر القناة ستؤخر إن لم تمنع كلية إتمام مشروع مد الخط الحديدي بين القاهرة والسويس .
o ثالثا: أن مشروع القناة قائم علي أساس سياسة التحكم في أسهل طريق مواصلات بين بريطانيا والهند .
وعلي الرغم من الموقف العدائي الذي اتخذته الحكومة البريطانية إزاء حفر قناة السويس منذ البداية ورغما عن المعارضة التي أثيرت عندما دزرائيلي رئيس الحكومة البريطانية حصة الخديوي إسماعيل من أسهم شركة قناة السويس وقدرها 177 ألف سهم فقد حققت تلك الصفقة إشراف لبريطانيا علي القناة حتى تاريخ تأميمها في آخر عام 1956 .
ولم يمض وقت طويل حتى رأت بريطانيا أن مصالحها التجارية والسياسية مرتبطة بالقناة، لذلك استغلت الأزمة المالية الخانقة التي تعرضت لها مصر في أواخر عهد إسماعيل، وتدخلت في الشؤون السياسية والمالية في البلاد، وهو الأمر الذي انتهى بالاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882م .
- اتفاقية الآستانة:
أثار استيلاء بريطانيا على مصر مشكلة مع فرنسا التي كانت ترى ضرورة تنظيم استخدام القناة، وتمت الموافقة بين الدولتين على أن تستند دراسة التنظيمات الخاصة بالقناة للجنة دولية في باريس وتضم ممثلين لدول أوروبية ومعها تركيا ومصر، وبعد مفاوضات تم توقيع اتفاقية الآستانة الخاصة بتنظيم إدارة القناة في أكتوبر 1889م وأقرت هذه الاتفاقية حياد القناة.
أما من الناحية الواقعية فإن إنجلترا ظلت تحتل مصر والقناة معًا، كما حرصت على أن تجعل سيطرتها على مصر والقناة أمرًا معترفًا به من جانب الدول الكبرى، وتم لها ذلك بتوقيع الاتفاق الودي مع فرنسا في1904م، وما إن حازت هذا الاتفاق حتى عمدت إلى إضعاف السياسة العثمانية في مصر، وإثبات سيادة الأتراك على مصر سيادة اسمية فقط، ثم ألغت هذه السيادة هي الأخرى في الحرب العالمية الأولى وفرضت حمايتها على مصر، وفرضت رقابة شديدة على منطقة القناة .
- الحركة الوطنية ومحاولات مد امتياز شركة قناة السويس ( 1909 – 1910 ) :
رغم السيطرة البريطانية الكاملة علي مصر وقناة السويس إلا أنها رأت أنه من الضروري العمل علي مد امتياز قناة السويس الذي ينتهي في عام 1968 لمدة 40 سنة أخري أي يصبح الامتياز ساري المفعول حتى 2008 . إلا أنها لاقت مواجهة شديدة من قبل الحركة الوطنية المصرية في أول اختبار لها بعد هزيمة الثورة العرابية، وكانت بريطانيا قد أعدت خيوط المؤامرة مع شركة قناة السويس، وقام المستشار المالي البريطاني بإجراء مفاوضات سرية مع الحكومة المصرية لكي توافق علي مد الامتياز في نهاية عام 1909، وكاد الاتفاق أن يتم بالفعل، إلا أن البرلمان الذي كان موجودا في مصر في تلك الفترة " الجمعية العمومية " كان استشاريا ولم يكن هناك ما يدعو إلي عرض الاتفاق عليها .
في عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولي والتي مثلت أول محنة تواجهها بريطانيا في القناة منذ توقيعها اتفاقية القسطنطينية 1888 وانتهكت حيدة القناة ولم تنفذ المبدأ الذي أقرته اتفاقية الآستانة بالنسبة لسفن أعدائها في هذه الحرب، فحرمت القناة علي أعدائها ووضعت البوارج علي مدخلها ومخرجها وأقامت الاستحكامات ونشرت قواتها وقوات الحلفاء علي ضفتيها . وكان هذا الموقف الذي وجدت بريطانيا نفسها أمامه هو التمهيد المباشر للمفاوضات التي انتهت بعقد معاهدة 1936
- معاهدة 1936:
استمرت السيطرة البريطانية على مصر والقناة، واستمرت معها مطالب الوطنيين بالجلاء حتى تم توقيع معاهدة 1936 التي نصت على احتفاظ بريطانيا بقاعدة حربية وجوية لها في منطقة القناة، واستفادت بريطانيا من قواعدها في القناة أثناء الحرب العالمية الثانية . واستطاعت بريطانيا بتوقيع هذه المعاهدة أن تقنن وجودها في القناة وتضفي عليه الشرعية ، وكان لها بذلك حرية التصرف في قناة السويس والملاحة فيها .
في أغسطس 1939 قامت الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه الحرب هي الاختبار الثاني لبريطانيا في مسألة حياد القناة، فقد كان أول إجراء اتخذته بريطانيا هو إغلاق القناة في وجه السفن الألمانية ثم السفن الإيطالية . وكانت نتيجة ذلك أن تحولت منطقة القناة إلي منطقة حرب ، وكانت هدفا دائما للغارات الجوية، فضربت بورسعيد مرارا بالقنابل واستخدمت بريطانيا القناة كقاعدة عسكرية، كما ضربت السويس والإسماعيلية . وفي أثنا الحرب كانت مصر هي التي تحمي القناة ومنطقة القناة بواسطة المدفعية المصرية المضادة للطائرات . وقد تكبدت مصر في سبيل ذلك خسائر بالغة، ولعل استخدام انجلترا للقناة لتحقيق أهدافها العسكرية هو الذي حمل الألمان والإيطاليين علي مهاجمة مصر ولو تركت أمر حماية القناة لمصر احتراما لمعاهدة 1888 لما كانت حملات روميل وجرازياني .
حاولت الحكومة المصرية إلغاء معاهدة 1936 أو تعديلها، وجرت مفاوضات طويلة وشاقة مع الإنجليز بهذا الخصوص، وقام الفدائيون المصريون بأعمال بطولية ضد المعسكرات الإنجليزية في القناة، وقام النحاس باشا رئيس الحكومة المصرية بإلغاء المعاهدة في أكتوبر 1951م التي ظلت تربط مصر وبريطانيا مدة تزيد على خمسة عشر عامًا، وهو ما جعل بريطانيا ترفع درجة استعدادها في منطقة القناة .
- القناة بين الجلاء والتأميم:
قامت ثورة يوليو 1952 ضد الحكم الملكي والفساد، وسعت حكومة الثورة بعد إلغاء الملكية إلى مطالبة إنجلترا بجلاء قواتها عن منطقة وقاعدة قناة السويس، وأدت تلك المطالبات المصرية إلى التوصل للاتفاقية المصرية– الإنجليزية للجلاء عام 1954م، ونصت على أن يتم انسحاب القوات البريطانية على مراحل خلال عشرين شهرا، ونصت على بقاء مناطق محددة في قاعدة قناة السويس في حالة تشغيل تتسم بالكفاءة والصلاحية للاستخدام الفوري بواسطة بريطانيا في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة خارجية على إحدى الدول العربية أو التركية، مع ضمان حرية الملاحة في القناة .
وما كادت اتفاقية الجلاء توقع حتى شعرت إسرائيل بقلق شديد، إذ اعتبرت تنفيذها بداية الخطر على كيانها، وصرح موسى شاريت وزير خارجيتها آنذاك أن إسرائيل تلقي جانبًا من اللوم على بريطانيا، لأنها وقعت هذه الاتفاقية دون أن تسعى أولاً إلى إنهاء حالة الحرب القائمة بين مصر وإسرائيل .
كانت حرية عبور السفن الإسرائيلية في قناة السويس محل جدل شديد منذ توقيع الهدنة المصرية الإسرائيلية في فبراير 1949م، وبحث مجلس الأمن هذا النزاع، إذ كانت إسرائيل تحتج بأن منع مصر لسفنها من المرور في القناة يعد انتهاكا للقانون الدولي والهدنة بين الجانبين واتفاقية قناة السويس الموقعة 1888م، أما مصر فكانت تدفع هذه الحجج بأن الهدنة لم تتحول بعد إلى اتفاق سلام، وأن التدخل المصري في شئون الملاحة في القناة ضروري لسلامتها .
ورغم هذه المناقشات استمر الحظر المصري للسفن الإسرائيلية، وحدثت أزمة عندما حاولت السفينة الإسرائيلية (بات جاليم) اختبار النوايا المصرية بعبور القناة، فاحتجزتها السلطات المصرية، ثم ضمتها مصر بعد ذلك إلى بحريتها .
- مصر وشركة القناة:
لم يؤثر الانسحاب التدريجي للقوات البريطانية من قاعدة قناة السويس، أو إصرار مصر على رفض السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور في القناة على أداء الشركة، كما لم تؤثر التطورات التي حدثت في مصر في أعقاب ثورة يوليو على أدائها، إلا أنه في عام 1955م حدثت بعض المشكلات الطفيفة بين الجانبي، إذ كانت الحكومة المصرية تصر على توظيف الشركة للمرشدين المصريين، غير أن أخطر خلاف يبن الجانبين كان متعلقًا بالأمور المالية، خاصة مع اقتراب انتهاء امتيازها في عام1968م، وكانت الحكومة المصرية تريد من الشركة أن تستثمر نصف احتياطياتها في مصر، غير أن الشركة شعرت أن ذلك سوف يؤدي إلى فقدانها لسيطرتها .
- الغرب ومصر والقناة:
كانت الدول الغربية المنتفعة بقناة السويس تحاول التكهن بمستقبل القناة بعد انتهاء الامتياز وعودتها إلى مصر، وكانت ترى أن يكون لها رأي في تقرير طبيعة تنظيمها وكفاءة تشغيلها في المستقبل، إلا أن تدهور العلاقة بين مصر والغرب انعكس على شركة قناة السويس، فقد اعترضت مصر على الانحياز الغربي الشديد لإسرائيل، واعترضت على التحركات الغربية لإقامة دفاع إقليمي في الشرق الأوسط، وانعكس هذه الاعتراض المصري في منع بعض السفن من المرور في القناة، واحتجت السفارة الأمريكية في القاهرة في يوليو 1956م على اشتراط توفير سفن الولايات المتحدة بعض البيانات كشرط لعبورها .
- التأميم:
وكان لاتجاه مصر للحصول على السلاح من الكتلة الشرقية، ونجاح عبد الناصر في الحصول على أول شحنة من الأسلحة التشيكية في أكتوبر 1955م صداه الكبير في الغرب، انعكس ذلك في رفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي؛ حيث سحب البنك عرضه بتمويل المشروع؛ فلم تجد مصر بُدا من الرد على هذا القرار، فأعلن الرئيس عبد الناصر في خطاب ألقاه في 26 يوليو 1956م تأميم الشركة العالمية البحرية لقناة السويس، التي وصفها بأنها (شركة نصب) اغتصبت حقوق المصريين، وأكد أن التاريخ لن يعيد نفسه، وأن يوجين بلاك رئيس البنك الدولي لن يلعب نفس الدور الذي لعبه ديليسبس، وأن مصر سوف تبني السد العالي؛ لذلك ستقوم بتحصيل الدخل السنوي للقناة والذي يقدر بمائة مليون دولار.
- إعلان تأميم قناة السويس:
في 26 يوليو 1956 م أعلن عبد الناصر في مدينة الإسكندرية بقرار جمهوري تأميم شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية لتمويل مشروع السد العالي بعد سحب الولايات المتحدة والبنك الدولي مشروع تمويل بناء السد وازداد التوتر مع فرنسا بسبب دعم مصر لثورة الجزائر وذلك قبل انتهاء عقد امتلاك بريطانيا للشركة بعدة سنين مما أدى إلى توتر وتصاعد وجلب العداء لمصر .
- التدويل وأزمة السويس:
وفي اليوم التالي للتأميم أعلنت بريطانيا وفرنسا رفضهما الاعتراف بتأميم القناة، وأعلنتا أنهما ستتخذان جميع التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما وحماية مصالحهما، وتلا ذلك تجميد بريطانيا للأرصدة الإسترلينية لمصر، وأقدمت فرنسا والولايات المتحدة على إجراءات مشابهة . ثم اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث في لندن في أغسطس 1956م، وأصدروا بيانًا عارضوا فيه قرار التأميم، وقالوا بأن القناة كانت لها دائمًا صفة دولية، وأنه يجب لهذا الغرض ضمان دوليتها بصفة مستديمة، واقترحوا عقد مؤتمر دولي للدول الموقعة على معاهدة الأستانة والدول الأخرى، وفي الوقت ذاته قامت حكومتا بريطانيا وفرنسا بعدد من الإجراءات العسكرية مثل دعوة الاحتياط، وتحركت قواتهما إلى شرقي البحر المتوسط .
ورفضت مصر حضور مؤتمر لندن واعتبرته القاهرة تدخلاً في شؤونها الداخلية، وأبدى الاتحاد السوفيتي تأييدًا كاملاً للموقف المصري خاصة بعد تعهد مصر باحترام حرية الملاحة في القناة، وبدفع تعويض لحملة الأسهم . وقد بذل المصريون جهودًا خارقة لتجنيد المرشدين المصريين لتيسير استمرار تدفق حركة العبور في القناة بعد انسحاب المرشدين الأجانب.
كانت الولايات المتحدة غير راضية عن المسلك البريطاني في التفكير في إحالة مسألة القناة إلى مجلس الأمن الدولي، وبدأت الخارجية الأمريكية ببحث إمكانية حل المشكلة من خلال تشكيل هيئة من المنتفعين بالقناة، في محاولة منها تجنب اللجوء إلى استخدام القوة أو الرضوخ لعبد الناصر، وصرح وزير الخارجية الأمريكي دالاس أن ترك عبد الناصر ليحقق النصر غير وارد، وذكر أن استخدام القوة لن يكون له ما يبرره، والواضح أن الولايات المتحدة كانت تسعى للقضاء على النفوذ البريطاني في منطقة الشرق الأوسط، لتحل محل بريطانيا العظمى إيذانًا ببدء عصر جديد، وكانت تصريحات دالاس ترسم هذه الصورة الجديدة.
وعرضت مشكلة القناة على مجلس الأمن الدولي الذي اعتمد قرارًا لتسوية المشكلة، واشترط له ستة بنود، منها ضمان حرية الملاحة، واحترام سيادة مصر، وضرورة أن تبتعد إدارة القناة عن سياسة أي دولة، وصرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية جولد مائير أنها لن تقبل بأي صياغة عامة للملاحة في القناة لا تذكر إسرائيل صراحة .
وتطورت الأحداث سريعًا وزادت شراسة المعركة الدبلوماسية التي تكتل فيها الغرب بقيادة الولايات المتحدة لمشاركة مصر في حقها المشروع في إدارة القناة، وفي هذه المرحلة تلاقت وافترقت كثير من خطط ونوايا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وكانت المعركة في حقيقتها معركة إرادات سياسية يحاول كل طرف فيها إملاء إرادته على الطرف الآخر، إلا أن قدرة مصر على الصمود أعطى لها ثقلاً في العملية التفاوضية.
وكانت الولايات المتحدة تعلم أن التحرك الدولي لبريطانيا وفرنسا ليس إلا مجرد غطاء للتحرك العسكري لضرب مصر بالاتفاق مع إسرائيل، والذي بلغ ذروته بالعدوان الثلاثي على الحدود المصرية في29 أكتوبر 1956م، الذي فشل بسبب الموقف الأمريكي المعارض له، والموقف السوفيتي المؤيد لمصر الذي هدد بضرب لندن وباريس بالصواريخ، وهو الموقف الذي وقفت حياله الولايات المتحدة صامتة، فلم تستطع بريطانيا وفرنسا تنفيذ مخططهما لاستعادة السيطرة على القناة، فانسحبتا من المنطقة .
- هيئة قناة السويس:
تأسست عام 1957بعد عام واحد من تأميم القناة، وتقوم بتشغيل القناة وإداراتها وقيادتها باعتبارها مؤسسة عامة، وقاد أول مدير لها وهو محمود يونس عملية احتلال مقار شركة القناة أثناء الإعلان عن تأميمها، ونال تقديرا كبيرا لمهارته في إنجاح انتقالها من الملكية الخاصة إلي الملكية العامة مما زاد بصورة أساسية فوائد القناة . وأشرفت الهيئة علي تطهير القناة عقب حرب السويس في 1956. وفي الخامس عشر من فبراير 1957 كانت كل عمليات التطهير في القناة قد تمت، وقد تم إعادة فتح القناة في مارس 1957م تحت إدارة مصرية، وكان من نتائج ذلك تقوية المركز السياسي للنظام المصري ولعبد الناصر، واستعادة إسرائيل حرية الملاحة في مضايق تيران، وحصلت بريطانيا وفرنسا على تعويضات مالية لحملة أسهم القناة .
عادت الملاحة إلي القناة في العاشر من أبريل من نفس العام ، وفي نفس اليوم أصد جمال عبد الناصر القانون رقم 46 لعام 1957بنظام ( هيئة قناة السويس ) . وكان عبد الناصر مع رجال القناة يعدون المشروع الضخم للتحسن والتطوير، بل أن المشروع نفسه أطلق عليه اسم "مشروع ناصر"وتم تنفيذه علي مراحل، وكانت أولي مراحله ما بين عامي 1958، 1963 واستمر في باقي مراحله لولا حرب 1967 . وبالإضافة للمهام الإشرافية علي تشغيل القناة، تقوم الهيئة أيضا بتحديد معدلات التعريفات الجمركية علي السفن المارة بها وتشرف علي مشاريع التطوير ذات الصلة في المناطق الملحقة بالقناة .
- الخبرة المصرية وتطهير القناة وتطويرها بعد العدوان الثلاثي:
ترتب علي العدوان الثلاثي علي مصر – تعطيل الملاحة في قناة السويس، وعانت الدول الأوروبية من ذلك بسبب تعذر وصول شاحنات البترول التي كانت تمر بالقناة في طريقها غلي البحر المتوسط فأوروبا، واضطرت لاستخدام الطريق الطويل حول رأس الرجاء الصالح فارتفعت أسعار البترول – وتوقفت العديد من الصناعات في البلاد الأوروبية، وعاني الأوروبيون من البرد والجوع والبطالة .
وتضافرت الجهود – بعد انتهاء العدوان – لتطهير القناة وإعادة الملاحة بها ، وقد أسهمت الخبرة المصرية في ذلك - فأعادوا العمل في ورش القناة، واستطاع المهندسون والخبراء و العمال المصريون أن يعيدوا الحياة في القناة واستأنفوا الملاحة فيها في وقت قصير . وسارت الملاحة في القناة بدقة متناهية في ظل الإدارة المصرية، وفي 12 يوليه 1958 – وقع اتفاق بين مصر وممثلي الشركة السابقة صفيت بموجبه كافة المشكلات المعلقة .
- مشروعات تطوير القناة:
بعد تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية – قامت الإدارة المصرية بعدة مشروعات لتحسين الملاحة وتطويرها:
o مشروع عام 1961 – بزيادة القطاع المائي، وزيادة الغاطس المسموح به .
o مشروع عام 1965 – وذلك لزيادة القطاع المائي وزيادة الغاطس مرة أخري – وقد تطلب الأمر إزالة كوبري الفردان القديم وإقامة كوبري جديد، وترتب علي ذلك زيادة عدد السفن العابرة للقناة .
o مشروع عام 1966 – والهدف منه تطوير القناة بتوسيعها وتعميقها لتسمح بمرور أكبر نسبة ممكنة من ناقلات البترول . وفي الذكري العاشرة لتأميم القناة ( 26 يوليو 1966 ) – أعلن جمال عبد الناصر اعتماد مشروع جديد لتطوير القناة يتم علي مرحلتين .
o مشروع عام 1974 – وهو يهدف لتطوير القناة بعد إغلاقها ثمان سنوات بسبب الحرب (1967– 1975)، والهدف من المشروع إعداد القناة لمرور غالبية ناقلات البترول العملاقة التي كانت تضطر لاستخدام طريق رأس الرجاء الصالح .
وقد انتهت المرحلة الأولي للمشروع في 16 ديسمبر 1980، ووصل القطاع المائي إلي 3300 / 3600 مترا مربعا، وبلغ الغاطس 53 قدما .
أما المرحلة الثانية، فقد بدأ تنفيذها بعد تقييم نتائج المرحلة الأولي بهدف أن يصل القطاع المائي إلي 4700 / 5200 متر مربع . والغاطس إلي 67 / 68 قدما .
o وقد اهتمت الإدارة المصرية بالإضافة لذلك بتطوير الجهاز الفني للقناة وذلك بإعداد طاقم كفء من المرشدين، وإعداد مركز للاتصالات البحرية وتزويده بأحدث الأجهزة، وإنشاء محطات في منطقة القناة للتنبؤ بالأحوال الجوية لخدمة الملاحة في القناة، كما اهتمت الإدارة المصرية ببناء ترسانتين بحريتين – ترسانة بورسعيد البحرية، وترسانة بور توفيق البحرية – وتستمر الإدارة المصرية في تنفيذ المشروعات الهامة الآخري لتطوير وتحسين هذا المرفق الهام
أنور السادات وقناة السويس:
سيذكر التاريخ دائما أن الرئيس الراحل أنور السادات كان وراء تحقيق الانجاز العظيم في قناة السويس ومنفذا للإرادة المصرية في تطهير القناة بعد حرب أكتوبر وإعدادها للملاحة من جديد وتطويرها كي تعود أهم الممرات البحرية في العالم ، والتمست مصر المساعدة الدولية من أجل تطهيرها ورفع السفن الغارقة والألغام منها .
ولم يعد فتحها إلا في يونيو 1975م، بعد أن نجحت مصر في معركتي تطهير القناة من الألغام والمفرقعات والقنابل، ثم أنهت مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل الحظر الذي فرضته على مرور السفن الإسرائيلية .
كان اهتمام أنور السادات بقناة السويس لا يتوقف وإصراره علي تطويرها طوال السنوات التي أعقبت حرب أكتوبر أكبر الأثر في تنفيذ مشروع التطوير العملاق، ففي الفترة ما بين العاشر من أكتوبر 1975 حتى شهر يونيه عام 1980 قام السادات بعشرين زيارة لقناة السويس لمتابعة سير العمل بنفسه .
وعندما انتهت الإدارة المصرية في القناة من تنفيذ مشروعات المرحلة الأولي للتطوير وانتهت من تشغيل التفريعات الثلاث التي تضيف غلي القناة ازدواج القناة مسافة 68 كيلو مترا تتمكن السفن من خلالها العبور من الاتجاهين، اعتبر السادات أن هذا النجاح الذي حققته مصر لابد أن يسجل في التاريخ في افتتاح ثالث لأن حجم الانجاز يزيد مرة ونصف عن كل ما تحقق في القناة في أكثر من 110 أعوام متصلة، وكان يوم السادس عشر من ديسمبر عام 1980 هو الموعد الذي اختاره السادات لاحتفالات الفتح الثالث للقناة . وطلب السادات قبل مغادرته بورسعيد من الإدارة المصرية الاستعداد لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروعات التطوير لكي تبدأ في عام 1982 وكانت هذه هي آخر كلمات قالها السادات عن القناة وآخر زيارة رسمية قام بها لقناة السويس قبل استشهاده في السادس من أكتوبر عام 1981 .
لاتبكي نفسي ..علي شىء ذهب..........ونفسي التي تملك كل شىء ذاهبه