- الثلاثاء ديسمبر 27, 2011 6:20 am
#46903
نظرة في الواقع ونظرة إلى المستقبل
د. إبراهيم البيومي غانم *
إن التحدي الأساسي الذي تواجهه النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية -بأصولها المعرفية، وبمنظومتها القيمية التي شرحناها فيما سبق- يتمثل في اختلال الواقع الراهن للعلاقات فيما بين الدول الإسلامية بصفة خاصة، وفيما بين أعضاء المجتمع الدولي بصفة عامة، هذا من جهة، وفي كيفية الخروج من هذا الواقع والإسهام في بناء نظام عالمي عادل للعلاقات الدولية؛ وفقًا لرؤية مستقبلية مبنية على معايير النظرية الإسلامية في هذا المجال من جهة أخرى.
ويحتاج كل من سؤال "الواقع" وسؤال "المستقبل" إلى بحث مستقل -لا تتسع له هذه الخاتمة الموجزة بطبيعة الحال- وسنكتفي بنظرة عامة نبين من خلالها أهم أبعاد هذا التحدي في الواقع والمستقبل معًا.
1- نظرة في الواقع: السير في الاتجاه المعاكس:
إذا قسنا الواقع الراهن للعلاقات الدولية بمعايير النظرية الإسلامية التي تحدثنا عنها سنجد أن ثمة فجوة كبيرة تفصله عنها، وأن هذه الفجوة ليست في الحدود المعقولة المقبولة -عادة- بين المثال والواقع، أو بين النظرية والممارسة، ولكنها كبيرة جدًّا، بل وآخذة في الاتساع باستمرار، الأمر الذي يزيد العلاقات الدولية اختلالاً من المنظور الإسلامي.
فالعدالة -مثلاً- ليست معيارًا في بناء العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي الراهن. صحيح أنها لم تكن كذلك منذ أزمنة بعيدة، إلا أن مضاداتها من الظلم والاستغلال ونزعات الاحتكار والاستئثار تكاد تكون هي المعيار الحاكم لهذه العلاقات على مستويات مختلفة: عالمية بين الشمال والجنوب، وإقليمية بين القوي والضعيف، ومحلية بين الغني والفقير، فهناك -على سبيل المثال- نسبة لا تزيد عن 20% من سكان الأرض تستأثر بأكثر من 80% من ثروات العالم والباقي يعيش معظمهم تحت خط الفقر، ومن هؤلاء يوجد في جنوب شرق آسيا حوالي 170 مليون إنسان، بينما نجد من جهة أخرى أن إنفاق دول المجموعة الأوروبية على تخزين فائض إنتاجها من الأغذية أكبر من إجمالي المعونات التي تقدمها كل دول المجموعة، والتي تقدر بحوالي 20 مليار دولار لدول العالم الثالث(38)، والأهم من ذلك أن دول الشمال الغنية عندما تقدم معونة لا تقدمها بهدف تحقيق شيء من العدالة، ولكن لهدف ذاتي صريح عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون بدقة في قوله: "الهدف من المعونات ليس مساعدة الغير بل مساعدة أنفسنا"، ولماذا نذهب بعيدًا و"قضية فلسطين" بكل أبعادها هي أكبر وأوضح عنوان يدل على اختلال ميزان العدالة الدولية وخراب الضمير العالمي المهيمن على تسيير علاقات الأمم والشعوب.
وقد تدعو بعض النشاطات الإنسانية والتنموية للمنظمات التابعة للأمم المتحدة إلى الحديث عن تطبيق معيار المساواة في الأخوة الإنسانية وحق الجميع في حياة كريمة، ولكن النظرة المتفحصة في برامج هذه المنظمات سرعان ما تكشف عن حقائق مؤلمة لا تمت إلى الإنسانية ولا إلى قيمة الأخوة البشرية بصلة؛ من قبيل استغلال هذه البرامج في ممارسة أعمال غير أخلاقية، أو توظيفها كقناة للتخلص من بعض السلع والمنتجات غير المرغوب فيها أو عديمة الصلاحية، مثلما حدث عندما قام برنامج الأمم المتحدة للتنمية بتزويد الصوماليين الذين يعانون من سوء التغذية بأغذية لتخفيف السمنة(!) وبطاطين كهربائية؛ مع أنهم على مشارف خط الاستواء، وبثلاجات لا تعمل بالتيار الكهربائي الموجود في الصومال؛ فاستخدمها الصوماليون أرائك يجلسون عليها.
أما بخصوص مبدأ الوفاء بالعقود والمعاهدات والمواثيق كضمانة لبناء التعاون الدولي وترسيخ ثقافة السلم؛ فالفجوة هائلة هنا أيضا بين المبدأ والتطبيق، وقد شهد عالمنا طيلة القرن الماضي -ولا يزال يشهد- كثيرًا من الانتهاكات والنكث بالعهود والمواثيق؛ بدافع من شهوة العدوان، ونزعات الظلم، وغطرسة القوة، ولا تزال نصيحة ميكافيللي هي القانون الفعلي في تسيير العلاقات الدولية، لقد قال لأميره وهو يعظه: "التجربة تدلنا على أن أولئك الأمراء الذين أتوا أعمالاً عظيمة هم الذين لم يراعوا الوفاء إلا قليلاً، ومن ثَم تمت لهم الغلبة على أولئك الذين جعلوا الإخلاص قاعدة لهم"(39).
وأخيرًا -وليس آخرًا- نجد أنه بدلاً من أن يتم توظيف الثروة الهائلة في نظم الاتصالات الحديثة، ووسائط نقل المعلومات في تعميق "التعارف" بين الشعوب والأمم، وفي إغناء بعضها بمعرفة ثقافات وخصوصيات البعض الآخر، فإنه يتم تسخير هذا التقدم في خدمة أغراض ومصالح أنانية، وفي ممارسة الهيمنة بالقوة الناعمة إلى جانب القوة الخشنة، وتجاهل التعرف على الأطراف الأضعف في هيكل النظام الدولي، بل والسعي لطمس هوياتها وثقافاتها لصالح القوة المهيمنة.
2- نظرة إلى المستقبل:
إذا كانت النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية تهدف أساسًا -كما أسلفنا- إلى إقرار السلام العالمي الإسلامي Pax Islamica فإن منظومة القيم المعيارية لهذه النظرية تبين -بيقين- أن هذا السلام ذو طابع إنساني عام، وليس دينيًّا بالمعنى الكهنوتي الضيق لكلمة "الدين"، وأنه يحتل موقعًا مركزيًّا في صلب النظام العالمي الذي ينشده الإسلام.
النظرية الإسلامية تمتلك الكثير الذي تسهم به في صياغة مستقبل
أفضل للعلاقات الدولية على كافة المستويات وفي كل المجالات
إن النظرية الإسلامية -بهذا المعنى الذي قدمناه- تمتلك الكثير الذي تسهم به في صياغة مستقبل أفضل للعلاقات الدولية على كافة مستوياتها الإقليمية والعالمية، وفي كل مجالاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وخاصة أن جميع محاولات التجديد -في صيغة نظام عالمي جديد، أو بدعوى العولمة- على مستوى النظام الدولي قد باءت بالفشل(40)، ولم تؤد إلا إلى تغذية مصادر التوتر والصراعات القائمة، وفتحت أبوابًا جديدة لعدم الاستقرار، والإخلال بقيم العدالة والمساواة في الأخوة الإنسانية والحرية والتعاون المتبادل.
وحتى يمكن الخروج من أسر سلبيات الواقع الراهن للعلاقات الدولية إلى المستقبل المرغوب من منظور قيم النظرية الإسلامية الإنسانية، ووفقًا لمبادئها العامة؛ فإن الأمر يتطلب وضع إستراتيجيات جماعية "تستند إلى منظومة القيم النظرية المشتركة بين كافة الأمم والشعوب أينما كانت في الشرق أم في الغرب، في الشمال أم في الجنوب؛ بحيث لا تنفرد قوة وحيدة، أو مهيمنة، بوضع هذه الإستراتيجيات، وأن تسعى لقلب ودحض معايير القـوة المحضـة، والتمييز (العنصري والديني والثقافي... إلخ) وازدواجية السلوك الدولي، وانفصام الأخلاق عن السياسة؛ باعتبار أن هذه هي المعايير السائدة والمسيرة لمجمل العلاقات الدولية الراهنة، والمتسببة -في الوقت نفسه- في خلق مصادر التوتر والنزاعات، وفي وقوع الصراعات والحروب وإلحاق المظالم بالشعوب المستضعفة.
وما لم ينجح "المجتمع الدولي" في قلب ودحض تلك المعايير السائدة، وفي إزالة ما يترتب عليها من أطروحات نظرية وعملية تدعو للانقسام والعنف والقبح والظلم، وما لم ينجح كذلك في أن يحل محلها قيم "العدالة"، و"المساواة على أساس الأخوة"، و"الحرية"، و"التعاون"، و"التعارف"، وأن يدعم وينمي ما يترتب عليها من أطروحات -نظرية وعملية أيضًا- تدعو للوحدة العالمية مع احترام التنوع والإقرار بالتعددية، وإعلاء شأن الكرامة الإنسانية؛ ما لم ينجح المجتمع الدولي في ذلك فإن المستقبل لن يكون أفضل من الواقع، وربما كان أسوأ منه.
الأمة الإسلامية تتحمل مسئولية كبيرة تجاه ذاتها أولاً وتجاه بقية أمم العالم ثانيًا
وذلك بحكم عالمية الرسالة الإسلامية
وفي اعتقادنا أن هذا التحدي المستقبلي يتطلب جهودًا مكثفة ومخلصة من كافة أطراف المجتمع الدولي، وفي هذا السياق نعتقد أيضا أن الأمة الإسلامية -بشعوبها وعلمائها ودولها ومنظماتها الحكومية والأهلية- تتحمل مسئولية كبيرة تجاه ذاتها أولاً، وتجاه بقية أمم العالم ثانيًا، وذلك بحكم عالمية الرسالة الإسلامية التي تحملها، وبحكم ما تقدمه هذه الرسالة من قيم ومبادئ عامة كفيلة بإخلاء العالم من الفساد قدر الإمكان، وبناء نظام عادل وآمن تتطلع إليه كافة شعوب الأرض؛ ليحقق لها الاستقرار والتقدم وتسود فيه قواعد التنسيق والتعاون، وتنتفي منه قواعد الإخضاع Subordination والاستتباع القسري.
الإسلام يعلم كافة البشر أن باستطاعتهم دومًا أن يتشاوروا وأن يتحاوروا ويتعارفوا
من أجل اكتشاف الحقول المشتركة
إن السلام العالمي هو الهدف النهائي للنظرية الإسلامية في العلاقات الدولية -كما قدمنا- والوصول إلى هذا الهدف هو مطلب المستقبل لجميع الأمم، والطريق إليه مليء بالتحديات التي تفوق طاقة كل أمة بمفردها، وإن الإسلام يعلم كافة البشر أن باستطاعتهم دومًا أن يتشاوروا وأن يتحاوروا ويتعارفوا من أجل اكتشاف الحقول المشتركة فيما بينهم، ولكي يعمقوا إدراكهم للمثل الإنسانية الفطرية التي تجمعهم، وليسهموا معًا في بناء علاقات دولية بناءة تتسم بالإيجابية والموضوعية والمستقبلية، وبالعدالة قبل ذلك كلهفهد السحيمي (245)
عضو ألماسي مؤسس
مشاركات: 179
اشترك في: الأربعاء فبراير 27, 2008 7:53 pm
رسالة خاصةبريدMSNM/WLM
د. إبراهيم البيومي غانم *
إن التحدي الأساسي الذي تواجهه النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية -بأصولها المعرفية، وبمنظومتها القيمية التي شرحناها فيما سبق- يتمثل في اختلال الواقع الراهن للعلاقات فيما بين الدول الإسلامية بصفة خاصة، وفيما بين أعضاء المجتمع الدولي بصفة عامة، هذا من جهة، وفي كيفية الخروج من هذا الواقع والإسهام في بناء نظام عالمي عادل للعلاقات الدولية؛ وفقًا لرؤية مستقبلية مبنية على معايير النظرية الإسلامية في هذا المجال من جهة أخرى.
ويحتاج كل من سؤال "الواقع" وسؤال "المستقبل" إلى بحث مستقل -لا تتسع له هذه الخاتمة الموجزة بطبيعة الحال- وسنكتفي بنظرة عامة نبين من خلالها أهم أبعاد هذا التحدي في الواقع والمستقبل معًا.
1- نظرة في الواقع: السير في الاتجاه المعاكس:
إذا قسنا الواقع الراهن للعلاقات الدولية بمعايير النظرية الإسلامية التي تحدثنا عنها سنجد أن ثمة فجوة كبيرة تفصله عنها، وأن هذه الفجوة ليست في الحدود المعقولة المقبولة -عادة- بين المثال والواقع، أو بين النظرية والممارسة، ولكنها كبيرة جدًّا، بل وآخذة في الاتساع باستمرار، الأمر الذي يزيد العلاقات الدولية اختلالاً من المنظور الإسلامي.
فالعدالة -مثلاً- ليست معيارًا في بناء العلاقات بين أعضاء المجتمع الدولي الراهن. صحيح أنها لم تكن كذلك منذ أزمنة بعيدة، إلا أن مضاداتها من الظلم والاستغلال ونزعات الاحتكار والاستئثار تكاد تكون هي المعيار الحاكم لهذه العلاقات على مستويات مختلفة: عالمية بين الشمال والجنوب، وإقليمية بين القوي والضعيف، ومحلية بين الغني والفقير، فهناك -على سبيل المثال- نسبة لا تزيد عن 20% من سكان الأرض تستأثر بأكثر من 80% من ثروات العالم والباقي يعيش معظمهم تحت خط الفقر، ومن هؤلاء يوجد في جنوب شرق آسيا حوالي 170 مليون إنسان، بينما نجد من جهة أخرى أن إنفاق دول المجموعة الأوروبية على تخزين فائض إنتاجها من الأغذية أكبر من إجمالي المعونات التي تقدمها كل دول المجموعة، والتي تقدر بحوالي 20 مليار دولار لدول العالم الثالث(38)، والأهم من ذلك أن دول الشمال الغنية عندما تقدم معونة لا تقدمها بهدف تحقيق شيء من العدالة، ولكن لهدف ذاتي صريح عبر عنه الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون بدقة في قوله: "الهدف من المعونات ليس مساعدة الغير بل مساعدة أنفسنا"، ولماذا نذهب بعيدًا و"قضية فلسطين" بكل أبعادها هي أكبر وأوضح عنوان يدل على اختلال ميزان العدالة الدولية وخراب الضمير العالمي المهيمن على تسيير علاقات الأمم والشعوب.
وقد تدعو بعض النشاطات الإنسانية والتنموية للمنظمات التابعة للأمم المتحدة إلى الحديث عن تطبيق معيار المساواة في الأخوة الإنسانية وحق الجميع في حياة كريمة، ولكن النظرة المتفحصة في برامج هذه المنظمات سرعان ما تكشف عن حقائق مؤلمة لا تمت إلى الإنسانية ولا إلى قيمة الأخوة البشرية بصلة؛ من قبيل استغلال هذه البرامج في ممارسة أعمال غير أخلاقية، أو توظيفها كقناة للتخلص من بعض السلع والمنتجات غير المرغوب فيها أو عديمة الصلاحية، مثلما حدث عندما قام برنامج الأمم المتحدة للتنمية بتزويد الصوماليين الذين يعانون من سوء التغذية بأغذية لتخفيف السمنة(!) وبطاطين كهربائية؛ مع أنهم على مشارف خط الاستواء، وبثلاجات لا تعمل بالتيار الكهربائي الموجود في الصومال؛ فاستخدمها الصوماليون أرائك يجلسون عليها.
أما بخصوص مبدأ الوفاء بالعقود والمعاهدات والمواثيق كضمانة لبناء التعاون الدولي وترسيخ ثقافة السلم؛ فالفجوة هائلة هنا أيضا بين المبدأ والتطبيق، وقد شهد عالمنا طيلة القرن الماضي -ولا يزال يشهد- كثيرًا من الانتهاكات والنكث بالعهود والمواثيق؛ بدافع من شهوة العدوان، ونزعات الظلم، وغطرسة القوة، ولا تزال نصيحة ميكافيللي هي القانون الفعلي في تسيير العلاقات الدولية، لقد قال لأميره وهو يعظه: "التجربة تدلنا على أن أولئك الأمراء الذين أتوا أعمالاً عظيمة هم الذين لم يراعوا الوفاء إلا قليلاً، ومن ثَم تمت لهم الغلبة على أولئك الذين جعلوا الإخلاص قاعدة لهم"(39).
وأخيرًا -وليس آخرًا- نجد أنه بدلاً من أن يتم توظيف الثروة الهائلة في نظم الاتصالات الحديثة، ووسائط نقل المعلومات في تعميق "التعارف" بين الشعوب والأمم، وفي إغناء بعضها بمعرفة ثقافات وخصوصيات البعض الآخر، فإنه يتم تسخير هذا التقدم في خدمة أغراض ومصالح أنانية، وفي ممارسة الهيمنة بالقوة الناعمة إلى جانب القوة الخشنة، وتجاهل التعرف على الأطراف الأضعف في هيكل النظام الدولي، بل والسعي لطمس هوياتها وثقافاتها لصالح القوة المهيمنة.
2- نظرة إلى المستقبل:
إذا كانت النظرية الإسلامية في العلاقات الدولية تهدف أساسًا -كما أسلفنا- إلى إقرار السلام العالمي الإسلامي Pax Islamica فإن منظومة القيم المعيارية لهذه النظرية تبين -بيقين- أن هذا السلام ذو طابع إنساني عام، وليس دينيًّا بالمعنى الكهنوتي الضيق لكلمة "الدين"، وأنه يحتل موقعًا مركزيًّا في صلب النظام العالمي الذي ينشده الإسلام.
النظرية الإسلامية تمتلك الكثير الذي تسهم به في صياغة مستقبل
أفضل للعلاقات الدولية على كافة المستويات وفي كل المجالات
إن النظرية الإسلامية -بهذا المعنى الذي قدمناه- تمتلك الكثير الذي تسهم به في صياغة مستقبل أفضل للعلاقات الدولية على كافة مستوياتها الإقليمية والعالمية، وفي كل مجالاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وخاصة أن جميع محاولات التجديد -في صيغة نظام عالمي جديد، أو بدعوى العولمة- على مستوى النظام الدولي قد باءت بالفشل(40)، ولم تؤد إلا إلى تغذية مصادر التوتر والصراعات القائمة، وفتحت أبوابًا جديدة لعدم الاستقرار، والإخلال بقيم العدالة والمساواة في الأخوة الإنسانية والحرية والتعاون المتبادل.
وحتى يمكن الخروج من أسر سلبيات الواقع الراهن للعلاقات الدولية إلى المستقبل المرغوب من منظور قيم النظرية الإسلامية الإنسانية، ووفقًا لمبادئها العامة؛ فإن الأمر يتطلب وضع إستراتيجيات جماعية "تستند إلى منظومة القيم النظرية المشتركة بين كافة الأمم والشعوب أينما كانت في الشرق أم في الغرب، في الشمال أم في الجنوب؛ بحيث لا تنفرد قوة وحيدة، أو مهيمنة، بوضع هذه الإستراتيجيات، وأن تسعى لقلب ودحض معايير القـوة المحضـة، والتمييز (العنصري والديني والثقافي... إلخ) وازدواجية السلوك الدولي، وانفصام الأخلاق عن السياسة؛ باعتبار أن هذه هي المعايير السائدة والمسيرة لمجمل العلاقات الدولية الراهنة، والمتسببة -في الوقت نفسه- في خلق مصادر التوتر والنزاعات، وفي وقوع الصراعات والحروب وإلحاق المظالم بالشعوب المستضعفة.
وما لم ينجح "المجتمع الدولي" في قلب ودحض تلك المعايير السائدة، وفي إزالة ما يترتب عليها من أطروحات نظرية وعملية تدعو للانقسام والعنف والقبح والظلم، وما لم ينجح كذلك في أن يحل محلها قيم "العدالة"، و"المساواة على أساس الأخوة"، و"الحرية"، و"التعاون"، و"التعارف"، وأن يدعم وينمي ما يترتب عليها من أطروحات -نظرية وعملية أيضًا- تدعو للوحدة العالمية مع احترام التنوع والإقرار بالتعددية، وإعلاء شأن الكرامة الإنسانية؛ ما لم ينجح المجتمع الدولي في ذلك فإن المستقبل لن يكون أفضل من الواقع، وربما كان أسوأ منه.
الأمة الإسلامية تتحمل مسئولية كبيرة تجاه ذاتها أولاً وتجاه بقية أمم العالم ثانيًا
وذلك بحكم عالمية الرسالة الإسلامية
وفي اعتقادنا أن هذا التحدي المستقبلي يتطلب جهودًا مكثفة ومخلصة من كافة أطراف المجتمع الدولي، وفي هذا السياق نعتقد أيضا أن الأمة الإسلامية -بشعوبها وعلمائها ودولها ومنظماتها الحكومية والأهلية- تتحمل مسئولية كبيرة تجاه ذاتها أولاً، وتجاه بقية أمم العالم ثانيًا، وذلك بحكم عالمية الرسالة الإسلامية التي تحملها، وبحكم ما تقدمه هذه الرسالة من قيم ومبادئ عامة كفيلة بإخلاء العالم من الفساد قدر الإمكان، وبناء نظام عادل وآمن تتطلع إليه كافة شعوب الأرض؛ ليحقق لها الاستقرار والتقدم وتسود فيه قواعد التنسيق والتعاون، وتنتفي منه قواعد الإخضاع Subordination والاستتباع القسري.
الإسلام يعلم كافة البشر أن باستطاعتهم دومًا أن يتشاوروا وأن يتحاوروا ويتعارفوا
من أجل اكتشاف الحقول المشتركة
إن السلام العالمي هو الهدف النهائي للنظرية الإسلامية في العلاقات الدولية -كما قدمنا- والوصول إلى هذا الهدف هو مطلب المستقبل لجميع الأمم، والطريق إليه مليء بالتحديات التي تفوق طاقة كل أمة بمفردها، وإن الإسلام يعلم كافة البشر أن باستطاعتهم دومًا أن يتشاوروا وأن يتحاوروا ويتعارفوا من أجل اكتشاف الحقول المشتركة فيما بينهم، ولكي يعمقوا إدراكهم للمثل الإنسانية الفطرية التي تجمعهم، وليسهموا معًا في بناء علاقات دولية بناءة تتسم بالإيجابية والموضوعية والمستقبلية، وبالعدالة قبل ذلك كلهفهد السحيمي (245)
عضو ألماسي مؤسس
مشاركات: 179
اشترك في: الأربعاء فبراير 27, 2008 7:53 pm
رسالة خاصةبريدMSNM/WLM