- الاثنين فبراير 27, 2012 11:52 am
#47488
مقدمـــــة
لم تكن النهضة الحديثة بالمملكة العربية السعودية وليدة الصدفة ، ولكن كان وراءها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . فأبناؤها سلكوا طريقهم خلف قادة حكماء آمنوا بحقيقة وحدة الوطن فأرسوا للمجد قواعد تحدث العالم أجمع عن رسوخها ، وشيدوا للعز دوراً وللعلا مفاخر ، وجرت على أيديهم بطولات وإنجازات يحار القلم في سردها ، فقد غازلوا رمال الصحراء فصاغوا منها أجمل منظومة عرفها العالم في العصر الحديث .
إن الناظر في ماضينا القريب والمتأمل في أحوال الجزيرة قبيل عهد الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ سيعرف أن الجزيرة العربية لم تكن إلا صفحة في كتاب الأمة الإسلامية كلها ، أصابها ما أصاب الجميع من اضمحلال في القوة ، ووهن في العقيدة ، وتفشي الجهل والبدع والضلالات . ولا شك أن هذه الفترة من الضعف ـ التي تلت انهيار الدولة السعودية الثانية ـ قد أثرت في كافة النواحي العلمية والسياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والصحية في البلاد . حتى كانت كلمة الملك عبد العزيز ، رافعاً راية التوحيد ، مصححاً لكافة الأوضاع ، مرسياً قواعد المملكة الحديثة ، محرراً شراع سفينة النجاة لتسلك مسلك الخير والنماء .
ومن بعده أبناءه يكملون البناء ليواكبوا ركب الحضارة والتقدم إلى أن علت الراية بين الأمم ، وأصبحت المملكة العربية السعودية موطن فخر ، لا لأبنائها فحسب بل لكل عربي ومسلم في شتى بقاع العالم . فيد الإصلاح طالت كافة المجالات فوضعت الأمور في نصابها الصحيح لتصبح المملكة منارة للعلم والإيمان .
ولم يتغاضى أبناء الملك عبد العزيز عن ذلك الإرث الحضاري القديم ولم يغفلوا عما خلفه الأجداد من مآثر عظيمة ، بل إنهم عضوا على ثوابتنا الوطنية بالنواجذ ، فلم تتغير ولم تضعف يوماً في غمرة التطوير والتحديث .
وإذا حاولنا استعراض ما تم إنجازه ، وسرد الشواهد القائمة الدالة على عظمة الإنسان السعودي وتفانيه في خدمة وطنه ، وحكمة أولي الأمر ورشد توجيهاتهم لكنا بصدد مجلدات ضخمة ، وليس بحثاً علمياً فقط ، وإنما ما نحاول لإلقاء الضوء عليه من خلال بحثنا هذا هو دور ذلك البطل العظيم جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ في تطور المملكة الحديث مستعرضين سيرته منذ ولادته وحتى لقي ربه مؤمناً شهيداً .
*************
نشأة المملكة العربية السعودية :
تقع المملكة العربية السعودية في قلب الجزيرة العربية. عاصمتها الرياض. تحدها شمالاً «العراق» و «الكويت» و «الأردن»، وغرباً «البحر الأحمر»، وجنوباً «اليمن»، ومن الجنوب الشرقي «عمان» وشرقاً «الإمارات العربية» و «البحرين» و «قطر» و«الخليج العربي».
تاريخها هو تاريخ الجزيرة العربية ومع ظهور الإسلام في مكة أصبح تاريخها هو تاريخ الإسلام في العصر الحديث خضعت للسيطرة العثمانية قبل أن يؤسس الملك «عبد العزيز آل سعود» دولته عام 1925، والتي أعلن قيامها عام 1932 عندما أصدر مرسوماً ملكياً بتوحيد الحجاز ونجد وملحقاتهما تحت اسم المملكة العربية السعودية. عُرفت المرحلة الأولى لقيام المملكة باسم «الإمارة السعودية الأولى» حيث بدأت بتحالف الأمير محمد بن سعود أمير منطقة الدرعية مع الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» وانتهت في 1811 م على يد حملة محمد علي باشا عليها بقيادة ابنه طوسون ثم بقيادة ابنه إبراهيم باشا في عهد الأمير عبد الله بن سعود الذي أعدم بالإستانة عام 1818، وعرفت المرحلة الثانية بـ «الدولة السعودية الثانية» في عهد فيصل بن تركي الذي انتهى عهده بحرب أهلية عقب وفاته بسبب تنازع أنجاله على الحكم، حتى عام 1890.
بدأت المرحلة الثالثة التي عرفت بـ «الدولة السعودية الثالثة» على يد الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي أعلن قيام المملكة. تولى الحكم بعد وفاة الملك عبد العزيز ابنه سعود بن عبد العزيز عام 1953 م تنازل لأخيه الأمير فيصل بن عبد العزيز عام 1964. اغتيل الملك فيصل عام 1975 فخلفه الملك خالد بن عبد العزيز حتى وفاته عام 1982. فتولى الحكم أخوه الحالي الملك «فهد بن عبد العزيز».
مساحتها : 2,240,000 كلم2.
عدد سكانها : 24,293,844.
أهم مدنها : الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة، المدينة المنورة، الإحساء، الطائف، بريدة، حائل.
عملتها : الريال السعودي.
كلمة الموت :
"حضرة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. هل ترى هذه الأشجار.. لقد عاش آبائي وأجدادي مئات السنين على ثمارها. ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول، إذا استمر الأقوياء وأنتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا"… إن قال هذه العبارة مواطن عربي.. فهو مجنون، أما أن يقولها حاكم عربي لأغنى دولة بترولية، فإنه يجب أن يموت، وقد قالها الملك فيصل قبل أشهر معدودة من اغتياله بيد أمير سعودي مختل.
حفل التاريخ بقصص أصحاب الثورات والحركات الذين فازوا بحكم بلادهم، ولكن أن يسعى الملك والحكم إلى أحد، فهذا هو القليل النادر، ومن ثم أقر الأولون مبدأ أن الشاذ لا قاعدة له، ولهذا كان الملك "فيصل بن عبد العزيز" خارج نطاق القواعد المألوفة، فقد كان ممن يصنعون الأحداث، وإن سبقته أسرع وأمسك بزمامها يوجهها، لا يتوجه بها. فمن هو؟
مولده ونشأته
هو "فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود"، ولد بمدينة الرياض في صفر سنة 1324هـ/إبريل 1906، وكان يوم مولده هو يوم انتصار والده في معركة "روضة الهنا"، وهي إحدى أهم المعارك في سبيل بناء الدولة السعودية، تلقى العلوم الشرعية على يد مدرسين أكفاء، وعلى رأسهم جده الشيخ "عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ"، وأتم حفظه القرآن وهو دون الثالثة عشرة من عمره، وبرع في الفروسية واستعمال السلاح منذ صباه.
وقد اشترك في المعارك مع والده وهو ابن 13 عامًا، وبعد ذلك بثلاث سنوات قاد حصارًا لمدة 3 شـهور حـول " حــائل " حتـى استســلمت، ثم وهو ابن
عشرين عامًا قاد جيشًا لقمع تمرد بعض القبائل العربية اليمنية، وأراد –وكان يملك القوة والقدرة- اقتحام مدينة صنعاء، ولكن والده وافق على الصلح، وهدد الشاب والده بالانتحار إن وافق على هذا الصلح، وكان رد والده "يحزننــي أن أفقــد ولـدًا من أولادي، ولكن الحياة علمتني أن تسامح الأخ مع أخيه
هو أكبر قيمة من انتصار المدافع والسيوف"، وخضع الأمير الشاب، وكان درسًا صنع من الشاب رجلاً جديدًا. ودفع الوالد بابنه إلى حقل السياسة الخارجية، ليرى ويتعلم كيف تسير أمور العالم.
الحملات العسكرية التي شارك فيها "الفيصل" :
شارك الملك فيصل في عدة حملات عسكرية، كان مرافقًا لوالده في بعضها، وكان قائدا للبعض الآخر فيها.
وكانت حملة "ياطب" هي أقدم حملة شارك فيها، وكان عمره حينئذ نحو ثلاثة عشر عامًا، وتعد حملة "عسير" عام [ 1340 هـ= 1922م] ، وحرب اليمن، في [ المحرم 1353 هـ= مايو 1934م]، من أكبر الحملات التي كان له دور بارز فيها، والتي برزت خلالها قدراته القتالية كقائد عسكري.
وكان "فيصل" قائد حملة الجناح الغربي في حرب "اليمن" التي وصلت إلى الحديدة وميدي عبر تهامة، وقد بلغت دقة الإعداد للحملة وتنظيمها حدًا لم تكن معه بحاجة إلى أي تعديل، وقد حققت تلك الحملة أهدافها العسكرية والسياسية، ونتج عنها اتفاقية "الطائف" المعروفة التي وقعت في [ 6 من صفر 1353 هـ= 18 من مايو 1934م]، والتي أسفرت عن تحسن الأجواء بين البلدين، وإقامة علاقات حميمة صافية بين الجارتين بعد أن أكدت على تبعية "نجران"، وعسير للمملكة، ومهدت بذلك لاعتراف الدول الأجنبية بسيادة الملك عبد العزيز على نجد والحجاز والإحساء وحائل وعسير، وهي مكاسب تفوق أي مكاسب عسكرية.
الملك فيصل نائبًا لأبيه على الحجاز :
وحينما بلغ فيصل العشرين من عمره اختاره والده الملك (سعود) ليكون نائبًا له في (الحجاز) ورئيسًا لحكومة (الحجاز)؛ ليصبح مسؤولا عن الحج وتأمين سلامة الحجاج، وتوفير التموين والرعاية الصحية لهم، واستقبال وفود الحج الرسمية وممثلي الحكومات، ويدير زمام الأمور في تلك المنطقة ذات الأهمية البالغة.
وأصدر الملك عبد العزيز أمرًا بذلك في [ 28 من جمادى الآخرة 1344هـ= 13 يناير 1926م].
فيصل وزيرًا للخارجية :
كانت رحلته ومهمته الأولى إلى إنجلترا. وفي اليوم التالي لوصوله غادر البلاد فورًا إلى باريس، وكان ذلك بسبب تصرف اللورد "كرزون" الذي أمر بتقديم حلوى للطفل القادم من الصحراء، وأسرعت السلطات البريطانية بالاعتذار للأمير الشاب، وبدأ الأمير يناقش وضع السعودية والعرب مع الحكومة الإنجليزية، ومن ثم عرفت الحكومة البريطانية أنها في مواجهة رجل يمثل أمة، والتقى والملك والملكة البريطانيين، وعاد لبلاده بعد جولة أوروبية واسعة، وبعد قليل عاد إلى بريطانيا ليعقد معاهدة جديدة بين بلاده وبريطانيا (عام 1927م) تعترف بموجبها بريطانيا بسيطرة بلاده على كافة أراضي الجزيرة العربية (تقريبًا) باستثناء المحميات الخليجية والجنوبية.
وتعددت رحلات الشاب إلى بلاد العالم المختلفة، شرقية وغربية، ورغم تعدد المهام الخارجية، فإن ذلك لم يمنع من المشاركة العسكرية في بناء وتأمين الدولة الوليدة، وقد صدر له قرار رسمي بتولي وزارة الخارجية في عام 1319هـ/1930م، وبعدها قاد عدة معارك في "عسير" و"تهامة" و"نجران"، ومن قلب المعارك إلى لندن –بأمر من والده- ليشارك في مؤتمر فلسطين عام 1939م ويستطيع فيصل أن يستخدم ورقة البترول بصورة أجبرت بريطانيا أن تعطي وعدًا رسميًا بألا تسمح لليهود بإنشاء دولة لهم في فلسطين، ولكن من يستطيع أن يلزم بريطانيا بوعد.
وتولى فيصل عدة مهام بجانب الخارجية، فقد عينه والده حاكمًا لمنطقة الحجاز، كما مثَّل السعودية في اجتماعات تأسيس الأمم المتحدة، واستطاع أن ينهي عدة مشاكل حدودية لبلاده، حتى شهد له عدد من الرؤساء والملوك أن عقليته وكفاءته تؤهله ليكون وزير خارجية قوة عظمى.
الفيصل وعبور الأزمة المالية :
بعد أن استقرت الأمور في المملكة تولى فيصل ولاية العهد سنة [ 1373هـ= 1953م]، وتم تشكيل مجلس الوزراء، وقد استتبع ذلك إنشاء وقيام عدد من الوزارات، وأصبحت الدولة هي المسئولة عن النفقات والمصروفات.
ولكن نتيجة لبعض الخلل والتجاوزات حدثت أزمة مالية كبيرة، وتفاقمت الديون بعد أن تجاوزت المصروفات حدود الإمكانات المالية للإيرادات، حتى وصلت الأمور إلى وضع حرج بعد عام [ 1376هـ= 1956م]، نتج عنه توقف صرف الرواتب، وعدم ثقة المؤسسات المالية الداخلية والخارجية بالوضع المالي العام، ولم يعد الريال مقبولاً في الأسواق التجارية الأجنبية.
وإزاء هذا الوضع المتدهور وضع الفيصل حلولا عاجلة لتجاوز تلك الأزمة، وفي أقل من ثلاث سنوات نجح في تصحيح الوضع المالي، ووضع حدا للإسراف والتبذير واستغلال النفوذ، وأعاد التوازن إلى ميزان المدفوعات، وعاد الريال إلى قوته الحقيقية، وسرعان ما ظهرت نتيجة تلك الإصلاحات الاقتصادية فاستؤنفت المشروعات الضخمة، وازدهرت التجارة، واستطاع بذلك تجاوز تلك الأزمة الطاحنة.
ومن المراسيم الملكية التى وضعها فيصل وهو نائب للملك :
نظام المعايرة والمقاييس
مرسوم ملكي رقم أ/3 وتاريخ 26/3/1384هـ
بعون الله تعالى - نحن فيصل بن عبد العزيز آل سعود
نائب جلالة ملك المملكة العربية السعودية
استناداً إلى المرسوم الملكي رقم 52 وتاريخ 17/11/1383هـ
واستناداً إلى المادتين 19 ، 20 من نظام مجلس الوزراء .
وبناء على قرار مجلس الوزراء رقم 627 المتوج بالمرسوم الملكي رقم 29 وتاريخ 13/9/1383هـ بشأن نظام المعايرة والمقاييس .
وبناء على قرار مجلس الوزراء رقم 164 وتاريخ 25/3/1384هـ
وبناء على ما عرضه علينا رئيس مجلس الوزراء .
نرسم بما هو آت :
أولاً : تضاف فقرة ثانية إلى المادة الثالثة من نظام المعايرة والمقاييس تحت فقرة (ب) للمادة الثالثة نصها كما يلي :
(يتخذ وزير التجارة والصناعة الإجراءات اللازمة لتأمين النماذج الأساسية للوحدات القياسية المشار إليها في المادة الثانية من هذا النظام ويجب أن تكون هذه النماذج مطابقة للنماذج الدولية المتعارف عليها وتعتبر تلك النماذج المرجع الأساسي في تطبيق أحكام هذا النظام) .
ثانياً : على رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة تنفيذ هذا المرسوم.
التوقيع الملكي
فيصل
الطريق إلى العرش :
تُوفي مؤسس الدولة السعودية الملك "عبد العزيز آل سعود" في ربيع الأول 1373هـ/نوفمبر 1953م، وتولى الأمر الابن الأكبر "سعود"، وذلك وفقًا لنظام الدولة، ولكنه –أي الملك سعود- وافق أن يتخلى لأخيه الفيصل من رئاسة مجلس الوزراء، وذلك كان بنصيحة من العلماء والأمراء.
وقد وجد فيصل الدولة تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، فبلاده تعاني من ديون طائلة لشركات البترول، ونظام العلاوات النفطية لأمراء البلاد (300 أمير)، والبذخ في الإنفاق على الدور والقصور يجفف موارد الدولة، وذلك على الرغم أن مواردها ليست بالقليلة، ولم يستطع فيصل إصلاح الأمر، وذلك بسبب تدخل الملك في شئون الحكم باستمرار.
وقد وصل الأمر بالملك أن حاصر بقوات عسكرية قصر فيصل، ووجه فوهات المدافع على القصر، فما كان منه (فيصل) إلا أنه نزل إلى هذه القوات بسيارته ـ رغم تحذير حاشيته له، وما إن وصل عندها حتى اصطف الجميع لأداء التحية العسكرية، ومثل هذه التصرفات دفعت الأمراء لاقتحام قصر الملك، وأجبرته على التنازل عن كافة سلطاته لفيصل (وقد أخبره أن فيصل رفض أن يقوم بعزله وتوليته) وذلك في عام 1958، ولكن الأمراء عام 1964 أجبروا الملك سعود على التنازل تمامًا عن العرش، وصار فيصل بن عبد العزيز ملكًا على السعودية.
الإصلاحات الداخلية
إن أهم محور في الإصلاح الداخلي هو بناء الكرامة الإنسانية لكل إنسان على أرض السعودية؛ ولذلك ألغى بروتوكول تقبيل يد الملك من نظام المراسم السعودية، وألغى "نظام الرق" في السعودية، وأعتق كافة العبيد في السعودية ومنحهم الجنسية السعودية، وقام بتقديم تعويضات لكافة المتضررين من هذا الإلغاء بلغت 60 مليون ريال.
إصلاح الحالة المالية، لرفع "ذل" الدين عن السعودية، وكانت الدولة عند توليه مدينة لشركات البترول بأكثر من 2000 مليون ريال، وكان يوجد في خزانة الدولة 317 ريالاً فقط؛ لذلك وضع عدة نظم للإصلاح المالي، على رأسها تحرير الريال السعودي من سيطرة الدولار الأمريكي، ودون أن نشرح تفاصيل الإصلاحات يكفي أن نعرف أن ميزانية السعودية في عام 74/1975 كانت 22.810.000.000 ريال.
الإعلام والتعليم في عهد "الفيصل"
وكان للفيصل إسهاماته البارزة في مجال الإعلام حتى قبل أن يتولى حكم البلاد، فقد أشرف على الإذاعة وافتتحها في موسم الحج عام [ 1368 هـ= 1949م] حينما كان نائبًا للملك في الحجاز، وأنشئت وزارة الإعلام في التشكيل الوزاري الذي رأسه عام [1382هـ= 1962م].
وفي عهده افتتحت محطات التليفزيون بدءًا من عام [ 1385 هـ= 1965م]، وقد أشار "الفيصل" إلى السياسة الإعلامية التي أراد للإعلام أن ينتهجها في عصره، فقال عند افتتاحه إحدى محطات إذاعة الرياض عام [ 1387هـ= 1967 م]:
"إننا في مشروعاتنا الإعلامية لا نهدف لأن تكون وسيلة لنشر المديح أو الثناء أو الإطراء للحكومة أو المسؤولين، أو أي فرد في هذه البلاد، وإنما نريدها لنشر الفضيلة والحق، وتوعية المواطنين، والمقيمين إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم".
أما في مجال التعليم فقد كان للفيصل موقفه المعروف والحازم في سبيل، إدخال تعليم المرأة رسميًا عام [ 1380 هـ= 1960م]، كما عمل على التوسع في مجال التعليم الجامعي، فأنشأ عددًا من الجامعات، وزاد في عدد الكليات والمعاهد العسكرية والفنية المتخصصة، وزاد في مخصصات التعليم في ميزانية الدولة منذ بداية حكمه، حتى بلغت المخصصات المرصودة للتعليم في عام [1384هـ= 1964] نحو (13%) من إجمالي الموازنة العامة للدولة.
أدرك الملك فيصل أن الأساس الذي يجب بناؤه لأي نهضة حقيقية هو العلم والتعليم، فكان اجتهاده في هذا الميدان غير مسبوق، إذ شكّل أول هيئة عليا للتعليم، ورصد للتعليم أكبر نصيب في ميزانية الدولة، ووضع قواعد لنشر التعليم بحيث لا يكون كما بلا كيف، فانتشرت مدارس التعليم البنين والبنات، ثم أسس الجامعات ودور البحث العلمي.
بدأ في نشر العمران في كافة أرجاء الدولة، مع توفير كافة الخدمات والمرافق اللازمة للحياة من شبكة طرق، وشبكة كهرباء، وشبكة مياه شرب وصرف صحي، واتصالات.
بدأ في تطوير أشكال الإعلام؛ فأنشأ أضخم شبكة إذاعة وتليفزيون، ومحطات للاتصال بالأقمار الصناعية.
بدأ في وضع أسس تطوير البلاد في اتجاه الزراعة والصناعة ووضع أسس شبكة محطات التوليد لطاقة اللازمة لهذا الغرض، وأسس الصناعات البتروكيماوية، والحديد والصلب، والأسمنت، والتعدين.
هذا بخلاف الخدمات الاجتماعية المختلفة في مجال رعاية المواطنين الصحية والثقافية والدينية وغير ذلك.
السياسة الخارجية
كان محور السياسية الخارجية هو: الإسلام وقضايا المسلمين؛ لذلك:
· أعد سفارة سعودية متجولة،· وهو وفد من عدد من الشخصيات الإسلامية،· على رأسها الشيخ "محمد محمود الصراف"،· تطوف في أكثر من 30 دولة إفريقية وآسيوية،· وذلك لفتح أبواب النشاط الإسلامي وتحسين أوضاع المسلمين،· وقد أثمرت السفارة بشكل كبير؛ إذ أشهر ـ بسببها ـ رئيس الجابون إسلامه وصار اسمه "عمر" بعد أن كان جوزيف،· وتحسنت أوضاع المسلمين في كثير من الدول،· ثم قام الملك فيصل بعدة جولات لنفس الغرض،· واستطاع أن يؤثر في القيادة السوفيتية بحيث سمحت للمسلمين بقدر من الحرية في ممارسة شعائر دينهم والخروج للحج.
· كان يعمل على الرد على كافة الشبهات التي يثيرها المستشرقون في اجتماعاتهم وندواتهم،· وعقد مؤتمرات في معاقلهم للرد على افتراءاتهم.
· الدعم المساوي لكافة المؤسسات الإسلامية التعليمية والخيرية في العالم الإسلامي.
· تأسيس مؤسسات إسلامية عالمية للدعوة الإسلامية،· مثل: "رابطة العالم الإسلامي".
· العمل من أجل التضامن الإسلامي في مواجهة كافة الأخطار،· سواء الشرقية (الاتحاد السوفيتي في هذا الوقت) أو الغربية أو المؤامرات الصهيونية،· أو الدعوات والمذاهب المناقضة للإسلام.
· دعم حركة المقاومة الفلسطينية دعمًا ماديًا،· وسياسيًا،· وكان هدفًا أساسيًا في حركة الملك فيصل على النطاق الآسيوي والأفريقي أن يعمل على حشد التأييد للحق الفلسطيني وقطع الاتصال مع الكيان الصهيوني.
· دعم دول المواجهة،· وفي هذا النطاق،· قام بتعويض مصر عن كل خسارتها في سلاح الطيران بعد حرب 1973،· وكان له موقف في أعقاب هزيمة 1967 من حشد للتأييد والتعاون من أجل إعادة بناء القوات المسلحة في دول المواجهة.
· كان هو بطل معركة الحظر البترولي عن الدول المساندة لإسرائيل في أثناء حرب 1973،· وعلى الرغم من التحذيرات الغربية والأمريكية فكان له موقف مشهود،· أثمر تغيرًا في توجهات كثير من الدول الغربية،· وكان يكرر مقولته التي بدأنا بها هذه السطور لكافة المسئولين الغربيين.
· عندما هددت الدول الغربية باستخدام القوة للسيطرة على منابع البترول،· ردد "ماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موت أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا في سبيل الله؟ أسأل الله سبحانه أن يكتب لي الموت شهيدًا في سبيل الله. وإليكم الحديث عن المعركة بالتفصيل :
الفيصل في المعركة :
عندما وقعت هزيمة [5 من يونيو 1967 = 26 من صفر 1386م] كان الملك فيصل: من أوائل الذين وقفوا إلى جانب الرئيس "جمال عبد الناصر في محنته، وبالرغم من الخلافات القديمة، فإن هاجس الهزيمة وضياع "سيناء" والجولان والضفة الغربية "والقدس"، وكان كل ذلك أقوى من كل خلاف، وعندما التقى الملك (فيصل) بالرئيس، عبد الناصر في مؤتمر الخرطوم في [ جمادى الآخرة 1387 هـ= أغسطس 1967م]، قال "الفيصل":
"إن مصيرنا واحد، ونحن مطالبون أمام الله ثم أمام شعوبنا بأن نتكاتف وننسى كل شيء، إن معركتنا مع العدو لا تنتهي بالهزيمة التي لحقت بنا، وإن المملكة العربية السعودية على استعداد للقيام بما يقضي به واجبها العربي في شتي الميادين".
وفي حرب [ 10 من رمضان 1393 هـ= 6 من أكتوبر 1973م] كان "الفيصل" شريكًا في الإعداد للمعركة، وفي خوضها، وفي مواجهة آثارها، وكان التنسيق الذي تأمنت له أسباب السرية التامة بينه وبين الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد واحدًا من أهم العوامل التي حققت عنصر المفاجأة في تلك الحرب.
واستطاع "الفيصل" أن يستخدم سلاح البترول في تلك المعركة في الوقت الملائم ليكون له التأثير المناسب والفعال، وليحقق الهدف الذي استخدم من أجله وهو الضغط على أوروبا وحلفاء إسرائيل حتى تحقق النصر للعرب في النهاية.
وكان الفيصل يؤمن بأن سبيل العرب إلى تحقيق النصر إنما يتم بالتمسك بالعقيدة والاجتماع تحت لواء الإسلام، فيقول:
"إن عقيدتنا الإسلامية ليست فيها عنصرية ولا قومية ولا جنسية إلا حقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا تمسكنا بهذه العقيدة فنحن بحول الله منتصرون".
وبعد نحو عام ونصف من ذلك النصر الذي كان "الفيصل" أحد جنوده المعدودين امتدت يد الغدر تغتاله في [ 13 من ربيع أول 1395 هـ= 26 من مارس 1975 م] فيسقط شهيدًا، لتبقى ذكراه خالدة في وعي أمته تفوح بأريج الأمجاد وعبير البطولات.
قيل فى الملك :
الشاعر عمر أبو ريشة يروي أنه رافق الملك فيصل مرة وهو يغسل الكعبة فقال له الملك فيصل تكلم يا عمر ، فقال هذه القصيدة وختمها ببيتين جميلين عن الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله
مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
عمر أبو ريشة
أنـا فـي مـوئل الـنبوة يا iiدنيا أؤدي فــرائـض iiالأيــمـان
أســأل الـنفس خـاشعا أتـرى طـهرت بـردي من لوثة الأدران
كـم صـلاة صـليت لم iiيتجاوز قــدس آيـاتها حـدود لـساني!
كـم صـيام عـانيت جوعي iiفيه ونـسيت الـجياع مـن iiإخواني!
كـم رجمت الشيطان والقلب مني مـرهق فـي حـبائل iiالشيطان!
رب عـفوا إن عشت ديني ألفاظا عـجـافا ولـم أعـشه iiمـعاني
أنـا مـن أمـة تـجوس حـماها جاهلياتها بــلا iiاسـتـئذان
مـزقـت شـملنا شـعائر iiشـتى وقـيـادات طغمة iiعـبـدان
مـرنتنا عـلى الـهزيمة iiوالجبن وبـعض الـحياة بـعض iiمـران
فـاسـتكنا لا بــارك الله iiفـي صـبر ذلـيل ولا بـكاء iiجـبان
يا بن عـبد العزيز وانتفض iiالعز وأصـغى وقـال : مـن ناداني ii؟
قـلت : ذاك الـجريح في iiالقدس في سيناء في الضفتين في الجولان
ومن المراسيم التى أصدرها فيصل بعد توليه الملك :
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن فيصل بن عبد العزيز آل سعود
ملك المملكة العربية السعودية
رغبة منا في توفير مزيد من الرفاهية للمواطنين بإلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية على كثير من السلع المستوردة.
وبعد الإطلاع على المادتين التاسعة عشر والعشرين من نظام مجلس الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 38 وتاريخ 21/10/1377هـ.
وعلى المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 28/2/1388هـ الصادر بالتعريفة الجمركية وملاحقها والتعديلات الصادرة بشأنه.
وبناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 417 وتاريخ 6/4/93هـ.
وبناءً على ما عرضه نائب رئيس مجلس الوزراء.
نرسم بما هو آت:
أولاً: تجبى الرسوم الجمركية طبقاً للفئات الواردة بالتعريفة الجمركية المرافقة والملحق المرافق لها.
ثانياً: يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل فئات الرسوم الجمركية لغرض حماية وتشجيع الصناعات والمنتجات الزراعية المحلية، وذلك بناءً على اقتراح وزير المالية والاقتصاد الوطني ووزير التجارة والصناعة بعد دراسة تجريها لجنة مشكلة من الوزارتين، ويعمل بالتعديل اعتباراً من اليوم التالي لنشر قرار مجلس الوزراء بالجريدة الرسمية.
ثالثاً: يصدر وزير المالية والاقتصاد الوطني القرارات المتعلقة بتطبيق التعريفة الجمركية وفقاً لأحكام نظام الجمارك ولائحته التنفيذية، وله ـ دون تعديل في الرسوم الجمركية ـ إدخال التعديلات المتعلقة بصياغة جدول التعريفة الجمركية وكذلك المتعلقة بالإجراءات الخاصة بالاستيراد، الواردة فيها.
رابعاً: لا تخل هذه التعريفة بالإعفاءات المقررة للجهات المنصوص عليها في نظام الجمارك ولائحته التنفيذية ولا بالاتفاقيات المبرمة.
خامساً: تلغى التعريفة الجمركية الصادرة بالمرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 28/2/1388هـ وملاحقها والتعديلات التي أدخلت عليها، وكل نص يتعارض مع أحكام هذا المرسوم.
سادساً: ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من يوم السبت 9 ربيع الثاني 1393هـ(1).
التوقيع الملكي
فيصل
الخاتمـــــة
اغتيال الملك فيصل :
وفي صباح الثلاثاء الموافق 12 ربيع الأول (ذكرى مولد رسول الله)1395 هـ، 25 مارس 1975م، دخل على الملك أحد أبناء عمومته، وكان بابه مفتوحًا للقريب والبعيد، فدخل الأمير "فيصل بن مساعد بن عبد العزيز"، وكان معروفًا عنه اختلال العقل، ومعاقرة الخمر، فأطلق عدة رصاصات على الملك فيصل، فمات متأثرًا بجراحة ، نسأل الله أن يكتبه من الشهداء وأن يجزيه خيرا على ما قدمه للملسمين وأ يبارك فى ذريته وأن يجعلهم خير خلف لخير سلف . آمين يا رب العالمين . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
لم تكن النهضة الحديثة بالمملكة العربية السعودية وليدة الصدفة ، ولكن كان وراءها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . . فأبناؤها سلكوا طريقهم خلف قادة حكماء آمنوا بحقيقة وحدة الوطن فأرسوا للمجد قواعد تحدث العالم أجمع عن رسوخها ، وشيدوا للعز دوراً وللعلا مفاخر ، وجرت على أيديهم بطولات وإنجازات يحار القلم في سردها ، فقد غازلوا رمال الصحراء فصاغوا منها أجمل منظومة عرفها العالم في العصر الحديث .
إن الناظر في ماضينا القريب والمتأمل في أحوال الجزيرة قبيل عهد الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ سيعرف أن الجزيرة العربية لم تكن إلا صفحة في كتاب الأمة الإسلامية كلها ، أصابها ما أصاب الجميع من اضمحلال في القوة ، ووهن في العقيدة ، وتفشي الجهل والبدع والضلالات . ولا شك أن هذه الفترة من الضعف ـ التي تلت انهيار الدولة السعودية الثانية ـ قد أثرت في كافة النواحي العلمية والسياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والصحية في البلاد . حتى كانت كلمة الملك عبد العزيز ، رافعاً راية التوحيد ، مصححاً لكافة الأوضاع ، مرسياً قواعد المملكة الحديثة ، محرراً شراع سفينة النجاة لتسلك مسلك الخير والنماء .
ومن بعده أبناءه يكملون البناء ليواكبوا ركب الحضارة والتقدم إلى أن علت الراية بين الأمم ، وأصبحت المملكة العربية السعودية موطن فخر ، لا لأبنائها فحسب بل لكل عربي ومسلم في شتى بقاع العالم . فيد الإصلاح طالت كافة المجالات فوضعت الأمور في نصابها الصحيح لتصبح المملكة منارة للعلم والإيمان .
ولم يتغاضى أبناء الملك عبد العزيز عن ذلك الإرث الحضاري القديم ولم يغفلوا عما خلفه الأجداد من مآثر عظيمة ، بل إنهم عضوا على ثوابتنا الوطنية بالنواجذ ، فلم تتغير ولم تضعف يوماً في غمرة التطوير والتحديث .
وإذا حاولنا استعراض ما تم إنجازه ، وسرد الشواهد القائمة الدالة على عظمة الإنسان السعودي وتفانيه في خدمة وطنه ، وحكمة أولي الأمر ورشد توجيهاتهم لكنا بصدد مجلدات ضخمة ، وليس بحثاً علمياً فقط ، وإنما ما نحاول لإلقاء الضوء عليه من خلال بحثنا هذا هو دور ذلك البطل العظيم جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ في تطور المملكة الحديث مستعرضين سيرته منذ ولادته وحتى لقي ربه مؤمناً شهيداً .
*************
نشأة المملكة العربية السعودية :
تقع المملكة العربية السعودية في قلب الجزيرة العربية. عاصمتها الرياض. تحدها شمالاً «العراق» و «الكويت» و «الأردن»، وغرباً «البحر الأحمر»، وجنوباً «اليمن»، ومن الجنوب الشرقي «عمان» وشرقاً «الإمارات العربية» و «البحرين» و «قطر» و«الخليج العربي».
تاريخها هو تاريخ الجزيرة العربية ومع ظهور الإسلام في مكة أصبح تاريخها هو تاريخ الإسلام في العصر الحديث خضعت للسيطرة العثمانية قبل أن يؤسس الملك «عبد العزيز آل سعود» دولته عام 1925، والتي أعلن قيامها عام 1932 عندما أصدر مرسوماً ملكياً بتوحيد الحجاز ونجد وملحقاتهما تحت اسم المملكة العربية السعودية. عُرفت المرحلة الأولى لقيام المملكة باسم «الإمارة السعودية الأولى» حيث بدأت بتحالف الأمير محمد بن سعود أمير منطقة الدرعية مع الشيخ «محمد بن عبد الوهاب» وانتهت في 1811 م على يد حملة محمد علي باشا عليها بقيادة ابنه طوسون ثم بقيادة ابنه إبراهيم باشا في عهد الأمير عبد الله بن سعود الذي أعدم بالإستانة عام 1818، وعرفت المرحلة الثانية بـ «الدولة السعودية الثانية» في عهد فيصل بن تركي الذي انتهى عهده بحرب أهلية عقب وفاته بسبب تنازع أنجاله على الحكم، حتى عام 1890.
بدأت المرحلة الثالثة التي عرفت بـ «الدولة السعودية الثالثة» على يد الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي أعلن قيام المملكة. تولى الحكم بعد وفاة الملك عبد العزيز ابنه سعود بن عبد العزيز عام 1953 م تنازل لأخيه الأمير فيصل بن عبد العزيز عام 1964. اغتيل الملك فيصل عام 1975 فخلفه الملك خالد بن عبد العزيز حتى وفاته عام 1982. فتولى الحكم أخوه الحالي الملك «فهد بن عبد العزيز».
مساحتها : 2,240,000 كلم2.
عدد سكانها : 24,293,844.
أهم مدنها : الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة، المدينة المنورة، الإحساء، الطائف، بريدة، حائل.
عملتها : الريال السعودي.
كلمة الموت :
"حضرة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. هل ترى هذه الأشجار.. لقد عاش آبائي وأجدادي مئات السنين على ثمارها. ونحن مستعدون أن نعود للخيام ونعيش مثلهم، ونستغني عن البترول، إذا استمر الأقوياء وأنتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا"… إن قال هذه العبارة مواطن عربي.. فهو مجنون، أما أن يقولها حاكم عربي لأغنى دولة بترولية، فإنه يجب أن يموت، وقد قالها الملك فيصل قبل أشهر معدودة من اغتياله بيد أمير سعودي مختل.
حفل التاريخ بقصص أصحاب الثورات والحركات الذين فازوا بحكم بلادهم، ولكن أن يسعى الملك والحكم إلى أحد، فهذا هو القليل النادر، ومن ثم أقر الأولون مبدأ أن الشاذ لا قاعدة له، ولهذا كان الملك "فيصل بن عبد العزيز" خارج نطاق القواعد المألوفة، فقد كان ممن يصنعون الأحداث، وإن سبقته أسرع وأمسك بزمامها يوجهها، لا يتوجه بها. فمن هو؟
مولده ونشأته
هو "فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود"، ولد بمدينة الرياض في صفر سنة 1324هـ/إبريل 1906، وكان يوم مولده هو يوم انتصار والده في معركة "روضة الهنا"، وهي إحدى أهم المعارك في سبيل بناء الدولة السعودية، تلقى العلوم الشرعية على يد مدرسين أكفاء، وعلى رأسهم جده الشيخ "عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ"، وأتم حفظه القرآن وهو دون الثالثة عشرة من عمره، وبرع في الفروسية واستعمال السلاح منذ صباه.
وقد اشترك في المعارك مع والده وهو ابن 13 عامًا، وبعد ذلك بثلاث سنوات قاد حصارًا لمدة 3 شـهور حـول " حــائل " حتـى استســلمت، ثم وهو ابن
عشرين عامًا قاد جيشًا لقمع تمرد بعض القبائل العربية اليمنية، وأراد –وكان يملك القوة والقدرة- اقتحام مدينة صنعاء، ولكن والده وافق على الصلح، وهدد الشاب والده بالانتحار إن وافق على هذا الصلح، وكان رد والده "يحزننــي أن أفقــد ولـدًا من أولادي، ولكن الحياة علمتني أن تسامح الأخ مع أخيه
هو أكبر قيمة من انتصار المدافع والسيوف"، وخضع الأمير الشاب، وكان درسًا صنع من الشاب رجلاً جديدًا. ودفع الوالد بابنه إلى حقل السياسة الخارجية، ليرى ويتعلم كيف تسير أمور العالم.
الحملات العسكرية التي شارك فيها "الفيصل" :
شارك الملك فيصل في عدة حملات عسكرية، كان مرافقًا لوالده في بعضها، وكان قائدا للبعض الآخر فيها.
وكانت حملة "ياطب" هي أقدم حملة شارك فيها، وكان عمره حينئذ نحو ثلاثة عشر عامًا، وتعد حملة "عسير" عام [ 1340 هـ= 1922م] ، وحرب اليمن، في [ المحرم 1353 هـ= مايو 1934م]، من أكبر الحملات التي كان له دور بارز فيها، والتي برزت خلالها قدراته القتالية كقائد عسكري.
وكان "فيصل" قائد حملة الجناح الغربي في حرب "اليمن" التي وصلت إلى الحديدة وميدي عبر تهامة، وقد بلغت دقة الإعداد للحملة وتنظيمها حدًا لم تكن معه بحاجة إلى أي تعديل، وقد حققت تلك الحملة أهدافها العسكرية والسياسية، ونتج عنها اتفاقية "الطائف" المعروفة التي وقعت في [ 6 من صفر 1353 هـ= 18 من مايو 1934م]، والتي أسفرت عن تحسن الأجواء بين البلدين، وإقامة علاقات حميمة صافية بين الجارتين بعد أن أكدت على تبعية "نجران"، وعسير للمملكة، ومهدت بذلك لاعتراف الدول الأجنبية بسيادة الملك عبد العزيز على نجد والحجاز والإحساء وحائل وعسير، وهي مكاسب تفوق أي مكاسب عسكرية.
الملك فيصل نائبًا لأبيه على الحجاز :
وحينما بلغ فيصل العشرين من عمره اختاره والده الملك (سعود) ليكون نائبًا له في (الحجاز) ورئيسًا لحكومة (الحجاز)؛ ليصبح مسؤولا عن الحج وتأمين سلامة الحجاج، وتوفير التموين والرعاية الصحية لهم، واستقبال وفود الحج الرسمية وممثلي الحكومات، ويدير زمام الأمور في تلك المنطقة ذات الأهمية البالغة.
وأصدر الملك عبد العزيز أمرًا بذلك في [ 28 من جمادى الآخرة 1344هـ= 13 يناير 1926م].
فيصل وزيرًا للخارجية :
كانت رحلته ومهمته الأولى إلى إنجلترا. وفي اليوم التالي لوصوله غادر البلاد فورًا إلى باريس، وكان ذلك بسبب تصرف اللورد "كرزون" الذي أمر بتقديم حلوى للطفل القادم من الصحراء، وأسرعت السلطات البريطانية بالاعتذار للأمير الشاب، وبدأ الأمير يناقش وضع السعودية والعرب مع الحكومة الإنجليزية، ومن ثم عرفت الحكومة البريطانية أنها في مواجهة رجل يمثل أمة، والتقى والملك والملكة البريطانيين، وعاد لبلاده بعد جولة أوروبية واسعة، وبعد قليل عاد إلى بريطانيا ليعقد معاهدة جديدة بين بلاده وبريطانيا (عام 1927م) تعترف بموجبها بريطانيا بسيطرة بلاده على كافة أراضي الجزيرة العربية (تقريبًا) باستثناء المحميات الخليجية والجنوبية.
وتعددت رحلات الشاب إلى بلاد العالم المختلفة، شرقية وغربية، ورغم تعدد المهام الخارجية، فإن ذلك لم يمنع من المشاركة العسكرية في بناء وتأمين الدولة الوليدة، وقد صدر له قرار رسمي بتولي وزارة الخارجية في عام 1319هـ/1930م، وبعدها قاد عدة معارك في "عسير" و"تهامة" و"نجران"، ومن قلب المعارك إلى لندن –بأمر من والده- ليشارك في مؤتمر فلسطين عام 1939م ويستطيع فيصل أن يستخدم ورقة البترول بصورة أجبرت بريطانيا أن تعطي وعدًا رسميًا بألا تسمح لليهود بإنشاء دولة لهم في فلسطين، ولكن من يستطيع أن يلزم بريطانيا بوعد.
وتولى فيصل عدة مهام بجانب الخارجية، فقد عينه والده حاكمًا لمنطقة الحجاز، كما مثَّل السعودية في اجتماعات تأسيس الأمم المتحدة، واستطاع أن ينهي عدة مشاكل حدودية لبلاده، حتى شهد له عدد من الرؤساء والملوك أن عقليته وكفاءته تؤهله ليكون وزير خارجية قوة عظمى.
الفيصل وعبور الأزمة المالية :
بعد أن استقرت الأمور في المملكة تولى فيصل ولاية العهد سنة [ 1373هـ= 1953م]، وتم تشكيل مجلس الوزراء، وقد استتبع ذلك إنشاء وقيام عدد من الوزارات، وأصبحت الدولة هي المسئولة عن النفقات والمصروفات.
ولكن نتيجة لبعض الخلل والتجاوزات حدثت أزمة مالية كبيرة، وتفاقمت الديون بعد أن تجاوزت المصروفات حدود الإمكانات المالية للإيرادات، حتى وصلت الأمور إلى وضع حرج بعد عام [ 1376هـ= 1956م]، نتج عنه توقف صرف الرواتب، وعدم ثقة المؤسسات المالية الداخلية والخارجية بالوضع المالي العام، ولم يعد الريال مقبولاً في الأسواق التجارية الأجنبية.
وإزاء هذا الوضع المتدهور وضع الفيصل حلولا عاجلة لتجاوز تلك الأزمة، وفي أقل من ثلاث سنوات نجح في تصحيح الوضع المالي، ووضع حدا للإسراف والتبذير واستغلال النفوذ، وأعاد التوازن إلى ميزان المدفوعات، وعاد الريال إلى قوته الحقيقية، وسرعان ما ظهرت نتيجة تلك الإصلاحات الاقتصادية فاستؤنفت المشروعات الضخمة، وازدهرت التجارة، واستطاع بذلك تجاوز تلك الأزمة الطاحنة.
ومن المراسيم الملكية التى وضعها فيصل وهو نائب للملك :
نظام المعايرة والمقاييس
مرسوم ملكي رقم أ/3 وتاريخ 26/3/1384هـ
بعون الله تعالى - نحن فيصل بن عبد العزيز آل سعود
نائب جلالة ملك المملكة العربية السعودية
استناداً إلى المرسوم الملكي رقم 52 وتاريخ 17/11/1383هـ
واستناداً إلى المادتين 19 ، 20 من نظام مجلس الوزراء .
وبناء على قرار مجلس الوزراء رقم 627 المتوج بالمرسوم الملكي رقم 29 وتاريخ 13/9/1383هـ بشأن نظام المعايرة والمقاييس .
وبناء على قرار مجلس الوزراء رقم 164 وتاريخ 25/3/1384هـ
وبناء على ما عرضه علينا رئيس مجلس الوزراء .
نرسم بما هو آت :
أولاً : تضاف فقرة ثانية إلى المادة الثالثة من نظام المعايرة والمقاييس تحت فقرة (ب) للمادة الثالثة نصها كما يلي :
(يتخذ وزير التجارة والصناعة الإجراءات اللازمة لتأمين النماذج الأساسية للوحدات القياسية المشار إليها في المادة الثانية من هذا النظام ويجب أن تكون هذه النماذج مطابقة للنماذج الدولية المتعارف عليها وتعتبر تلك النماذج المرجع الأساسي في تطبيق أحكام هذا النظام) .
ثانياً : على رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة تنفيذ هذا المرسوم.
التوقيع الملكي
فيصل
الطريق إلى العرش :
تُوفي مؤسس الدولة السعودية الملك "عبد العزيز آل سعود" في ربيع الأول 1373هـ/نوفمبر 1953م، وتولى الأمر الابن الأكبر "سعود"، وذلك وفقًا لنظام الدولة، ولكنه –أي الملك سعود- وافق أن يتخلى لأخيه الفيصل من رئاسة مجلس الوزراء، وذلك كان بنصيحة من العلماء والأمراء.
وقد وجد فيصل الدولة تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، فبلاده تعاني من ديون طائلة لشركات البترول، ونظام العلاوات النفطية لأمراء البلاد (300 أمير)، والبذخ في الإنفاق على الدور والقصور يجفف موارد الدولة، وذلك على الرغم أن مواردها ليست بالقليلة، ولم يستطع فيصل إصلاح الأمر، وذلك بسبب تدخل الملك في شئون الحكم باستمرار.
وقد وصل الأمر بالملك أن حاصر بقوات عسكرية قصر فيصل، ووجه فوهات المدافع على القصر، فما كان منه (فيصل) إلا أنه نزل إلى هذه القوات بسيارته ـ رغم تحذير حاشيته له، وما إن وصل عندها حتى اصطف الجميع لأداء التحية العسكرية، ومثل هذه التصرفات دفعت الأمراء لاقتحام قصر الملك، وأجبرته على التنازل عن كافة سلطاته لفيصل (وقد أخبره أن فيصل رفض أن يقوم بعزله وتوليته) وذلك في عام 1958، ولكن الأمراء عام 1964 أجبروا الملك سعود على التنازل تمامًا عن العرش، وصار فيصل بن عبد العزيز ملكًا على السعودية.
الإصلاحات الداخلية
إن أهم محور في الإصلاح الداخلي هو بناء الكرامة الإنسانية لكل إنسان على أرض السعودية؛ ولذلك ألغى بروتوكول تقبيل يد الملك من نظام المراسم السعودية، وألغى "نظام الرق" في السعودية، وأعتق كافة العبيد في السعودية ومنحهم الجنسية السعودية، وقام بتقديم تعويضات لكافة المتضررين من هذا الإلغاء بلغت 60 مليون ريال.
إصلاح الحالة المالية، لرفع "ذل" الدين عن السعودية، وكانت الدولة عند توليه مدينة لشركات البترول بأكثر من 2000 مليون ريال، وكان يوجد في خزانة الدولة 317 ريالاً فقط؛ لذلك وضع عدة نظم للإصلاح المالي، على رأسها تحرير الريال السعودي من سيطرة الدولار الأمريكي، ودون أن نشرح تفاصيل الإصلاحات يكفي أن نعرف أن ميزانية السعودية في عام 74/1975 كانت 22.810.000.000 ريال.
الإعلام والتعليم في عهد "الفيصل"
وكان للفيصل إسهاماته البارزة في مجال الإعلام حتى قبل أن يتولى حكم البلاد، فقد أشرف على الإذاعة وافتتحها في موسم الحج عام [ 1368 هـ= 1949م] حينما كان نائبًا للملك في الحجاز، وأنشئت وزارة الإعلام في التشكيل الوزاري الذي رأسه عام [1382هـ= 1962م].
وفي عهده افتتحت محطات التليفزيون بدءًا من عام [ 1385 هـ= 1965م]، وقد أشار "الفيصل" إلى السياسة الإعلامية التي أراد للإعلام أن ينتهجها في عصره، فقال عند افتتاحه إحدى محطات إذاعة الرياض عام [ 1387هـ= 1967 م]:
"إننا في مشروعاتنا الإعلامية لا نهدف لأن تكون وسيلة لنشر المديح أو الثناء أو الإطراء للحكومة أو المسؤولين، أو أي فرد في هذه البلاد، وإنما نريدها لنشر الفضيلة والحق، وتوعية المواطنين، والمقيمين إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم".
أما في مجال التعليم فقد كان للفيصل موقفه المعروف والحازم في سبيل، إدخال تعليم المرأة رسميًا عام [ 1380 هـ= 1960م]، كما عمل على التوسع في مجال التعليم الجامعي، فأنشأ عددًا من الجامعات، وزاد في عدد الكليات والمعاهد العسكرية والفنية المتخصصة، وزاد في مخصصات التعليم في ميزانية الدولة منذ بداية حكمه، حتى بلغت المخصصات المرصودة للتعليم في عام [1384هـ= 1964] نحو (13%) من إجمالي الموازنة العامة للدولة.
أدرك الملك فيصل أن الأساس الذي يجب بناؤه لأي نهضة حقيقية هو العلم والتعليم، فكان اجتهاده في هذا الميدان غير مسبوق، إذ شكّل أول هيئة عليا للتعليم، ورصد للتعليم أكبر نصيب في ميزانية الدولة، ووضع قواعد لنشر التعليم بحيث لا يكون كما بلا كيف، فانتشرت مدارس التعليم البنين والبنات، ثم أسس الجامعات ودور البحث العلمي.
بدأ في نشر العمران في كافة أرجاء الدولة، مع توفير كافة الخدمات والمرافق اللازمة للحياة من شبكة طرق، وشبكة كهرباء، وشبكة مياه شرب وصرف صحي، واتصالات.
بدأ في تطوير أشكال الإعلام؛ فأنشأ أضخم شبكة إذاعة وتليفزيون، ومحطات للاتصال بالأقمار الصناعية.
بدأ في وضع أسس تطوير البلاد في اتجاه الزراعة والصناعة ووضع أسس شبكة محطات التوليد لطاقة اللازمة لهذا الغرض، وأسس الصناعات البتروكيماوية، والحديد والصلب، والأسمنت، والتعدين.
هذا بخلاف الخدمات الاجتماعية المختلفة في مجال رعاية المواطنين الصحية والثقافية والدينية وغير ذلك.
السياسة الخارجية
كان محور السياسية الخارجية هو: الإسلام وقضايا المسلمين؛ لذلك:
· أعد سفارة سعودية متجولة،· وهو وفد من عدد من الشخصيات الإسلامية،· على رأسها الشيخ "محمد محمود الصراف"،· تطوف في أكثر من 30 دولة إفريقية وآسيوية،· وذلك لفتح أبواب النشاط الإسلامي وتحسين أوضاع المسلمين،· وقد أثمرت السفارة بشكل كبير؛ إذ أشهر ـ بسببها ـ رئيس الجابون إسلامه وصار اسمه "عمر" بعد أن كان جوزيف،· وتحسنت أوضاع المسلمين في كثير من الدول،· ثم قام الملك فيصل بعدة جولات لنفس الغرض،· واستطاع أن يؤثر في القيادة السوفيتية بحيث سمحت للمسلمين بقدر من الحرية في ممارسة شعائر دينهم والخروج للحج.
· كان يعمل على الرد على كافة الشبهات التي يثيرها المستشرقون في اجتماعاتهم وندواتهم،· وعقد مؤتمرات في معاقلهم للرد على افتراءاتهم.
· الدعم المساوي لكافة المؤسسات الإسلامية التعليمية والخيرية في العالم الإسلامي.
· تأسيس مؤسسات إسلامية عالمية للدعوة الإسلامية،· مثل: "رابطة العالم الإسلامي".
· العمل من أجل التضامن الإسلامي في مواجهة كافة الأخطار،· سواء الشرقية (الاتحاد السوفيتي في هذا الوقت) أو الغربية أو المؤامرات الصهيونية،· أو الدعوات والمذاهب المناقضة للإسلام.
· دعم حركة المقاومة الفلسطينية دعمًا ماديًا،· وسياسيًا،· وكان هدفًا أساسيًا في حركة الملك فيصل على النطاق الآسيوي والأفريقي أن يعمل على حشد التأييد للحق الفلسطيني وقطع الاتصال مع الكيان الصهيوني.
· دعم دول المواجهة،· وفي هذا النطاق،· قام بتعويض مصر عن كل خسارتها في سلاح الطيران بعد حرب 1973،· وكان له موقف في أعقاب هزيمة 1967 من حشد للتأييد والتعاون من أجل إعادة بناء القوات المسلحة في دول المواجهة.
· كان هو بطل معركة الحظر البترولي عن الدول المساندة لإسرائيل في أثناء حرب 1973،· وعلى الرغم من التحذيرات الغربية والأمريكية فكان له موقف مشهود،· أثمر تغيرًا في توجهات كثير من الدول الغربية،· وكان يكرر مقولته التي بدأنا بها هذه السطور لكافة المسئولين الغربيين.
· عندما هددت الدول الغربية باستخدام القوة للسيطرة على منابع البترول،· ردد "ماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موت أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا في سبيل الله؟ أسأل الله سبحانه أن يكتب لي الموت شهيدًا في سبيل الله. وإليكم الحديث عن المعركة بالتفصيل :
الفيصل في المعركة :
عندما وقعت هزيمة [5 من يونيو 1967 = 26 من صفر 1386م] كان الملك فيصل: من أوائل الذين وقفوا إلى جانب الرئيس "جمال عبد الناصر في محنته، وبالرغم من الخلافات القديمة، فإن هاجس الهزيمة وضياع "سيناء" والجولان والضفة الغربية "والقدس"، وكان كل ذلك أقوى من كل خلاف، وعندما التقى الملك (فيصل) بالرئيس، عبد الناصر في مؤتمر الخرطوم في [ جمادى الآخرة 1387 هـ= أغسطس 1967م]، قال "الفيصل":
"إن مصيرنا واحد، ونحن مطالبون أمام الله ثم أمام شعوبنا بأن نتكاتف وننسى كل شيء، إن معركتنا مع العدو لا تنتهي بالهزيمة التي لحقت بنا، وإن المملكة العربية السعودية على استعداد للقيام بما يقضي به واجبها العربي في شتي الميادين".
وفي حرب [ 10 من رمضان 1393 هـ= 6 من أكتوبر 1973م] كان "الفيصل" شريكًا في الإعداد للمعركة، وفي خوضها، وفي مواجهة آثارها، وكان التنسيق الذي تأمنت له أسباب السرية التامة بينه وبين الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد واحدًا من أهم العوامل التي حققت عنصر المفاجأة في تلك الحرب.
واستطاع "الفيصل" أن يستخدم سلاح البترول في تلك المعركة في الوقت الملائم ليكون له التأثير المناسب والفعال، وليحقق الهدف الذي استخدم من أجله وهو الضغط على أوروبا وحلفاء إسرائيل حتى تحقق النصر للعرب في النهاية.
وكان الفيصل يؤمن بأن سبيل العرب إلى تحقيق النصر إنما يتم بالتمسك بالعقيدة والاجتماع تحت لواء الإسلام، فيقول:
"إن عقيدتنا الإسلامية ليست فيها عنصرية ولا قومية ولا جنسية إلا حقيقة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإذا تمسكنا بهذه العقيدة فنحن بحول الله منتصرون".
وبعد نحو عام ونصف من ذلك النصر الذي كان "الفيصل" أحد جنوده المعدودين امتدت يد الغدر تغتاله في [ 13 من ربيع أول 1395 هـ= 26 من مارس 1975 م] فيسقط شهيدًا، لتبقى ذكراه خالدة في وعي أمته تفوح بأريج الأمجاد وعبير البطولات.
قيل فى الملك :
الشاعر عمر أبو ريشة يروي أنه رافق الملك فيصل مرة وهو يغسل الكعبة فقال له الملك فيصل تكلم يا عمر ، فقال هذه القصيدة وختمها ببيتين جميلين عن الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله
مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود
عمر أبو ريشة
أنـا فـي مـوئل الـنبوة يا iiدنيا أؤدي فــرائـض iiالأيــمـان
أســأل الـنفس خـاشعا أتـرى طـهرت بـردي من لوثة الأدران
كـم صـلاة صـليت لم iiيتجاوز قــدس آيـاتها حـدود لـساني!
كـم صـيام عـانيت جوعي iiفيه ونـسيت الـجياع مـن iiإخواني!
كـم رجمت الشيطان والقلب مني مـرهق فـي حـبائل iiالشيطان!
رب عـفوا إن عشت ديني ألفاظا عـجـافا ولـم أعـشه iiمـعاني
أنـا مـن أمـة تـجوس حـماها جاهلياتها بــلا iiاسـتـئذان
مـزقـت شـملنا شـعائر iiشـتى وقـيـادات طغمة iiعـبـدان
مـرنتنا عـلى الـهزيمة iiوالجبن وبـعض الـحياة بـعض iiمـران
فـاسـتكنا لا بــارك الله iiفـي صـبر ذلـيل ولا بـكاء iiجـبان
يا بن عـبد العزيز وانتفض iiالعز وأصـغى وقـال : مـن ناداني ii؟
قـلت : ذاك الـجريح في iiالقدس في سيناء في الضفتين في الجولان
ومن المراسيم التى أصدرها فيصل بعد توليه الملك :
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن فيصل بن عبد العزيز آل سعود
ملك المملكة العربية السعودية
رغبة منا في توفير مزيد من الرفاهية للمواطنين بإلغاء أو تخفيض الرسوم الجمركية على كثير من السلع المستوردة.
وبعد الإطلاع على المادتين التاسعة عشر والعشرين من نظام مجلس الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 38 وتاريخ 21/10/1377هـ.
وعلى المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 28/2/1388هـ الصادر بالتعريفة الجمركية وملاحقها والتعديلات الصادرة بشأنه.
وبناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 417 وتاريخ 6/4/93هـ.
وبناءً على ما عرضه نائب رئيس مجلس الوزراء.
نرسم بما هو آت:
أولاً: تجبى الرسوم الجمركية طبقاً للفئات الواردة بالتعريفة الجمركية المرافقة والملحق المرافق لها.
ثانياً: يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعديل فئات الرسوم الجمركية لغرض حماية وتشجيع الصناعات والمنتجات الزراعية المحلية، وذلك بناءً على اقتراح وزير المالية والاقتصاد الوطني ووزير التجارة والصناعة بعد دراسة تجريها لجنة مشكلة من الوزارتين، ويعمل بالتعديل اعتباراً من اليوم التالي لنشر قرار مجلس الوزراء بالجريدة الرسمية.
ثالثاً: يصدر وزير المالية والاقتصاد الوطني القرارات المتعلقة بتطبيق التعريفة الجمركية وفقاً لأحكام نظام الجمارك ولائحته التنفيذية، وله ـ دون تعديل في الرسوم الجمركية ـ إدخال التعديلات المتعلقة بصياغة جدول التعريفة الجمركية وكذلك المتعلقة بالإجراءات الخاصة بالاستيراد، الواردة فيها.
رابعاً: لا تخل هذه التعريفة بالإعفاءات المقررة للجهات المنصوص عليها في نظام الجمارك ولائحته التنفيذية ولا بالاتفاقيات المبرمة.
خامساً: تلغى التعريفة الجمركية الصادرة بالمرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 28/2/1388هـ وملاحقها والتعديلات التي أدخلت عليها، وكل نص يتعارض مع أحكام هذا المرسوم.
سادساً: ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من يوم السبت 9 ربيع الثاني 1393هـ(1).
التوقيع الملكي
فيصل
الخاتمـــــة
اغتيال الملك فيصل :
وفي صباح الثلاثاء الموافق 12 ربيع الأول (ذكرى مولد رسول الله)1395 هـ، 25 مارس 1975م، دخل على الملك أحد أبناء عمومته، وكان بابه مفتوحًا للقريب والبعيد، فدخل الأمير "فيصل بن مساعد بن عبد العزيز"، وكان معروفًا عنه اختلال العقل، ومعاقرة الخمر، فأطلق عدة رصاصات على الملك فيصل، فمات متأثرًا بجراحة ، نسأل الله أن يكتبه من الشهداء وأن يجزيه خيرا على ما قدمه للملسمين وأ يبارك فى ذريته وأن يجعلهم خير خلف لخير سلف . آمين يا رب العالمين . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .