منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#47964
تابع العلاقات الدولية - تأليف : اكزافييه غيّوم - ترجمة: د.قاسم المقداد.

1 ـ 2 : تطور نظام العلاقات الدولية في القرن العشرين.
بدأ نظام العلاقات الدولية مع نهاية الحرب العالمية الأولى في العشرينات والثلاثينات. وهي المرحلة التي يمكن وصفها بالمرحلة المثالية. وأسطع مثال عليها فكرة ويلسون الذي رأى أن الصراع يبين عدم فائدة الحرب لأنها لم تؤد إلى كسب للأراضي. ما من أحد كان يريد للحرب العالمية الأولى أن تقع. والتيار المثالي ينتقد المشاعر السيئة التي كانت سائدة بين الدول. لأن كل بلد كان يرى عند الآخرين أكثر التوترات خسة. ولم يقدم القادة ما يكفي من إيضاحات للجماهير وباعتبارها المتألم الوحيد من الحرب. بعد ذلك يعيد هذا التيار النظر في هدف وأساس هذه التحالفات ونمط الترتيب العسكري الذي دفع الدول إلى ما يسمى بالتأثير اللولبي. بسبب منظومة التعبئة الحقيقية أن تحليلات تلك الفترة كانت ترى أن من يهاجم أولاً يحقق تفوقاً استراتيجياً حاسماً؛ وكان استراتيجيو مرحلة ماقبل الحرب يعتقدون أن من يعلن الحرب والتعبئة أولاً كان شبه واثق من كسبها نظراً لفعالية ذلك الأسلوب بسبب وجود خطوط السكك الحديدية. في هذا التنظيم العسكري إذاً اتجاه قوي نحو التصعيد. أخيراً يظن التيار المثالي أن التوترات الكامنة يمكن إزالتها بإقامة ديمقراطيات برلمانية لأن الصراعات هي خيار النخبة والأوتوقراطيين. بعد حرب العالمية الأولى، اتجاه التفكير في مجال العلاقات الدولية إلى إيجاد مادة خاصة بها. وتطور هذا التفكير أساساً بين صفوف القوى "الراضية" عن نتائج الحرب العالمية الأولى أي بريطانيا والولايات المتحدة. إن المثالية التي تتمتع بمضمون معياري قوي نجدها في الفكرة القائلة أن هذا الصراع يجب أن يكون الصراع الأخير من هذا النمط، وتقيم تحليلها على الديمقراطية وعلى الإنسان العقلاني، لأنه لا يريد حرباً يريد له قادتها أن يكون وقوداً لها. باختصار، المثالية تسعى إلى تحقيق رفاهية البشرية.

التيار الثاني في العلاقات الدولية هو تيار الواقعية الذي برز خلال السنوات 1940-1950، وهذه العودة إلى نقطة البداية، قياساً بما تطرحه المثالية لا يمكن ربطه بـE.H.Carr وبكتابه Twenty yers crisis (1939)، فحسب، بل إلى غيره أيضاً، كان يهاجم المثالية باعتبارها يوتوبيا تتمثل بأسبقية الرغبة على الواقع، والأهداف على التحليل النقدي. ويرى أنه يجب تحليل العالم كما هو عليه وليس كما ينبغي أن يكون. وعلى العلاقات الدولية أن تدرس الكائن وليس مايجب أن يكون. وتبين الإخفاقات المختلفة التي ألمت بالمثالية مثل إنشاء عصبة الأمم ومختلف محاولات تحقيق السلام مثل حلف Briand - Kellog (1928) وحلف لوكارنو (1925)، وهنا لابدّ من العودة إلى ماكيافيللي الذي يقترح قراءة حديثة للعلاقات الدولية حتى لو لم يكن يهتم إلا بصورة الأمير. وهكذا فالتاريخ ليس سوى سلسلة من الأسباب والنتائج التي ينبغي فهمها. من جانب آخر، فالنظرية لا تدل على الممارسة بل العكس. مثلما أن السياسة ليست تابعة للأخلاق بل العكس لأن السياسة هي انعكاس المصالح الشخصية. أحد أهم الممثلين المؤثرين لهذا التيار هو هانز مورغينتو Hans Morgenthau الذي حاول للمرة الأولى، في كتابه politics among nations(1948)، وضع نظرية علمية للعلاقات الدولية بعيداً عن الطبيعة البشرية. وتتلخص أطروحات مورغينتو بما يلي:

أولاً : أن الدول ـ الأمم هي الممثل الأهم للعلاقات الدولية،

ثانياً : يجب التمييز بين السياسة الوطنية والسياسة الخارجية،

وثالثاً : السياسة العالية هي صراع من أجل السلطة وبعدها من أجل السلام.

ويرى الواقعيون أن مسألة الأمن تحتل مركز السياسة العالمية. ومن هنا فإن أعمال مورغينتو ماهي إلا انعكاس لأفكار عصرها..

في سنوات (1950-1960) برز واحد من تيارات العلوم الاجتماعية الحديثة التي طفت على سطح دراسة العلاقات الدولية، ونعني به النقد السلوكي وهو أساساً، نقد منهجي للعلاقات الدولية. وأحد ممثليه دافيد سينغر David Singer الذي أدخل فكرة مستويات التحليل أي مختلف أنماط التفسيرات وفقاً للمستوى الذي نضع أنفسنا فيه. ويرى سينغر أنه يجب وضع فكرة الحرب والسلام تبعاً للمجازات Images. حيث هناك ثلاثة مجازات كبرى أي مستويات التحليل. أولاً:مستوى الفرد ثم المستوى الوطني وأخيراً مستوى المنظومة العالمية. لكن سرعان ما ذابت المقاربة السلوكية في المقاربات الأخرى.

في السبعينات تطورت الليبرالية الجديدة التي تشكل معها مفهوماً ما وراء الوطنية tra والارتباط المشترك أو التبعية المتبادلة interdépendance. الليبرالية الجديدة لا ترى في أن تكون الدول هي الممثلة الأساسية للعلاقات الدولية. فهي تدخل معها المنظمات العالمية والشركات المتعددة الجنسية أو المنظمات غير الحكومية. وتعتقد الليبرالية الجديدة أن قانون السياسات القانونية Law politics عبر الفاعلين الذين يكرّسهم، هو أيضاً قانون يوازي في أهميته السياسات العليا high politics أي سياسات الأمن والسلام القائمة بين الدول. زد على ذلك أن المسافة بين السياسة الوطنية والدولية ليست بهذا الوضوح والجلاء. لأن السياسة الداخلية من شأنها أن تؤثر على السياسة الخارجية بشكل أو بآخر. وباختصار فإن العلاقات الدولية تتكون أيضاً بفضل العوامل الماً وراء وطنية أي بفضل فاعلين وطنيين ليسوا مرتبطين رسمياً بالدول. أي أن الليبرالية الجديدة تدمج فيها مفهوم الارتباط المتبادل أي التحليل الاقتصادي للعلاقات الدولية. ولكي نتجنب أي سوء فهم، نذكّر بأن الليبرالية الجديدة تشكل تطوراً بالقياس إلى الواقعية في العلاقات الدولية، لأنها تحمل رؤية شجاعة وموضوعية للعلاقات الدولية الهادفة إلى التعاون وتحرير الفقراء والسلام.

في الثمانينيات جاءت الليبرالية الجديدة رداً على نقد اتجاه ما وراء الوطنية transnationalisme والارتباط المتبادل على يدي أول من يمكن اعتبارهم من الواقعيين الجدد، وهو كينيث والتز Keneth Waltz الذي تحدث في كتابه theory of international politics (1979)، عن مفهوم السياسة الخارجية. وسعى والتز إلى وضع نفسه في المستوى الثالث من تحليل سينغر لكي يتمكن من تفسير الأحداث الدولية. ومن الواضع أن يقف مع منطق المنظومة وليس مع منطق الأشخاص أو الدول حول موضوع الحرب والسلام. يسعى هذا التيار إلى إدخال الواقعية في الاقتصاد، من خلال تقديمه لتوضيح واقعي للظواهر الاقتصادية العالمية. وقد نشأ عن مفهوم العلاقات الدولية هذا أيضاً، نظرية استقرار الهيمنة أي أن الاستقرار يتحقق حينما تتمكن قوة كبيرة من فرض مفاهيمها على الآخرين كما هو حال نموذج الثلاثينيات المجيدة التي أقامت فيها الولايات المتحدة مؤسساتها المالية الدولية ذات النمط الليبرالي (اتفاقيات بريتيون وودز) لكي تدعم رؤيتها الأيديولوجية.

في الوقت الحاضر نشهد التقاءً كبيراً بين الليبرالية الجديدة وبين الواقعية الجديدة بعد أن ضمتا إليهما النقد السلوكي. وبموازاة هذه التيارات الكبرى. هناك تيار الماركسية الجديدة وتيار التبعية Dependencia الذي يقوده بعض اقتصاديي أمريكا اللاتينية CNUCES أو ما يسمى: "مدرسة الاقتصاد ـ العالم"[v]. وتشترك هذه التيارات في كونها مقاربات نقدية وجذرية.

2. الواقعية:
2 ـ 1 ـ الواقعية الكلاسيكية وأصولها.
2 ـ 1 ـ 1 الأصول والرواد.
التاريخ يكتبه دائماً المنتصرون، وهو تاريخ الحاضر، وبما أننا نسعى للعثور على الرواد بعد وفاتهم فإننا سنلغي عناصر الاختلاف أو الانحراف. وسنعود إلى أول مقالة لفيوتي Votti وكوبي kauppi في مجموعة النصوص التي تضمنتها مجلة العلاقات الدولية، 1 بعنوان realism; the state . power. And the balance of power..

2 ـ 1 ـ 2 ـ فكر هانز مورغينتو:
في كتابه A theory of International politics : the struggle for power and peace (نظرية السياسات العالمية: الصراع من أجل القوة والسلام)، يخصص مورغينتو حديثه الأساسي عن مفهوم السلطة.. والسياسة تتحدد قياساً إلى السلطة، وتهدف إلى امتلاكها والاحتفاظ بها وتنميتها. والسلطة هي دائماً الهدف النهائي للسياسة. السلطة هي السيادة على الفكر وعلى فعل البشر الآخرين. ويضع مورغينتو تصنيفاً للدول تبعاً لمختلف أهدافها السياسية. ويتكون هذا التصنيف من أربعة أقسام: الأول: هو تصنيف الدول الساعية إلى إقرار الوضع القائم stutu quo أي عدم التعرض للترتيب القائم. أما الثاني فهو تصنيف الدول الساعية إلى تنمية قوتها، أي تلك الدول التي تمارس سياسة إمبريالية أما الثالث فهو يضم الدول الساعية إلى الشهرة. ينبغي وضع هذا التصنيف بموازاة الأشكال الثلاثة العامة للسلطة: الاحتفاظ بالسلطة، تنمية السلطة، إبراز السلطة. ويستخدم تصنيف مورغينتو مفهوم السلطة بالمعنى النسبي، وهو تصنيف يفتقر إلى الصرامة من حيث تعريف المصطلحات والمشكلات المرجعية التي يطرحها تطبيق هذا التصنيف.

المسألة المركزية التي يطرحها مورغينتو على نفسه، ومعه الواقعية الكلاسيكية، هي معرفة: ماهي السلطة وكيف يمكن قياسها؟ وإن مر مورغينتو على المسألة الأولى مرور الكرام. فهو يتوقف أكثر عند الثانية. وهكذا فهو يعتقد بأن السلطة الوطنية تنقسم إلى عدة عناصر تصنف في فئتين أساسيتين . الفئة الأولى "الثابتة"، وتضم عناصر كالجغرافيا أو الموارد الطبيعية، أي العناصر "التي تتنوع وفقاً للسياق المادي والفني، الفئة الثانية، أي العناصر المسماة ب"المتغيرة" وتضم عناصر كالقدرة الصناعية والتلوث ونوعية الشهادات أو الاستعداد العسكري. والأمر لا يتعلق هنا بعناصر مادية محض كما في السابقة. نلاحظ أن هذه العناصر كلها التي تميز السلطة هي عناصر غائمة لاسيما وأن مورغينتو يضيفها إلى بعضها بعض. وبما أن هذا الأمر يطرح علينا مشكلة خطيرة فإن مورغينتو يحذرنا أيضاً من الأخطاء المشتركة التي يمكن أن نرتكبها حينما نسعى إلى تقييم السلطة: أولاً، ينبغي ألا نتعامل مع السلطة باعتبارها مفهوماً مطلقاً، ويجب أن يكون التحليل نسبياً. وثانياً، يجب ألا نعتبر السلطة كشيء مكتسب، وثالثاً، يجب ألا نركز على مكوِّن واحد من مكونات السلطة بل على كل الأبعاد التي يحملها هذا المفهوم.