- الجمعة إبريل 06, 2012 5:16 pm
#48150
مفهوم الدوله الفاشلة:
• تعود بداية ظهور مصطلح «الدولة الفاشلة» إلى مقال نُشر في مجلة «السياسة الخارجية» في 1993، وأشار إلى حالات هايتي، ويوغوسلافيا السابقة، والصومال والسودان وليبيريا وكمبوديا، باعتبارها دولاً غير قادرة على أن تحافظ على نفسها عضواً في المجتمع الدولي، سماتها الأساسية التوتر المدني، والانهيار الحكومي، والانهيار الاقتصادي. واللافت أن المقال أعاد الأزمة إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي أصبح فيها تقرير المصير للشعوب وفكرة دولة لكل أمة مقدماً على فكرة الاستدامة. بعد عام في 1994 كتب روبرت كابلان كتاباً بعنوان «الفوضى القادمة»، أشار فيه إلى ظواهر مثل قلة الموارد، والازدياد السكاني، وعودة القبلية والإثنيات، وانتشار الأمراض، وأثرها على تفتيت النسيج الاجتماعي في الكرة الأرضية. وفي العام ذاته أسست الاستخبارات الأميركية فرقة الدول الفاشلة وقامت بدراسات مكثفة حول هذه الظاهرة، وتوالت الدراسات من مراكز أبحاث قريبة من الحكومات أو المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي، أو التابعة لجهات استخبارية أو دفاعية ضمن إطار مفهوم الدولة الفاشلة، وبطبيعة الحال لم يتم الاستقرار على تعريف. منذ 2005 بدأ صندوق السلام بالاشتراك مع مجلة «السياسة الخارجية» في نشر تقرير سنوي حول الدول الفاشلة، وقد تم وضع آلية «علمية» تستخدم برامج معقدة ومتطورة تقوم بمسح عشرات الآلاف من المصادر الإخبارية لجمع المعلومات وتحليلها، ثم تأطيرها ضمن 12 مؤشراً فرعياً يتم أخذ متوسطه للوصول إلى حال الدولة، بصرف النظر عن أي شيء آخر، فإن العملية التي يتم فيها إصدار التقرير، ثم السمة السنوية له، ثم حضوره الإعلامي من خلال مجلة «السياسة الخارجية»، ستعطيه صدقية سيفتقر اليها أكثر التقارير علمية وصرامة. ومع أنه توجد تعريفات أو مؤشرات لمؤسسات مختلفة، كل بحسب غرضها، ولكنها لا تنال الحضور نفسه، وبالتالي ستفقد الكثير من الشرعية الإعلامية التي باتت أساسية اليوم لتكوين الرأي العام حول حال الدول في العالم، وسيعود إليه معظم أصحاب القرار الذين يبحثون عن طرق مشهورة ومختصرة للتعبير عن الحالات المعقدة والمركبة للواقع السياسي والاجتماعي في العالم. بداهة أن المؤشر يعتمد على تعريف الدولة وتحديد وظيفتها، لا يمكن الحديث عن دولة فاشلة بغير معرفة ما هي الدولة؟ وما الفشل؟ ولكن هذا يشكل معضلة كبيرة. مفهوم الدولة عائم لم يستقر الرأي على تعريفه، كما أنه مفهوم تاريخي يتطور، وبالتالي ما كان يعد فشلاً البارحة قد لا يكون فشلاً اليوم. إضافة إلى ذلك فإن مفهوم الفشل بحد ذاته نسبي وتاريخي، ما يمكن أن يعد نجاحاً لدولة مثل السويد قد لا يكون بالضرورة كذلك بالنسبة لدولة الصومال، ولكن المؤشر يتجاوز هذه كلها فيفرض رؤية أحادية مستقرة مطلقة لما هي الدولة ولما هو نجاحها.ولكن إذا كان القصد هو التوظيف السياسي للمصطلح فإن هذا لا يهم، ما هو نجاح المصطلح، ودخوله إلى حيز الخطاب السياسي العام، وامتلاك جهة واحدة لشرعية الحديث باسمه. المؤشر يتحدث عن الفشل بمعنى عام للغاية، هو ضمان قدرة الدولة على توفير مقومات استمرارها وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها. وإذا عدنا إلى شكوك البعض كنعوم تشومسكي وغيره أمكن القول إن الاهتمام الناشئ الغربي بنجاح الدول الأخرى يعود إلى التداخل الطارئ بين وضع الدولة الداخلي وبين التهديد الأمني لمصالح الولايات المتحدة. فبعد انهيار نظام الحرب الباردة فإن التهديد لم يعد مركزاً في دولة واحدة، وإنما في دول متعددة، سواء كان تهديداً إرهابياً أو اقتصادياً أو أمنياً. ومشكلة القراصنة الصومال تدل على أثر انهيار دولة على المصالح الأمنية لدول أخرى.إذا تجاوزنا مشكلة التوظيف السياسي للمؤشر، والتعريفات المتعددة للدولة ونجاحها فإن فكرة وجود مؤشر بحد ذاتها مضللة، ليس في هذه الحال فحسب وإنما المؤشرات الاجتماعية والسياسية والتنموية كافة التي تحاول أن تضع دولاً أو مجتمعات ذات ظروف تاريخية مختلفة وذات تحديات مختلفة ضمن قوالب مشتركة، وأذكر على رأسها مؤشرات التنمية الإنسانية التي صارت دليلاً أساسياً لكثير من متخذي القرار والإعلاميين. بخصوص هذا المؤشر تحديداً فإنه يقيس حال الدولة من خلال 12 مؤشراً فرعياً، المهجرين، وجود جماعات انتقامية، نزيف بشري، تنمية غير متكافئة، سقوط اقتصادي، فقدان الشرعية، فشل الخدمات العامة، فقدان سيادة القانون وانتهاك حقوق الإنسان، جهاز أمني يعمل كدولة، صعود نخب متحزبة، تدخل خارجي. هذه المؤشرات الفرعية أبرزت الأعراض وغيّبت الأسباب، مثلاً غيّبت قيادات سياسية فاشلة، أو طغم سياسية حاكمة، فمع أنه يمكن القول إنهما مشمولتان ضمن مؤشر غياب سيادة القانون، أو حكم الأحزاب أو الأقليات إلا أننا نعلم أن شخصية الحاكم ووجود حكم الطغمة يلعبان دوراً أساسياً في ما تؤول إليه أمور العالم الثالث، ووجودهما يحكي فشلاً للدولة مهما كانت الأمور الأخرى مستقرة، بل ربما يمثلانأهم عاملين في التخلف وسوء الأحوال. أيضاً تم تغييب عنصر النسيج الاجتماعي وهو عامل أساسي يضمن استقرار المجتمع حتى في حال غياب أو ضعف الدولة. وكثير من الأزمات التي تواجهها الدول إنما تبرز لما يضعف النسيج الاجتماعي ويصبح غير قادر على حماية نفسه، أيضاً هذه المؤشرات حاولت قياس أمور عائمة للغاية مثل شرعية الدولة الذي لا يمكن قياسه بدقة، كما أنه مفهوم نسبي للغاية، بحيث يستحيل جمع دولتين مثل السويد والصومال ضمن قياس مشترك له، ومثله الديموقراطية فهي تثير جدلاً لا حول تعريفها فحسب، وإنما حول تأثير غيابها على فشل الدولة...
مثال أخير هو أن المؤشر جمع بين سيادة القانون وانتهاك حقوق الإنسان ضمن مؤشر فرعي، وهذا يقلل من قيمة كل منهما مع أنهما من أبرز أعراض الفشل ولهما أسباب مختلفة، وأيضاً نتائج مختلفة وهذا كله يوجب فصلهما، هذه أمثلة فحسب، ولكن أختتم بالقول إن المؤشر ليس له أي قيمة معرفية، فتحديد الدول الفاشلة لا يتطلب مؤشراً ولكن سيكون له تأثير مهم على تشكيل خطاب الدولة وشرعيتها، وأنا على يقين من أن الخطاب الذي سيتشكل سيخدم مصالح غيرنا لا مصالحنا
• تعود بداية ظهور مصطلح «الدولة الفاشلة» إلى مقال نُشر في مجلة «السياسة الخارجية» في 1993، وأشار إلى حالات هايتي، ويوغوسلافيا السابقة، والصومال والسودان وليبيريا وكمبوديا، باعتبارها دولاً غير قادرة على أن تحافظ على نفسها عضواً في المجتمع الدولي، سماتها الأساسية التوتر المدني، والانهيار الحكومي، والانهيار الاقتصادي. واللافت أن المقال أعاد الأزمة إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي أصبح فيها تقرير المصير للشعوب وفكرة دولة لكل أمة مقدماً على فكرة الاستدامة. بعد عام في 1994 كتب روبرت كابلان كتاباً بعنوان «الفوضى القادمة»، أشار فيه إلى ظواهر مثل قلة الموارد، والازدياد السكاني، وعودة القبلية والإثنيات، وانتشار الأمراض، وأثرها على تفتيت النسيج الاجتماعي في الكرة الأرضية. وفي العام ذاته أسست الاستخبارات الأميركية فرقة الدول الفاشلة وقامت بدراسات مكثفة حول هذه الظاهرة، وتوالت الدراسات من مراكز أبحاث قريبة من الحكومات أو المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي، أو التابعة لجهات استخبارية أو دفاعية ضمن إطار مفهوم الدولة الفاشلة، وبطبيعة الحال لم يتم الاستقرار على تعريف. منذ 2005 بدأ صندوق السلام بالاشتراك مع مجلة «السياسة الخارجية» في نشر تقرير سنوي حول الدول الفاشلة، وقد تم وضع آلية «علمية» تستخدم برامج معقدة ومتطورة تقوم بمسح عشرات الآلاف من المصادر الإخبارية لجمع المعلومات وتحليلها، ثم تأطيرها ضمن 12 مؤشراً فرعياً يتم أخذ متوسطه للوصول إلى حال الدولة، بصرف النظر عن أي شيء آخر، فإن العملية التي يتم فيها إصدار التقرير، ثم السمة السنوية له، ثم حضوره الإعلامي من خلال مجلة «السياسة الخارجية»، ستعطيه صدقية سيفتقر اليها أكثر التقارير علمية وصرامة. ومع أنه توجد تعريفات أو مؤشرات لمؤسسات مختلفة، كل بحسب غرضها، ولكنها لا تنال الحضور نفسه، وبالتالي ستفقد الكثير من الشرعية الإعلامية التي باتت أساسية اليوم لتكوين الرأي العام حول حال الدول في العالم، وسيعود إليه معظم أصحاب القرار الذين يبحثون عن طرق مشهورة ومختصرة للتعبير عن الحالات المعقدة والمركبة للواقع السياسي والاجتماعي في العالم. بداهة أن المؤشر يعتمد على تعريف الدولة وتحديد وظيفتها، لا يمكن الحديث عن دولة فاشلة بغير معرفة ما هي الدولة؟ وما الفشل؟ ولكن هذا يشكل معضلة كبيرة. مفهوم الدولة عائم لم يستقر الرأي على تعريفه، كما أنه مفهوم تاريخي يتطور، وبالتالي ما كان يعد فشلاً البارحة قد لا يكون فشلاً اليوم. إضافة إلى ذلك فإن مفهوم الفشل بحد ذاته نسبي وتاريخي، ما يمكن أن يعد نجاحاً لدولة مثل السويد قد لا يكون بالضرورة كذلك بالنسبة لدولة الصومال، ولكن المؤشر يتجاوز هذه كلها فيفرض رؤية أحادية مستقرة مطلقة لما هي الدولة ولما هو نجاحها.ولكن إذا كان القصد هو التوظيف السياسي للمصطلح فإن هذا لا يهم، ما هو نجاح المصطلح، ودخوله إلى حيز الخطاب السياسي العام، وامتلاك جهة واحدة لشرعية الحديث باسمه. المؤشر يتحدث عن الفشل بمعنى عام للغاية، هو ضمان قدرة الدولة على توفير مقومات استمرارها وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها. وإذا عدنا إلى شكوك البعض كنعوم تشومسكي وغيره أمكن القول إن الاهتمام الناشئ الغربي بنجاح الدول الأخرى يعود إلى التداخل الطارئ بين وضع الدولة الداخلي وبين التهديد الأمني لمصالح الولايات المتحدة. فبعد انهيار نظام الحرب الباردة فإن التهديد لم يعد مركزاً في دولة واحدة، وإنما في دول متعددة، سواء كان تهديداً إرهابياً أو اقتصادياً أو أمنياً. ومشكلة القراصنة الصومال تدل على أثر انهيار دولة على المصالح الأمنية لدول أخرى.إذا تجاوزنا مشكلة التوظيف السياسي للمؤشر، والتعريفات المتعددة للدولة ونجاحها فإن فكرة وجود مؤشر بحد ذاتها مضللة، ليس في هذه الحال فحسب وإنما المؤشرات الاجتماعية والسياسية والتنموية كافة التي تحاول أن تضع دولاً أو مجتمعات ذات ظروف تاريخية مختلفة وذات تحديات مختلفة ضمن قوالب مشتركة، وأذكر على رأسها مؤشرات التنمية الإنسانية التي صارت دليلاً أساسياً لكثير من متخذي القرار والإعلاميين. بخصوص هذا المؤشر تحديداً فإنه يقيس حال الدولة من خلال 12 مؤشراً فرعياً، المهجرين، وجود جماعات انتقامية، نزيف بشري، تنمية غير متكافئة، سقوط اقتصادي، فقدان الشرعية، فشل الخدمات العامة، فقدان سيادة القانون وانتهاك حقوق الإنسان، جهاز أمني يعمل كدولة، صعود نخب متحزبة، تدخل خارجي. هذه المؤشرات الفرعية أبرزت الأعراض وغيّبت الأسباب، مثلاً غيّبت قيادات سياسية فاشلة، أو طغم سياسية حاكمة، فمع أنه يمكن القول إنهما مشمولتان ضمن مؤشر غياب سيادة القانون، أو حكم الأحزاب أو الأقليات إلا أننا نعلم أن شخصية الحاكم ووجود حكم الطغمة يلعبان دوراً أساسياً في ما تؤول إليه أمور العالم الثالث، ووجودهما يحكي فشلاً للدولة مهما كانت الأمور الأخرى مستقرة، بل ربما يمثلانأهم عاملين في التخلف وسوء الأحوال. أيضاً تم تغييب عنصر النسيج الاجتماعي وهو عامل أساسي يضمن استقرار المجتمع حتى في حال غياب أو ضعف الدولة. وكثير من الأزمات التي تواجهها الدول إنما تبرز لما يضعف النسيج الاجتماعي ويصبح غير قادر على حماية نفسه، أيضاً هذه المؤشرات حاولت قياس أمور عائمة للغاية مثل شرعية الدولة الذي لا يمكن قياسه بدقة، كما أنه مفهوم نسبي للغاية، بحيث يستحيل جمع دولتين مثل السويد والصومال ضمن قياس مشترك له، ومثله الديموقراطية فهي تثير جدلاً لا حول تعريفها فحسب، وإنما حول تأثير غيابها على فشل الدولة...
مثال أخير هو أن المؤشر جمع بين سيادة القانون وانتهاك حقوق الإنسان ضمن مؤشر فرعي، وهذا يقلل من قيمة كل منهما مع أنهما من أبرز أعراض الفشل ولهما أسباب مختلفة، وأيضاً نتائج مختلفة وهذا كله يوجب فصلهما، هذه أمثلة فحسب، ولكن أختتم بالقول إن المؤشر ليس له أي قيمة معرفية، فتحديد الدول الفاشلة لا يتطلب مؤشراً ولكن سيكون له تأثير مهم على تشكيل خطاب الدولة وشرعيتها، وأنا على يقين من أن الخطاب الذي سيتشكل سيخدم مصالح غيرنا لا مصالحنا