منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
By عبدالله باكوبن 5
#48522
يؤكد كاجان أن الاعتقاد بتراجع أمريكا كقوة عظمى إنما يعتمد على انطباعات وتحليلات غير متماسكة، تتحدث أغلبها عن التحول بين وضع أمريكا الحالي، والوضع الذي اعتادت أن تكون عليه في الماضي. ويري أن مشكلة هذا الاتجاه تكمن في أنه يعتمد على تحليل وضع القوة الأمريكية في مدة زمنية معينة، ويرتكز على الأزمة العالمية التي تعصف بها.

وبإعمال المنظور التاريخي ومعايير القوى العظمى التي يمكن الاتفاق عليها، سنجد أن "تدهور القوى العظمى هو نتيجة تغيرات جذرية في التوزيع العالمي لأشكال القوة، والذي عادة ما يأخذ فترات زمنية ممتدة ليتشكل، ونادرًا ما تسقط القوى العظمى فجأة". ويضرب كاجان بتدهور الامبراطورية البريطانية مثلاً على أهمية العامل الزمني في التحليل. وقد سبق لأمريكا أن تعرضت لأزمات اقتصادية طاحنة وطويلة، كما حدث في عقود (1890-1930-1970)، وقد استطاعت على إثر كل منها أن تعود أقوى مما كانت عليه قياسًا بالقوى الأخرى. وقد كانت عقود (1910-1940-1980) أكبر عقود القوة والنفوذ الأمريكي العالمي.

يتناول كاجان وضع أسس القوة الأمريكية حاليًّا. فرغم حالة الركود الحالية، فإن المركز الاقتصادي للولايات المتحدة لم يتغير، فلا يزال نصيبها من مجمل الإنتاج العالمي كما هو في العقود الأربعة الأخيرة منذ عام 1969، ولا تزال تنتج تقريبًا ربع الإنتاج العالمي، ولا تزال هي الاقتصاد الأغنى والأقوى في العالم.

ولكن البعض يتحدث عن الصعود الاقتصادي للهند والصين وبعض القوى الآسيوية الأخرى التي يتزايد نصيبها في الاقتصاد العالمي، غير أن صعود هذه القوى إنما يأتي على حساب أوروبا واليابان اللتين تراجع نصيبهما في الاقتصاد العالمي.والمتفائلون بصعود الصين يتنبأون بأنها ستحل محل الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد عالمي، وهو ما يعني أن الأخيرة ستواجه تحديات لوضعها الاقتصادي في المستقبل، ولكن حجم الاقتصاد المحض ليس مؤشرًا جيدًا على ميزان القوة النسبية في النظام الدولي. فالصين نفسها كانت أكبر اقتصاد عالمي في بداية القرن التاسع عشر، لكنها وقعت فريسة للأمم الأوروبية الأصغر منها. وحتى لو قفزت الصين لقمة الاقتصاد العالمي مرة أخرى، فسيواجه قادتها حتمًا مشكلات في النمو، ومن ثم سيكون من الصعب عليها أن تلحق بأمريكا وأوروبا من حيث نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي.

ولا يزال ميزان القوة العسكرية يميل لصالح أمريكا، فلا يوجد إلى الآن قوة تعادل قدرات الولايات المتحدة، ولا يوجد أي تدهور في القدرات العسكرية الأمريكية، ولا يزال حجم الإنفاق على الدفاع في الولايات المتحدة الذي يبلغ 600 مليار دولار في العام هو الأعلى في العالم، ولا تزال القوات الأمريكية البرية والبحرية والجوية هي الأكثر تقدمًا في تسلحها.

ومن ناحية أخرى، لا يعني صعود بعض القوى اقتصاديًّا أنها ستنافس الولايات المتحدة على نفوذها في المسرح الدولي، فلا توجد علاقة حتمية بين القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي. فالهند الفقيرة تحت قيادة نهرو كانت أكثر تأثيرًا من الهند الحالية.

كما أن الأمر يتوقف على القوة النامية، وهل هي معادية أم لا. ففي أثناء الحرب الباردة، أدى الصعود الاقتصادي لألمانيا واليابان إلى تراجع نصيب الولايات المتحدة من الناتج العالمي الإجمالي إلى النصف، غير أن ازدهار اقتصاد الدولتين كان في مصلحة الولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفيتي. وبالمثل، فنمو البرازيل وتركيا لا يتقاطع مع المصالح الأمريكية، ونمو الهند يعد في مصلحتها، لأنه في مواجهة المنافس المستقبلي لها وهو الصين. أما نمو الاقتصاد الصيني، فيمثل خطورة، إذا تمت ترجمته بالقدر الكافي إلى قوة عسكرية