منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عايد العنزي 0 5
#48776
يصل عدد المسلمين في الصين حاليا إلى أكثر من 100 مليون نسمة أي حوالي 7% من السكان  ، ووصل الإسلام إلى الصين عن طريق محورين أولهما عن طريق البر وفيه انتشر الإسلام بالصين من الغرب عن طريق فتح تركستان الشرقية ” إقليم شينجيانج حاليا ” في العصر الأموي ، حيث أنه قبل أن ينتهي القرن الهجري الأول وصلت غزوات (قتيبة بن مسلم الباهلي ) الحدود الغربية للصين ، وعلى الرغم من أن الفتوحات الإسلامية لم تتوغل في أرض الصين ، إلا أن طريق القوافل فيما بعد بين غرب آسيا والصين كان لها أثرها في انتشار الإسلام عن طريق التجار في غربي الصين ولقد عرف هذا بطريق الحرير .

أما المحور الثاني لانتشار الإسلام في الصين فكان عن طريق البحر وتمثل في نقل الإسلام إلى شرقي الصين ، حيث أنه في نهاية عصر الخلفاء الراشدين ، في عهد الخليفة عثمان بن عفان ، وصل مبعوث مسلم إلى الصين في سنة 21هـ ، ثم توالت البعثاث الإسلامية على الصين حتي بلغت 28 بعثة في الفترة بين سنتي (31هـ -651 م ) و (184 هـ – 800 م ) ، وتوالت على الصين عبر هذا المحور البحري البعثاث الدبلوماسية والتجارية وأخذ الإسلام ينتشر عبر الصين من مراكز ساحلية نحو الداخل .

ويتوزع المسلمون في الصين على عشر قوميات هى الإيغور والقازاق وهوى والقرغيز والطاجيك والأوزبك والتتار ودونغشيانغ وسالار وباوآن ، ومعظم مسلمي الصين من أهل السنة ويتبعون المذهب الحنفي ، بينما يتبع المسلمون من قومية الطاجيك المذهب الشيعي .

وتعتبر قومية “هوي” أكبر القوميات الإسلامية ، ومجرد ذكر الكلمة يعني في الصين الانتماء للإسلام ، وبالنسبة لإقليم شينجيانج فهو منطقة تتمتع بالحكم الذاتي لقومية الإيغور ويشكل سدس مساحة الصين وكان طريق الحرير البري يقطع شينجيانج من أقصاه إلى أقصاه، مما جعله همزة وصل هامة بين الشرق والغرب ، وقبل أكثر من ألفي سنة ، كان الصينيون يسمونه شييوي (المنطقة الغربية)، وفي زمن أسرتي مينغ وتشينغ(1368 – 1911م)، تحول الإسم إلى هويجيانج وقبل مائة سنة تقريبا أخذ اسم “شينجيانج”.

وتؤكد وقائع التاريخ أن الإسلام دخل شينجيانج مع وصول التجار المسلمين إليها، عندما راجت التجارة بين الصين وبلاد العرب في فترة أسرتي سوي وتانغ (581 – 907م) .

وفي قلب مدينة أورومتشي، عاصمة شينجيانج، توجد عشرات المساجد وفي كل قرية بجنوبي شينجيانغ يوجد مسجد واحد على الأقل مع وجود جامع كبير لصلاة الجمعة لكل عدة قرى ، ويبلغ عدد المساجد في شينجيانغ أكثر من عشرين ألف مسجد، بمتوسط مسجد واحد لكل أربعمائة مسلم تقريبا، من بينها أكثر من ثمانية آلاف جامع كبير مناسب لأداء صلاة الجمعة.

وبالنسبة لوضع المسلمين بصفة عامة في الصين فإنه اختلف من فترة تاريخية لأخرى ، فخلال حكم المغول من 676هـ -1286م ، 769 هـ -1377 م ، نهض المسلمون نهضة سريعة ، وزاد نفودهم وشغلوا مناصب عديدة في الدولة وتقلد أحد زعماء المسلمين شمس الدين عمر عدة مناصب منها حاكم  ولاية يونان في سنة (673 هـ – 1274 م ) وعمل أثناء حكمه على تثبيث أقدام المسلمين بهذه الولاية وكذلك عمل أولاده الذين تولوا مناصب مهمة بالدولة ، وبلغ عدد الحكام المسلمين 30 ، وتولي المسلمون حكم 8 ولايات ، وكانت الصين مقسمة حينئذ إلى 12 ولاية .

وفي عهد المنشوريين  ، تغيرت أوضاع المسلمين ، فكان عهد ظلم واستبداد وذلك لجهل الموظفين المنشوريين بعادات المسلمين وظهرت عدة انتفاضات في شمال الصين وتركستان الشرقية وفي ولاية يونان راح ضحيتها الآلاف من المسلمين ، ورغم ذلك فإنه في هذه الفترة (1279 هـ -1862 م ) ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية.

وبالنسبة للعهد الجمهوري (1329 هـ -1911 م) ، أعلن نظام الحكم آنذاك أن الأمة الصينية تتكون من خمسة عناصر يشكل المسلمون إحداها ، وكان علم الجمهورية يتكون من خمسة ألوان ، للمسلمين اللون الأبيض ، ونال المسلمين حقوقهم بعد أن عانوا الظلم ثلاثة قرون وناصر عدد كبير من أبناء المسلمين بالصين فكرة تأسيس الجمهورية بقيادة الدكتور صن يان سن وانتموا للحزب الوطني الحاكم (الكومين تان)، وحكم أبناء المسلمين أجزاء عدة من الصين ذات أغلبية مسلمة حكما ذاتيا وذلك بعد سقوط الامبراطورية في بداية القرن العشرين ولكنهم كانوا يتبعون الحكم المركزي ببكين فيدراليا.

وعندما تكالبت القوى الأجنبية مثل اليابان وانجلترا والولايات المتحدة على الصين ومن ثم دخول روسيا البلشيفية على الخط تقطعت أوصال الجمهورية وأصابها الضعف وتفشى الفقر بحكم الصرف على الحروب التي خاضوها ضد اليابان وإخراجها ، الأمر الذي جعل البسطاء يؤمنون بالفكر الشيوعي للتخلص من الفقر والقضاء على الطبقية بالمجتمع الرأسمالي وبدأت الحرب الأهلية تطحن بين حلفاء الكفاح ضد اليابانيين وهم الجمهوريون والشيوعيون، وأبلى أبناء المسلمين بلاء حسنا وأبدوا مقاومة عنيفة ضد الثورة الشيوعية وقيادتها بزعامة الشيوعي ماوتسي دونج وبعد سقوط الجمهورية وتمكن الحزب الشيوعي من تملك مقاليد الأمور بالصين ( 1369 هـ – 1949 م ) وانسحاب القائد العسكري للحزب الوطني لخارج الأرض الصينية وبالتحديد لجزيرة تايوان، تم إعدام وسجن وتعذيب الغالبية العظمى من قيادات المسلمين وحكامهم وعلماؤهم وهدمت مساجدهم وأهينوا في دينهم كانتقام لعدم وقوفهم مع الحزب الشيوعي أثناء الحرب الأهلية ، الأمر الذي جعلهم مطاردين من قبل الجيش الشيوعي ، مما استدعى هروب أعداد كبيرة منهم لخارج الصين كتركيا ، كما لجأ للدول العربية معظم المسلمين من أصول عربية.

إلا أنه مع عام (1389 هـ – 1978 م ) بدأت الدولة الصينية مرحلة جديدة من التعامل مع المسلمين ، حيث أصدرت قانونا ينص على عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية وأعادت فتح المعهد الإسلامي كما أعادت إصدار مجلة ( المسلمين ) ، بالإضافة لاستئناف بعثات الحج ، وإعادة فتح المساجد المغلقة وهي أكثر من 1900 مسجد في تركستان الشرقية وحدها ، و( 40327 ) مسجداً في كافة أنحاء الصين ، هذا بجانب إعادة العطلات الإسلامية ، وساهمت الحكومة أيضا بنفقات إصلاح بعض المساجد وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية وفي سنة (1400 هـ – 1980 م ) أرسلت الجمعية الإسلامية الصينية مندوبين عنها لحضور المؤتمر الإسلامي في باكستان كما عقد مؤتمراً إسلامياً في تركستان الشرقية وأعلن عن مشروع لطبع القرآن الكريم والكتب الدينية ، إلا أنه سرعان ما عاد التضييق على المسلمين وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط الشيوعية ، كما زاد التضييق بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وربط الغرب بين الإرهاب والإسلام ، إلا أن الحقيقة التي لن تستطيع الصين أن تهرب منها هى أن الإسلام جزء لايتجزأ من تاريخها ولذا فإنه لا مناص أمامها من المساواة في معاملة مواطنيها من كافة القوميات والعرقيات.