- الاثنين إبريل 23, 2012 8:13 pm
#48843
أصبحت حقوق الإنسان وحرياته الفردية والجماعية شأنا عالميا، بعد أن ظلت في القرن الماضي شأنا وطنيا محصورا إدراكه في قلة من المفكرين الإصلاحيين، وانتقلت العناية بهذه الحقوق من ميدان المبادئ الأخلاقية والنظريات الفلسفية والأيديولوجيات السياسية – الاجتماعية إلى ميدان الممارسة الواقعية من جانب الأفراد والجماعات البشرية.
ويمتاز العصر الحديث بما بذله المفكرون ورجال القانون والسياسة من جهد عريض لجمع حقوق الإنسان في نصوص مفصلة وفي تصريحات معلنة ومواثيق مسجلة عرضت على مصادقة الحكومات لكي تكون مرجعا معتمدا في معاملة المواطنين أفرادا وجماعات، حفظا لكرامة البشرية وصونا للحرمات، وتأكيدا للحقوق.
المواثيق الإقليمية
رأت بعض الدول أن تبرم فيما بينها مواثيق إقليمية، بناء على ما لها من خصوصيات مشتركة ناشئة عن الجوار الجغرافي وعن التشابه النسبي والتقارب الثقافي وعن التلاقي بين المصالح السياسية والاقتصادية.
وأقبلت النخب العربية والإسلامية وبعض المنظمات الإقليمية بدورها على قضية حقوق الإنسان تخصها بالدرس وتضع المشاريع المفصلة لتدوينها وضبطها، فظهر أكثر من خمسة عشر من هذه المشاريع، ابتداء من السنوات الأولى عقب الحرب الكونية الثانية.
ترجع المبادرة في أغلبها إلى هيئات علمية من الجامعيين والدارسين ورجال الحقوق، وترجع أيضا إلى بعض المنظمات الإقليمية مثل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية وإلى بعض الرابطات الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان مثل الرابطتين التونسية والمغربية.
وارتبطت ممارسة الحريات والحقوق باستعداد الأنظمة الحاكمة للالتزام بالمواثيق الدولية وبالدساتير المنشورة في بلادها، كما ارتبطت على المستوى الدولي بالآليات التي تحكمها المجتمعات الوطنية لإلزام الحكومات المتقاعسة. ذلك أن عامة الحقوق والحريات اقترنت في التاريخ الغربي بمناهضتها للسلطات القائمة وبمنازعتها لنفوذ هذه السلطات أيا كان مأتاها.
وأمام الإخلال بالمواثيق الدولية وأمام تفاقم انتهاك حقوق الإنسان فكر فقهاء القانون الدولي في وضع آليات قانونية تمتلك أهلية الإلزام لحمل السلطات الوطنية على احترام تعهداتها الدولية بإنشاء محاكم مختصة ومحاكم دولية وإقليمية كطرف محايد لضمان حرياتها.
"
انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة جعل هذا المعسكر يتجه إلى فرض فهمه الخاص لحقوق الإنسان والديمقراطية على المجتمع الدولي باعتباره المفهوم الأصلح والأقدر على البناء
"
حقوق الإنسان والعولمة
تعرض محمد فهيم يوسف إلى مفهوم العولمة بالتفرقة بين العولمة والعالمية، إذ تمثل "العالمية" وفقا لتصوره طموحا نحو الارتقاء بالخصوصية إلى مستوى عالمي، ومن ثم فهي تفتح العالم على ما هو عالمي وكوني، وبين العولمة التي تمثل الهيمنة وبالتالي فهي تعني القمع والإقصاء لكل ما هو خصوصي، واعتبر العالمية طموحا مشروعا لأنها تعني الانفتاح على الآخر والرغبة في الأخذ والعطاء.
وبعد انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية اتجه هذا المعسكر نحو محاولة فرض فهمه الخاص لحقوق الإنسان والديمقراطية على المجتمع الدولي باعتباره المفهوم الأصلح و الأقدر على البناء.
وفي هذا الصدد يشير بعض الباحثين إلى منحى الولايات المتحدة، الطرف الرئيسي والرائد في خط العولمة، إذ إنها منذ انتهاء الحرب الباردة وهي تتجه نحو النظر إلى حقوق الإنسان كمصلحة قومية أميركية تتمثل في المقام الأول في نشر المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان في الفكر الرأسمالي.
وهي تعتبر أن التحرر الفكري يواكبه تحرر اقتصادي، وهو ما يعني اقتصادا مفتوحا (أمام الشركات الأميركية)، وزيادة الاعتماد الدولي المتبادل على النحو الذي لا يمكن دولة في المستقبل من الانعزال، وبالتالي حرمان باقي الدول من مواردها وثرواتها الطبيعية.
الخصوصية والعالمية
يقول محمد فائق إنه كان دائما هناك إحساس بالخطر على الهوية والخصوصية في الاندفاع نحو الغرب نتيجة الانبهار بما يحدث عندهم، وإدراكا لمدى التخلف القائم في بلادنا، والرغبة في اللحاق بركب التقدم العالمي دون فقدان هذه الهوية والخصوصية العـربية والإسلاميـة.
وتجددت هذه المخاوف في عصر العولمة الذي هو عصر يتعاظم فيه الاتجاه نحو التعامل مع العالم دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية أو الانتماء إلى وطن محدد أو دولة بعينها، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية، مما يظهر بوضوح في الشركات المتعددة الجنسيات، وفي السرعة الهائلة التي ينتقل بها رأس المال، وفي الفضائيات، التي جعلت عالمنا أشبه بالقرية الإلكترونية.
وزاد من هذه المخاوف انفراد قوة عظمى واحدة بالعالم تملك بمشاركة الدول الصناعية الكبرى كل أدوات العولمة، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ونادي باريس.
وتمتلك مصادر المساعدة المادية وغيرها من الأدوات التي استطاعت من خلالها تعميم اقتصاد السوق على العالم بسرعة مذهلة، ثم جاءت اتفاقية التجارة الدولية لتقنن هذه الأوضاع كلها، فظهرت نظريات بانتصار الحضارة الغربية، ووجوب تعميمها لتشمل العالم أجمع، مثل مقولة نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما، وتصادم الحضارات لصموئيل هانتنغتون.
"
لتأمين احترام حقوق الإنسان على المفكرين أن يقوموا بواجباتهم وأن تأخذ الدول العربية والإسلامية بمبادئ حقوق الإنسان ذات الإجماع الإنساني والعالمي والديني
"
الأبعاد الإسلامية
حول الإسلام وحقوق الإنسان يرى محمد عبد الملك المتوكل أنه بالعودة إلى القرآن الكريم الذي هو المصدر الأساسي لشريعة الإسلام نجد أن الله كرم آدم، ومن أهم الحقوق التي أقرها الإسلام: حرية العقيدة والمساواة والحرية.
لقد كان الإسلام أول نظام كلي في الحياة اعترف بالإنسان كما هو في حقيقته، وهنا تدور أسئلة مثل: كيف يتم التوصل إلى بلورة إرادة الأمة؟ وما هي الحقوق والحريات اللازمة لكل فرد في الأمة ليشترك في تكوين هذه الإرادة؟
وما هي القنوات والأنظمة اللازمة في ذلك؟ وما هي الحماية اللازمة للإنسان في هذه الأمة إذا هو اشترك في تكوين هذه الإرادة؟ ثم ما هو الاجتهاد في حياة هذه الأمة؟ فهل ينحصر كما انحصر تاريخيا في الفقه؟
نحن غير ملزمين بطلب الأجوبة عن هذه الأسئلة من تراثنا السياسي، ولا نعرف مانعا من طلبها من تجارب الأمم الأخرى في طرق تجسيد فلسفة معينة في الإنسان إلى واقع سياسي وتربوي واقتصادي وغيره.
فما دامت فلسفة الإسلام في الإنسان واضحة، وما دامت الغايات من وجود الأمة واضحة، يصير بناء هذه الأنظمة وتطويرها فنا من الفنون التي صار للبشرية فيه تراث طويل وغني.
ولفهم موضوع الإسلام وحقوق الإنسان تتعين دراسة وتحليل موقف الحركات الإسلامية التي ربما تتحفظ رغم إيمانها بحقوق الإنسان على بعض بنود مواثيق حقوق الإنسان العالمية باعتبارها مستمدة من ثوابت وخصوصيات الحضارة الغربية، وتتجاهل الرؤية الإسلامية.
وبعامة فإن مواقف المسلمين تتنوع وتختلف حول خصوصية وعالمية حقوق الإنسان، ولكنها تصب جميعا في خانة رفض العالمية ومحاولة فرض الخصوصية.
وهذا الموقف ليس محددا تجاه حقوق الإنسان بقدر ما هو موقف من الغرب عموما، هذا الغرب الذي دأب الإسلاميون على مهاجمته ورفض ثقافته، مما خلق جرحا أنثروبولوجيا بحسب تعبير جورج طرابيشي في كتابه "أفكار"، حيث بين أن نرجسيتنا تجعلنا نرفض مفهوما أو حتى مصطلحا غربيا، وإن كان ذلك المفهوم أو المصطلح يحمل سمة الكونية والعالمية ولا يعبر عن خصوصية ثقافة معينة.
والحديث عن حقوق الإنسان في الوطن العربي يثير شجونا ويرسم صورة قاتمة كئيبة، فهي تمتد من غياب الحريات العامة إلى تفاقم الانتهاكات اليومية، وفرض المراقبة السياسية والفكرية على الأفراد، والخلط المتزايد والفاضح بين الدولة والحزب الواحد وتعميم إجراءات التعسف السياسي والقانوني والتمييز المكشـوف بين المواطنين والقمع والعقاب الجماعيين.
كل هذه الظواهر التي لا يمكن أن تخفى على أي مراقب تشكل الحقيقة اليومية للسلطة في المجتمعات العربية وتعكس القطيعة التي لا تكف عن التفاقم بين الدولة والمجتمعات.
إن الغرب يتحمل مسؤولية كبرى في انتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي بسبب سيادته التحكمية المنبثقة عن نظرته التمييزية لحقوق الإنسان.
وبما أن المصالح الشخصية هي التي تحكم الأفراد والجماعات في سلوكهم وتصرفاتهم، فإنه لا يمكننا مطالبة الغرب باتخاذ مواقف مغايرة، ولهذا فإن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق ساسة العالم العربي والإسلامي ومفكريه.
وعلى كل حال، لم يكن باستطاعة الغرب التصرف كما يتصرف لو لم يكن هناك داخل العالم العربي والإسلامي، ساسة عملاء، ومفكرون متواطئون وشعوب خانعة.
وللخروج من هذا المأزق وتأمين احترام حقوق الإنسان فإن على المفكرين أن يقوموا بواجباتهم، وأن تأخذ الدول العربية والإسلامية بمبادئ حقوق الإنسان ذات الإجماع الإنساني والعالمي والديني، كالمساواة أمام القانون، وفض الخلافات بالتفاهم والسلم، ورفض إقامة قواعد وأحلاف عسكرية، وإسناد إدارة ثروات البلدان العربية والإسلامية إلى شعوبها.
"
الحرية للمواطن والسيادة للشعب، ورغم أن هذين الأمرين من الوجهة النظرية من الحقوق الطبيعية التي لا يجادل فيها أحد، أصبحا مطمحا عزيزا في الدول العربية
"
الأبعاد العربية
كيف تعاملت الدساتير العربية مع قضايا حقوق الإنسان؟ وما دور التنظيمات السياسية العربية وخصوصا الأحزاب في تحقيق أسس الديمقراطية وترسيخها؟ ما أسباب ضعف وتهافت المسيرة الديمقراطية العربية؟ وما هي وسائل معالجتها في المستقبل؟
في الوطن العربي هناك ذرائع لانتهاك حقوق الإنسان مثل: ذريعة النضج السياسي (الحفاظ على الديمقراطية) والوحدة الوطنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهناك حالات عامة تعوق الإدراك والوعي (الأمية، الأحزاب والتعصب، التعتيم الإعلامي، الإحباط وفتور الحوافز).
يمكننا أن نحدد الأسباب -كما يرى الكاتب في ثلاث مجموعات رئيسية: جغرافية-سياسية، اجتماعية-سياسية، اقتصادية-عقائدية، وهي تتمثل في هشاشة الدولة، واحتكار الثروة وإرادة الاحتكار، وانقسام النخبة وغياب الإجماع.
وتواجه ممارسة حقوق الإنسان في الوطن العربي إشكاليتان تتمثلان في الشرعية، شرعية الدولة (الكيان السياسي القطري) وشرعية السلطة، وإشكالية المشاركة السياسية.
إن إدراج الحقوق السياسية في الدساتير العربية عملية ضرورية لحياة الإنسان الاجتماعية، وبها يستكمل الإنسان حريتـه وكرامته من جهة، ومن جهة ثانية يضمن ممارسة حقوقه الأساسية الأخرى.
وهي وفق دراسة الصادق شعبان تتمثل في الحق في تقرير المصير، وحرية الفكر والوجدان والمعتقد، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماع السلمي، وحرية تكوين الجمعيات بما في ذلك الحقوق النقابية، والحق في المشاركة في الشؤون العامة للوطن، والحق في تقلد الوظائف العامة في البلد دون تمييز.
وذكر محمد عصفور حقوقا أخرى تعتبر ضرورة قومية ومصيرية تتمثل في: حق المواطن العربي في الالتجاء إلى محكمة عدل عربية، والحق في ميثاق عربي لحقوق الإنسان، والعمل على تجاوز العقبات التي يمكن أن تعترض ممارسة هذه الحقوق والسعي في حمايتها بمنظمات إقليمية واقعية.
وهو يرى أن الدفاع عن الحقوق والحريات -حتى لا يكون مجرد أمر شكلي- هو علم وتعليم، وحتى يكون مجديا وليس مجرد لافتة أو شعار لا بد من أن تتوفر لنا أو نوفر نحن الوسائل الفعالة لمواجهة عدوان سلطة الحكم.
ويقترح محمد عصفور الدعوة إلى إلغاء قانون الطوارئ وليس فقط حالة الطوارئ، واستصدار قانون يمنع التعذيب والعقاب على هذه الجريمة بالإعدام أو الأعمال الشاقة المؤبدة، ودعم القضاء الدستوري.
وفي رأي حسين جميل فإن الحرية للمواطن والسيادة للشعب، بالرغم من أنهما من الوجهة النظرية من الحقوق الطبيعية التي لا يجادل فيها أحد، أصبحا مطمحا يبتغيه كل من المواطن والأمة في الدول العربية.
ويمتاز العصر الحديث بما بذله المفكرون ورجال القانون والسياسة من جهد عريض لجمع حقوق الإنسان في نصوص مفصلة وفي تصريحات معلنة ومواثيق مسجلة عرضت على مصادقة الحكومات لكي تكون مرجعا معتمدا في معاملة المواطنين أفرادا وجماعات، حفظا لكرامة البشرية وصونا للحرمات، وتأكيدا للحقوق.
المواثيق الإقليمية
رأت بعض الدول أن تبرم فيما بينها مواثيق إقليمية، بناء على ما لها من خصوصيات مشتركة ناشئة عن الجوار الجغرافي وعن التشابه النسبي والتقارب الثقافي وعن التلاقي بين المصالح السياسية والاقتصادية.
وأقبلت النخب العربية والإسلامية وبعض المنظمات الإقليمية بدورها على قضية حقوق الإنسان تخصها بالدرس وتضع المشاريع المفصلة لتدوينها وضبطها، فظهر أكثر من خمسة عشر من هذه المشاريع، ابتداء من السنوات الأولى عقب الحرب الكونية الثانية.
ترجع المبادرة في أغلبها إلى هيئات علمية من الجامعيين والدارسين ورجال الحقوق، وترجع أيضا إلى بعض المنظمات الإقليمية مثل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية وإلى بعض الرابطات الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان مثل الرابطتين التونسية والمغربية.
وارتبطت ممارسة الحريات والحقوق باستعداد الأنظمة الحاكمة للالتزام بالمواثيق الدولية وبالدساتير المنشورة في بلادها، كما ارتبطت على المستوى الدولي بالآليات التي تحكمها المجتمعات الوطنية لإلزام الحكومات المتقاعسة. ذلك أن عامة الحقوق والحريات اقترنت في التاريخ الغربي بمناهضتها للسلطات القائمة وبمنازعتها لنفوذ هذه السلطات أيا كان مأتاها.
وأمام الإخلال بالمواثيق الدولية وأمام تفاقم انتهاك حقوق الإنسان فكر فقهاء القانون الدولي في وضع آليات قانونية تمتلك أهلية الإلزام لحمل السلطات الوطنية على احترام تعهداتها الدولية بإنشاء محاكم مختصة ومحاكم دولية وإقليمية كطرف محايد لضمان حرياتها.
"
انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة جعل هذا المعسكر يتجه إلى فرض فهمه الخاص لحقوق الإنسان والديمقراطية على المجتمع الدولي باعتباره المفهوم الأصلح والأقدر على البناء
"
حقوق الإنسان والعولمة
تعرض محمد فهيم يوسف إلى مفهوم العولمة بالتفرقة بين العولمة والعالمية، إذ تمثل "العالمية" وفقا لتصوره طموحا نحو الارتقاء بالخصوصية إلى مستوى عالمي، ومن ثم فهي تفتح العالم على ما هو عالمي وكوني، وبين العولمة التي تمثل الهيمنة وبالتالي فهي تعني القمع والإقصاء لكل ما هو خصوصي، واعتبر العالمية طموحا مشروعا لأنها تعني الانفتاح على الآخر والرغبة في الأخذ والعطاء.
وبعد انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية اتجه هذا المعسكر نحو محاولة فرض فهمه الخاص لحقوق الإنسان والديمقراطية على المجتمع الدولي باعتباره المفهوم الأصلح و الأقدر على البناء.
وفي هذا الصدد يشير بعض الباحثين إلى منحى الولايات المتحدة، الطرف الرئيسي والرائد في خط العولمة، إذ إنها منذ انتهاء الحرب الباردة وهي تتجه نحو النظر إلى حقوق الإنسان كمصلحة قومية أميركية تتمثل في المقام الأول في نشر المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان في الفكر الرأسمالي.
وهي تعتبر أن التحرر الفكري يواكبه تحرر اقتصادي، وهو ما يعني اقتصادا مفتوحا (أمام الشركات الأميركية)، وزيادة الاعتماد الدولي المتبادل على النحو الذي لا يمكن دولة في المستقبل من الانعزال، وبالتالي حرمان باقي الدول من مواردها وثرواتها الطبيعية.
الخصوصية والعالمية
يقول محمد فائق إنه كان دائما هناك إحساس بالخطر على الهوية والخصوصية في الاندفاع نحو الغرب نتيجة الانبهار بما يحدث عندهم، وإدراكا لمدى التخلف القائم في بلادنا، والرغبة في اللحاق بركب التقدم العالمي دون فقدان هذه الهوية والخصوصية العـربية والإسلاميـة.
وتجددت هذه المخاوف في عصر العولمة الذي هو عصر يتعاظم فيه الاتجاه نحو التعامل مع العالم دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية أو الانتماء إلى وطن محدد أو دولة بعينها، ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية، مما يظهر بوضوح في الشركات المتعددة الجنسيات، وفي السرعة الهائلة التي ينتقل بها رأس المال، وفي الفضائيات، التي جعلت عالمنا أشبه بالقرية الإلكترونية.
وزاد من هذه المخاوف انفراد قوة عظمى واحدة بالعالم تملك بمشاركة الدول الصناعية الكبرى كل أدوات العولمة، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ونادي باريس.
وتمتلك مصادر المساعدة المادية وغيرها من الأدوات التي استطاعت من خلالها تعميم اقتصاد السوق على العالم بسرعة مذهلة، ثم جاءت اتفاقية التجارة الدولية لتقنن هذه الأوضاع كلها، فظهرت نظريات بانتصار الحضارة الغربية، ووجوب تعميمها لتشمل العالم أجمع، مثل مقولة نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما، وتصادم الحضارات لصموئيل هانتنغتون.
"
لتأمين احترام حقوق الإنسان على المفكرين أن يقوموا بواجباتهم وأن تأخذ الدول العربية والإسلامية بمبادئ حقوق الإنسان ذات الإجماع الإنساني والعالمي والديني
"
الأبعاد الإسلامية
حول الإسلام وحقوق الإنسان يرى محمد عبد الملك المتوكل أنه بالعودة إلى القرآن الكريم الذي هو المصدر الأساسي لشريعة الإسلام نجد أن الله كرم آدم، ومن أهم الحقوق التي أقرها الإسلام: حرية العقيدة والمساواة والحرية.
لقد كان الإسلام أول نظام كلي في الحياة اعترف بالإنسان كما هو في حقيقته، وهنا تدور أسئلة مثل: كيف يتم التوصل إلى بلورة إرادة الأمة؟ وما هي الحقوق والحريات اللازمة لكل فرد في الأمة ليشترك في تكوين هذه الإرادة؟
وما هي القنوات والأنظمة اللازمة في ذلك؟ وما هي الحماية اللازمة للإنسان في هذه الأمة إذا هو اشترك في تكوين هذه الإرادة؟ ثم ما هو الاجتهاد في حياة هذه الأمة؟ فهل ينحصر كما انحصر تاريخيا في الفقه؟
نحن غير ملزمين بطلب الأجوبة عن هذه الأسئلة من تراثنا السياسي، ولا نعرف مانعا من طلبها من تجارب الأمم الأخرى في طرق تجسيد فلسفة معينة في الإنسان إلى واقع سياسي وتربوي واقتصادي وغيره.
فما دامت فلسفة الإسلام في الإنسان واضحة، وما دامت الغايات من وجود الأمة واضحة، يصير بناء هذه الأنظمة وتطويرها فنا من الفنون التي صار للبشرية فيه تراث طويل وغني.
ولفهم موضوع الإسلام وحقوق الإنسان تتعين دراسة وتحليل موقف الحركات الإسلامية التي ربما تتحفظ رغم إيمانها بحقوق الإنسان على بعض بنود مواثيق حقوق الإنسان العالمية باعتبارها مستمدة من ثوابت وخصوصيات الحضارة الغربية، وتتجاهل الرؤية الإسلامية.
وبعامة فإن مواقف المسلمين تتنوع وتختلف حول خصوصية وعالمية حقوق الإنسان، ولكنها تصب جميعا في خانة رفض العالمية ومحاولة فرض الخصوصية.
وهذا الموقف ليس محددا تجاه حقوق الإنسان بقدر ما هو موقف من الغرب عموما، هذا الغرب الذي دأب الإسلاميون على مهاجمته ورفض ثقافته، مما خلق جرحا أنثروبولوجيا بحسب تعبير جورج طرابيشي في كتابه "أفكار"، حيث بين أن نرجسيتنا تجعلنا نرفض مفهوما أو حتى مصطلحا غربيا، وإن كان ذلك المفهوم أو المصطلح يحمل سمة الكونية والعالمية ولا يعبر عن خصوصية ثقافة معينة.
والحديث عن حقوق الإنسان في الوطن العربي يثير شجونا ويرسم صورة قاتمة كئيبة، فهي تمتد من غياب الحريات العامة إلى تفاقم الانتهاكات اليومية، وفرض المراقبة السياسية والفكرية على الأفراد، والخلط المتزايد والفاضح بين الدولة والحزب الواحد وتعميم إجراءات التعسف السياسي والقانوني والتمييز المكشـوف بين المواطنين والقمع والعقاب الجماعيين.
كل هذه الظواهر التي لا يمكن أن تخفى على أي مراقب تشكل الحقيقة اليومية للسلطة في المجتمعات العربية وتعكس القطيعة التي لا تكف عن التفاقم بين الدولة والمجتمعات.
إن الغرب يتحمل مسؤولية كبرى في انتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي بسبب سيادته التحكمية المنبثقة عن نظرته التمييزية لحقوق الإنسان.
وبما أن المصالح الشخصية هي التي تحكم الأفراد والجماعات في سلوكهم وتصرفاتهم، فإنه لا يمكننا مطالبة الغرب باتخاذ مواقف مغايرة، ولهذا فإن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق ساسة العالم العربي والإسلامي ومفكريه.
وعلى كل حال، لم يكن باستطاعة الغرب التصرف كما يتصرف لو لم يكن هناك داخل العالم العربي والإسلامي، ساسة عملاء، ومفكرون متواطئون وشعوب خانعة.
وللخروج من هذا المأزق وتأمين احترام حقوق الإنسان فإن على المفكرين أن يقوموا بواجباتهم، وأن تأخذ الدول العربية والإسلامية بمبادئ حقوق الإنسان ذات الإجماع الإنساني والعالمي والديني، كالمساواة أمام القانون، وفض الخلافات بالتفاهم والسلم، ورفض إقامة قواعد وأحلاف عسكرية، وإسناد إدارة ثروات البلدان العربية والإسلامية إلى شعوبها.
"
الحرية للمواطن والسيادة للشعب، ورغم أن هذين الأمرين من الوجهة النظرية من الحقوق الطبيعية التي لا يجادل فيها أحد، أصبحا مطمحا عزيزا في الدول العربية
"
الأبعاد العربية
كيف تعاملت الدساتير العربية مع قضايا حقوق الإنسان؟ وما دور التنظيمات السياسية العربية وخصوصا الأحزاب في تحقيق أسس الديمقراطية وترسيخها؟ ما أسباب ضعف وتهافت المسيرة الديمقراطية العربية؟ وما هي وسائل معالجتها في المستقبل؟
في الوطن العربي هناك ذرائع لانتهاك حقوق الإنسان مثل: ذريعة النضج السياسي (الحفاظ على الديمقراطية) والوحدة الوطنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وهناك حالات عامة تعوق الإدراك والوعي (الأمية، الأحزاب والتعصب، التعتيم الإعلامي، الإحباط وفتور الحوافز).
يمكننا أن نحدد الأسباب -كما يرى الكاتب في ثلاث مجموعات رئيسية: جغرافية-سياسية، اجتماعية-سياسية، اقتصادية-عقائدية، وهي تتمثل في هشاشة الدولة، واحتكار الثروة وإرادة الاحتكار، وانقسام النخبة وغياب الإجماع.
وتواجه ممارسة حقوق الإنسان في الوطن العربي إشكاليتان تتمثلان في الشرعية، شرعية الدولة (الكيان السياسي القطري) وشرعية السلطة، وإشكالية المشاركة السياسية.
إن إدراج الحقوق السياسية في الدساتير العربية عملية ضرورية لحياة الإنسان الاجتماعية، وبها يستكمل الإنسان حريتـه وكرامته من جهة، ومن جهة ثانية يضمن ممارسة حقوقه الأساسية الأخرى.
وهي وفق دراسة الصادق شعبان تتمثل في الحق في تقرير المصير، وحرية الفكر والوجدان والمعتقد، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتماع السلمي، وحرية تكوين الجمعيات بما في ذلك الحقوق النقابية، والحق في المشاركة في الشؤون العامة للوطن، والحق في تقلد الوظائف العامة في البلد دون تمييز.
وذكر محمد عصفور حقوقا أخرى تعتبر ضرورة قومية ومصيرية تتمثل في: حق المواطن العربي في الالتجاء إلى محكمة عدل عربية، والحق في ميثاق عربي لحقوق الإنسان، والعمل على تجاوز العقبات التي يمكن أن تعترض ممارسة هذه الحقوق والسعي في حمايتها بمنظمات إقليمية واقعية.
وهو يرى أن الدفاع عن الحقوق والحريات -حتى لا يكون مجرد أمر شكلي- هو علم وتعليم، وحتى يكون مجديا وليس مجرد لافتة أو شعار لا بد من أن تتوفر لنا أو نوفر نحن الوسائل الفعالة لمواجهة عدوان سلطة الحكم.
ويقترح محمد عصفور الدعوة إلى إلغاء قانون الطوارئ وليس فقط حالة الطوارئ، واستصدار قانون يمنع التعذيب والعقاب على هذه الجريمة بالإعدام أو الأعمال الشاقة المؤبدة، ودعم القضاء الدستوري.
وفي رأي حسين جميل فإن الحرية للمواطن والسيادة للشعب، بالرغم من أنهما من الوجهة النظرية من الحقوق الطبيعية التي لا يجادل فيها أحد، أصبحا مطمحا يبتغيه كل من المواطن والأمة في الدول العربية.