منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#48989
تهكّمت وسائل الإعلام الليبرالية من الهزيمة الانتخابية التي منيت بها في 13 آيار/مايو الماضي الحكومة الشيوعية التي تولّت السلطة في كالكوتا والبنغال الغربية منذ العام 1977. إلاّ أنّه لم يبقَ من "جبهة اليسار" (Left Front) الشيء الكثير من الماركسيّة اللينينيّة. فمنذ عشر سنوات اعتمد تحالف الأحزاب هذا الذي يحمل اسم اليسار فقط أجندة نيوليبرالية. لدرجة جعلت من السيدة ماماتا بانيرجي وحزبها "مؤتمر ترينامول" يبدوان أكثر تمثيلاً للمصالح الشعبيّة.

رفض الناخبون قبل كلّ شيء نظاماً متحجّراً. فالحزب الشيوعي الهندي-الماركسي (PCI-M) لجأ إثر انتخابه في العام 1977 إلى عملية إصلاحية زراعي كبيرة استفاد منها ملايين الفلاحين. ثم انقلب شيئاً فشيئاً إلى منطق الزبائنية والفساد والتزوير الانتخابي. هكذا نجد أنّه بعد أن عرفت الحكومة كيف ترفض حتى العام 2001 المستثمرين الزراعيين، راحت فجأةً تخدم مصالحهم، مستبعدةً الفلاحين لتفتح المجال أمام مشاريع صناعيّة. وفي 14 آذار/مارس العام 2007، قتلت الشرطة في بلدة ناديغرام أربعة عشر متظاهراً كانوا يحتجّون على إقامة منطقة اقتصاديّة خاصّة.

ويرى السيّد بيبلاب حليم، المناضل من أجل حقوق الإنسان والعضو في اللجنة الانتخابية للبنغال الغربية، أنه "لم تعد "جبهة اليسار" إلاّ مجرّد اسم، ويشعر الشعب أنّه تعرّض للخيانة. وحتّى مثقّفو اليسار قد صوّتوا لماماتا". أمّا المستثمرون فقد "أدركوا أن فظاظة جبهة اليسار لا توصل إلى أيّ مكان، وأنه من الأفضل دعم ماماتا للدفاع عن مصالحهم".

وماماتا صاحبة شخصيّة قوية، محرّضة بارعة، وذات إرادة كبيرة، متحدرة من الشعب، وتعيش وحدها مع والدتها. يلخّص السيّد سبحانديب شوتوباداي، رئيس كتلة نواب حزب المؤتمر الترينامولي في مجلس البنغال الغربيّ، أمرها قائلاً إنّها "عرفت كيف توحّد حولها الناخبين من مختلف قطاعات المجتمع البنغالي". الشخص الذي يجسّده". وهو يعرّف حزب الترينامول على أنّه "حزب من وسط اليسار. فالناس يريدون التغيير وقد وجدوا في ماماتا تجسيداً له".

وقد أضحت السيدة بانيرجي موضع تقديس فعلي بما يُنشر لها من صورٍ كبيرة وأعلام وأغاني. وتضاعف "ديدي" (الأخت) من مفاجآتها الإعلامية. فمنذ انتخابها، تزور رئيسة وزراء الولاية من دون سابق إنذار المستشفيات ومفوّضيات الشرطة، مكتشفة الفوضى في الدوائر الرسمية، وتعاقب بعض المسؤولين. هكذا يفتخر البنغاليّون بها، هم الذين يواجهون يومياً تعجرف موظّفي الدوائر الفاسدين. إلاّ أن مراعاة قوى ناخبة ذات مصالح متباينة يدفعها إلى التضارب في توجّهاتها: فقد ساندت، والبعض يقول استغلّت، الاحتجاجات الفلاحيّة ضدّ المشاريع الصناعية التي فرضتها جبهة اليسار برعونة. وإزاء حركات التمرّد التي قام بها الفلاحون بقيادة حزب المؤتمر الترينامولي، تخلّت مجموعة "تاتا" في أواخر العام 2008 عن إقامة مصنعٍ في سينغورالتي، التي لا تبعد كثيراً عن كالكوتا. وهكذا شيّد مصنع تاتا نانو للسيارات الرخيصة في ولاية غوجارات، حيث أمّن حوالى عشرة آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. ولكن هذا لم يمنع "الأخت" من أن تقدّم وعوداً اليوم بأن "تجتذب المستثمرين"، وأن تجعل كالكوتا ندّاً "للندن أو لهونغ كونغ".