منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#49094
إن أقصى ما وصل إليه التنظيم السياسي للمجتمعات الحديثة المحسوبة على الأنظمة الديمقراطية، هو خضوع الأغلبية لحكم الأقلية ولكن برضى الأغلبية. ومن هنا أصبحت الديمقراطية تأخذ صيغة مخالفة تماماً للصيغة الكلاسيكية التي انطلق الفكر الديمقراطي للبحث عنها، حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب، إذ أضحى عوض ذلك يأخذ صيغة "حكم الشعب بنخبة من الشعب لصالح الشعب"
وبحكم طبيعة نظام الديمقراطية، فقد اتخذت التطبيقات العملية للديمقراطية في عالم اليوم، صيغاً وأنماطاً متعدّدة ؛ ففي المجتمعات الحديثة المعاصرة ما يزيد عن خمسة عشر نمطاً ديمقراطياً، وحتى في الاتحاد الأوروبي، تختلف تطبيقات الديمقراطية من دولة إلى أخرى، فالديمقراطية في إنجلترا، على سبيل المثال، غيرها في ألمانيا. كذلك فإن النظام الديمقراطي القائم في الولايات المتحدة الأمريكية هو غير النظام الديمقراطي المعمول به في سويسرا، وفي إسرائيل ديمقراطيةٌ مزعومةٌ في ظلّ نظام استعماري عنصري استيطاني عدواني ينتهك القانون الدولي. وتلك الفروق من خصائص الديمقراطية، وأما ما يَتَعارَضُ مع هذه الخصائص، فهو محاولة فرض نظام ديمقراطي واحد على العالم، أو بالأحرى على العالم العربي الإسلامي.
ويحقّ لنا أن نطرح السؤالين التاليين : هل يجوز لنا نقد الديمقراطية الغربية، كما ينقدها أبناؤها بصوت عالٍ الآن ؟، أم أنه مطلوب منا فقط أن نسلم بها كما هي ؟. وهل يتعيّن علينا أن نطبق النموذج الغربي للديمقراطية بشكله المتبع في بلاده، على الرغم من الاختلاف المحتمل بين طبيعة المجتمعات وتركيبتها ؟. ويفترض السؤال الثاني أن ثمة فرقاً بين القيم الديمقراطية (المشاركة والمساءلة وغيرها)، وبين النموذج أو الشكل الذي تطبق به هذه القيم على صعيد الواقع
ولابد من التأكيد هنا على أن هذه الإشكالية لا وجود لها في المجتمع الإسلامي الذي يطبق مبادئ الإسلام السمحة العادلة، فالديمقراطية في الإسلام ديمقراطية خاصة بين الديمقراطية العملية والنظرية التي تطورت بها حوادث التاريخ، من أيام البداوة إلى أيامنا هذه في حضارتنا الحديثة، ولا نسميها ديمقراطية خاصة لأنها تضيق عن غيرها كما يضيق كل تخصيص بعد تعميم، ولكنها خاصة لأنها تخالف الديمقراطيات الأخرى في نشأتها وغايتها، وتتسع بأصول الحكم حتى تخرج بها من الصبغة المحلية إلى الصبغة الإنسانية بل الكونية. وهي ديمقراطية خاصة، لأنها أعمّ من كل ديمقراطية عداها، قامت على حقّ الإنسان وتبعته أمام ربّه وأمام ضميره، فحيثما وجد إنسان فهو صاحب حقّ في هذه الديمقراطية .
إن الإسلام  ـ  في الأمور الحياتية والنظم والآليات التي تحقّق مقاصده وفلسفاته  ـ  ليس مغلقاً ضدّ كل ما هو (وافد) و(أجنبي)، كما أنه ليس بالذي يقبل أي (وافد) دونما نظر واجتهاد. وإذا كان الاجتهاد فريضة دينية في الفكر الإسلامي، فمن باب أولى أن يكون هذا الاجتهاد وارداً في الفكر الديمقراطي
وإذا كان البعض يضع الشورى الإسلامية بديلاً للديمقراطية، فإن النظرة الإسلامية الموضوعية والفاحصة للعلاقة بين الشورى وبين الديمقراطية تنفي تناقضهما بإطلاق، أو تطابقهما بإطلاق، وتزكي التمييز بينهما، على النحو الذي يكتشف مساحة الاتفاق ومساحة الاختلاف بينهما .
فالانتخاب الحرّ للحكام من خلال إجراءات عادلة هو مطلب اجتماعي وسياسي يقرّه الإسلام ويضع له الضوابط الدينية والأخلاقية والمبادئ العامة، وذلك بمقتضى أن مؤدَّى سكوت النصوص عن التفاصيل  ـ  في شأن النظام السياسي  ـ  أن تجتهد الأمة أو المؤهلون فيها للاجتهاد، في وضع النظم التفصيلية الملائمة لحكم حياتها في جوانبها السياسية والاجتماعية وما إليها
ويَتَطابَقُ هذا مع قول ابن قيم الجوزية : >إن اللَّه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل، فإذا ظهرت أمارات العدل أو أسفر وجهه بأي طريق كان، فَثَمَّ شرع اللَّه ودينه<.
وبالتعمق في فهم مدلول تطبيقات الديمقراطية في عصرنا هذا، وفي كل العصور، نجد أن التعامل مع الديمقراطية لا يقتصر على اقتباس الآليات العملية وتعديلها، كالانتخابات وفصل السلطات وتنظيم الأحزاب، بل يتطلب تفهماً خلاقاً ونقداً للإيديولوجيا التي قام على أساسها النمط الديمقراطي الأصلي في العصر الحديث، والذي يمكن تأريخ مطلعه بالقرن الثامن عشر، ففي حين أن الديمقراطية تشمل إجراءات سياسية، مثل أخذ القرار بموجب حكم الأكثرية، والتمثيل الشعبي، وموافقة المواطنين على السياسات وحكم القانون، فهي أيضاً عبارة عن التزامات بمبادئ أخلاقية ومعنوية الطابع كالعدالة والحرية والمساواة ويمكن لنا أن نقول إن هذه المبادئ الأخلاقية هي من صميم المبادئ التي جاء بها الإسلام ليخرج العباد من ظلمات الظّـلم والجور والقهر، إلى أنوار العدل والإنصاف واحترام كرامة الإنسان.
ولابد من أن نضع في الاعتبار أن الديمقراطية في الغرب تمرّ بأزمة شديدة، حيث لم تترك النخب الديمقراطية الليبرالية الحاكمة في كل من واشنطن ولندن، مبدأ واحداً من مبادئ الديمقراطية إلاَّ انتهكته، ولا قيمة من قيمها إلاَّ داست عليه بالأقدام والمجنزرات على حدّ سواء. وليس من المبالغة القول بأن الديمقراطية لم تشهد ظروفاً أحلك من هذه التي تمرّ بها .
ولذلك فإننا نؤكد هنا على أن الديمقراطية تتكون من شقين : شق فلسفي يَتَعارَضُ بوضوح مع الإسلام، وشق إجرائي يمكن للمسلمين أن يتعلموا منه ويستفيدوا وأن يُغنوا تجاربهم به .
وبانتهاج هذا المنهج الوَسَطي، نكون في منأى عن الآثار غير الإيجابية للديمقراطية، ونتجنب الوقوع في المحظور الذي يتجلّى هنا في التناقضات والعيوب والنواقص التي تكتنف الديمقراطية.