منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#49197
البداية

لقد بدأت العلاقات السعودية الأمريكية قبل تلك الفترة حين طلبت شركات النفط الأمريكية العاملة في السعودية من واشنطن ممارسة دور أكبر لضمان الأمن والاستقرار السياسي في الخليج وهو ما دفع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1943 الى الاعلان بان الدفاع عن المملكة يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة ثم قام بارسال اول بعثة عسكرية أمريكية الى السعودية والتقى في عام 1945 بالملك عبدالعزيز على ظهر باخرة في قناة السويس وهو اللقاء الذي «دشن» العلاقات الأمريكية السعودية، ومهما تكن أهمية مرحلة «التأسيس» في تلك العلاقات فإن الاستراتيجية التي اعلنها الرئيس ايزنهاور في يناير من عام 1957 شكلت بداية «الشراكة السياسية» بين السعودية والولايات المتحدة، وهي الشراكة التي يبدو انها بدأت تنفك الآن!
قبيل خروج بريطانيا من الشرق الاوسط، ومع تعاظم المد الشيوعي واكتشاف المزيد من حقول النفط في الخليج، وقيام ثورة يوليو 1952 في مصر وظهور حركة القوميين العرب، كان لزاما على الولايات المتحدة ان تحدد سياستها تجاه الشرق الاوسط، فأصدر الرئيس ايزنهاور في يناير عام 1957 ما عرف بـ Eisenhower Doctrine اي برنامج ايزنهاور وهو يتضمن المبادىء الرئيسية التي تقوم عليها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وقال ايزنهاور في وثيقته التي قدمها الى الكونغرس: «ان الشرق الاوسط يمر بمرحلة جديدة حرجة في تاريخه الهام الطويل» ثم تحدث عن الخطر الشيوعي واطماع الاتحاد السوفيتي في الشرق الاوسط، واضاف ان الامم الحرة في الشرق الاوسط تحتاج وتريد قوة مضاعفة لصيانة استقلالها.
وحدد ايزنهاور العناصر الرئيسية التي تقوم عليها وثيقته ومن بينها: مساعدة ومعاونة اي دولة او مجموعة دول في الشرق الاوسط لتطوير الاقتصاد.. اطلاق برامج المساعدات العسكرية.. ارسال قوات امريكية لحماية حدود واستقلال دول الشرق الاوسط التي تطلب المساعدة.
لقد كانت «الحرب ضد الشيوعية وتأمين تدفق النفط» عصب السياسة الامريكية حتى عام .1991
ونظرا لموقع السعودية واهميتها السياسية في الخليج ونظرا لضخامة انتاجها ومخزونها النفطي.. فإنها الشريك الذي لا بد منه.

أهمية استراتيجية

لقد تعاقبت الادارات الامريكية وتولى رئاسة الولايات المتحدة رؤساء من الحزب الجمهوري وآخرون من الحزب الديموقراطي فبعد ايزنهاور الجمهوري جاء كينيدي الديموقراطي ثم جونسون الديموقراطي ثم نيكسون وفورد الجمهوريان، ثم كارتر الديموقراطي ثم ريغان الجمهوري لفترتين ثم بوش الاب وهو جمهوري ايضا ولم تتغير المبادىء الرئيسية للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط واستمرت الشراكة السعودية الامريكية وهي تجتاز اختبارات صعبة اقليمية ودولية مثل حربي 1967 و1973 وتداعياتهما كما تعززت تلك الشراكة في مواجهة مهام وحروب اخرى مثل مواجهة الاحتلال السوفيتي لافغانستان وجهود طرده منها التي استخدم فيها الطرفان اسامة بن لادن، والحرب العراقية الايرانية التي دعم خلالها الطرفان صدام حسين، وحرب تحرير الكويت.. كما واجهت الشراكة السعودية الامريكية كل مراحل القضية الفلسطينية، ورغم تباعد مواقفهما الا ان الانحياز الامريكي لاسرائيل والحماس السعودي للفلسطينيين لم يتسبب في فك الشراكة.
ويعتقد بعض المحللين ان احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ونتائجها هي المسؤولة عن الارتباك الحالي في العلاقات السعودية الامريكية، وان تبعات تلك الاحداث سوف تقود الى اعلان نهاية شراكة سياسية امتدت لما يقارب سبعين عاما. فهل هذا صحيح؟
هل للامر علاقة «بالاموال السعودية» التي اشتكت منها بريطانيا عام 1956 ولم تتجاوب معها الولايات المتحدة؟ ام ان المسألة تعود الى النظام السعودي «الفاسد المتخلف المعادي للغرب» كما كان يصفه الانجليز في الخمسينيات فتحالفت معه الولايات المتحدة؟ وهل المطلوب اتباع سياسة امريكية «متشددة» تجاه السعودية وهو ما طلبته بريطانيا عام 1956 ورفضته الولايات المتحدة من باب «مواجهة حقائق الحياة»؟
ان محاولة الاجابة على تلك الاسئلة مسألة صعبة، غير انه لا بأس من «مواجهة حقائق الحياة» مرة اخرى، فقد تساعد تلك المواجهة على معرفة ما يحصل.

مواجهة الحقائق

كان الرئيس ايزنهاور قد صمم برنامجه لمواجهة الخطر الشيوعي وهو برنامج يعتمد على استباق الاحداث، فلم يكن ايزنهاور يرغب في الانتظار ريثما يبلع الدب الروسي احدى دول الشرق الاوسط كي يتحرك وانما سعى الى تأمين السيطرة الامريكية من خلال ارسال قوات الى الشرق الاوسط واقامة قواعد عسكرية، كما انه اراد عبر برنامجه مساعدة دول في الشرق الاوسط للنهوض اقتصاديا او تقديم مساعدات مالية لها، ولم يتم ربط ايا من ذلك بالاوضاع الداخلية للدولة المتلقية، ولم تكن الولايات المتحدة تكترث بطبيعة الانظمة الحاكمة ديكتاتورية كانت ام ديموقراطية، وبالطبع لم تكن هناك دولة واحدة ديموقراطية!
ان المهم لدى الولايات المتحدة هو تعاون تلك الانظمة معها في مواجهة الشيوعية وتأمين مصالحها النفطية. ولقد كانت السعودية نقطة ارتكاز مهمة في السياسة الامريكية في الشرق الاوسط فهي دولة معادية للاتحاد السوفياتي وغنية بالنفط وتقدم تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة.
ولم يتغير الامر كثيرا بعد تولى كنيدي رئاسة الولايات المتحدة عام 1960 فقد عمل هو وجونسون ضمن الاطار نفسه، غير انه في نهاية الستينات وطوال السبعينات كان للاحداث الدولية والاقليمية اثر كبير على سياسة الولايات المتحدة في الخليج، وكانت تلك الاحداث تعزز دور السعودية تارة وتخفضه تارة اخرى.
ففي يناير من عام 1968 اعلن رئيس الوزراء البريطاني هارولد ولسن اعتزام بريطانيا الانسحاب من الخليج بحلول نهاية عام 1971 وبهذا الاعلان اصبح الطريق ممهدا امام الولايات المتحدة لاخذ زمام المبادرة او الجلوس في مقعد القيادة بدلا من تقديم الدعم لبريطانيا، ولذلك كان لابد للولايات المتحدة ان تعيد صياغة سياساتها في الشرق الاوسط خاصة ان هناك تخوفا من قيام الاتحاد السوفياتي بملء الفراغ الذي تخلفه مغادرة الانجليز.
ومع استمرار ثبات اهداف السياسة الامريكية في الشرق الاوسط المتمثلة في ضمان تدفق النفط ومنع وصول الروس الى الخليج، اعدت ادارة الرئيس الامريكي نيكسون استراتيجية تقوم على اساس دعم عسكري قوي لايران والسعودية في نفس الوقت، ويعود سبب هذا الدعم الى ان نتائج التدخل العسكري الامريكي في فيتنام لم تكن مشجعة للتدخل في منطقة اخرى ولم يكن الرأي العام الامريكي يقبل بتدخل جديد لذلك رأت ادارة نيكسون ضرورة تأهيل ايران والسعودية عسكريا للقيام بمهام الدفاع عن الخليج حال ظهور الحاجة مع استعداد الولايات المتحدة لتقديم اسناد بحري وجوي وتقليص مشاركة القوات البرية ، وقد عرفت هذه السياسة بـ Twin pillar.
ولقد كانت ايران في ذلك الوقت تحظى بافضلية على السعودية وكان شاه ايران يرغب في القيام بدور «شرطي الخليج» وشرحا لهذه السياسة حدد مساعد وزير الخارجية الامريكي جوزيف سيسكو امام الكونغرس في اغسطس 1972 ست نقاط:
دعم التطور السياسي في المنطقة، دعم الحكومات القائمة للحفاظ على استقلالها مع تشجيعها على التعاون الاقليمي، المساعدة في تحديث الجيشين السعودي والايراني لتأهيلهما للدفاع عن بلديهما ورعاية امن الخليج، تكثيف الوجود الدبلوماسي الامريكي، الابقاء على قوة بحرية صغيرة في البحرين تقوم بزيارة موانىء الخليج كرمز للاهتمام الامريكي. ولقد كانت الولايات المتحدة ترغب في رؤية نتائج دمج الاموال السعودية بالقوة العسكرية الايرانية.
ورغم نشوب حرب اكتوبر 1973 وقطع امدادات النفط من الخليج فان الاهمية الاستراتيجية للسعودية لم تتأثر بل انها اصبحت اكثر اهمية وهو ما دفع الولايات المتحدة الى تعزيز وجودها العسكري في المحيط الهندي في قاعدة دييغوغارسيا.