- الخميس مايو 03, 2012 2:17 am
#49837
..«ماركس هو تأويل لخاصية التناقض والصراع في المجتمع الرأسمالي (...) وأعماله هي مجهود بذل لبيان أن سمة الصراع لا تقبل الانفصال عن البنية العميقة للنظام الرأسمالي وعن مآل الحركة التاريخية في نفس الوقت».. كارل ماركس فيلسوف واقتصادي ومنظر للاشتراكية الألمانية (1818 ـ 1883) وقد اكتشف من خلال استلهامه الديالتيك الهيفلي، مع نقده في نفس الآن لفلسفة التاريخ الهيفلية، نقد الدين لدى فيورباخ والمذهب الاشتراكي لدى سان سيمون والاقتصاد لدى آدم سميث، وبذلك بلور بشكل تدريجي المادية التاريخية، أي النظرية العالمية لأي علم اجتماعي. هذا هو التعريف البيوغرافي الذي نجده في قاموس لاروس الصغير، وهو تعريف جيد وممتاز يمكن أن يشكل موضوع تعليق، لكنه أداة جيدة لتكوين فكرة أولية عن ماركس، وفضلاً عن ذلك فهو دليلنا في هذا العدد الخاص (يقصد) العدد الخاص من مجلة النوفيل أوبسيرفاتور. بعد ذلك نلتحق بـريمون آرون «مراحل الفكر السوسيولوجي» 1976: «إن ماركس هو أولاً وقبل كل شيء سوسيولوجي واقتصادي النظام الرأسمالي، لقد كانت لديه نظرية عن هذا النظام وعن المصير الذي يخبئه للناس عن المستقبل الذي سيصير إليه. ولوصفه سوسيولوجيا ـ اقتصاديا لماكتن يسميه الرأسمالية، فإنه يمكن لديه أي تمثل دقيق ومحدد عما سيكون عليه النظام الاشتراكي». آرون أخيراً يقول: «فكر ماركس هو تأويل لخاصية التناقض والصراع في المجتمع الرأسمالي. (..) وأعماله هي مجهود بذل لبيان أن سمة الصراع لا تقبل الانفصال عن البنية العميقة للنظام الرأسمالي وعن مآل الحركة التاريخية في نفس الآن». آرون أخيراً يقول: «إن ماركس لم يكن يفضل عدم فهم الحاضر عن التنبؤ بمستقبل إرادة العمل (...) إذن فقد كان نبياً ورجلاً عملياً وعالماً في نفس الآن». لماذا هذا الاستشهادات؟.. لأنها تفسر راهنية ماركس وتبـرر نصوصه باعتبارها حاضراً، ففي قلب الفكر الماركسي أو المتمركس نجد الرأسمالية تاريخها وطريقة اشتغالها وتناقضاتها وصراع الطبقات الناجم عنها وكذا المستقبل الذي تفرزه. بيد أنه وفي فرنسا في الشهور الأخيرة ظهر رجل، وليس أي رجل، ليبين لنا أن كل مآسي اليسار راجعة إلى عدم فهم هذا الأخير أن الرأسمالية انتصرت على الاشتراكية، وبعبارة أخرى، لم يفهم بعد أن ماركس مات. هذا الرجل هو ميشال روكار الذي كان يعلن في شبابه على الملأ كل خمس سنوات، وعلى صفحات أسبوعية نعرفها جيداً، لا موت ماركس وإنما موت الرأسمالية. إن ميشال روكار يمكنه أن يجيب محقاً بأنه كيفما كان الحال فقد فهم أن أصدقاءه في اليسار يرفضون الاعتراف بذلك. فهل يؤدي انتصار الرأسمالية إلى انهزام ماركس واندحاره؟.. ليس على كل المستويات بطبيعة الحال، فنقد المجتمع الصناعي الذي أحدث ميلاده ثورة ببـريطانيا يظل أداة عمل في أيدي المؤرخين والسوسيولوجيين والاقتصاديين أيضاً، ويمكننا أن نقول بأنه بدون فلسفة ماركس في الاستلاب، لم يكن بالإمكان إلا نسبياً تصور أعمال مثل أعمال فيرناند بوديل وميشال فوكو وبيير بورديو. غير أن تنوع الموضوعات المعالجة هنا يجعلنا نقف بما يكفي على استمرار بعض المساهمات الإضافية للفكر الماركسي حتى يصبح من الممكن تركيز كل شيء على الرأسمالية، على الأقل في المقام الأول. من خلال الإعلان بصورة مدوية عن انتصار الرأسمالية فإن ميشال روكار يستدعي دون أن يصرح بذلك حالات الاشتراكية السويدية، الألمانية والإسبانية، فقد قطع الثلاثة في الستينيات علاقتهم بالماركسية ويجعل وسائل الإنتاج مشتركة بين الجميع وبديكتاتورية البـروليتاريا. لقد تصرف الاشتراكيون الفرنسيون بدون شك، لكن انطلاقاً من سنة 1983 فقط، كما لو أنهم يصطفون في صف ردة أحزاب استوكهولم وبون مدريد، لكنهم رفضوا أن يمارسوا تنظيراً لهذه الردة وأن ينظموا بيداغوجيتها، وبذلك جعلوا أنفسهم عرضة للاتهام بالخيانة بدل أن يعتبـروا مطالبين جريئين بالتكيف مع الحداثة، وهم يستمرون اليوم في دفع ثمن حنينهم البدائي. في سنة 1989، ومع سقوط جدار بـرلين وتوحيد الألمانيتين، حدث شيء عظيم من الناحية السياسية، لكنه عملاق من الناحية الإيديولوجية، فقد استسلم وطن الاشتراكية وإمبـراطورية المذهب الجماعي ودرع البـروليتاريين والعالم الثالث في أرض عراء وبدون قتال. لقد سلم الاتحاد السوفياتي أسلحته في خضم المعركة بدون زهو ولا سعادة. ولقد تكرس في ذلك اليوم، لا انتصار القوة الأميركية الكبـرى فقط، وإنما تكرس أيضاً المفهوم الغربي والرأسمالي للديمقراطية. لقد تم إعلان إفلاس مثال المذهب الجماعي البـرليتاري والمساواتي في وجه العالم، وكانت الرأسمالية موضوع كونية استفتائية وانخراط من طرف الجميع على مستوى البسيطة، بل إن البعض ذهبت بهم حميتهم العمياء إلى حد إعلان نهاية صراع الطبقات، أي نهاية التاريخ من زاوية النظر الماركسية. لكن ما تجاهل السيد ميشال روكار التذكير به، كما هو الشأن لدى معلقين آخرين هم أميركيين بالمناسبة، هو أنه في سنة 1989، وفي فترة تكريس سموها، كانت الولايات المتحدة قبلاً قد غرقت في تناقضات الرأسمالية التي سبق أن وصفها ماركس، ولم يتم إنقاذها من الغرق إلا بفضل الموت المتسارع لنظام سوفياتي يحتضر. وبعبارة أخرى، إذا كان إفلاس الاتحاد السوفياتي قد استطاع الإشارة إلى نوع معين من موت الماركسية، فإن انتصار الولايات المتحدة لا يؤدي بالضرورة إلى موت ماركس. بيد أنه إذا ما ظللنا في مجال صلاحية الرأسمالية المعلن عنها على غرار الديمقراطية التي هي «أكثر الأنظمة رداءة باستثناء كل الأنظمة الأخرى»، وإذا ما قدرنا بأنه يتوجب تفضيل مثال الحرية على مثال المساواة، وأن قيم التنافسية تنتصر على قيم التضامن، وأن الرأسمالية أخيراً نظام يضبط أموره بذاته بطريقة معجزة ويصحح انحرافاته بكفاءة عالية، فإنه يجب علينا الانتباه إذ ذاك جيداً للأحداث التي ترج الأمم في صراعها ضد العولمة وضد تعسف الإمبـراطورية الأميركية. ودونما حاجة للجوء إلى تحليل نفسي واجتماعي للحركات البديلة للعولمة ولدلالاتها على مستوى البسيطة، نستطيع أن نلاحظ قبلاً أن الفضائح غير المسبوقة التي لطخت منذ عهد قريب وشوهت ودنست التطهرية المفترضة لدى كبار المقاولين الأميركيين قد طرحت من جديد مسألة تناقضات الرأسمالية بدل أن تطرح مسألة انتصارها النهائي. استشهاد من (البيان الشيوعي): «إن تاريخ كل المجتمعات إلى أيامنا هاته هو تاريخ صراع الطبقات، أناس أحرار وعبيد، ارستقراطيون وعوام،، بارونات واقنان، أسياد وموالي، وبكلمة واحدة: مضطهدون ومضطهدون، كانوا دائماً في حال مجابهة، وقد انخرطوا في صراع لا هوادة فيه، صراع مقنع أحياناً وسافر أحياناً أخرى، كان ينتهي في كل مرة إما بتغيير ثوري للمجتمع بأكمله أو بدمار مختلفة الطبقات المتصارعة». بيد أنه، وحسب كامو، فإن الإيمان بالتقدم واستنتاجات رينان تبدو اليوم مذهلة ومروعة. إن صراع الطبقات يوجد اليوم بصيغ مخالفة، إنه يظهر من جديد وينتشر ويتغير، لكن مع اختلاف جدير بالاعتبار لأن العبد والعامي والقن والمولى، وبكلمة واحدة لأن المضطهدين المسحوقين لم يعودوا يؤمنون بمجتمع، تختفي فيه الصراعات الطبقية ويتمركز فيه الإنتاج بين أيدي أفراد شركاء. وتفقد فيه السلطة العمومية سمتها السياسية (...) وأن المجتمع البورجوازي القديم بطبقاته وصراعاته الطبقية سيخلي المكان لشراكة يكون فيها الازدهار الحر لكل فرد شرطاً للازدهار الحر للجميع». لم يعد هناك أي شخص من بين «المستغلين» يرغب في الانخراط في هذه النزعة المسيحية المتعلقة بالتقدم وفي هذه النبوية التي أضحت دينية حيث يلتحق «ما بعد» لدى الملحدين بـ «الآخرة» لدى المؤمنين. البير كامو يقول: «ماركس هو في نفس الآن نبي بورجوازي وثوري. (...) والتمسح العالمي لدى ماركس هو ذو أصل بورجوازي، فالتقدم ومستقبل العالم وعبادة التقنية والإنتاج كلها أساطير بورجوازية تشكلت على هيئة عقيدة في القرن 19، وسيشار إلى أن البيان الشيوعي ظهر في نفس السنة التي ظهر فيها كتاب رينان مستقبل العلم». والطامة تتمثل في أن انتصار الرأسمالية لم يلغ تناقضاتها أبداً وأن ماركس ضمن البقاء بعد الماركسية، لكن الاقتصادي الذي كان بـروميثيوسيا هو أبعد ما يكون عن أن يشكل المحدد الوحيد للسلوكات، وذلك على النقيض مما افترضه ماركس، ولا يبقى في الغالب الأعم كدواء لداء فقدان الأمل الاجتماعي أو البؤس الاقتصادي غير الاحتماء بالفوضى والفردانية، النزعة العدمية أو الدين. ترجمة: عبد الكريم شوطا عن: النوفيل أوبسيرفاتور [عدد خاص] * جان دانيال: كاتب وهو مؤسس مجلة «النوفيل أوبسيرفاتور»، آخر كتاب ظهر له هو: «السجن اليهودي»! أوديل جاكوب 2003] * نقلاً عن الزميلة «اليسار الموحد» المغربية عدد 12 شباط (فبـراير) 2004
الحرية 4-
الحرية 4-