- الأحد مايو 06, 2012 12:00 am
#50391
منذعام 1990، تم إسدال الستار على المشهد الأخير من العلاقات الدولية المحكومةبالثنائية القطبية، حيث تم الإعلان عن نهاية الحرب الباردة، وولادة المشهد العالمي"الجديد" المحكوم بالرؤى والممارسات الأحادية للنظام الرأسمالي في طورهالأمريكي المعولم.
وبولادةهذا المشهد، تكرس انجاز ميزان القوى العالمي لصالح المشروع الامريكي في الهيمنةعلى هذا الكوكب واخضاعه –بصورة مباشرة او غير مباشرة- للسياسات والمصالحالامريكية، حيث تحولت معظم حكومات وأنظمة هذا العالم الى أدوات خاضعة او شريكة منالدرجة الثانية للنظام الامبريالي الأمريكي في هذه المرحلة التي قد تمتد إلى عقديناو اكثر من هذا القرن الحادي والعشرين، خاصة وانه لا يزال أمام الهيمنة الأمريكيةايام عمر مشرقة –كما يقول سمير امين- حيث ان "الكتل" الإقليمية القادرةعلى تهديدها ليست على جدول الأعمال، ذلك ان العولمة الليبرالية السائدة حالياًليست "عولمة اقتصادية" بحتة مستقلة عن إشكالية الهيمنة او منطق التوحشالامبريالي التوسعي وادواته الذي تمارسه المؤسسات والأجهزة الأمريكية الحاكمة التيتعلم ان الخطاب السائد الذي يزعم أن الأسواق تضبط من تلقاء نفسها، وأن سيادتهاالمطلقة دون قيود تنتج تلقائياً الديمقراطية والسلام، إنما هو –كما يقول سمير امينبحق- خطاب أيدلوجي مبتذل لا أساس علمياً له، وبالتالي فان ما يجب ان يستنتج من هذاالاعتراف انما هو ان الولايات المتحدة سوف توظف قوتها العسكرية الاستثنائية من اجلإخضاع الجميع لمقتضيات ديمومة مشروعها للسيادة العالمية، بمعنى آخر لن تكون هناك"عولمة" دون إمبراطورية عسكرية أمريكية، تقوم على المبادئ الرئيسيةالتالية وفق د. سمير امين:
1- إحلال الناتو محل الأمم المتحدة من اجل إدارةالسياسة العالمية.
2- تكريس التناقضات داخل أوروبا من اجل إخضاعهالمشروع واشنطن.
3- تكريس المنهج العسكري او عولمة السلاح كأداةرئيسية للسيطرة.
4- توظيف قضايا "الديمقراطية" و"حقوق الشعوب" لصالح الخطة الأمريكية عبر الخطاب الموجه للرأي العام منناحية وبما يساهم في تخفيض بشاعة الممارسات الأمريكية من ناحية ثانية.
أخيراً،ان الدعوة الى مقاومة العولمة الأمريكية ومواقفها العدائية، مع حليفها الصهيوني فيبلادنا، هي السبيل الوحيد لمجابهة هذه الهيمنة والتغلب على آثارها وأدواتها، عبرالتأسيس النظري والعملي للخطوات الأولى على طريق الخروج من الأزمة الراهنة التيتتمثل في الحوار الجاد والمعمق لبلورة آليات إعادة بناء الحركة الماركسية العربية،في موازاة الحوار بين جميع أطراف اليسار العالمي لإعادة بناء الإطار الاممي الثوريالديمقراطي كعولمة نقيضة للنظام الرأسمالي الامبريالي كله.
مسار وركائزالعولمة الرأسمالية الراهنة.
لميكن انهيار الاتحاد السوفيتي – في العقد التاسع من القرن العشرين – حدثاً روسياًفقط ، بقدر ما كان بداية تحول نوعي في مسار التطور العام للبشرية ، عملت الولاياتالمتحدة الأمريكية وحلفاؤها على إنضاج وتفعيل تراكماته الداخلية والخارجية ،تمهيداً لدورها – الذي تمارسه اليوم – كقطب أحادي يتولى إدارة ما يسمى بالنظامالعالمي " الجديد " .
وفيسياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في كافة أرجاء كوكبنا الأرضي بعدأن تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع اللامحدود ، كان لابد من تطوير بلوإنتاج النظم المعرفية ، السياسية والاقتصادية الى جانب الفلسفات التي تبرر وتعززهذا النظام العالمي الأحادي ، خاصة وأن المناخ العام المهزوم أو المنكسر في بلدانالعالم الثالث أو الأطراف قد أصبح جاهزاً للاستقبال والامتثال للمعطيات الفكريةوالمادية الجديدة، عبر أوضاع مأزومة لأنظمة – في العالم الثالث – فقدت وعيهاالوطني أو كادت ، وقامت بتمهيد تربة بلادها للبذور التي استنبتها النظام العالمي" الجديد " تحت عناوين تحرير التجارة العالمية وإعادة الهيكلة ، والتكيفوالخصخصة، باعتبارها أحد الركائز الضرورية اللازمة لتوليد وتفعيل آليات النظامالعالمي " الجديد " أو ما يسمى بالعولمة Globalization التي بدأت تنتشر وتتغلغل في أرجاء كوكبنا منذ بداية ثمانيناتالقرن الماضي حتى بداية هذا القرن الحادي والعشرين، لدرجة أن أحداً لم يعد يماري-كما يقول جاد الكريم الجباعي- في واقع أن الرأسمالية جددت نفسها، ولا تزال علىالأرجح قادرة على تجديد نفسها، ولا سيما على صعيد النمو المتسارع في قوى الإنتاج،ولكن ما يغفل عنه كثيرون أن كل تطور نوعي في النظام الرأسمالي العالمي يؤدي الىتغير مقابل في نسق العلاقات الدولية، يتمظهر في صيغة أزمة دولية كالتي نعيشهااليوم، وما ذلك إلا لسبب تعمق الطابع العالمي للقيمة، وتعمق الطابع العالمي لتقسيمالعمل وتوزيع الثروة وعوامل الانتاج وصيرورة السوق العالمية المبتورة، كما يصفهاسمير أمين، كحقائق واقعية، ومع ذلك لا تكف التناقضات الملازمة للنظام الراسمالي عنالعمل والتاثير في بنيته وأدائه، وفي مقدمتها التناقض بين راس المال والعمل، ولاسيما في ظل الكشوف العلمية وثورة الثقافة، وتحول المعرفة الى قوة إنتاج أساسية،وما نمو البطالة والفقر واتساع دائرة المهمشين على الصعيد العالمي سوى بعض مظاهرهذا التناقض.
يؤكدعلى ذلك تقرير البنك الدولي لعام 2002 الذي كشف عن تباطؤ معدلات نمو الاقتصادالعالمي، خاصة في البلدان النامية الذي من شأنه اعاقة عملية تخفيض أعداد الفقراءفي تلك البلدان، ويضيف التقرير، أنه "على الرغم من استمرار ارتفاع اسعارالنفط فقد هبط معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا 2.5% مقابل 3.2%عام 2001" وما رافق ذلك من تراجعات، ليس على المستوى الاقتصادي/الاجتماعيفحسب ، بل على الصعيد السياسي حيث تزايدت بصورة غير مسبوقة مظاهر تعمق تبعيةالانظمة في هذه المنطقة وخضوعها الكامل للهيمنة الرأسمالية في نظام العولمةالأمريكي، يشهد على ذلك تفاقم الازمات المستعصية السياسية والاقتصادية والمجتمعية،وتكريس مظاهر التبعية والتخلف في بلدان العالم الثالث عموماً، وفي بلدان النفطخصوصاً، رغم ارتفاع الأسعار إلى ما يقرب من (80) دولاراً للبرميل الواحد في منتصفعام 2006.
السؤالالذي نطرحه هنا ونحاول الإجابة عليه ، هل العولمة نظام جديد ظهر فجأة عبر قطيعة معالسياق التاريخي للرأسمالية أم أنه جاء تعبيراً عن شكل التطور الأخير للإمبرياليةمنذ نهاية القرن الماضي ؟ وهل تملك العولمة كظاهرة إمكانية التفاعل والتطوروالاستمرار لتصبح أمراً واقعاً في القرن الحادي والعشرين؟
أولاً: المعروف أن الرأسمالية منذ نشأتها الأولى في القرن السادس عشر ، ومن ثم في سياقتطورها اللاحق ، لم تكن في صيرورة فعلها حركة محدودة بإطار وطني أو قومي معين ضمنبعد جغرافي يحتوي ذلك الوطن أو يعبر عن تلك القومية ، فالإنتاج السلعي وفائضالقيمة وتراكم رأس المال لدى البورجوازية الصاعدة منذ القرن الخامس عشر التياستطاعت تحطيم إمارات وممالك النظام الإقطاعي القديم في أوروبا، وتوحيدها في أطرقومية حديثة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها ، لم تكن هذه الدولالقومية الحديثة والمعاصرة سوى محطة لتمركز الإنتاج الصناعي ورأس المال على قاعدةالمنافسة وحرية السوق، للانطلاق نحو التوسع العالمي اللا محدود، انسجاماً مع شعارالكوسموبوليتية Cosmopolitanism أو المواطنة العالميةالذي رفعته منذ نهاية القرن التاسع عشر ، وهي نظرية تدعو الى " نبذ المشاعرالوطنية والثقافة القومية والتراث القومي باسم وحدة الجنس البشري ، ومن الواضح أنهذا الشعار الأيديولوجي صاغته الرأسمالية في مواجهة شعار الأممية البروليتارية" ProletarianInternationalism" وجوهره" يا عمال العالم اتحدوا " ، لكن الأزمات التي تعرض لها الاقتصادالأوروبي / الأمريكي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين من جهة ، وبروزدور الاتحاد السوفيتي وما رافقه من انقسام العالم عبر ثنائية قطبية ، فرضت أسساًجديدة للصراع لم يشهده العالم من قبل من جهة أخرى ، وبتأثير هذه العوامل لم يكنأمام دول المعسكر الغربي سوى إعادة النظر – جزئياً – في آليات المنافسة الرأسماليةوحرية السوق والتوسع اللا محدود، كما عبر عنها آدم سميث الأب الأول لليبرالية ،حيث توصلت للخروج من أزمتها عام 1929 ، الى ضرورة إعطاء الدولة دوراً مركزياًلإعادة ترتيب المجتمع الرأسمالي، يتيح مشاركتها في إدارة الاقتصاد في موازاة الدورالمركزي للسوق الحر وحركة رأس المال ، وقد تبلور هذا التوجه في قيام هذه الدولبتطبيق الأسس الاقتصادية التي وضعها المفكر الاقتصادي " جون ماينارد كينز" حول دور الدولة ، دون أي اهتمام جدي للتراجع الملموس حينذاك الذي أصاب شعارالكوسموبوليتية ، ومن أهم هذه الأسس :-
1-تمكين الدولة الرأسمالية من الرد على الكوارث الاقتصادية .
2-إعطاءالدولة دور المستثمر المالي المركزي في الاقتصاد الوطني أو رأسمالية الدولة (القطاعالعام ) .
3-حق الدولة في التدخل لتصحيح الخلل في السوق أو في حركة المال .
4-دور الدولة في تفادي التضخم والديون وارتفاع الأسعار .
وقد استمرت دول النظام الرأسمالي وحلفاؤها فيالأطراف في تطبيق هذه السياسات الاقتصادية الكينزية طوال الفترة الممتدة منذثلاثينات القرن العشرين حتى نهاية العقد الثامن منه، حيث بدأت ملامح انهيار منظومةالبلدان الاشتراكية وبروز الأحادية القطبية الأمريكية وأيديولوجية الليبراليةالجديدة .
علىأن هذه الأحادية القطبية التي تحكم العالم منذ بدايات العقد الأخير من القرنالعشرين ، لم يكن مقدراً لها أن تكون بدون شكلين متناقضين من التراكم ، الأولالتراكم السالب في بنية المنظومة الاشتراكية أدى في ذروته الى انهيار الاتحادالسوفيتي ، والثاني التراكم في بنية النظام الرأسمالي -بالرغم من أزمته الداخلية-الذي حقق تحولاً ملموساً في تطور المجتمعات الرأسمالية قياساً بتطور مجتمعات بلدانالمعسكر الاشتراكي ، وكان من أهم نتائج هذا التطور النوعي الهائل ، خاصة على صعيدالتكنولوجيا والاتصالات ، إعادة النظر في دور الدولة الرأسمالية أو الأسس الاقتصاديةالكينزية ، وقد بدأ ذلك في عصر كل من تاتشر عام 1979 على يد مستشارها الاقتصادي" فردريك فون هايك ، ورونالد ريجان عام 1980 ومستشاره الاقتصادي "ميلتون فريدمان " وكلاهما أكد على أهمية العودة الى قوانين السوق وحرية رأسالمال
وفق أسس نظرية الليبرالية الجديدة liberalism newالتي تقوم على :-
1-" كلما زادت حرية القطاع الخاص كلما زاد النمو والرفاهية للجميع "! .
2-" تحرير رأس المال وإلغاء رقابة الدولة في الحياة الاقتصادية "،وتحريرالتجارة
العالمية.
أنها باختصار ، دعوة الى وقف تدخل الدولة المباشر، وتحرير رأس المال من كل قيد ، انسجاماً مع روح الليبرالية الجديدة التي هي فيجوهرها ظاهرة رأسمالية تنتمي – الى " حرية الملكية والسوق والبيع والشراء ،ومنطقها الحتمي يؤدي الى التفاوت الصارخ في الملكية والثروة لا الى المساواة .
فيضوء هذه السياسات ، اندفعت آليات الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الدولية WTO ، وبحماس بالغ ، في الترويج لهذه الليبرالية ، بل والضغط على كافةدول العالم عموماً والعالم الثالث على وجه الخصوص ، للأخذ بالشروط الجديدة تحتشعار برامج التصحيح والتكيف التي تمثل كما يقول د. رمزي زكي " أول مشروع أمميتقوم به الرأسمالية العالمية في تاريخها ، لإعادة دمج بلدان العالم الثالث فيالاقتصاد الرأسمالي من موقع ضعيف ، بما يحقق مزيداً من إضعاف جهاز الدولة ،وحرمانها من الفائض الاقتصادي ، وهما الدعامتان الرئيسيتان اللتان تعتمد عليهماالليبرالية الجديدة " .
ثانياً: بالطبع لم يكن ظهور مفهوم العولمة الاقتصادي معزولاً عن الانهيار الأيديولوجيالذي أصاب العالم بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي ، بل هو مرتبط أشد الارتباطبالمفاهيم الفكرية التي صاغها فلاسفة ومفكرو الغرب الرأسمالي ، بدءاً من "عصر نهاية الأيديولوجيا " الى " صراع الحضارات " ، و " نهايةالتاريخ عند الحضارة الغربية " ، وهي مجموعة أفكار بقدر ما تفتقر الىالانسجام العام والتواصل مع البعد الإنساني للفكر الغربي الحديث ، ونعني بذلك فكرالنهضة والتنوير بكل مدارسه المثالية والمادية ، فإنها تتقاطع مع الأفكار النازيةكما صاغها تريتشكه ونيتشه ، عندما تتحدث عن تفرد الحضارة الغربية – ضمن إطارهاالثقافي والجغرافي – بالقوة والعظمة دونأي دور أو ترابط مع حضارات العالم الأخرى ، وعلى أساس أن حضارة الغرب – كما يقولصموئيل هنتنجتون – " لها جوهر واحد ثابت لا يعرف التغيير ، وهوية مطلقة تبقىكما هي عبر القرون " ! وكذلك الأمر عند " فرنسيس فوكوياما " الذييرى أنه " بسقوط الأنظمة الاشتراكية يكون الصراع التاريخي بين الليبراليةوالماركسية قد انتهى بانتصار ساحق لليبرالية الجديدة ، وبهذا النصر تكون البشريةقد بلغت نقطة النهاية لتطورها الأيديولوجي " ! ؟ .
"إن تصور "فوكوياما " للعالم بعد نقطة النهاية هذه – أو "نهاية التاريخ" أو"نهاية الصراع الأيديولوجي" – يستند على أنه لا وجود لتناقضات أساسية فيالحياة البشرية لا يمكن حلها في إطار الليبرالية الحديثة ، ومع ذلك فليس منالضروري عند نهاية التاريخ ان تصبح كل المجتمعات مجتمعات ليبرالية ، بل بالعكسيرفض هذا التجانس ويؤكد أن البلدان التي تنتمي فقط الى الحضارة الغربية هي التييجب أن تؤكد سيطرتها على العالم كله، على قاعدة السادة والعبيد ، لان بلدان العالمالثالث عموما-حسب فوكوياما- ستكون مصدراً يهدد الحضارة الغربية، سواء بشعاراتالتطرف القومي أو الديني أو بالأوبئة والأمراض والتخلف ، وبالتالي لابد من إخضاعالعالم الثالث باعتبارهم " أعداء الغد " ! "، هذه الرؤية الأيدلوجيةالعنصرية تستهدف بصورة مباشرة توضيح الجوهر الحقيقي للامبريالية في ظل العولمةالرأسمالية السائدة اليوم، اذ ان "الامبريالية هي السيطرة والتحكم والتملكوالاستغلال الذي تمارسه الطبقات السائدة في دولة – أمة على أمة أخرى وعلى مواردهاوسوقها وسكانها" . وحالياً وعلى نطاق غير مسبوق تتحكم البنوك والشركات متعددةالجنسية والمؤسسات المالية لاوروبا والولايات المتحدة الامريكية في الغالبيةالعظمى لأهم المنظمات الاقتصادية . وتتمثل الوظيفة الاساسية للدولة الامبريالية فيالسيطرة بكيفية تسمح بازدهار شركاتها متعددة الجنسيات . وتقدم الدولة الامبرياليةمساعدات لجيش صغير من الايديولوجيين (المفكرين) الرأسماليين في بلدان المركز ، إلىجانب العديد من الايدلوجيين والمثقفين الليبراليين الجدد في بلدان العالم الثالثالذين باتت مصالحهم الشخصية بديلا لولائهم الوطني او القومي .
ففيالماضي شارك رجال الدين والسلطات الاستعمارية في الشحن العقائدي للشعوب المغلوبةعلى امرها . اما حاليا فان وسائل الاتصال الجماهيري ونظام التعليم العاليوالمنظمات غير الحكومية التي تمولها الامبراطورية ودعاية الفاتيكان كلها تؤسسالنموذج الايديولوجي الذي يصف الخضوع بما هو "تحديث"، والاستعمار الجديدبما هو عولمة والمضاربة المالية بما هي عصر الاعلاميات في ظل النظام الإكراهيالإمبريالي للعولمة، عبر المركز الأمريكي الأوروبي، فالعولمة هنا هي شكل إنتشارالسلع والمنتجات والثقافة والإعلام والمعلومات، أما مضمونها مركزي الى أبعد الحدودعبر سيطرة رأس المال الأمريكي الأوروبي على حركة ومسار السلع المادية والثقافةوالإعلام..... الخ . ولذلك فإن فكرة أن العولمة تخلق عالماً مترابطاً هي خاطئةبالفعل لأنها خلقت عالماً محكوماً في مساحة 85% منه لرأس المال الأمريكي الأوروبي(كما يوضح الجدول ادناه) الامر الذي يفسر لماذا يواصل اقتصاد الولايات المتحدةالأمريكية نموه ، بينما اقتصاد أسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا يشهد توقفاتوإفلاسات وأزمات وانهيارات اقتصادية .
وبولادةهذا المشهد، تكرس انجاز ميزان القوى العالمي لصالح المشروع الامريكي في الهيمنةعلى هذا الكوكب واخضاعه –بصورة مباشرة او غير مباشرة- للسياسات والمصالحالامريكية، حيث تحولت معظم حكومات وأنظمة هذا العالم الى أدوات خاضعة او شريكة منالدرجة الثانية للنظام الامبريالي الأمريكي في هذه المرحلة التي قد تمتد إلى عقديناو اكثر من هذا القرن الحادي والعشرين، خاصة وانه لا يزال أمام الهيمنة الأمريكيةايام عمر مشرقة –كما يقول سمير امين- حيث ان "الكتل" الإقليمية القادرةعلى تهديدها ليست على جدول الأعمال، ذلك ان العولمة الليبرالية السائدة حالياًليست "عولمة اقتصادية" بحتة مستقلة عن إشكالية الهيمنة او منطق التوحشالامبريالي التوسعي وادواته الذي تمارسه المؤسسات والأجهزة الأمريكية الحاكمة التيتعلم ان الخطاب السائد الذي يزعم أن الأسواق تضبط من تلقاء نفسها، وأن سيادتهاالمطلقة دون قيود تنتج تلقائياً الديمقراطية والسلام، إنما هو –كما يقول سمير امينبحق- خطاب أيدلوجي مبتذل لا أساس علمياً له، وبالتالي فان ما يجب ان يستنتج من هذاالاعتراف انما هو ان الولايات المتحدة سوف توظف قوتها العسكرية الاستثنائية من اجلإخضاع الجميع لمقتضيات ديمومة مشروعها للسيادة العالمية، بمعنى آخر لن تكون هناك"عولمة" دون إمبراطورية عسكرية أمريكية، تقوم على المبادئ الرئيسيةالتالية وفق د. سمير امين:
1- إحلال الناتو محل الأمم المتحدة من اجل إدارةالسياسة العالمية.
2- تكريس التناقضات داخل أوروبا من اجل إخضاعهالمشروع واشنطن.
3- تكريس المنهج العسكري او عولمة السلاح كأداةرئيسية للسيطرة.
4- توظيف قضايا "الديمقراطية" و"حقوق الشعوب" لصالح الخطة الأمريكية عبر الخطاب الموجه للرأي العام منناحية وبما يساهم في تخفيض بشاعة الممارسات الأمريكية من ناحية ثانية.
أخيراً،ان الدعوة الى مقاومة العولمة الأمريكية ومواقفها العدائية، مع حليفها الصهيوني فيبلادنا، هي السبيل الوحيد لمجابهة هذه الهيمنة والتغلب على آثارها وأدواتها، عبرالتأسيس النظري والعملي للخطوات الأولى على طريق الخروج من الأزمة الراهنة التيتتمثل في الحوار الجاد والمعمق لبلورة آليات إعادة بناء الحركة الماركسية العربية،في موازاة الحوار بين جميع أطراف اليسار العالمي لإعادة بناء الإطار الاممي الثوريالديمقراطي كعولمة نقيضة للنظام الرأسمالي الامبريالي كله.
مسار وركائزالعولمة الرأسمالية الراهنة.
لميكن انهيار الاتحاد السوفيتي – في العقد التاسع من القرن العشرين – حدثاً روسياًفقط ، بقدر ما كان بداية تحول نوعي في مسار التطور العام للبشرية ، عملت الولاياتالمتحدة الأمريكية وحلفاؤها على إنضاج وتفعيل تراكماته الداخلية والخارجية ،تمهيداً لدورها – الذي تمارسه اليوم – كقطب أحادي يتولى إدارة ما يسمى بالنظامالعالمي " الجديد " .
وفيسياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في كافة أرجاء كوكبنا الأرضي بعدأن تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع اللامحدود ، كان لابد من تطوير بلوإنتاج النظم المعرفية ، السياسية والاقتصادية الى جانب الفلسفات التي تبرر وتعززهذا النظام العالمي الأحادي ، خاصة وأن المناخ العام المهزوم أو المنكسر في بلدانالعالم الثالث أو الأطراف قد أصبح جاهزاً للاستقبال والامتثال للمعطيات الفكريةوالمادية الجديدة، عبر أوضاع مأزومة لأنظمة – في العالم الثالث – فقدت وعيهاالوطني أو كادت ، وقامت بتمهيد تربة بلادها للبذور التي استنبتها النظام العالمي" الجديد " تحت عناوين تحرير التجارة العالمية وإعادة الهيكلة ، والتكيفوالخصخصة، باعتبارها أحد الركائز الضرورية اللازمة لتوليد وتفعيل آليات النظامالعالمي " الجديد " أو ما يسمى بالعولمة Globalization التي بدأت تنتشر وتتغلغل في أرجاء كوكبنا منذ بداية ثمانيناتالقرن الماضي حتى بداية هذا القرن الحادي والعشرين، لدرجة أن أحداً لم يعد يماري-كما يقول جاد الكريم الجباعي- في واقع أن الرأسمالية جددت نفسها، ولا تزال علىالأرجح قادرة على تجديد نفسها، ولا سيما على صعيد النمو المتسارع في قوى الإنتاج،ولكن ما يغفل عنه كثيرون أن كل تطور نوعي في النظام الرأسمالي العالمي يؤدي الىتغير مقابل في نسق العلاقات الدولية، يتمظهر في صيغة أزمة دولية كالتي نعيشهااليوم، وما ذلك إلا لسبب تعمق الطابع العالمي للقيمة، وتعمق الطابع العالمي لتقسيمالعمل وتوزيع الثروة وعوامل الانتاج وصيرورة السوق العالمية المبتورة، كما يصفهاسمير أمين، كحقائق واقعية، ومع ذلك لا تكف التناقضات الملازمة للنظام الراسمالي عنالعمل والتاثير في بنيته وأدائه، وفي مقدمتها التناقض بين راس المال والعمل، ولاسيما في ظل الكشوف العلمية وثورة الثقافة، وتحول المعرفة الى قوة إنتاج أساسية،وما نمو البطالة والفقر واتساع دائرة المهمشين على الصعيد العالمي سوى بعض مظاهرهذا التناقض.
يؤكدعلى ذلك تقرير البنك الدولي لعام 2002 الذي كشف عن تباطؤ معدلات نمو الاقتصادالعالمي، خاصة في البلدان النامية الذي من شأنه اعاقة عملية تخفيض أعداد الفقراءفي تلك البلدان، ويضيف التقرير، أنه "على الرغم من استمرار ارتفاع اسعارالنفط فقد هبط معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا 2.5% مقابل 3.2%عام 2001" وما رافق ذلك من تراجعات، ليس على المستوى الاقتصادي/الاجتماعيفحسب ، بل على الصعيد السياسي حيث تزايدت بصورة غير مسبوقة مظاهر تعمق تبعيةالانظمة في هذه المنطقة وخضوعها الكامل للهيمنة الرأسمالية في نظام العولمةالأمريكي، يشهد على ذلك تفاقم الازمات المستعصية السياسية والاقتصادية والمجتمعية،وتكريس مظاهر التبعية والتخلف في بلدان العالم الثالث عموماً، وفي بلدان النفطخصوصاً، رغم ارتفاع الأسعار إلى ما يقرب من (80) دولاراً للبرميل الواحد في منتصفعام 2006.
السؤالالذي نطرحه هنا ونحاول الإجابة عليه ، هل العولمة نظام جديد ظهر فجأة عبر قطيعة معالسياق التاريخي للرأسمالية أم أنه جاء تعبيراً عن شكل التطور الأخير للإمبرياليةمنذ نهاية القرن الماضي ؟ وهل تملك العولمة كظاهرة إمكانية التفاعل والتطوروالاستمرار لتصبح أمراً واقعاً في القرن الحادي والعشرين؟
أولاً: المعروف أن الرأسمالية منذ نشأتها الأولى في القرن السادس عشر ، ومن ثم في سياقتطورها اللاحق ، لم تكن في صيرورة فعلها حركة محدودة بإطار وطني أو قومي معين ضمنبعد جغرافي يحتوي ذلك الوطن أو يعبر عن تلك القومية ، فالإنتاج السلعي وفائضالقيمة وتراكم رأس المال لدى البورجوازية الصاعدة منذ القرن الخامس عشر التياستطاعت تحطيم إمارات وممالك النظام الإقطاعي القديم في أوروبا، وتوحيدها في أطرقومية حديثة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها ، لم تكن هذه الدولالقومية الحديثة والمعاصرة سوى محطة لتمركز الإنتاج الصناعي ورأس المال على قاعدةالمنافسة وحرية السوق، للانطلاق نحو التوسع العالمي اللا محدود، انسجاماً مع شعارالكوسموبوليتية Cosmopolitanism أو المواطنة العالميةالذي رفعته منذ نهاية القرن التاسع عشر ، وهي نظرية تدعو الى " نبذ المشاعرالوطنية والثقافة القومية والتراث القومي باسم وحدة الجنس البشري ، ومن الواضح أنهذا الشعار الأيديولوجي صاغته الرأسمالية في مواجهة شعار الأممية البروليتارية" ProletarianInternationalism" وجوهره" يا عمال العالم اتحدوا " ، لكن الأزمات التي تعرض لها الاقتصادالأوروبي / الأمريكي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين من جهة ، وبروزدور الاتحاد السوفيتي وما رافقه من انقسام العالم عبر ثنائية قطبية ، فرضت أسساًجديدة للصراع لم يشهده العالم من قبل من جهة أخرى ، وبتأثير هذه العوامل لم يكنأمام دول المعسكر الغربي سوى إعادة النظر – جزئياً – في آليات المنافسة الرأسماليةوحرية السوق والتوسع اللا محدود، كما عبر عنها آدم سميث الأب الأول لليبرالية ،حيث توصلت للخروج من أزمتها عام 1929 ، الى ضرورة إعطاء الدولة دوراً مركزياًلإعادة ترتيب المجتمع الرأسمالي، يتيح مشاركتها في إدارة الاقتصاد في موازاة الدورالمركزي للسوق الحر وحركة رأس المال ، وقد تبلور هذا التوجه في قيام هذه الدولبتطبيق الأسس الاقتصادية التي وضعها المفكر الاقتصادي " جون ماينارد كينز" حول دور الدولة ، دون أي اهتمام جدي للتراجع الملموس حينذاك الذي أصاب شعارالكوسموبوليتية ، ومن أهم هذه الأسس :-
1-تمكين الدولة الرأسمالية من الرد على الكوارث الاقتصادية .
2-إعطاءالدولة دور المستثمر المالي المركزي في الاقتصاد الوطني أو رأسمالية الدولة (القطاعالعام ) .
3-حق الدولة في التدخل لتصحيح الخلل في السوق أو في حركة المال .
4-دور الدولة في تفادي التضخم والديون وارتفاع الأسعار .
وقد استمرت دول النظام الرأسمالي وحلفاؤها فيالأطراف في تطبيق هذه السياسات الاقتصادية الكينزية طوال الفترة الممتدة منذثلاثينات القرن العشرين حتى نهاية العقد الثامن منه، حيث بدأت ملامح انهيار منظومةالبلدان الاشتراكية وبروز الأحادية القطبية الأمريكية وأيديولوجية الليبراليةالجديدة .
علىأن هذه الأحادية القطبية التي تحكم العالم منذ بدايات العقد الأخير من القرنالعشرين ، لم يكن مقدراً لها أن تكون بدون شكلين متناقضين من التراكم ، الأولالتراكم السالب في بنية المنظومة الاشتراكية أدى في ذروته الى انهيار الاتحادالسوفيتي ، والثاني التراكم في بنية النظام الرأسمالي -بالرغم من أزمته الداخلية-الذي حقق تحولاً ملموساً في تطور المجتمعات الرأسمالية قياساً بتطور مجتمعات بلدانالمعسكر الاشتراكي ، وكان من أهم نتائج هذا التطور النوعي الهائل ، خاصة على صعيدالتكنولوجيا والاتصالات ، إعادة النظر في دور الدولة الرأسمالية أو الأسس الاقتصاديةالكينزية ، وقد بدأ ذلك في عصر كل من تاتشر عام 1979 على يد مستشارها الاقتصادي" فردريك فون هايك ، ورونالد ريجان عام 1980 ومستشاره الاقتصادي "ميلتون فريدمان " وكلاهما أكد على أهمية العودة الى قوانين السوق وحرية رأسالمال
وفق أسس نظرية الليبرالية الجديدة liberalism newالتي تقوم على :-
1-" كلما زادت حرية القطاع الخاص كلما زاد النمو والرفاهية للجميع "! .
2-" تحرير رأس المال وإلغاء رقابة الدولة في الحياة الاقتصادية "،وتحريرالتجارة
العالمية.
أنها باختصار ، دعوة الى وقف تدخل الدولة المباشر، وتحرير رأس المال من كل قيد ، انسجاماً مع روح الليبرالية الجديدة التي هي فيجوهرها ظاهرة رأسمالية تنتمي – الى " حرية الملكية والسوق والبيع والشراء ،ومنطقها الحتمي يؤدي الى التفاوت الصارخ في الملكية والثروة لا الى المساواة .
فيضوء هذه السياسات ، اندفعت آليات الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة الدولية WTO ، وبحماس بالغ ، في الترويج لهذه الليبرالية ، بل والضغط على كافةدول العالم عموماً والعالم الثالث على وجه الخصوص ، للأخذ بالشروط الجديدة تحتشعار برامج التصحيح والتكيف التي تمثل كما يقول د. رمزي زكي " أول مشروع أمميتقوم به الرأسمالية العالمية في تاريخها ، لإعادة دمج بلدان العالم الثالث فيالاقتصاد الرأسمالي من موقع ضعيف ، بما يحقق مزيداً من إضعاف جهاز الدولة ،وحرمانها من الفائض الاقتصادي ، وهما الدعامتان الرئيسيتان اللتان تعتمد عليهماالليبرالية الجديدة " .
ثانياً: بالطبع لم يكن ظهور مفهوم العولمة الاقتصادي معزولاً عن الانهيار الأيديولوجيالذي أصاب العالم بعد تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي ، بل هو مرتبط أشد الارتباطبالمفاهيم الفكرية التي صاغها فلاسفة ومفكرو الغرب الرأسمالي ، بدءاً من "عصر نهاية الأيديولوجيا " الى " صراع الحضارات " ، و " نهايةالتاريخ عند الحضارة الغربية " ، وهي مجموعة أفكار بقدر ما تفتقر الىالانسجام العام والتواصل مع البعد الإنساني للفكر الغربي الحديث ، ونعني بذلك فكرالنهضة والتنوير بكل مدارسه المثالية والمادية ، فإنها تتقاطع مع الأفكار النازيةكما صاغها تريتشكه ونيتشه ، عندما تتحدث عن تفرد الحضارة الغربية – ضمن إطارهاالثقافي والجغرافي – بالقوة والعظمة دونأي دور أو ترابط مع حضارات العالم الأخرى ، وعلى أساس أن حضارة الغرب – كما يقولصموئيل هنتنجتون – " لها جوهر واحد ثابت لا يعرف التغيير ، وهوية مطلقة تبقىكما هي عبر القرون " ! وكذلك الأمر عند " فرنسيس فوكوياما " الذييرى أنه " بسقوط الأنظمة الاشتراكية يكون الصراع التاريخي بين الليبراليةوالماركسية قد انتهى بانتصار ساحق لليبرالية الجديدة ، وبهذا النصر تكون البشريةقد بلغت نقطة النهاية لتطورها الأيديولوجي " ! ؟ .
"إن تصور "فوكوياما " للعالم بعد نقطة النهاية هذه – أو "نهاية التاريخ" أو"نهاية الصراع الأيديولوجي" – يستند على أنه لا وجود لتناقضات أساسية فيالحياة البشرية لا يمكن حلها في إطار الليبرالية الحديثة ، ومع ذلك فليس منالضروري عند نهاية التاريخ ان تصبح كل المجتمعات مجتمعات ليبرالية ، بل بالعكسيرفض هذا التجانس ويؤكد أن البلدان التي تنتمي فقط الى الحضارة الغربية هي التييجب أن تؤكد سيطرتها على العالم كله، على قاعدة السادة والعبيد ، لان بلدان العالمالثالث عموما-حسب فوكوياما- ستكون مصدراً يهدد الحضارة الغربية، سواء بشعاراتالتطرف القومي أو الديني أو بالأوبئة والأمراض والتخلف ، وبالتالي لابد من إخضاعالعالم الثالث باعتبارهم " أعداء الغد " ! "، هذه الرؤية الأيدلوجيةالعنصرية تستهدف بصورة مباشرة توضيح الجوهر الحقيقي للامبريالية في ظل العولمةالرأسمالية السائدة اليوم، اذ ان "الامبريالية هي السيطرة والتحكم والتملكوالاستغلال الذي تمارسه الطبقات السائدة في دولة – أمة على أمة أخرى وعلى مواردهاوسوقها وسكانها" . وحالياً وعلى نطاق غير مسبوق تتحكم البنوك والشركات متعددةالجنسية والمؤسسات المالية لاوروبا والولايات المتحدة الامريكية في الغالبيةالعظمى لأهم المنظمات الاقتصادية . وتتمثل الوظيفة الاساسية للدولة الامبريالية فيالسيطرة بكيفية تسمح بازدهار شركاتها متعددة الجنسيات . وتقدم الدولة الامبرياليةمساعدات لجيش صغير من الايديولوجيين (المفكرين) الرأسماليين في بلدان المركز ، إلىجانب العديد من الايدلوجيين والمثقفين الليبراليين الجدد في بلدان العالم الثالثالذين باتت مصالحهم الشخصية بديلا لولائهم الوطني او القومي .
ففيالماضي شارك رجال الدين والسلطات الاستعمارية في الشحن العقائدي للشعوب المغلوبةعلى امرها . اما حاليا فان وسائل الاتصال الجماهيري ونظام التعليم العاليوالمنظمات غير الحكومية التي تمولها الامبراطورية ودعاية الفاتيكان كلها تؤسسالنموذج الايديولوجي الذي يصف الخضوع بما هو "تحديث"، والاستعمار الجديدبما هو عولمة والمضاربة المالية بما هي عصر الاعلاميات في ظل النظام الإكراهيالإمبريالي للعولمة، عبر المركز الأمريكي الأوروبي، فالعولمة هنا هي شكل إنتشارالسلع والمنتجات والثقافة والإعلام والمعلومات، أما مضمونها مركزي الى أبعد الحدودعبر سيطرة رأس المال الأمريكي الأوروبي على حركة ومسار السلع المادية والثقافةوالإعلام..... الخ . ولذلك فإن فكرة أن العولمة تخلق عالماً مترابطاً هي خاطئةبالفعل لأنها خلقت عالماً محكوماً في مساحة 85% منه لرأس المال الأمريكي الأوروبي(كما يوضح الجدول ادناه) الامر الذي يفسر لماذا يواصل اقتصاد الولايات المتحدةالأمريكية نموه ، بينما اقتصاد أسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا يشهد توقفاتوإفلاسات وأزمات وانهيارات اقتصادية .