منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#50441
فجأة وجدت كل من قطر وروسيا نفسيهما متورطتين في شجار عنيف إثر اعتقال قطر لعميلين روسيين مشتبه فيهما في مؤامرة اغتيال الزعيم الشيشاني المنفي سليم خان نيدر باييف، والزعيم المجاهد كان قد اغتيل في انفجار قنبلة مزروعة تحت سيارته الخاصة الشهر الماضي في العاصمة القطرية الدوحة.
ومن الواضح أن أول الآثار السلبية الظاهرة للعيان حتى الآن للخلاف الثنائي هو النكسة الكبيرة في محاولات موسكو الحديثة لتعميق علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يؤكد وجود جذور إسلامية عميقة لها تأثيراتها المستمرة أينما وكيفما كانت..

مواقف خليجية:
مجلس التعاون الخليجي شجب عملية الاغتيال على الفور، وساند إعلان قطر في إجراء تحقيقات واسعة لمعرفة الجهات التي وقفت خلف العمل الإجرامي.
ففي تصريح خلال الأسبوع الحالي أعلن وزراء خارجية مجلس دول التعاون الخليجي (المؤلف من ست دول عربية إسلامية) أعلن تنديده بعملية اغتيال الزعيم المجاهد نيدر باييف في 13 فبراير الماضي، قال البيان الوزاري: "إن قتل نيدر باييف يعد تحدٍّ للإنسانية والقيم الدينية والأخلاقية".

لكن (وزير الإعلام الكويتي) حمد أبو الحسن، والذي تترأس بلاده الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي أكد للصحفيين بعد الإعلان الوزاري أنه لا يعتقد بأن تتصاعد قضية التوتر بين روسيا وقطر، مشيراً إلى أن مجلس التعاون الخليجي يطمح إلى علاقات جيدة ومزدهرة مع روسيا.
وعلى الرغم من هذه الكلمات الإيجابية للوزير الكويتي، إلا أن العلاقات بين روسيا والعالم العربي يمكن أن تتأثر على نحو سيئ بسبب التوتر بين قطر وروسيا.

على سبيل المثال فإن الكسندر بيكييف (الخبير السياسي في موسكو) أكد لوسائل الإعلام الروسية أن هناك لوبٍ معادٍ للعالم العربي والإسلامي في موسكو، ويمكن أن يستخدم هذه الفرصة في إضعاف العلاقات بين روسيا والعرب.

عقبة في طريق روسيا نحو المنطقة:
هذه الأحداث الجديدة جاءت في وقت تحاول فيه روسيا تمكين علاقتها مع العالم العربي والإسلامي.
ففي فبراير الماضي أعلن (وزير الخارجية الروسي) إيجور إيفانوف عن قرار لإنشاء جامعة إسلامية في موسكو.

ومما لا شك فيه فإن إنشاء جامعة إسلامية في موسكو سيلاقي صدىً إيجابياً لدى الدول العربية والإسلامية.
وقد قال إيفانوف: "إن إنشاء الجامعة الإسلامية سيساعد في تنامي المساواة بين الأديان في موسكو"، مضيفاً أن روسيا تريد أن تزيد من مساعيها في إقامة علاقات ودودة مع الدول الإسلامية.

وقد سبق هذا الإعلان الروسي حادثة أخرى لا تقل أهمية عنها، ففي أكتوبر الماضي حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة العاشرة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في كولالمبور، وتقدّم للدول الإسلامية بطلب الانضمام للمنظمة بصفة مراقب.
وقدمت روسيا تبريراتها لهذا الطلب بأن روسيا تضم أكثر من 20 مليون مسلم، وبذلك فإن عدد المسلمين فيها يزيد عن عدد المسلمين في بعض الدول الإسلامية.

عقود روسيا الاقتصادية:
على صعيد آخر فإن العلاقات الروسية الاقتصادية مع الدول العربية والإسلامية في تنامٍ مستمر.

على سبيل المثال فإن شركة بترولية روسية كبيرة أنهت يوم أول أمس الأحد، 7 مارس 2004م، اتفاقية غير مسبوقة مع المملكة العربية السعودية لتطوير مكامن الغاز الطبيعي.
وهذا المشروع سوف ينفذ مشاركة بين شركة (لكويل) الروسية العملاقة وبين شركة (أرامكو) السعودية، وستبلغ حصة (لكويل) في هذا المشروع 80%، وبحسب الاتفاقية فإن امتياز (لكويل) في تطوير مكامن الغاز الطبيعي في السعودية ستستمر مدة 40 عاماً وفي السعودية.

أيضاً تم التوقيع في شهر سبتمبر الماضي بين المسؤولين الروس والسعوديين على اتفاقية مدتها خمسة سنوات تشمل تعاوناً ثنائياً في مجال النفط والغاز.
وطبقاً لوزارة الطاقة الروسية، فإن هذه الاتفاقية قد تمهد الطريق لاتفاقيات أخرى بقيمة 25 بليون دولار!!
وبدورها فإن العقود الروسية الجديدة في المملكة ستفتح الطريق أمام الشركات الروسية مستقبلاً لتقديم عروض تطوير دول أخرى في المنطقة.

على هذا فإن روسيا ستبدو مؤهلة للخوف من أن تؤدي المصادمات مع قطر إلى عرقلة مساعي روسيا في استثمارات نفطية وغازية طويلة الأجل في الخليج العربي.

أفكار روسيّة للانتقام:
في أعقاب اعتقال العميلين الروسيين، وصلت حدة المشاحنات بين قطر وروسيا حداً لم تصله من قبل.
فقد صرح وزير الخارجية الروسي بأن موسكو ستتخذ كل الإجراءات الممكنة لتحرير عملائها في قطر، وهو وإن لم يصرح بشكل مباشر لإمكانية استخدام القوة العسكرية لذلك، فإن ذلك واقع – قياسياً – حيث صرحت موسكو في أكتوبر الماضي بأنها ستستخدم القوة العسكرية الوقائية في حالة التهديد المباشر للمواطنين الروس في أي مكان.

وحتى إن كان هذا القياس بعيداً نسبياً، فإنه سيكون أقرب – نسبياً – مع مطالبة أحد السياسيين الروس، وهو دميتري روجوزين (رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس النواب الروسي) بأن تستخدم موسكو القوة العسكرية ضد قطر.

ورغم ذلك فإن مسألة استخدام القوة العسكرية ضد قطر مسألة لا يمكن أن تلاقي قبولاً في الكرملين، خاصة مع وجود قوة أمريكية ضخمة في قاعدة عسكرية بقطر، والتي تشرف على احتلال العراق.
لهذا فإن المتحدث باسم الخارجية الروسية أعلن بعد تصريحات روجوزين بأن هذه التصريحات تعد شخصية ولا تعكس وجهة نظر الحكومة الروسية.

وعلى نفس صعيد الانتقام فإن روسيا قامت الأسبوع الماضي باعتقال مواطنين قطريين (في ردة فعل واضحة) هما من أعضاء فريق للمصارعة!!
وأعلنت وزارة الخارجية القطرية أن كلاً من المصارع ناصر إبراهيم سعد، وإبراهيم أحمد ناصر أحمد (الذي يمثل اتحاد المصارعة القطري) قد اعتقلا من قبل السلطات الروسية في موسكو.
كما أكدت قطر على أن موسكو قامت باعتقال مواطن قطري آخر يحمل الجنسية الروسية وهو عباد أحمدوف البيلاروسي، والذي اعتقل في مطار بموسكو قبل أن يطلق سراحه لاحقاً.

وجاءت ردة فعل الوسائل الإعلامية القطرية بالتأكيد على أن الحكومة الروسية تقوم بأعمال المافيا من أجل الضغط على الحكومة القطرية لإطلاق سراح العملاء الروس.
حيث قالت صحيفة (الراية القطرية) في مقال لها بتاريخ 28 فبراير 2004 م: "إن الحكومة الفيدرالية في الكرملين تصر على التصرف كالمافيا" فيما قالت صحيفة (الشرق): "إن الروس غير راضين باغتيالهم ليندر باييف، لذلك فإنهم يزيدون من أعمالهم الإجرامية باختطاف المواطنين القطريين من أجل غرض واضح هو مبادلتهم بالمعتقلين الروس".

ادعاءات البراءة الروسية:
قامت السلطات القطرية باعتقال ثلاثة أشخاص روس في الدوحة قبل أن تطلق سراح أحدهم (بسبب حمله لجواز سفر دبلوماسي) وتبقي على الآخرين بتهمة الاشتباه في ضلوعهم باغتيال الزعيم الشيشاني المجاهد.
وعرضت السلطات المتهمين الروسيين على المحكمة القطرية الأسبوع الماضي، حيث يواجه المتهمون تهمة القتل الرسمية بحال ثبوت إدانتهما.

وكان الزعيم الشيشاني ياندرباييف (51 عاماً) والذي كان رئيساً للجمهورية الشيشانية بالنيابة خلال عامي 1996-1997م قد استقر في منفاه بقطر منذ نحو ثلاث سنوات.
وعلى الرغم من المطالبات الروسية المتكررة لتسليمه، إلا أن قطر كانت متمسكة بحقه في اللجوء إليها.
وربما أحسّت روسيا بدعم معنوي لاغتياله خاصة بعد أن تضمن اسم ياندرباييف في قائمة صادرة عن الأمم المتحدة كأحد المرتبطين بتنظيم (القاعدة)، وقيام وزارة المالية الأمريكية بالاستيلاء على أصوله في الولايات المتحدة، حسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين.

وحاولت موسكو التأكيد عدة مرات على عدم اشتراكها في اغتيال ياندرباييف(!!!) مشيرة إلى أن اعتقال قطر لعميلين سريين روسيين يعد عملاً استفزازياً وانتهاكاً للقانون الدولي.
وادعت روسيا أن سفارتها في قطر كلفت ثلاثة مواطنين روس وأعضاء في المخابرات الروسية رسمياً بالقيام بأعمال تعقب وتحليل استباقاً لأي أعمال هجومية محتملة ضد روسيا أو مصالحها في قطر.

وذهبت موسكو لأبعد من ذلك، حيث دعت إلى اعتبار قطر أحد الدول الراعية (للإرهاب) عن طريق إعطائها اللجوء السياسي لياندرباييف.

وتدعي موسكو أن ياندباييف يقوم بتمويل المجاهدين الشيشانيين، وتنظيم هجماتهم من الدوحة، وتتهمه بشكل مباشر في إعطاء أوامره عبر الهاتف للاستيلاء على مسرح في موسكو خلال شهر أكتوبر 2002م، والذي قام به نحو 41 مجاهداً شيشانياً، وانتهى الأمر باستشهاد المجاهدين ومقتل 129 روسياً من أصل 800 رهينة كانوا في المسرح خلال عملية اقتحام عسكرية واسعة لرجال الكوماندوس الروس.

اغتيالات روسية سابقة:
في موسكو.. تبدي بعض الوسائل الإعلامية عدم قناعتها من براءة روسيا من دم ياندرباييف، وتشير بعض الصحف إلى تورط موسكو في اغتيال العديد من أعداء الحكومة الروسية.

على سبيل المثال تورد شبكة (CNS) الإعلامية على الإنترنت حادثة اغتيال الزعيم المعارض للاتحاد السوفيتي ليون تروتسكي في المكسيك عام 1940م على يد عميل للمخابرات الروسية.
كما تعد حادثة الاغتيال التي قامت بها المخابرات الروسية خارج روسيا في عام 1957م من أشهر العمليات الخاصة، عندما اغتالت الزعيم الوطني الأوكراني ستيبان بانديرا في ألمانيا الذي نظم جماعات مسلحة ضد القوات السوفيتية آنذاك وفقاً لوكالة أخبار (بريما) الأوكرانية.

هذا عدا عن عمليات الاغتيال الموجهة ضد المجاهدين الشيشان، وعمليات الملاحقة والتجسس والقتل الجماعي، وهو ما تعده روسيا شأناً داخلياً!!

وإن كان بالإمكان معرفة ما يحدث من تصعيد في الأزمة القطرية الروسية، فإن أحداً لا يستطيع الجزم بما قد يحدث في الأيام القادمة، خاصة وأن التصعيد الآن على أشده، في ظل بقاء العملاء الروس تحت الاعتقال في الدوحة، وبقاء المواطنين القطريين في سجون موسكو.