- الثلاثاء مايو 08, 2012 2:27 am
#50987
ميخائيل جورباتشوف
تمر هذا الأسبوع ذكرى مرور عشرين عاماً على ذلك اليوم الذي حاول فيه مجموعة من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي وبعض مسؤولي الحكومة القيام بانقلاب على نظام الحكم القائم وشكل الانقلابيون "لجنة"
غير دستورية بموجب حالة الطوارئ التي أعلنوها، وعزلوا الرئيس"بوريس يلتسين" وخلعوه من السلطة. والأحداث التي جرت في أغسطس 1991 كانت نتاجاً لصراع سياسي شرس خلال المرحلة النهائية من جهودنا التي كانت ترمي لإصلاح الاتحاد السوفييتي.
فخلال سنوات البيروسترويكا (إعادة البناء) أدت مجموعة من التغييرات الكبيرة التي أجريناها إلى تحويل وجه البلاد. كما أيد الناس الجلاسنوست(المصارحة) والانتخابات التنافسية الحرة، وبداية التحول لاقتصاد السوق.
ولم يكن إجراء تغييرات في بلد شاسع الأرجاء، متعدد الأعراق، ومعسكر، وتوتاليتاري بالأمر السهل بحال. ويتعين عليّ الاعتراف هنا بأننا قادة "البيروسترويكا"، كان لنا نصيبنا من الأخطاء. فقد تأخرنا أكثر من اللازم في إصلاح الحزب الشيوعي، الذي تحول ليصبح أداة معطلة في وجه "البيروسترويكا"، بدلاً من أن يكون قاطرتها. وشنت أجهزته في ذلك الوقت هجوماً عليّ رغم أنني كنت سكرتيره العام، ووصل ذلك الهجوم الشرس لذروته في اجتماع اللجنة المركزية في أبريل 1991 مما اضطرني حينها إلى إعلان استقالتي. بعد اجتماع عدة ساعات طلب مني المكتب السياسي سحب استقالتي والعودة للاجتماع. واعتقد الآن بعد مرور تلك السنوات أنني قد أخطأت بالموافقة على طلبهم، وأنني كان يجب أن أمضي قدماً في طريقي خصوصاً أن المحاولات التي كانوا يقومون بها للإطاحة بي كانت مستمرة على أي حال.
في شهر يوليو من ذلك العام، خاطب كل من رئيس الوزراء" فالنتين بافلوف"، ووزير الدفاع"ديميتري يازوف"، ورئيس الـ"كي. جي. بي" الهيئة التشريعية مطالبين بإعلان حالة الطوارئ وتفويض بعض صلاحيات الرئيس لرئيس الوزراء. وقد فعل الثلاثة ذلك أثناء غيابي حيث كنت في ذلك الوقت في المقر الرسمي لرئيس اللجنة التنفيذية العليا منهمكاً في إعداد معاهدة الاتحاد الجديد بين الجمهوريات السوفييتية التي كان مقرراً توقيعها في 20 أغسطس على أن يجتمع مؤتمر خاص للحزب في الخريف، وكان الشيء المحتمل أن تؤدي تلك المعاهدة إلى تقسيم الحزب بين الإصلاحيين والمحافظين.
خططنا في ذلك الوقت لإجراء الانتخابات بعد التوقيع على معاهدة الاتحاد كما خططنا أيضاً لإجراء تغييرات كبيرة في قيادة الاتحاد السوفييتي، وناقشت ذلك مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين ورئيس كازاخستان نور سلطان نزارييف مباشرة قبل مغادرتي لقضاء عطلة قصيرة في "القرم" في بدايات أغسطس 1991.
كنت مرهقاً للغاية بعد شهور من المعارك القاسية، لكنني قللت في ذلك الوقت من قدرة قوى المعارضة الرجعية، وكان يجب عليّ أن أؤجل العطلة التي قمت بها.
في الثامن عشر من ذلك الشهر، أجريت محادثة هاتفية مع مساعدي ومع"يلتسين" لإنهاء تفاصيل المعاهدة المشار إليها. كنت أخطط للعودة إلى موسكو في اليوم التالي لحضور التوقيع، ولكن فجأة ظهرت في مسكني مجموعة من الرجال من دون دعوة وقبل وصولهم بدقائق كانت جميع خطوط هواتفي السرية والخاصة والعمومية قد قطعت بحيث أصبحت معزولاً تماماً، وأدركت حينها أن خصومي في المكتب السياسي والحكومة قد اختاروا طريق الانقلاب.
طلب أفراد تلك المجموعة مني إما التخلي عن سلطاتي مؤقتاً لنائب الرئيس جينادي يناييف، أو الاستقالة، وهو ما رفضته بشكل قاطع، وطلبت عقد مؤتمر نواب الشعب أو عقد جلسة لمجلس السوفييتي الأعلى.
وردي على مخططي الانقلاب، وجه الضربة الأولى لخططهم .كما أثبت مجتمعنا في ذلك الوقت أنه تعلم كيف يحتج ويقدم مطالب، واتخذ "يلتسين" من جانبه موقفاً قوياً من خلال إدانته للمحاولة التي يقوم بها المتآمرون ووصفها صراحة بأنها "انقلاب"، وهو ما دفعني في ذلك الوقت لتقدير ما قام به في تلك الأيام والثناء عليه.
وآنذاك قال المشاركون في الانقلاب، ولا يزالون يقولون حتى اليوم، إن الغرض من الانقلاب كان حماية الاتحاد، ولكن وكما قلت منذ البداية، فإن ما حدث في أرض الواقع هو أنهم دمروا البلد. فرغم أن الانقلاب سقط بعد ثلاثة أيام إلى أنه كان قد دمر مبدأ الدولة الموحدة، وسرّع من هرولة الجمهوريات نحو الدخول في اتحاد، وهي عملية كان قادة روسيا قد دشنوها قبل وقوع الانقلاب بوقت طويل وبعدها بدأت الجمهوريات واحدة تلو الأخرى تطالب بالاستقلال. كان الموقف الذي نواجهه خطيراً ومع ذلك كنا قادرين على عقد "مؤتمر نواب الشعب"، الذي وافق على إعداد مسودة أخرى لمعاهدة الاتحاد تقوم على مبدأ الدولة الكونفيدرالية. ولولا تواطؤ حكام روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء، لكان من الممكن توقيع تلك الاتفاقية قبل نهاية 1991.
ولو كان ذلك قد حدث، لكانت الإصلاحات الاقتصادية المزمعة قد تمت - حسبما اعتقد - على نحو أقل إيلاماً ولكنا قد تمكنا من تجنب انهيار الإنتاج الصناعي، ولما كان قد حدث هذا التراجع الخطير في مستويات معيشة جميع الروس.
حتى الآن وبعد انقضاء كل تلك السنوات التي واجهت روسيا فيها مصاعب عديدة في كافة المجالات، لازلنا في نصف المسافة إلى الوصول إلى ديمقراطية مستقرة. لكن يجب علينا المواصلة مع ذلك ويجب أن نتمكن من تعويض ما فاتنا خلال السنوات القادمة من خلال التحرك بوتيرة أسرع. ولكي نحقق ذلك يجب أن نعمل على توحيد كافة الفئات الموجودة في مجتمعنا التي تدعم تحقيق المزيد من التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في روسيا. اعتقد أن لك ممكن فالفرصة مازالت في يدنا ويجب ألا نضيعها بأي حال من الأحوال.
روسيا بعد عقدين من الانهيار السوفييتي
ميخائيل جورباتشوف
تمر هذا الأسبوع ذكرى مرور عشرين عاماً على ذلك اليوم الذي حاول فيه مجموعة من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي وبعض مسؤولي الحكومة القيام بانقلاب على نظام الحكم القائم وشكل الانقلابيون "لجنة"
غير دستورية بموجب حالة الطوارئ التي أعلنوها، وعزلوا الرئيس"بوريس يلتسين" وخلعوه من السلطة. والأحداث التي جرت في أغسطس 1991 كانت نتاجاً لصراع سياسي شرس خلال المرحلة النهائية من جهودنا التي كانت ترمي لإصلاح الاتحاد السوفييتي.
فخلال سنوات البيروسترويكا (إعادة البناء) أدت مجموعة من التغييرات الكبيرة التي أجريناها إلى تحويل وجه البلاد. كما أيد الناس الجلاسنوست(المصارحة) والانتخابات التنافسية الحرة، وبداية التحول لاقتصاد السوق.
ولم يكن إجراء تغييرات في بلد شاسع الأرجاء، متعدد الأعراق، ومعسكر، وتوتاليتاري بالأمر السهل بحال. ويتعين عليّ الاعتراف هنا بأننا قادة "البيروسترويكا"، كان لنا نصيبنا من الأخطاء. فقد تأخرنا أكثر من اللازم في إصلاح الحزب الشيوعي، الذي تحول ليصبح أداة معطلة في وجه "البيروسترويكا"، بدلاً من أن يكون قاطرتها. وشنت أجهزته في ذلك الوقت هجوماً عليّ رغم أنني كنت سكرتيره العام، ووصل ذلك الهجوم الشرس لذروته في اجتماع اللجنة المركزية في أبريل 1991 مما اضطرني حينها إلى إعلان استقالتي. بعد اجتماع عدة ساعات طلب مني المكتب السياسي سحب استقالتي والعودة للاجتماع. واعتقد الآن بعد مرور تلك السنوات أنني قد أخطأت بالموافقة على طلبهم، وأنني كان يجب أن أمضي قدماً في طريقي خصوصاً أن المحاولات التي كانوا يقومون بها للإطاحة بي كانت مستمرة على أي حال.
في شهر يوليو من ذلك العام، خاطب كل من رئيس الوزراء" فالنتين بافلوف"، ووزير الدفاع"ديميتري يازوف"، ورئيس الـ"كي. جي. بي" الهيئة التشريعية مطالبين بإعلان حالة الطوارئ وتفويض بعض صلاحيات الرئيس لرئيس الوزراء. وقد فعل الثلاثة ذلك أثناء غيابي حيث كنت في ذلك الوقت في المقر الرسمي لرئيس اللجنة التنفيذية العليا منهمكاً في إعداد معاهدة الاتحاد الجديد بين الجمهوريات السوفييتية التي كان مقرراً توقيعها في 20 أغسطس على أن يجتمع مؤتمر خاص للحزب في الخريف، وكان الشيء المحتمل أن تؤدي تلك المعاهدة إلى تقسيم الحزب بين الإصلاحيين والمحافظين.
خططنا في ذلك الوقت لإجراء الانتخابات بعد التوقيع على معاهدة الاتحاد كما خططنا أيضاً لإجراء تغييرات كبيرة في قيادة الاتحاد السوفييتي، وناقشت ذلك مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين ورئيس كازاخستان نور سلطان نزارييف مباشرة قبل مغادرتي لقضاء عطلة قصيرة في "القرم" في بدايات أغسطس 1991.
كنت مرهقاً للغاية بعد شهور من المعارك القاسية، لكنني قللت في ذلك الوقت من قدرة قوى المعارضة الرجعية، وكان يجب عليّ أن أؤجل العطلة التي قمت بها.
في الثامن عشر من ذلك الشهر، أجريت محادثة هاتفية مع مساعدي ومع"يلتسين" لإنهاء تفاصيل المعاهدة المشار إليها. كنت أخطط للعودة إلى موسكو في اليوم التالي لحضور التوقيع، ولكن فجأة ظهرت في مسكني مجموعة من الرجال من دون دعوة وقبل وصولهم بدقائق كانت جميع خطوط هواتفي السرية والخاصة والعمومية قد قطعت بحيث أصبحت معزولاً تماماً، وأدركت حينها أن خصومي في المكتب السياسي والحكومة قد اختاروا طريق الانقلاب.
طلب أفراد تلك المجموعة مني إما التخلي عن سلطاتي مؤقتاً لنائب الرئيس جينادي يناييف، أو الاستقالة، وهو ما رفضته بشكل قاطع، وطلبت عقد مؤتمر نواب الشعب أو عقد جلسة لمجلس السوفييتي الأعلى.
وردي على مخططي الانقلاب، وجه الضربة الأولى لخططهم .كما أثبت مجتمعنا في ذلك الوقت أنه تعلم كيف يحتج ويقدم مطالب، واتخذ "يلتسين" من جانبه موقفاً قوياً من خلال إدانته للمحاولة التي يقوم بها المتآمرون ووصفها صراحة بأنها "انقلاب"، وهو ما دفعني في ذلك الوقت لتقدير ما قام به في تلك الأيام والثناء عليه.
وآنذاك قال المشاركون في الانقلاب، ولا يزالون يقولون حتى اليوم، إن الغرض من الانقلاب كان حماية الاتحاد، ولكن وكما قلت منذ البداية، فإن ما حدث في أرض الواقع هو أنهم دمروا البلد. فرغم أن الانقلاب سقط بعد ثلاثة أيام إلى أنه كان قد دمر مبدأ الدولة الموحدة، وسرّع من هرولة الجمهوريات نحو الدخول في اتحاد، وهي عملية كان قادة روسيا قد دشنوها قبل وقوع الانقلاب بوقت طويل وبعدها بدأت الجمهوريات واحدة تلو الأخرى تطالب بالاستقلال. كان الموقف الذي نواجهه خطيراً ومع ذلك كنا قادرين على عقد "مؤتمر نواب الشعب"، الذي وافق على إعداد مسودة أخرى لمعاهدة الاتحاد تقوم على مبدأ الدولة الكونفيدرالية. ولولا تواطؤ حكام روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء، لكان من الممكن توقيع تلك الاتفاقية قبل نهاية 1991.
ولو كان ذلك قد حدث، لكانت الإصلاحات الاقتصادية المزمعة قد تمت - حسبما اعتقد - على نحو أقل إيلاماً ولكنا قد تمكنا من تجنب انهيار الإنتاج الصناعي، ولما كان قد حدث هذا التراجع الخطير في مستويات معيشة جميع الروس.
حتى الآن وبعد انقضاء كل تلك السنوات التي واجهت روسيا فيها مصاعب عديدة في كافة المجالات، لازلنا في نصف المسافة إلى الوصول إلى ديمقراطية مستقرة. لكن يجب علينا المواصلة مع ذلك ويجب أن نتمكن من تعويض ما فاتنا خلال السنوات القادمة من خلال التحرك بوتيرة أسرع. ولكي نحقق ذلك يجب أن نعمل على توحيد كافة الفئات الموجودة في مجتمعنا التي تدعم تحقيق المزيد من التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في روسيا. اعتقد أن لك ممكن فالفرصة مازالت في يدنا ويجب ألا نضيعها بأي حال من الأحوال.