- الثلاثاء مايو 08, 2012 11:03 pm
#51159
هل تجوز بيعة التغلب؟
ابن جماعة وهو من الفقهاء أجاز بيعة المتغلب القوي وتلك الأحكام ظرفية تاريخية فابن جماعة كان في بيئة شهدت اضطراب عنيف في العهد المملوكي إبان غزو التتار وللأسف ما زالت تلك الفتاوى مرجع معتمد من الباحثين الوسطيين المعاصرين .. فالأصل هو البحث في النص ومن ثم استنباط الحكم وما حدث عبر التداول الزمني لقيادة دفة الحكم العكس تماما في الجانب السياسي حيث برع علماء السلطان في توصيف الحالة الواقعية بمدلولات مسبقة للدليل واعتنى فقهاء السياسة المسلمون بالمفهوم الديني للأخلاق في علاقة الراعي بالرعية فاهتموا بنصيحة الملوك وتوجيه سلوكهم ووقفوا عند العهد والاستخلاف كأدوات لانتقال السلطة أما الحديث عن العقد الاجتماعي فيظل محصورا بالبيعة المناطة بمشورة أهل الحل والعقد والتي باتت منذ بيعة السيف ليزيد بن معاوية مشروعة بالقوة والغلبة(1)
وهناك من يرى بأن انعدام هذا الاهتمام لدى ابن تيمية وغيره من إقامة جسور قوية بين نموذج (منهج النبوة) والواقع المعيشي هو الذي يفسر تسامح القائمين على الملك (منهج التغلب) تجاه مثل هذا الأدب السياسي لكون مضمونه يدعو للحلم أكثر من كونه مضمون سياسي للتغيير الفعلى لذلك الواقع وابن تيمية وغيره من العلماء وجدوا في القواعد العامة للخطاب الأصولي السلفي مطية لتبرير كون المصلحة تكمن في استمرار الوضع القائم أو لتوضيح المفسدة المرجوحة في كل دعوة للتغيير"(2)
صار الفقهاء السلف في عصرنا بينهم وبين ابن تيمية بون شاسع في هذا الصدد فابن تيمية كان شجاعا في كلمة الحق في وجه السلاطين ومات في سجنهم أما شيوخ السلفية اليوم فلا يكتفون بالصمت المطبق تجاه الحكام الظلمة وإنما يحرضون الآخرين على عدم الخروج عليهم حتى وإن كان الشعب قادر سلميا على الوقوف في وجه الظلمة من حكامنا وقد نصرنا الله علي تلك الأنظمة كما حدث في مصر ويحدث في أقطار عربية أخرى فماذا تقولون لربكم غدا فمثلكم كمثل (الذين جعلوا القرآن عضين).
فجزأتم الإسلام واهتممتم بالشكليات وتسامحتم مع الناقضين والمقوضين لدعائم الدين من الذين جعلوا الناس فريسة للفقر والجهل والمرض. فهنيئا لكم أن سبقكم إخوة لكم فهموا الدين الفهم الصحيح من كتاب الله وسنة نبيه وخلفائه الراشدين فأنتم علماء حكم التغلب منذ الحكم الأموي والعباسي سبقكم شباب في عمر الزهور انساقوا لضمائرهم السليمة ولآهات المستضعفين التي هزت وجدانهم والتي لم تحرك لكم ساكنا وأنتم كان المأمول فيكم باسم الدين الذي تحملوه بأن تكونوا القادة في هذا الميدان ولكنكم كنتم أسرى عصور سلفت أوضاعهم لم تكن كأوضاعنا وإمكانياتهم لم تكن كإمكانياتنا والاستبداد في عصرهم لم يكن كغول الاستبداد الذي نعيشه اليوم.
فهناك فرق هائل بين استبداد الأمس واليوم وضحه الشيخ الغزالي قائلا: "ولكن أضرار الحكم الفاسد احتسبت في دائرة محدودة كادت معالمها تتضح في أذهان العامة هي دائرة السلطان وحاشيتة .. فالحكم قديما لم تكن له الهيمنة على الدقيق والجليل من شئون الحياة كما هو الآن بعد تحول الدولة إلى سلطة مركزية ونتج كذلك عن ارتفاع المستوى العلمي في الصدر الأول شدة الإحساس بحقيقة الخير والشر والمعروف والمنكر فما تقع خطيئة من مستبد إلا لحقتها صيحات الناقدين بالشكاية والفضيحة فكان المظلوم يحظى بالعطف والمساواة وكان الظالم مزريا عليه باللسان إذا عز تأديبه بالسنان .. وفساد العلم والأدب لدي المسلمين أخيرا مرجع إلى وطأة الحكم المستبد وزيادة توغله ورغبته في إقصاء كل ما يعوق ظلمه ويكفكف غلوائه.(3)
لقد كان الراسخون في العلم يدعون إلى الله ويتجردون للدعوة فكان الناس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنهم تلقوا دروس معرفته عنهم ثم جاء الراسخون في الجهل يطلبون حقوق القيادة ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة.. فالأمر كما قيل: بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم(4).
فمقولة المستبد العادل حقيقتها ومفهومها يتناقض مع التراث الإسلامي السياسي نفسه ومع كتابات المصلحين والمفكرين قديما وحديثا فالاستبداد في القاموس العربي يعنى الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه ومن هنا تلك العبارة "إنما العاجز من لا يستبد" فالعدل يفقد مضمونه مع العجز عن تطبيقه أما الاستبداد من دون عدل فكان له اسم آخر في المرجعية العربية وهو الطغيان ولكن جاءت هذه المقولة محرفة عن معناها إلى المفهوم الغربي وهو الانفراد بالرأي والسلطة دون أن تكون هذه السلطة خاضعة للقانون ودون النظر إلى رأي المحكومين (5).
ويقول الشهيد محمد باقر الصدر: "إن السلطة أمانة بيد الحاكم ورعاية لشؤون الأمة فهو أمين وراع ومسئول وليست السلطة تملكا للأمة ولا تسليطا عليها .. يتصرف فيها تصرف المالك ويعاملها تعامل المتسلط .. يوضح ذلك قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء: 8 وقول الرسول "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (6)
دور رجال الدين في شرعنة الاستبداد
"لقد أرادوا من الأمة أن تواجه إسراف الطبقة الحاكمة لا باستخلاص الحق المعلوم الذي شرعه الله بل بالزهد في كل شيء ووصل الأمر إلى حد وضع الأحاديث النبوية لخدمة الطبقة الحاكمة فلم تسلم الأحاديث النبوية لخدمة الطبقة الحاكمة فلم تسلم الأحاديث من تزييفهم"(7)
فدأبوا على وعظ المظلومين وتركوا الظالمين ولهذا اتخذهم المستبدون آلات في أيديهم لينذروا الناس بعذاب الآخرة وينسوهم بذلك ما حل بهم من عذاب في هذه الدنيا فهم لا يدركون أن تغيير طبيعة الإنسان لا يتم إلا بتغيير الظروف الاجتماعية التي كانت سببا فيها والدوافع التي دفعت إليها وعلى وعاظ السلاطين أن يغيروا ما بأنفسهم أولا قبل أن يطلبوا من الآخرين ذلك.. فمازالوا يتجادلون في أمور عفى عليها الزمن ولا تخدم سوى تعميق الخلاف بين المسلمين ولا علاقة لها بحياة الناس اليومية(8)
(1)نقد نظرية الحكم الإسلامية:إحسان طالب،دراسة على النت
(2)ابن تيمية والتنظيم السياسى :"عبد الحكيم القبنورى"دراسة على النت
(3)الإسلام والاستبداد السياسى،ص174 ومابعدها
(4)الفساد السياسى فى المجتمعات العربية والإسلامية ص67
(5)دراسة بعنوان مقارنة نقدية لمصطلح الاستبداد فى التراث العربى على النت
(6)الفكر الإسلامى وحركة حماس ... الدولة والمبادئ،دراسة على النت
(7)دراسة بعنوان"الإمام جعفر الصادق،على النت
(8)دراسة بعنوان:وعاظ السلاطين نقد الدين أم نقد وعاظ ،على النت
يحاذر المستبد من استنارة العقول ويعمل جاهدا دون استرداد الناس لعقولهم .. لذا يرى المستبد انتشار الصوفية خير معين له على تغيب عقول الناس التي يفسدها الجهل وتزييف الدولة وقهر المستبد وأضاليل المتصوفة وساعدت الأمية والجهل بالدين على ترسيخ أفكار المتصوفة وانصرفوا عن الاهتمام بقضايا العقل والحرية والمساواة والعدالة والشورى ومناهضة الفقر والمرض والقهر وتم توارث هذه الأضاليل حتى أصبحت هي الدين نفسه الذي يكفر من يعارضه أو ينتقده فآن الأوان لانتهاك حرمة هذا الميراث المزيف المضلل الذي أصبح دينا جديدا وعقيدة باطلة تختلف جذريا عن إسلامنا الحنيف"(9)
كما يقع على عاتق المثقفين والمفكرين مسئولية كبرى هي مسئولية الوقوف بوجه خطاب ديني مذهبي غزا الاجتماع الإسلامي من جديد قادما من أعماق التاريخ وأنه ملك السلطة الآن ومن الوسائل والآليات لذلك هي:
1. غربلة التراث وأول خطوة على طريقه هي الفصل بين الإسلام ومفسريه فأرائهم ليست لها قدسية الدين.
2. توجيه النقد له بعد تحويله إلى موضوعات إشكالية ليتميز الخبيث من الطيب أي بين الدين وغيره(10)
"أي قائدا أو قدوة لم يمنحه الله تعالى العصمة وإن من الخطأ الاستسلام لتوجيهات الزعامة دون أي تقويم أو تفكر فالقرآن ذم النصارى لأنهم اتخذوا أحبارهم (أربابا من دون الله) وكما قال الرسول لعدي بن حاتم الطائي حين قال يارسول الله لم نكن نعبدهم فقال له (ص)(أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه فذلك عبادتكم إياهم"(11).
وللأسف فإن "الفقه السياسي السلطاني ندب لنفسه مهمة تركيز الأمة بحق الطاعة وأداء الواجب قبل قيامه مهمة مراقبة الحاكم والتقنين لحقوق المحكومين وهذا يقود لتساؤل ماهى المدعمات الشرعية التي ينطلق منها الفقهاء السياسيين في تحليلاتهم وما علاقتها بالمضمون القرآني في هذا الباب.(12)
"فمعظم كتابات الفقهاء أصرت على الخضوع والطاعة للسلطان وسياسته غير المعقولة بل وعدم نقده أو الخروج عليه (إن الله يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن)وشيوع مثل هذه المقولات عكس التراجع المبكر لقيم منهج النبوة والخلافة الراشدة وسيطرة قيم الملك العاض المستبد والجبر وتنامي فيها نفوذ العصبية والسيف والقوة وتم الإحتفاء بنماذج الحكم في الحضارات الأخرى كالفارسية فمقولة ابن المقفع الدولة هي الملك أو السلطان) عبر عنها ابن تيمية في كتابه ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) وكذلك (أحمد بن يوسف ت 340-هجرية)
(9)دراسة بعنوان (من أشرك بشيخه أشرك بالله )على النت "الدفاع عن السنة"
(10)دراسة بعنوان (إشكالية حول حركات الإصلاح والمعارضة )على النت.
(11)صلاة الجماعة وقيم الأتباع والإقتداء ،دراسة على النت
(12)دراسة بعنوان "دينية المعارضة فى التراث الإسالمى" على النت
صاحب الثقافة اليونانية والذي حاول تكريس ذات القيم الاستبدادية الفارسية بفلسفة يونانية فقال (تحذير العامة من النظر في الدين إلا ما يحتاج الجمهور إلى الفتيا فيه) وينصح الملك بتجنب العامة قائلا: ( ما شجر بين السلف في بدء الدولة فإن الخوض في ذلك يسقط هيبة الملك من قلوبها "انظر الأصول اليونانية، وبنية ابن تيمية المعرفية التي تأسست على فكر من سبقه هي التي حملته على القول بصحة انعقاد الإجماع على ولاية المتغلب والملك وانعدام هذا الاهتمام لدي ابن تيمية وغيره من إقامة جسور قوية بين (مناهج النبوة) والواقع المعاش هو الذي يفسر تسامح القائمين على الملك تجاه مثل هذا الأدب السياسي"(13)
" و قد فرغ الماوردي دور أهل الحل والعقد من محتواه وجعله بلا قيمة وصادر حق الأمة في الاختيار بقياس غريب .. لقد كان الماوردي يوظف النصوص لخدمة الواقع وصار الواقع هو الذي يملى مفاهيمه التي يجب تأويل النصوص من أجلها ومن أجل إضفاء الشرعية عليها وبذل فقهاء مرحلة التأسيس كالجويني والفراء والماوردي جهود جبارة من أجل تبرير تصرفات الملوك وإضفاء الشرعية عليها ... ومالم يجدوه في الكتاب والسنة استنبطوه منهما تأويلا وقياسا .. إلى غير ذلك من أساليب أوهنت النصوص وحولت علم أصول الفقه لعبة شطرنج يتلهى بها الفقهاء ويستفيد منها الحكام ثم جاءت مرحلة تدهور الاستنباط في هذا الموضوع فأخذوا من سيرة بني أمية وبني العباسي مرجعا فقهيا.
ثم تحولت كتابات الفقهاء بعد ذلك إلى مجرد نصائح ومواعظ وأسلوب يتسم بالسطحية والخضوع والخنوع للحكام الظلمة لم يسلم من ذلك معظمهم حتى الغزالي حتى صارت إمامة الظالمين أصلا بل هي الأحكام الشرعية وما خالفها هجوم عليها فمعظم ما كتب في السياسة الشرعية بأمر السلاطين أو مهداة إليهم فكيف يعطل الصبر عمل نصوص صريحة في وجوب الشورى ويحل محلها بالقياس على حوادث التاريخ تشريع الظلم والطغيان؟ ثم كيف تعد محاباة الحاكم والتذلل له في جل مقدمات كتب السياسة الشرعية إيمانا بمدرسة الصبر؟ وإذا كان ذلك فما شكل مدرسة الخضوع والتماهي في الحاكم وإخضاع الفقه له"(14)
"فالتراث المسموم والذي يؤكد على صبر المظلوم ولا يحاسب الظالم وعلى طاعة الحاكم لأنه يقيم الصلاة كانت وراء تأخير سبل النهوض وقدرة الشعوب على رفع كل التحديات .. فيجب على فكر الإسلاميين اليوم كشف قناع الاستبداد والطغيان الذي أذل الإنسان باسم الإسلام وإعلان موقف الإسلام المشرف وبيان براءة الدين من كل ممارسة لو أد كرامة الإنسان"(15)
"وكما يقول الشيخ الغزالي: إن لسياسة الحكم وأسلوب المحافظة عليه لمن ظفروا به دينا آخر صارع الوحي، صارم البطش يئول القرآن على هواه وينزل السنة على مشتهاه ويحب ويبغض وينتقم لا لله ولرسوله بل لأثرته وعنجيته فحسب وتلك أولى بركات الاستبداد السياسي فقد أفلت الأمر من رأي الأمة إلى
رأي الفرد إن على العلماء اليوم واجبا ثقيلا وهما طويلا ولن يبقى فساد الحكم يوما أو بعض يوم إذا نهض الدعاة إلى الله بأعباء الفريضة المنوطة بهم فأيقظوا النيام"(16) .
فالنظام الهرمي في السياسة رفضه تكويننا الذي ليس الرضي والاستسلام بل الغضب والثورة فيجب العمل على إعطاء الناس حقوقهم قبل مطالبتهم بواجباتهم من تطبيق الشريعة فصار تقديم الحدود والعقوبات على تطبيق النظام الاقتصادي والاجتماعي والتربوي فالتحرر من التراث الغربي الوافد والتنظير المباشر للواقع لتجاوز ثقافته النص. فمشروع حضاري هكذا يستطيع وفق هذه الأسس أن يدخل الأمة في نظام التعامل مع العالم من موقع الندية والاستقلال".(17)
والإمام الشوكاني كان يرى أن من مقتضيات الإنصاف في البحث الفقهي مراجعة قواعد الجرح والتعديل بعد انتشار المذاهب واستفحال التقليد وذلك بالتزام قواعد جديدة تضمن موضوعية الحكم قائلا: المجتهد هو من يأخذ الأدلة الشرعية من مواطنها على الوجه الذي قدمناه ويفرض نفسه موجودا في زمن النبوة وعند نزول الوحي وكأن لم يسبقه عالم أو مجتهد كما أضاف الإمام الشاطبي معرفة الواقع من شروط المجتهد وأساس الاجتهاد التطبيقي"(18) ولأننا لانجد إلى الآن دراسات جادة فى هذا الشأن تأخذ بما أشار علماؤنا السابقون وقد أشار الي ذلك الشيخ محمد الغزالي بقوله: "إن الفكر السياسي عند المسلمين يتسم بالقصور البالغ إنهم يرون الفساد ولا يعرفون سببه ويقرءون التاريخ ولا يكتشفون عبره ويقال لهم كان لنا ماضي عزيز فلا يعرفون سر هذه العزة وانهزمنا في عصر كذا فلا يدركون سر هذه الكبوة "
ومن أغرب الظواهر في دنيا العرب والمسلمين أن العديد من ضحايا الاستبداد وما أكثرهم فينا –هم أشد الناس تسويقا له من الناحية الفكرية والأخلاقية وهذه الازدواجية المتمثلة في مقاومة الاستبداد عمليا وتسويقه فكريا بادية لدي الحركات الإسلامية أكثر من غيرها من القوى السياسية العربية ومن أسباب هذا القصور الخضوع لطوق فكرنا السياسي التاريخي الذي لم يكن بكل أسف انعكاسا لمبادئ الإسلام بقدر ما كان تكييفا لهذه المبادئ مع سلطان القوة.. لكن السبب الرئيسي لهذه الازدواجية يرجع إلى تاريخنا الحديث حيث كان الاستعمار ومانتج عنه من ردود فعل مغالية على كل ما هو آت من الغرب ولو كان حقا والسبب الآخر لهذه الازدواجية هو التمحور حول الذات بكل مساوئها دون نقد أو مراجعة.
فعلينا أن نسعى جهدنا لتجفيف المنابع الفكرية للاستبداد والإستعباد وأن ننتصر لثقافة الحفاظ على حقوق المستضعفين وأن نعمل على تحرير معاني الحرية وترسيخ دعائم السلم الاجتماعي بإقامة العدل ورفض الظلم وعلى قادة الفكر توسيع دائرة الوعي في صفوف الجماهير من خلال الكلمة ... وقدرتها على تحطيم أركان الجور(19)
(17) التصوف والتنمية:"د حسن حنفى ودراسة له أيضاً فى المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب"
(18) أدب الطلب ومنتهى الأدب الشوكانى ،معالم تجديد المنهج الفقهى،ومحددات منهجية للبحث فى تجديد الفقه د.عبد الحميد سليمان دراسات موجودة على النت بعنوان :الشرعية قبل الشريعة:محمد بن المختار الشنقيطى ،له موقع خاص على النت
(19) دراسة بعنوان:الكلمة أساس النضال السلمى"دراسة على النت
" لابد من اتفاق الفرقاء في الوطن على الوظيفة الاجتماعية للدين وعلى كونه محركا تاريخيا يؤهل الإنسان لإنجاز التغيير المطلوب "(20)
"فالأمم الخائفة التي تصبح أسيرة المستبدين وتقدم حريتها هدية لهم تموت وتصبح خارجة عن التاريخ الإنساني وتدخل في ربقة المستعبدين والتابعين يتحكم بها الآخرون .. والانتظار السلبي لا يزيد الوضع إلا تأزما والمجتمع إلا تفككا والفكر إلا بلادة وجمود فمن مصلحة النظام الاستبدادي أن تنخرط التيارات السياسية في معركة طويلة الأمد وغير معروفة النتائج مع بعضها البعض ليزيح الضغط السياسي عن الدولة ويعفيها من مسئولياتها تجاه الإصلاح السياسي في حالة التشرذم والتقوقع خلف شعارات الحفظ على السلام واستبعاد الفتنة"(21) ولذلك كان شرذمة المجتمع هو العنصر الرئيسي في إستقواء الاستبداد(22)
"وللأسف القوي الاجتماعية التي تقود الشعب لم تحسم خيارها في توحيد صفوفها فليس المطلوب أن تقتنع بقناعاتي الدافعة للتغيير ولكن أن تتحد قوانا وأهدافنا والذي نسلم فيه القوى المتناثرة لقوى كبرى ويبقى قانون التغيير القرآني "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"[1]
"فقبل تعلم أفكار واتجاهات جديدة يجب أن يتغير ما بداخل النفس من أفكار واتجاهات معينة للتغيير وهي مرحلة مهمة لنجاح التغيير وكثيرا ما تفشل جهود التغيير نتيجة إهمال أو اغفال هذه المرحلة.(23)
(20) دراسة بعنوان: الأصول الفكرية للتعددية السياسية" على النت
(21) النظرية السياسية فى القرآن الكريم – دراسة على النت
(22) الساكتون عن الظلم : فهمى هويدى
(23) حركات الاحتياج الجديدة فى مصر : كمال حبيب
ابن جماعة وهو من الفقهاء أجاز بيعة المتغلب القوي وتلك الأحكام ظرفية تاريخية فابن جماعة كان في بيئة شهدت اضطراب عنيف في العهد المملوكي إبان غزو التتار وللأسف ما زالت تلك الفتاوى مرجع معتمد من الباحثين الوسطيين المعاصرين .. فالأصل هو البحث في النص ومن ثم استنباط الحكم وما حدث عبر التداول الزمني لقيادة دفة الحكم العكس تماما في الجانب السياسي حيث برع علماء السلطان في توصيف الحالة الواقعية بمدلولات مسبقة للدليل واعتنى فقهاء السياسة المسلمون بالمفهوم الديني للأخلاق في علاقة الراعي بالرعية فاهتموا بنصيحة الملوك وتوجيه سلوكهم ووقفوا عند العهد والاستخلاف كأدوات لانتقال السلطة أما الحديث عن العقد الاجتماعي فيظل محصورا بالبيعة المناطة بمشورة أهل الحل والعقد والتي باتت منذ بيعة السيف ليزيد بن معاوية مشروعة بالقوة والغلبة(1)
وهناك من يرى بأن انعدام هذا الاهتمام لدى ابن تيمية وغيره من إقامة جسور قوية بين نموذج (منهج النبوة) والواقع المعيشي هو الذي يفسر تسامح القائمين على الملك (منهج التغلب) تجاه مثل هذا الأدب السياسي لكون مضمونه يدعو للحلم أكثر من كونه مضمون سياسي للتغيير الفعلى لذلك الواقع وابن تيمية وغيره من العلماء وجدوا في القواعد العامة للخطاب الأصولي السلفي مطية لتبرير كون المصلحة تكمن في استمرار الوضع القائم أو لتوضيح المفسدة المرجوحة في كل دعوة للتغيير"(2)
صار الفقهاء السلف في عصرنا بينهم وبين ابن تيمية بون شاسع في هذا الصدد فابن تيمية كان شجاعا في كلمة الحق في وجه السلاطين ومات في سجنهم أما شيوخ السلفية اليوم فلا يكتفون بالصمت المطبق تجاه الحكام الظلمة وإنما يحرضون الآخرين على عدم الخروج عليهم حتى وإن كان الشعب قادر سلميا على الوقوف في وجه الظلمة من حكامنا وقد نصرنا الله علي تلك الأنظمة كما حدث في مصر ويحدث في أقطار عربية أخرى فماذا تقولون لربكم غدا فمثلكم كمثل (الذين جعلوا القرآن عضين).
فجزأتم الإسلام واهتممتم بالشكليات وتسامحتم مع الناقضين والمقوضين لدعائم الدين من الذين جعلوا الناس فريسة للفقر والجهل والمرض. فهنيئا لكم أن سبقكم إخوة لكم فهموا الدين الفهم الصحيح من كتاب الله وسنة نبيه وخلفائه الراشدين فأنتم علماء حكم التغلب منذ الحكم الأموي والعباسي سبقكم شباب في عمر الزهور انساقوا لضمائرهم السليمة ولآهات المستضعفين التي هزت وجدانهم والتي لم تحرك لكم ساكنا وأنتم كان المأمول فيكم باسم الدين الذي تحملوه بأن تكونوا القادة في هذا الميدان ولكنكم كنتم أسرى عصور سلفت أوضاعهم لم تكن كأوضاعنا وإمكانياتهم لم تكن كإمكانياتنا والاستبداد في عصرهم لم يكن كغول الاستبداد الذي نعيشه اليوم.
فهناك فرق هائل بين استبداد الأمس واليوم وضحه الشيخ الغزالي قائلا: "ولكن أضرار الحكم الفاسد احتسبت في دائرة محدودة كادت معالمها تتضح في أذهان العامة هي دائرة السلطان وحاشيتة .. فالحكم قديما لم تكن له الهيمنة على الدقيق والجليل من شئون الحياة كما هو الآن بعد تحول الدولة إلى سلطة مركزية ونتج كذلك عن ارتفاع المستوى العلمي في الصدر الأول شدة الإحساس بحقيقة الخير والشر والمعروف والمنكر فما تقع خطيئة من مستبد إلا لحقتها صيحات الناقدين بالشكاية والفضيحة فكان المظلوم يحظى بالعطف والمساواة وكان الظالم مزريا عليه باللسان إذا عز تأديبه بالسنان .. وفساد العلم والأدب لدي المسلمين أخيرا مرجع إلى وطأة الحكم المستبد وزيادة توغله ورغبته في إقصاء كل ما يعوق ظلمه ويكفكف غلوائه.(3)
لقد كان الراسخون في العلم يدعون إلى الله ويتجردون للدعوة فكان الناس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنهم تلقوا دروس معرفته عنهم ثم جاء الراسخون في الجهل يطلبون حقوق القيادة ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة.. فالأمر كما قيل: بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم(4).
فمقولة المستبد العادل حقيقتها ومفهومها يتناقض مع التراث الإسلامي السياسي نفسه ومع كتابات المصلحين والمفكرين قديما وحديثا فالاستبداد في القاموس العربي يعنى الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه ومن هنا تلك العبارة "إنما العاجز من لا يستبد" فالعدل يفقد مضمونه مع العجز عن تطبيقه أما الاستبداد من دون عدل فكان له اسم آخر في المرجعية العربية وهو الطغيان ولكن جاءت هذه المقولة محرفة عن معناها إلى المفهوم الغربي وهو الانفراد بالرأي والسلطة دون أن تكون هذه السلطة خاضعة للقانون ودون النظر إلى رأي المحكومين (5).
ويقول الشهيد محمد باقر الصدر: "إن السلطة أمانة بيد الحاكم ورعاية لشؤون الأمة فهو أمين وراع ومسئول وليست السلطة تملكا للأمة ولا تسليطا عليها .. يتصرف فيها تصرف المالك ويعاملها تعامل المتسلط .. يوضح ذلك قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء: 8 وقول الرسول "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (6)
دور رجال الدين في شرعنة الاستبداد
"لقد أرادوا من الأمة أن تواجه إسراف الطبقة الحاكمة لا باستخلاص الحق المعلوم الذي شرعه الله بل بالزهد في كل شيء ووصل الأمر إلى حد وضع الأحاديث النبوية لخدمة الطبقة الحاكمة فلم تسلم الأحاديث النبوية لخدمة الطبقة الحاكمة فلم تسلم الأحاديث من تزييفهم"(7)
فدأبوا على وعظ المظلومين وتركوا الظالمين ولهذا اتخذهم المستبدون آلات في أيديهم لينذروا الناس بعذاب الآخرة وينسوهم بذلك ما حل بهم من عذاب في هذه الدنيا فهم لا يدركون أن تغيير طبيعة الإنسان لا يتم إلا بتغيير الظروف الاجتماعية التي كانت سببا فيها والدوافع التي دفعت إليها وعلى وعاظ السلاطين أن يغيروا ما بأنفسهم أولا قبل أن يطلبوا من الآخرين ذلك.. فمازالوا يتجادلون في أمور عفى عليها الزمن ولا تخدم سوى تعميق الخلاف بين المسلمين ولا علاقة لها بحياة الناس اليومية(8)
(1)نقد نظرية الحكم الإسلامية:إحسان طالب،دراسة على النت
(2)ابن تيمية والتنظيم السياسى :"عبد الحكيم القبنورى"دراسة على النت
(3)الإسلام والاستبداد السياسى،ص174 ومابعدها
(4)الفساد السياسى فى المجتمعات العربية والإسلامية ص67
(5)دراسة بعنوان مقارنة نقدية لمصطلح الاستبداد فى التراث العربى على النت
(6)الفكر الإسلامى وحركة حماس ... الدولة والمبادئ،دراسة على النت
(7)دراسة بعنوان"الإمام جعفر الصادق،على النت
(8)دراسة بعنوان:وعاظ السلاطين نقد الدين أم نقد وعاظ ،على النت
يحاذر المستبد من استنارة العقول ويعمل جاهدا دون استرداد الناس لعقولهم .. لذا يرى المستبد انتشار الصوفية خير معين له على تغيب عقول الناس التي يفسدها الجهل وتزييف الدولة وقهر المستبد وأضاليل المتصوفة وساعدت الأمية والجهل بالدين على ترسيخ أفكار المتصوفة وانصرفوا عن الاهتمام بقضايا العقل والحرية والمساواة والعدالة والشورى ومناهضة الفقر والمرض والقهر وتم توارث هذه الأضاليل حتى أصبحت هي الدين نفسه الذي يكفر من يعارضه أو ينتقده فآن الأوان لانتهاك حرمة هذا الميراث المزيف المضلل الذي أصبح دينا جديدا وعقيدة باطلة تختلف جذريا عن إسلامنا الحنيف"(9)
كما يقع على عاتق المثقفين والمفكرين مسئولية كبرى هي مسئولية الوقوف بوجه خطاب ديني مذهبي غزا الاجتماع الإسلامي من جديد قادما من أعماق التاريخ وأنه ملك السلطة الآن ومن الوسائل والآليات لذلك هي:
1. غربلة التراث وأول خطوة على طريقه هي الفصل بين الإسلام ومفسريه فأرائهم ليست لها قدسية الدين.
2. توجيه النقد له بعد تحويله إلى موضوعات إشكالية ليتميز الخبيث من الطيب أي بين الدين وغيره(10)
"أي قائدا أو قدوة لم يمنحه الله تعالى العصمة وإن من الخطأ الاستسلام لتوجيهات الزعامة دون أي تقويم أو تفكر فالقرآن ذم النصارى لأنهم اتخذوا أحبارهم (أربابا من دون الله) وكما قال الرسول لعدي بن حاتم الطائي حين قال يارسول الله لم نكن نعبدهم فقال له (ص)(أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه فذلك عبادتكم إياهم"(11).
وللأسف فإن "الفقه السياسي السلطاني ندب لنفسه مهمة تركيز الأمة بحق الطاعة وأداء الواجب قبل قيامه مهمة مراقبة الحاكم والتقنين لحقوق المحكومين وهذا يقود لتساؤل ماهى المدعمات الشرعية التي ينطلق منها الفقهاء السياسيين في تحليلاتهم وما علاقتها بالمضمون القرآني في هذا الباب.(12)
"فمعظم كتابات الفقهاء أصرت على الخضوع والطاعة للسلطان وسياسته غير المعقولة بل وعدم نقده أو الخروج عليه (إن الله يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن)وشيوع مثل هذه المقولات عكس التراجع المبكر لقيم منهج النبوة والخلافة الراشدة وسيطرة قيم الملك العاض المستبد والجبر وتنامي فيها نفوذ العصبية والسيف والقوة وتم الإحتفاء بنماذج الحكم في الحضارات الأخرى كالفارسية فمقولة ابن المقفع الدولة هي الملك أو السلطان) عبر عنها ابن تيمية في كتابه ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) وكذلك (أحمد بن يوسف ت 340-هجرية)
(9)دراسة بعنوان (من أشرك بشيخه أشرك بالله )على النت "الدفاع عن السنة"
(10)دراسة بعنوان (إشكالية حول حركات الإصلاح والمعارضة )على النت.
(11)صلاة الجماعة وقيم الأتباع والإقتداء ،دراسة على النت
(12)دراسة بعنوان "دينية المعارضة فى التراث الإسالمى" على النت
صاحب الثقافة اليونانية والذي حاول تكريس ذات القيم الاستبدادية الفارسية بفلسفة يونانية فقال (تحذير العامة من النظر في الدين إلا ما يحتاج الجمهور إلى الفتيا فيه) وينصح الملك بتجنب العامة قائلا: ( ما شجر بين السلف في بدء الدولة فإن الخوض في ذلك يسقط هيبة الملك من قلوبها "انظر الأصول اليونانية، وبنية ابن تيمية المعرفية التي تأسست على فكر من سبقه هي التي حملته على القول بصحة انعقاد الإجماع على ولاية المتغلب والملك وانعدام هذا الاهتمام لدي ابن تيمية وغيره من إقامة جسور قوية بين (مناهج النبوة) والواقع المعاش هو الذي يفسر تسامح القائمين على الملك تجاه مثل هذا الأدب السياسي"(13)
" و قد فرغ الماوردي دور أهل الحل والعقد من محتواه وجعله بلا قيمة وصادر حق الأمة في الاختيار بقياس غريب .. لقد كان الماوردي يوظف النصوص لخدمة الواقع وصار الواقع هو الذي يملى مفاهيمه التي يجب تأويل النصوص من أجلها ومن أجل إضفاء الشرعية عليها وبذل فقهاء مرحلة التأسيس كالجويني والفراء والماوردي جهود جبارة من أجل تبرير تصرفات الملوك وإضفاء الشرعية عليها ... ومالم يجدوه في الكتاب والسنة استنبطوه منهما تأويلا وقياسا .. إلى غير ذلك من أساليب أوهنت النصوص وحولت علم أصول الفقه لعبة شطرنج يتلهى بها الفقهاء ويستفيد منها الحكام ثم جاءت مرحلة تدهور الاستنباط في هذا الموضوع فأخذوا من سيرة بني أمية وبني العباسي مرجعا فقهيا.
ثم تحولت كتابات الفقهاء بعد ذلك إلى مجرد نصائح ومواعظ وأسلوب يتسم بالسطحية والخضوع والخنوع للحكام الظلمة لم يسلم من ذلك معظمهم حتى الغزالي حتى صارت إمامة الظالمين أصلا بل هي الأحكام الشرعية وما خالفها هجوم عليها فمعظم ما كتب في السياسة الشرعية بأمر السلاطين أو مهداة إليهم فكيف يعطل الصبر عمل نصوص صريحة في وجوب الشورى ويحل محلها بالقياس على حوادث التاريخ تشريع الظلم والطغيان؟ ثم كيف تعد محاباة الحاكم والتذلل له في جل مقدمات كتب السياسة الشرعية إيمانا بمدرسة الصبر؟ وإذا كان ذلك فما شكل مدرسة الخضوع والتماهي في الحاكم وإخضاع الفقه له"(14)
"فالتراث المسموم والذي يؤكد على صبر المظلوم ولا يحاسب الظالم وعلى طاعة الحاكم لأنه يقيم الصلاة كانت وراء تأخير سبل النهوض وقدرة الشعوب على رفع كل التحديات .. فيجب على فكر الإسلاميين اليوم كشف قناع الاستبداد والطغيان الذي أذل الإنسان باسم الإسلام وإعلان موقف الإسلام المشرف وبيان براءة الدين من كل ممارسة لو أد كرامة الإنسان"(15)
"وكما يقول الشيخ الغزالي: إن لسياسة الحكم وأسلوب المحافظة عليه لمن ظفروا به دينا آخر صارع الوحي، صارم البطش يئول القرآن على هواه وينزل السنة على مشتهاه ويحب ويبغض وينتقم لا لله ولرسوله بل لأثرته وعنجيته فحسب وتلك أولى بركات الاستبداد السياسي فقد أفلت الأمر من رأي الأمة إلى
رأي الفرد إن على العلماء اليوم واجبا ثقيلا وهما طويلا ولن يبقى فساد الحكم يوما أو بعض يوم إذا نهض الدعاة إلى الله بأعباء الفريضة المنوطة بهم فأيقظوا النيام"(16) .
فالنظام الهرمي في السياسة رفضه تكويننا الذي ليس الرضي والاستسلام بل الغضب والثورة فيجب العمل على إعطاء الناس حقوقهم قبل مطالبتهم بواجباتهم من تطبيق الشريعة فصار تقديم الحدود والعقوبات على تطبيق النظام الاقتصادي والاجتماعي والتربوي فالتحرر من التراث الغربي الوافد والتنظير المباشر للواقع لتجاوز ثقافته النص. فمشروع حضاري هكذا يستطيع وفق هذه الأسس أن يدخل الأمة في نظام التعامل مع العالم من موقع الندية والاستقلال".(17)
والإمام الشوكاني كان يرى أن من مقتضيات الإنصاف في البحث الفقهي مراجعة قواعد الجرح والتعديل بعد انتشار المذاهب واستفحال التقليد وذلك بالتزام قواعد جديدة تضمن موضوعية الحكم قائلا: المجتهد هو من يأخذ الأدلة الشرعية من مواطنها على الوجه الذي قدمناه ويفرض نفسه موجودا في زمن النبوة وعند نزول الوحي وكأن لم يسبقه عالم أو مجتهد كما أضاف الإمام الشاطبي معرفة الواقع من شروط المجتهد وأساس الاجتهاد التطبيقي"(18) ولأننا لانجد إلى الآن دراسات جادة فى هذا الشأن تأخذ بما أشار علماؤنا السابقون وقد أشار الي ذلك الشيخ محمد الغزالي بقوله: "إن الفكر السياسي عند المسلمين يتسم بالقصور البالغ إنهم يرون الفساد ولا يعرفون سببه ويقرءون التاريخ ولا يكتشفون عبره ويقال لهم كان لنا ماضي عزيز فلا يعرفون سر هذه العزة وانهزمنا في عصر كذا فلا يدركون سر هذه الكبوة "
ومن أغرب الظواهر في دنيا العرب والمسلمين أن العديد من ضحايا الاستبداد وما أكثرهم فينا –هم أشد الناس تسويقا له من الناحية الفكرية والأخلاقية وهذه الازدواجية المتمثلة في مقاومة الاستبداد عمليا وتسويقه فكريا بادية لدي الحركات الإسلامية أكثر من غيرها من القوى السياسية العربية ومن أسباب هذا القصور الخضوع لطوق فكرنا السياسي التاريخي الذي لم يكن بكل أسف انعكاسا لمبادئ الإسلام بقدر ما كان تكييفا لهذه المبادئ مع سلطان القوة.. لكن السبب الرئيسي لهذه الازدواجية يرجع إلى تاريخنا الحديث حيث كان الاستعمار ومانتج عنه من ردود فعل مغالية على كل ما هو آت من الغرب ولو كان حقا والسبب الآخر لهذه الازدواجية هو التمحور حول الذات بكل مساوئها دون نقد أو مراجعة.
فعلينا أن نسعى جهدنا لتجفيف المنابع الفكرية للاستبداد والإستعباد وأن ننتصر لثقافة الحفاظ على حقوق المستضعفين وأن نعمل على تحرير معاني الحرية وترسيخ دعائم السلم الاجتماعي بإقامة العدل ورفض الظلم وعلى قادة الفكر توسيع دائرة الوعي في صفوف الجماهير من خلال الكلمة ... وقدرتها على تحطيم أركان الجور(19)
(17) التصوف والتنمية:"د حسن حنفى ودراسة له أيضاً فى المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب"
(18) أدب الطلب ومنتهى الأدب الشوكانى ،معالم تجديد المنهج الفقهى،ومحددات منهجية للبحث فى تجديد الفقه د.عبد الحميد سليمان دراسات موجودة على النت بعنوان :الشرعية قبل الشريعة:محمد بن المختار الشنقيطى ،له موقع خاص على النت
(19) دراسة بعنوان:الكلمة أساس النضال السلمى"دراسة على النت
" لابد من اتفاق الفرقاء في الوطن على الوظيفة الاجتماعية للدين وعلى كونه محركا تاريخيا يؤهل الإنسان لإنجاز التغيير المطلوب "(20)
"فالأمم الخائفة التي تصبح أسيرة المستبدين وتقدم حريتها هدية لهم تموت وتصبح خارجة عن التاريخ الإنساني وتدخل في ربقة المستعبدين والتابعين يتحكم بها الآخرون .. والانتظار السلبي لا يزيد الوضع إلا تأزما والمجتمع إلا تفككا والفكر إلا بلادة وجمود فمن مصلحة النظام الاستبدادي أن تنخرط التيارات السياسية في معركة طويلة الأمد وغير معروفة النتائج مع بعضها البعض ليزيح الضغط السياسي عن الدولة ويعفيها من مسئولياتها تجاه الإصلاح السياسي في حالة التشرذم والتقوقع خلف شعارات الحفظ على السلام واستبعاد الفتنة"(21) ولذلك كان شرذمة المجتمع هو العنصر الرئيسي في إستقواء الاستبداد(22)
"وللأسف القوي الاجتماعية التي تقود الشعب لم تحسم خيارها في توحيد صفوفها فليس المطلوب أن تقتنع بقناعاتي الدافعة للتغيير ولكن أن تتحد قوانا وأهدافنا والذي نسلم فيه القوى المتناثرة لقوى كبرى ويبقى قانون التغيير القرآني "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"[1]
"فقبل تعلم أفكار واتجاهات جديدة يجب أن يتغير ما بداخل النفس من أفكار واتجاهات معينة للتغيير وهي مرحلة مهمة لنجاح التغيير وكثيرا ما تفشل جهود التغيير نتيجة إهمال أو اغفال هذه المرحلة.(23)
(20) دراسة بعنوان: الأصول الفكرية للتعددية السياسية" على النت
(21) النظرية السياسية فى القرآن الكريم – دراسة على النت
(22) الساكتون عن الظلم : فهمى هويدى
(23) حركات الاحتياج الجديدة فى مصر : كمال حبيب