منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#51203
العلاقات السعودية الأمريكية راسخة الجذور في التاريخ الحديث فقد ولدت في العام 1933م وذلك عندما بدأت بواكير التعاون الاقتصادي بين البلدين متمثلة في قيام شركة الزيت العربية الأمريكية بحفر أول بئر للنفط في شرق المملكة، ثم اكتملت نشأة هذه العلاقة في العام 1945م وذلك عندما التقى الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة الحربية (كوينسي)، قبل أن تضع الحرب الكونية الثانية اوزارها، ثم ما لبثت ان اصبحت أكثر من مجرد علاقة دبلوماسية حين سميت شراكة في العام 1957م ودخلت منذ ذلك التاريخ مرحلة تحالف استراتيجي يزداد قوة وصلابة كلما تعاقبت الادارات السعودية والأمريكية.

ومما زاد في رسوخ وصلابة هذه العلاقة طيلة ال 75عاماً الماضية قدرتها على مواجهة تحديات لا يستهان بها طيلة الحروب الاقليمية والنزاعات الدولية والمتسمة بالأحداث الجسام الدامية التي لا تصمد أمامها كثير من العلاقات، فعبر هذه الفترة التاريخية مر العالم بعدد من العواصف (أو التسوناميات) المتعاقبة التي أزالت كيانات بكاملها وألغت أحلافاً وتكتلات وأنشأت أخرى ومع هذا فقد ظلت العلاقة السعودية الأمريكية ثابتة كالصخرة لا تهزها تلك الرياح التي كانت غالباً تأتي بما لا تشتهي السفن.

ولم تكن هذه العلاقة لتجتاز كل تلك الاختبارات العسيرة لولا وجود عدد من الحقائق على الأرض وأهمها المرجعية الفكرية السياسية، لدى البلدين، والتي كانت بمثابة بوصلة تهدي الحائرين في مجال العلاقات الدولية وتكشف لكل الباحثين عن الحقيقة سر استمرار ونجاح هذه العلاقة الممتازة، وتتجسد هذه المرجعية في وجود قناعة متبادلة بأن أهمية العلاقة تجعل الاصرار على تقويتها من مبادئ الوعي بالمسؤولية ومن مقتضيات هذا الوعي أن الشعبين السعودي والأمريكي يشتركان في غابة سامية وهي تحقيق الخير العميم للعالم وتقوية دعائم السلم والأمن والرخاء للشعوب كلها، وعليه فإن اهتمام الرياض وواشنطن بشأن العالم ليس من محض الصدفة بل تفسره حقائق على الأرض مثل كون المملكة قلب العالم الإسلامي وقبلة كل المسلمين الذين يمثلون ربع سكان المعمورة هذا يضاف إلى مكانة السعودية النفطية في زمن يتسابق العالم فيه إلى التقارب من مصدّري الطاقة حيث تتربع المملكة على قائمة المصدرين بلا منازع.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فمن نافلة القول إن العالم يتطلع قيادتها للسلم والأمن العالميين ويهتم بدورها الإنساني وكذلك باقتصادها القوي الراسخ وبمراكزها العلمية العملاقة والتي صارت مقصد كل أهل الأرض جميعاً ومنهم أبناء المملكة والخليج الذين ما فتئوا يتطلعون لمزيد من التقارب الحضاري بين أمريكا وبلادهم لكي تنطلق النهضة العلمية في مرحلة جديدة تليق بعصر العولمة، عصر القرية الكونية الواحدة.

ومما لامسه الشعب السعودي من آثار هذا التقارب السعودي الأمريكي المتميز ما أثمرته الزيارة الموفقة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الموفقة إلى الولايات المتحدة في عام 2005، حين كان ولياً للعهد، وما تم خلالها من اتفاقيات علمية وقعها يحفظه الله مع الرئيس الأمريكي جورج بوش وقد فتحت الباب بشكل رحب لاستقبال أمريكا لدفعات متوالية من البعثات الطلابية للجامعات والمعاهد فيها وبطريقة غير مسبوقة في تاريخ البلدين الصديقين.

ولعل تزامن زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة مع احتفال شركة أرامكو السعودية بمناسبة مرور ثلاثة أرباع قرن على إنشائها يجسد اهتمام الحكومة الأمريكية بهذا التاريخ الذي بدأ لتبدأ معه نهضة المملكة وشعبها في كل المجالات ولتجد الولايات المتحدة عبر ذلك التاريخ حليفاً اقتصادياً وسياسياً لا يضاهى في العالم الثالث كله.. وتشريف الرئيس الأمريكي لهذا الاحتفال، وفي هذا الشهر مايو 2008م، هو تعبير معنوي عن العلاقة بين الشعبين السعودي والأمريكي وكذلك يعكس عزم البلدين الصديقين على المضي قدماً في تطوير حلفهما الاستراتيجي وتقويته في وجه كل التحديات التي تواجه كلاً منهما وخاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب الدولي وتجفيف منابعه حول العالم ولكي تبقى الأجيال القائمة أكثر استعداداً للدخول في منظومة عالمية تتسم بالاستقرار والتقدم والتطور للعالم أجمع.

إن هذا الحلف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن يعتبر واعداً بالخير العميم للبشرية وذلك في ظل الحكمة السياسية والاحترام المتبادل الذي يليق باستثمار هذه العلاقة الهامة بين دولتين من أهم دول العالم اليوم ان لم تكونا على الإطلاق.. وإذا كانت أمريكا أهم سفير للعالم الغربي كله لدى العالم الإسلامي فإن المملكة العربية السعودية تعتبر لدى الغرب أهم سفير للمسلمين والذين يمثلون ربع سكان العالم.. وبذلك فإن تقوية العلاقة بينهما فيها تقوية للعلاقة بين العالم الغربي والعالم الإسلام وبدون هاتين الدولتين لا يستطيع المرء أن يتخيل أي مستقبل واعد لمشاريع مادية كالتكامل الاقتصادي بين الغرب والعالم الثالث أو مشاريع ذات أبعاد معنوية مثل حوار الحضارات بين الغرب والشرق.