منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
#51592
عبد الوهاب الفايز
■ إذا نحن متفقون على أن إعادة تعريف وبناء السياسة الخارجية السعودية حق وواجب وطني يجب أن نعمل عليه جميعا لتعزيز وحدتنا الوطنية وتعظيم المجال الحيوي لبلادنا.. إذن كيف نصل إلى هذا الهدف الكبير؟
العاملون في المجال السياسي الخارجي يرون أن أحد السبل للوصول إلى هذا الهدف الوطني يتحقق عبر عمل جميع الهيئات والمؤسسات الحكومية تصورها الخاص عن دور المملكة الخارجي وكيف يتم تعزيز هذا الدور، فوزارة الخارجية القائمة على تنفيذ السياسة الخارجية قد لا تعرف أحيانا ما هي أولويات وتصورات وقدرات الأجهزة الحكومية المختلفة تجاه القضايا السياسية الخارجية.
كذلك قطاع الأعمال السعودي الذي أصبح له دور سياسي مهم في السنوات الماضية لم يبلور بعد صورة ذهنية واضحة عن أولوياته ودوره.. ولم يربط هذا الدور والنشاط في أولويات الأمن الوطني السعودي وربما لا يعرف الآن كيف يوظف التطلع السياسي بالمصالح الاقتصادية، وأقرب مثال على ذلك تتابع رفع قضايا الإغراق على الصادرات السعودية الأساسية، فقد اتضح أن هناك فجوة كبيرة بين القطاعين العام والخاص أدت إلى (سوء التدبير) تجاه التصدي لقضايا الإغراق، ولا ننسى كيف فشلت الجهود الحكومية والخاصة في بلورة مشروع وطني يتولى الاستثمارات السعودية الخارجية الزراعية، والسبب عدم وجود رؤية وخطة واضحة مسبقة للعمل المشترك في المجال الخارجي.
أيضا القطاع الأكاديمي والبحثي ومؤسسات وهيئات المجتمع المدني هذه جميعا لها دور حيوي في السياسة الخارجية السعودية، ولكنه دور لا يتم في إطار منظومة متكاملة، وأيضا لا يعرف كيف ينظرون لهذا الدور في الحقبة الحالية والقادمة، حيث تشهد تصاعدا قويا لدور هذا القطاع في صياغة العلاقات الدولية، والمجتمع المدني في أوروبا وأمريكا أصبح شريكا فاعلا في المحافل الدولية.. بالنسبة لنا ماذا لدى هذا القطاع ليقدمه؟
حتى لا يكون الحديث مجرد كلمات عابرة، ثمة اقتراح وهو أن يطلب من جميع الأجهزة الحكومية، وكذلك جميع منشآت القطاع الخاص عبر مجلس الغرف، وكذلك الجامعات السعودية عبر وزارة التعليم العالي ومؤسسات المجتمع المدني عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، يطلب من هؤلاء إعداد تصوراتهم وأفكارهم والخطط التنفيذية التي يرونها للسياسة الخارجية السعودية وكيف يساهمون في دفعها.
إلى أين تذهب هذه؟
تذهب هذه إلى فريق وطني يشكل من وزارة الخارجية ومجلس الشورى ومجلس الأمن الوطني ليتولى هذا الفريق جمع هذه الأفكار وتصنيفها ودراستها ثم استخلاص خطة أو مسار أو استراتيجية وطنية للسياسة الخارجية بحيث تكون واضحة المعالم والأهداف وتوضح التصورات الأساسية لتنفيذها ودور كل طرف وطني وما هو مطلوب منه للتنفيذ.
طبعا أهم جهة هي وزارة الخارجية، والوزارة في السنوات الأخيرة عملت بشكل مكثف على إعداد كوادرها وطورت آلياتها واستطاعت أن تواكب النقلة التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، والجهود التي بذلتها الوزارة لم تنته بعد، ولعلها تأخذ في الاعتبار أهمية وضع المرشد والموجه لاختيار السفراء ومساعديهم في مناطق العالم المختلفة، حيث يحدد نوعية الكفاءة والقدرات المطلوبة في السفراء حسب المناطق التي سوف يعملون فيها وحسب أهميتها السياسية والاقتصادية للمصالح السعودية، فالمرحلة الحالية والقادمة لا تحتمل وجود سفراء دورهم ينحصر في تسيير الأعمال الروتينية، بل يفترض أن يكونوا رجالات دولة لهم حضورهم (الفكري) ولهم رؤيتهم تجاه المصالح الحيوية السعودية حول العالم.
ربما تكون هذه تصورات سريعة للسياسة الخارجية السعودية، والدبلوماسيون السعوديون بالتأكيد لديهم ما هو أهم وأعمق مما ذكرت ولدينا عميد الدبلوماسية العربية الكبير الأمير سعود الفيصل، أحد الخبراء. المهمين في الدبلوماسية المعاصرة، ونتمنى أن (يجد سموه الوقت) ليضع رؤيته الوطنية لمستقبل العلاقات السعودية الخارجية في العشرين سنة القادمة، وفي سبيل هذا المشروع الوطني الذي نتطلع إليه جميعا نتمنى أن يتفرغ الأمير سعود الفيصل بضعة أشهر ليضع معالم هذا المشروع، فنحن نحتاج إلى خريطة طريق كبرى بحجم مكانة وإمكانات الشعب السعودي وتطلعاته.. وأيضا بحجم الظروف الصعبة التي تحيط بنا، وقد تكون مصدر تهديد مباشر لوحدتنا الوطنية، ووحدتنا تستحق أن نعطيها دفعة جديدة لـ (100 عام) أخرى، ولعل هذا المشروع لرسم معالم طريق جديدة للسياسة الخارجية يكون البداية لإطلاق مشروع الوحدة الوطنية لـ 100 عام القادمة.. والملك المؤسس عبد العزيز ــ رحمه الله ــ وضع لها المبادئ السياسية والأخلاقية التي استخدمها لبناء وتأسيس الوحدة الأولى التي احتفلنا بمرور 100 عام عليها.