منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمعاهدات والمواثيق الدولية
#51602
طريق طويل ينتهي بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بأكمله، (أنظر: بوستون جلوب 1/9/2002، وواشنطن بوست 6/8/2002، وإدموتنون جورنال 15/9/2002، وواشنطن بوست 11/6/2002). إلى أي مدى تتبنى الإدارة رؤية المحافظين الجدد؟
ذكرنا في بداية المقال أن الإدارة الأمريكية الراهنة تعاني من قلة الوضوح وكثرة الخلافات فيما يتعلق بتعبيرها عن رؤيتها لسياسة أمريكا في العالم بصفة عامة وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة، وذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه كثير من التقارير عن رؤى المحافظين الجدد أصحاب التأثير والنفوذ المتزايد في الإدارة الحالية نحو الشرق الأوسط والتي تتميز بتحيزها المفرط نحو إسرائيل وبمواقفها المتشددة نحو غالبية النظم الحاكمة في المنطقة.
وسوف نبحث في النقطة الحالية في أسباب تشابه أو تناقض رؤية قمة الهرم السياسي الأمريكي ممثلة في الرئيس وفي نائبه مع المحافظين الجدد وذلك على مستويين أساسيين، أولهما هو مستوى الأسباب التي تدفعنا إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية تتبنى رؤية المحافظين الجدد تجاه الشرق الأوسط ومواقفهم تجاه المملكة، وثانيهما هو الأسباب التي تجعلنا نعتقد في غير ذلك.
(1) أسباب الاعتقاد
أولا: الولايات المتحدة اتخذت أو تعد لاتخاذ مجموعة من السياسات تجاه نظم شرق أوسطية تتشابه مع رؤية المحافظين الجدد، وبالنسبة للسياسات التي اتخذت بالفعل فنحن نقصد بها موقف الولايات المتحدة من السلطة الفلسطينية والذي انحاز انحيازا سافرا إلى حكومة شارون وضغط على السلطة الفلسطينية لإدخال ما يسمى بإصلاحات ديمقراطية.
وبالنسبة للسياسات التي تستعد الحكومة الأمريكية لاتخاذها فنقصد بها بالأساس سياسة أمريكا تجاه العراق، والاستعداد الأمريكي للإطاحة بنظام صدام حسين في الوقت الذي لا يوفر فيه رؤية واضحة لمستقبل الشرق الأوسط بعد تغيير النظام العراقي. ويعتبر استمرار سير الولايات المتحدة في خططها للإطاحة بصدام حسين بدون توفير رؤية واضحة ومعلنة لنواياها في المنطقة دليل كبير على اعتناق الإدارة لأفكار المحافظين الجدد.
ثانيا: حديث نائب الرئيس الأمريكي المفصل في أواخر شهر أغسطس عن نية الولايات المتحدة الإطاحة بصدام حسين، وتصريحات وزير الدفاع الأمريكية عن عدم حاجة الولايات المتحدة لتحركات دولية (واشنطن بوست، 28/8/2002) مؤشرات



ثالثا: تشير بعض التحليلات إلى أن بعض أهم قيادات المحافظين الجدد الذين يطالبون بالإطاحة بصدام حسين يلعبون دورا قياديا وسط الذين يطالبون بتشديد سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة (نيويورك تايمز، 12/8/2002).
رابعا: هناك بعض المؤشرات المتفرقة الداخلية التي تشير إلى أن الولايات المتحدة تسير في طريق المواجهة مع المملكة العربية السعودية، ومن هذه المؤشرات الحملة الإعلامية السلبية المتصاعدة ضد المملكة والتي تنطلق في أحيان كثيرة من منابر المحافظين الجدد واليمين المتشدد (أنظر على سبيل المثال: مجلة ويكلي ستاندارد 9/9/2002).
ومنها أيضا بعض مواقف الكونجرس المتشددة تجاه المملكة، ونذكر منها على سبيل المثال عقد لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأمريكي لجلسة استماع حول مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية في 22 مايو 2002 تميزت في معظمها بالسلبية تجاه المملكة، وكان من بين المدعوين للشهادة في الجلسة ويليام كريستول والذي روج خلال الجلسة لأفكار ومواقف المحافظين الجدد تجاه الشرق الأوسط والمملكة، ونذكر أيضا مشروع قرار قدمه النائب جيم دافيس (ديمقراطي من ولاية فلوريدا) في 27 يوينو 2002 يطالب فيه المملكة بمراجعة مقررات التعليم فيها مراجعة موضوعية وعلنية للتأكد من خلوها من الأفكار التي تحض على التطرف، وقبل بلغ عدد النواب المساندين للمشروع القرار حتى الآن 44 نائبا.
ومنها أيضا الإعلان عن سعي الولايات المتحدة للتقارب مع دول غرب أفريقيا الغنية بالبترول والحصول على موافقتها لإقامة قاعدة بحرية عسكرية أمريكية مجاورة لها لضمان تدفق البترول في حالة غزو الولايات المتحدة للعراق.
ومنها أيضا إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن نيتها تنظيم برنامج لنشر الديمقراطية والإصلاح السياسي والتعليمي في الشرق الأوسط وإعادة تقييم تأثير البليون دولار التي تقدمها الولايات المتحدة كمساعدات للشرق الأوسط في الوقت الذي تتصاعد فيه مشاعر العداء للولايات المتحدة في المنطقة (واشنطن بوست، 21/8/2002).



المشاركه ١٦
السعودية تتطابق مع رؤية المحافظين الجدد ما يلي:
أولا: أن الرئيس وكبار وزرائه أظهروا تقديرهم للمملكة وحرصهم على توطيد العلاقات معها في أكثر من مناسبة وخاصة في الفترة الأخيرة، فعلى سبيل المثال أجرى الرئيس الأمريكي اتصالا هاتفيا بولي العهد السعودي الأمير عبد الله يوم
الاثنين 26 أغسطس للتأكيد على رغبته في بناء علاقات قوية مع المملكة بعد أن أعلن نائب الرئيس ديك تشينى عن نية أمريكا غزو العراق (واشنطن بوست، 28/8/2002).
كما استقبل الرئيس الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة لدى واشنطن في مزرعته يوم 27 أغسطس في لقاء أعتبره المراقبون لقاء خاصا واستثنائيا بشكل واضح للجميع (بيزنس ويك، 9/9/2002) للتعبير عن "الصداقة القوية" التي تربط الولايات المتحدة بالمملكة وذلك بعد تسرب أنباء عن الدراسة التي ألقاها أحد باحثي مؤسسة راند للأبحاث أمام مجلس سياسات الدفاع بالبنتاجون.
وبسبب التقرير المذكور وغضب المملكة بسببه أجرى وزير الخارجية الأمريكي اتصالا هاتفيا بنظيره السعودي للتأكيد على قوة العلاقات بين البلدين، كما أعلن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد على أن التقرير لا يعبر عن سياسة وزارة الدفاع الأمريكي. ثانيا: يشير بعض المحللين إلى الضغوط التي يمارسها الجمهوريون الواقعيون مثل كولن باول وبعض مساعدي الرئيس بوش الأب وعلى رأسهم وزير الخارجية السابق جيمس بيكر ( أنظر مقالة في جريدة نيويورك تايمز، 25/8/2002) والتي تحذر من مغبة اتخاذ الولايات المتحدة لسياسات انفرادية تجاه العراق. ويرى بعض المحللين أن معسكر كولن باول استطاع تحقيق نصر ولو مؤقت في الفترة الحالية على معسكر المحافظين الجدد بقيادة رامسفيلد وتشيني بعد نحاج باول في إقناع جورج بوش بالذهاب إلى الأمم المتحدة وعرض ملف العراق عليها في 12 سبتمبر الحالي (واشنطن بوست، 16/9/2002).
ثالثا: ظهرت على الساحة الأمريكية تحليلات عديدة واقعية ومثالية تدعو الولايات المتحدة لإتباع سياسية أكثر تفهما تجاه الشرق الأوسط بصفة عامة وتجاه المملكة بصفة خاصة، وذلك لأسباب مختلفة مثل الواقعية وعدم المبالغة في طلب التغيير، والخوف من أن يدخل الشرق الأوسط مرحلة عدم استقرار كبيرة بسبب خطط الولايات المتحدة، وأن يؤثر عدم الاستقرار هذا تأثيرا سلبيا غير متوقعا على النظم الحليفة والصديقة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى حاجة أمريكا لمساعدة النظم العربية الصديقة لها كالمملكة في تحسين صورتها وخفض مشاعر العداء لها.
المملكة تلجأ إلى إستراتيجيات ووسائل عمل جديدة نتناول في هذه النقطة وما تبقى من مقالتنا هذه ردود فعل المملكة تجاه التطورات المستجدة على علاقتها بالولايات المتحدة ومواقف الإدارة الأمريكية الراهنة منها في ظل ما نشر عن ردود الفعل هذه في الصحف الأمريكية.
وأول ما نحب الإشارة إليه في هذه المجال هو حديث بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن أن سياسة المملكة ودرجة اعتمادها على الولايات المتحدة شهدت تحولات هامة قبل الحادي عشر من سبتمبر، وتمثلت هذه التحولات في سعي المملكة إلى تنويع مصادر الأسلحة، وسعى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله إلى تقوية علاقات المملكة بدول كبرى مختلفة مثل روسيا والصين والاتحاد الأوربي (بيزنس ويك، 9/9/2002).
على مستوى ثاني شهدت دوائر الإعلام والسياسة في المملكة العربية جدلا غير مسبوقا حول طبيعة العلاقات السعودية الأمريكية ومستقبل هذه العلاقات في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.
رابعاً: شهدت فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 تحولا هاما في أسلوب وأدوات عمل المملكة العربية السعودية في التأثير على الولايات المتحدة، ويشير المراقبون إلى أن المملكة اعتمدت في الماضي على منهج شديد النخبوية في التواصل مع صانع القرار الأمريكي معتمدة على شبكة واسعة من العلاقات الشخصية القوية مع قيادات الولايات المتحدة خاصة في الجانب الاقتصادي والسياسيين الذي دخلوا في علاقات مباشرة سابقة مع المملكة.
ولكن بعد أحداث سبتمبر توجهت المملكة إلى استخدام أساليب اللوبي والعلاقات العامة بدرجة غير مسبوقة لتحسين صورتها وتوطيد علاقتها بالرأي العام الأمريكي وبصانعي السياسة في الولايات المتحدة على نطاق واسع.
ويشير تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 28/8/2002 إلى أن المملكة لم تنفق في النصف الأول من عام 2001 سوى 256.770 دولار أمريكي على أنشطة اللوبي، في الوقت الذي أنفقت فيه إسرائيل خلال الفترة نفسها 5.1 مليون دولار، وأنفقت فيه اليابان 24.6 مليون دولار.
وهو ما يشير إلى أن المملكة عانت من ضعف واضح في التركيز على استخدام أدوات اللوبي والحملات الدعائية.
وأشار التقرير نفسه وتقرير أخر نشرته جريدة شيكاجو تربيون في 1/9/2002 إلى أن المملكة أنفقت منذ 11 سبتمبر 2002 أكثر من 5 ملايين دولار على أعمال اللوبي والعلاقات العامة، وذلك بعد أن استعانت ببعض أكبر مكاتب اللوبي والعلاقات العامة الأمريكية والتي غلب عليها الانتماءات الديمقراطية وإن كانت لم تخلو من الجمهوريين.
كما اعتمدت المملكة استراتيجية إعلامية جديدة أكثر شمولية تتضمن توظيف فريق دعاية جديد وتشجيع التواصل مع الإعلام الأمريكي لشرح مواقف المملكة، وتنظيم محاضرات ولقاءات للمسئولين السعوديين، ومراقبة تطور نظرة الرأي العام الأمريكي تجاه المملكة من خلال سلسلة مستمرة من الأبحاث ودراسات الرأي العام، وأشارت صحيفة واشنطن تايمز في 12/9/2002 إلى أحد المنتجات الأولية للحملة الإعلامية التي تنظمها المملكة، والذي جاء في صورة وثيقة وضعتها ووزعتها مؤسسة باتون بوجز العملاقة للدعاية على أعضاء الكونجرس تحاول فيها تقديم إجابة المملكة على بعض الأسئلة الصعبة والحرجة التي تدور في ذهن السياسي الأمريكي حول المملكة، مثل قضايا تمويل الإرهاب وغيرها من الاتهامات التي وجهت للمملكة بعد 11 سبتمبر 2001.
وفي الخاتمة نحب أن نؤكد على نتيجتين أساسيتين توصلنا لهما خلال هذه الدراسة، وهما أن تحسين العلاقات الأمريكية السعودية في العام المقبل يتطلب أولا أن تعلن الإدارة الأمريكية بشكل واضح ودقيق تفاصيل رؤيتها لعلاقتها بالمملكة في الوقت الحاضر وفي المستقبل وذلك في ظل التطورات الدولية المحتملة التي قد تطرأ على الساحة الشرق أوسطية والعالمية، ويتطلب ثانيا أن تستمر المملكة في جهودها لتنويع وسائلها عملها الديبلوماسي وأدوات تأثيرها على الرأي العام وصانع القرار الأمريكيين، والتي قد تطلب السير السريع في طريق إنشاء ودعم لوبي سعودي أمريكي منظم وفعال يحمي مصالح المملكة من داخل الولايات المتحدة، وذلك على غرار دول أجنبية عديدة أدركت خصائص عملية صناعة السياسة الخارجية الأمريكية، وأهمية العمل من داخل الولايات المتحدة للتأثير على السياسات الأمريكية ولحماية صورتها مصالحها.