منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد الشكره 36
#52297
محيط السياسة فى كل بلاد العالم زاخر بالألاعيب والمراوغات والكر والفر والتقدم والتراجع! ولعلنا منذ البداية نثير سؤالاً أرهق الفلاسفة وعلماء السياسة يتعلق بعلاقة السياسة العملية بالأخلاق! بعبارة أخرى هل ينبغى على من يعملون بالسياسة أن يتمسكوا بالقيم الأخلاقية التى تحض -على سبيل المثال- على عدم ممارسة الكذب، والامتناع عن اتهام الخصوم بالباطل، وعدم الاندفاع فى اغتيال شخصياتهم عن طريق تشويهها ولو كان ذلك بناء على وقائع مزيفة؟
اختلف علماء السياسة فى الإجابة عن هذا السؤال، فريق منهم ينطلقون من آفاق المثالية ويقررون أنه على السياسى أن يكون أخلاقياً فى ممارساته، وفريق آخر يذهب -بناء على نظرية ميكافيلى الشهيرة فى كتابه «الأمير»- إلى أن السياسى من حقه أن يمارس كل فنون الخداع لكى يصل إلى أهدافه، ولو كان ذلك على أشلاء خصومه! يحضرنى هنا ما أثير فى الحملة الرئاسية الفرنسية حول الرئيس «ساركوزى» بأن العقيد «معمر القذافى» هو الذى مول حملته الانتخابية السابقة التى أوصلته إلى الكرسى المرموق لرئاسة الجمهورية الفرنسية!
وقد أنكر «ساركوزى» التهمة وتوعد من روجوا لهذه التهم بمقاضاتهم أمام المحاكم.
ولا شك أن هذا الاتهام قد أثر على مصداقيته السياسية وهو فى صميم المعركة الانتخابية، التى خسرها ضد «أولاند» مرشح الحزب الاشتراكى.
وعندنا فى مصر وجهت لجماعة الإخوان المسلمين تهمة نقض العهد الذى قطعوه على أنفسهم بعدم ترشح إخوانى من حزب «الحرية والعدالة» ليكون رئيساً للجمهورية، وذلك لأنهم خالفوا وعدهم ورشحوا «خيرت الشاطر» مرشحاً أصلياً و«محمد المرسى» مرشحاً احتياطياً!
والواقع أننى اندهشت لكون الأحزاب السياسية والنخب المثقفة أرادت أن تدين جماعة الإخوان المسلمين؛ لأنها كذبت على الرأى العام، وخالفت ما أعلنته، وقررت أن تخوض معركة انتخابات رئاسة الجمهورية بكل قوتها الأصلية والاحتياطية!
ومبعث اندهاشى أن تهمة الكذب فى مجال السياسة تبدو بالغة التفاهة إذا ما قورنت بالتهمة الحقيقية للجماعة وهى سعيها المحموم لغزو واحتلال الفضاء السياسى المصرى خلافاً لشعارهم الذى رفعوه هم أنفسهم وهو «مشاركة لا مغالبة». وهذا الشعار الذى يعكس إحدى قيم الديموقراطية الحقيقية وهى الحرص على التوافق السياسى بين كافة أطراف العملية السياسية، والوصول فى حالة التنازع إلى الحلول الوسط سعياً وراء إنجاح التجربة الديموقراطية.
غير أن جماعة الإخوان المسلمين يثبت أنها لا يعنيها التوافق السياسى ويظهر ذلك فى تعنتها ورفضها للمعايير المتوازنة التى توصلت لها الأحزاب السياسية المصرية فى اجتماعها الأخير مع المشير. كما أنها فى حرصها المريب على إقالة حكومة «الجنزورى» فى وقت بالغ الحرج والبلاد فى صميم عملية انتخاب رئيس الجمهورية، تبدو كما لو كانت تريد عامدة متعمدة تخريب المسار الديموقراطى الذى وافقت عليه أغلب الفصائل السياسية المصرية، سعياً وراء إنهاء الفترة الانتقالية فى موعدها المحدد.
ومما لا شك فيه أن الحرص على الهيمنة الإخوانية الكاملة على كل مؤسسات الدولة المصرية أصاب قـــادة الجماعة بالجمود الإدراكى الذى جعلهم لا يدركون الانخفاض الشديد فى مصداقيتهم السياسية فى أعين الجماهير المصرية.