- الأربعاء يوليو 11, 2012 6:06 am
#52402
محمد فايز فرحات
حظيت الانتخابات التكميلية التي أجريت في جمهورية اتحاد ميانمار في الأول من أبريل 2012 الجاري باهتمام إقليمي وعالمي يبدو مبالغا فيه بالقياس إلى طبيعة الانتخابات التكميلية بشكل عام. لكن هذا الاهتمام يعود في الحقيقة إلى كون هذه الانتخابات هي أول انتخابات تشارك فيها المعارضة، بقيادة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، منذ انتخابات سنة 1990 التي فاز فيها الحزب بأغلبية مقاعد البرلمان، لكن الجيش لم يعترف بها، ما أدى إلى مقاطعة الحزب لأول انتخابات تالية في البلاد والتي أجريت في نوفمبر 2010، أي بعد عشرين عاما من انتخابات سنة 1990. هذا التحول في موقف المعارضة، وقرار زعيمة حزب الرابطة الوطنية "أون سان سو تشي" المنافسة على 44 مقعدا من إجمالي 45 مقعدا تم التنافس عليها في هذه الانتخابات، ثم فوز الحزب بـ 43 من هذه المقاعد، يثير العديد من التساؤلات حول دوافع هذا التحول المفاجئ في موقف المعارضة، وسقف طموحاتها فيما يتعلق بإنهاء حكم العسكر في البلاد الذي يعود إلى عام 1962، وما إذا كان نجاح المعارضة في هذه الانتخابات يعكس بداية مشروع انفتاح سياسي حقيقي تحت إشراف العسكر؟
واقع الأمر، يمكن إرجاع التحول في قرار المعارضة بالمشاركة في هذه الانتخابات إلى أي من العاملين التاليين أو كلاهما.
العامل الأول، يتعلق باحتمال تطور إدراك إيجابي لدى حزب الرابطة الوطنية حول الخطاب الإصلاحي الذي يطرحه رئيس البلاد "ثين سين"؛ فرغم أن سين قد تولى السلطة في مارس 2011، إلا أنه نجح خلال هذا العام، وخلال الشهور الثلاثة الأخيرة بشكل خاص، في تنفيذ عدد من الخطوات الإصلاحية المهمة التي تعضد من وجهة نظر تذهب إلى أن سين يصر على تطبيق برنامجه الإصلاحي رغم موازين القوى القائمة مع العسكر. كان أبرز هذه الإصلاحات التوقيع في 12 يناير 2012 على اتفاق سلام مع حركة "اتحاد كارين الوطني" التي تقود حركة تمرد ضد الدولة منذ سنة 1949، ثم إصدار عفو رئاسي تم بموجبه إطلاق سراح 651 سجينا سياسيا في 13 يناير. هذا الإدراك الإيجابي يبدو أنه قد تطور لدى سو تشي نفسها خلال اللقاءات العديدة التي عقدتها مع أعضاء من الحكومة منذ إطلاق سراحها، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خطاب سو تشي خلال الشهور الأخيرة، والذي سادته مفردات التعاون وتجنيب القضايا الخلافية مع النظام الحاكم، على نحو يعكس تحول سو تشي وحزب الرابطة إلى قبول العمل من داخل مؤسسات النظام القائم.
العامل الثاني، يتعلق بحرص سو تشي، وبدعم من الولايات المتحدة، على تحقيق انجاز سياسي ما قبل اختفائها من الحياة السياسية، بشكل عام، وقبل الانتخابات البرلمانية المقررة 2015؛ فاختفاء سوتشي كان من الممكن أن يؤذن بانهيار أو تراجع الدور السياسي لحزب الرابطة الوطنية. وبمعنى آخر، يمكن الحديث هنا عن توافق إرادات بين سو تشي والولايات المتحدة على استغلال اللحظة الراهنة لتحقيق إنجاز سياسي محدد على صعيد عملية التحول الديمقراطي. فرغم أن سو تشي قد حصلت على عدد من الجوائز السياسية، كان أبرزها جائزة نوبل للسلام سنة 1991، إلا أن هذا لا يغني عن تحقيقها إنجاز سياسي واضح على الأرض. ولا يقتصر هذا الإنجاز على الحصول على أغلبية مقاعد الانتخابات التكميلية الأخيرة على نحو ما حدث، ولكنها تضع نصب أعينها الانتخابات البرلمانية القادمة. ولا تكمن أهمية مشاركة سو تشي وحزب الرابطة الوطنية في الانتخابات التكميلية الأخيرة فيما ضمنته هذه المشاركة من عمل المعارضة من داخل البرلمان، ولكن فيما ضمنته من القيام بدور سياسي على مستوى الاتحاد، وهو ما عكسه اللقاء الذي عقدته سو تشي مع قادة حركة "كارين" في 8 أبريل بمنزل عائلة سو تشي، أي بعد أسبوع واحد فقط من إجراء الانتخابات.
بمعنى آخر، يمكن القول إن سو تشي تراهن في الحقيقة على مصداقية الخطاب الرسمي حول الإصلاح، واستغلال هامش الحرية الذي أتيح لها ولحزبها، لتحقيق إنجازات سياسية أكبر على الأرض قد تؤدي إلى سيطرة حزبها على أغلبية مقاعد البرلمان في 2015 بشكل يضمن لها القدرة على إدخال تغيرات هيكلية على بنية السلطة القائمة، أو حتى تهيئة المناخ لحركة احتجاج شعبي واسعة في حالة رجوع النخبة الحاكمة عن المضي قدما في عملية الإصلاح، أو في حالة تدخل العسكر مرة أخرى لإجهاضها. والأهم من ذلك، هو سعي سو تشي إلى إيجاد انقسام داخل النخبة العسكرية الحاكمة، بين جناح مؤيد نسبيا للإصلاح بقيادة رئيس البلاد، وجناح آخر لازال يرفض إدخال إصلاحات هيكلية على بنية النظام القائم. فعلى الرغم من أن هذا الانقسام لازال ضعيفا إلا أن عودة سو تشي وحزب الرابطة إلى العمل قد يؤدي إلى خلق واقع سياسي جديد يقوي حجج الجناح الإصلاحي داخل النخبة الحاكمة، ومن ثم تعميق هذه الفجوة. الأمر ذاته يمكن قوله فيما يتعلق بالولايات المتحدة، التي سعت من جانبها هي الأخرى لتوظيف سو تشي كرمز مهم للمعارضة السياسية في البلاد، يمكن استخدامه كرأس حربة ضد النظام القائم، يصعب إيجاد بديل لها في حالة اختفائها من الحياة السياسية.
غير أنه مع أهمية هذه الانتخابات الجزئية وما أسفرت عنه من فوز كاسح للمعارضة، فإن ذلك لا يعني حدوث تغيرات جذرية على بنية النظام القائم، والذي يقوم على سيطرة العسكر، كما أنها لا تعني بالضرورة قدرة المعارضة على إحداث هذا التغيير عبر المسار الدستوري. فعلى الرغم من تحول العسكر عن الحكم المباشر في 30 مارس 2011، حيث تم حل المجلس العسكري الحاكم (مجلس التنمية والسلام)، إلا أن العسكر لازالوا يحكمون قبضتهم على السلطة من خلال عدد من الآليات السياسية والدستورية، فبموجب دستور 2008، تم تخصيص 25% من مقاعد البرلمان بمجلسيه للعسكر يتم شغلها بالتعيين المباشر بواسطة رئيس الأركان، ويحضرون جلسات البرلمان بالزي العسكري، بشكل يعكس تمسك المؤسسة العسكرية على الحضور المباشر والصريح في قلب المؤسسة التشريعية المنتخبة. وخضوع 75% من مقاعد البرلمان الأخرى للانتخاب، إلا أن العسكر استطاعوا تأمين السيطرة على النسبة الغالبة من هذه المقاعد من خلال تأسيس حزب "اتحاد التضامن والتنمية" في يونيو 2010 بواسطة ثين سين نفسه (الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك)، حيث يعمل الحزب في الواقع كذراع سياسية للجيش أكثر منه حزبا سياسيا بالمعنى الدقيق، فنواب الحزب داخل البرلمان هم في الأصل عسكريين استقالوا من الجيش للمنافسة في الانتخابات. وقد استطاع الحزب في هذه الانتخابات السيطرة على 80% من المقاعد المنتخبة بمجلس النواب، و 77% من المقاعد المنتخبة بمجلس الشيوخ، ما يعني قدرة مؤكدة للجيش، بالتعاون مع الحزب، على التحكم في عملية التشريع داخل البرلمان بما في ذلك مشروعات تعديل الدستور.
ومع أهمية الدور الذي يقوم به الرئيس الحالي ثين سين، وحتى مع إغفال خلفيته العسكرية (وهو جنرال عسكري) وبافتراض محاولته خلق مساحة فاصلة بينه وبين المؤسسة العسكرية، إلا أن مؤسسة الرئاسة تخضع للسيطرة والنفوذ الكاملين للجيش وللبرلمان؛ فالأول، ممثلا في مجموعة العسكريين البرلمانيين، له سلطة ترشيح أحد نواب رئيس الجمهورية، بينما يتمتع الثاني بترشيح النائبين الإثنين الآخرين، ويتمتع الإثنين – في جلسة مشتركة- باختيار رئيس الجمهورية من بين النواب الثلاثة، ما يعني توزيع سلطة ترشيح رئيس الجمهورية ونائبيه على الجيش والحزب الحاكم. كما يتمتع البرلمان (بتركيبته الحالية) بسلطة إقالة رئيس الجمهورية. الأمر ذاته فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، حيث يتمتع رئيس أركان الجيش بسلطة ترشيح عسكريين لوزارات الدفاع، والداخلية، والحدود (مادة 232 من الدستور). الأمر الذي يعني في التحليل الأخير سيطرة الجيش، بالتعاون مع حزب الاتحاد للتضامن، على هيكل السلطة القائم. وما لم تتوفر إرادة واضحة لدى العسكر لتغيير دستور 2008 لن توجد فرصة لإصلاح حقيقي عبر المسار الدستوري. وحتى في حالة نجاح المعارضة في الحصول على أغلبية ثلثي مقاعد البرلمان في انتخابات 2015، فإن هذا لا يعني بالضرورة نجاحها في تغيير الدستور، فقد تصطدم المعارضة في هذه الحالة بإرادة الجيش الذي يعد- بموجب المادة 20 من الدستور- "المسئول عن حماية الدستور".
كل هذه الاعتبارات تفسر قبول سو تشي وحزب الرابطة الوطنية المشاركة في الانتخابات التكميلية الأخيرة، حيث يبدو البديل العملي المتاح أمام المعارضة- حتى الآن- هو العمل من داخل النظام، ومحاولة تطوير نموذج من المشاركة بين المعارضة وجناح مؤيد نسبيا للإصلاح داخل النظام القائم، أملا في خلق مناخ سياسي مختلف بحلول انتخابات سنة 2015.
.
حظيت الانتخابات التكميلية التي أجريت في جمهورية اتحاد ميانمار في الأول من أبريل 2012 الجاري باهتمام إقليمي وعالمي يبدو مبالغا فيه بالقياس إلى طبيعة الانتخابات التكميلية بشكل عام. لكن هذا الاهتمام يعود في الحقيقة إلى كون هذه الانتخابات هي أول انتخابات تشارك فيها المعارضة، بقيادة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية"، منذ انتخابات سنة 1990 التي فاز فيها الحزب بأغلبية مقاعد البرلمان، لكن الجيش لم يعترف بها، ما أدى إلى مقاطعة الحزب لأول انتخابات تالية في البلاد والتي أجريت في نوفمبر 2010، أي بعد عشرين عاما من انتخابات سنة 1990. هذا التحول في موقف المعارضة، وقرار زعيمة حزب الرابطة الوطنية "أون سان سو تشي" المنافسة على 44 مقعدا من إجمالي 45 مقعدا تم التنافس عليها في هذه الانتخابات، ثم فوز الحزب بـ 43 من هذه المقاعد، يثير العديد من التساؤلات حول دوافع هذا التحول المفاجئ في موقف المعارضة، وسقف طموحاتها فيما يتعلق بإنهاء حكم العسكر في البلاد الذي يعود إلى عام 1962، وما إذا كان نجاح المعارضة في هذه الانتخابات يعكس بداية مشروع انفتاح سياسي حقيقي تحت إشراف العسكر؟
واقع الأمر، يمكن إرجاع التحول في قرار المعارضة بالمشاركة في هذه الانتخابات إلى أي من العاملين التاليين أو كلاهما.
العامل الأول، يتعلق باحتمال تطور إدراك إيجابي لدى حزب الرابطة الوطنية حول الخطاب الإصلاحي الذي يطرحه رئيس البلاد "ثين سين"؛ فرغم أن سين قد تولى السلطة في مارس 2011، إلا أنه نجح خلال هذا العام، وخلال الشهور الثلاثة الأخيرة بشكل خاص، في تنفيذ عدد من الخطوات الإصلاحية المهمة التي تعضد من وجهة نظر تذهب إلى أن سين يصر على تطبيق برنامجه الإصلاحي رغم موازين القوى القائمة مع العسكر. كان أبرز هذه الإصلاحات التوقيع في 12 يناير 2012 على اتفاق سلام مع حركة "اتحاد كارين الوطني" التي تقود حركة تمرد ضد الدولة منذ سنة 1949، ثم إصدار عفو رئاسي تم بموجبه إطلاق سراح 651 سجينا سياسيا في 13 يناير. هذا الإدراك الإيجابي يبدو أنه قد تطور لدى سو تشي نفسها خلال اللقاءات العديدة التي عقدتها مع أعضاء من الحكومة منذ إطلاق سراحها، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خطاب سو تشي خلال الشهور الأخيرة، والذي سادته مفردات التعاون وتجنيب القضايا الخلافية مع النظام الحاكم، على نحو يعكس تحول سو تشي وحزب الرابطة إلى قبول العمل من داخل مؤسسات النظام القائم.
العامل الثاني، يتعلق بحرص سو تشي، وبدعم من الولايات المتحدة، على تحقيق انجاز سياسي ما قبل اختفائها من الحياة السياسية، بشكل عام، وقبل الانتخابات البرلمانية المقررة 2015؛ فاختفاء سوتشي كان من الممكن أن يؤذن بانهيار أو تراجع الدور السياسي لحزب الرابطة الوطنية. وبمعنى آخر، يمكن الحديث هنا عن توافق إرادات بين سو تشي والولايات المتحدة على استغلال اللحظة الراهنة لتحقيق إنجاز سياسي محدد على صعيد عملية التحول الديمقراطي. فرغم أن سو تشي قد حصلت على عدد من الجوائز السياسية، كان أبرزها جائزة نوبل للسلام سنة 1991، إلا أن هذا لا يغني عن تحقيقها إنجاز سياسي واضح على الأرض. ولا يقتصر هذا الإنجاز على الحصول على أغلبية مقاعد الانتخابات التكميلية الأخيرة على نحو ما حدث، ولكنها تضع نصب أعينها الانتخابات البرلمانية القادمة. ولا تكمن أهمية مشاركة سو تشي وحزب الرابطة الوطنية في الانتخابات التكميلية الأخيرة فيما ضمنته هذه المشاركة من عمل المعارضة من داخل البرلمان، ولكن فيما ضمنته من القيام بدور سياسي على مستوى الاتحاد، وهو ما عكسه اللقاء الذي عقدته سو تشي مع قادة حركة "كارين" في 8 أبريل بمنزل عائلة سو تشي، أي بعد أسبوع واحد فقط من إجراء الانتخابات.
بمعنى آخر، يمكن القول إن سو تشي تراهن في الحقيقة على مصداقية الخطاب الرسمي حول الإصلاح، واستغلال هامش الحرية الذي أتيح لها ولحزبها، لتحقيق إنجازات سياسية أكبر على الأرض قد تؤدي إلى سيطرة حزبها على أغلبية مقاعد البرلمان في 2015 بشكل يضمن لها القدرة على إدخال تغيرات هيكلية على بنية السلطة القائمة، أو حتى تهيئة المناخ لحركة احتجاج شعبي واسعة في حالة رجوع النخبة الحاكمة عن المضي قدما في عملية الإصلاح، أو في حالة تدخل العسكر مرة أخرى لإجهاضها. والأهم من ذلك، هو سعي سو تشي إلى إيجاد انقسام داخل النخبة العسكرية الحاكمة، بين جناح مؤيد نسبيا للإصلاح بقيادة رئيس البلاد، وجناح آخر لازال يرفض إدخال إصلاحات هيكلية على بنية النظام القائم. فعلى الرغم من أن هذا الانقسام لازال ضعيفا إلا أن عودة سو تشي وحزب الرابطة إلى العمل قد يؤدي إلى خلق واقع سياسي جديد يقوي حجج الجناح الإصلاحي داخل النخبة الحاكمة، ومن ثم تعميق هذه الفجوة. الأمر ذاته يمكن قوله فيما يتعلق بالولايات المتحدة، التي سعت من جانبها هي الأخرى لتوظيف سو تشي كرمز مهم للمعارضة السياسية في البلاد، يمكن استخدامه كرأس حربة ضد النظام القائم، يصعب إيجاد بديل لها في حالة اختفائها من الحياة السياسية.
غير أنه مع أهمية هذه الانتخابات الجزئية وما أسفرت عنه من فوز كاسح للمعارضة، فإن ذلك لا يعني حدوث تغيرات جذرية على بنية النظام القائم، والذي يقوم على سيطرة العسكر، كما أنها لا تعني بالضرورة قدرة المعارضة على إحداث هذا التغيير عبر المسار الدستوري. فعلى الرغم من تحول العسكر عن الحكم المباشر في 30 مارس 2011، حيث تم حل المجلس العسكري الحاكم (مجلس التنمية والسلام)، إلا أن العسكر لازالوا يحكمون قبضتهم على السلطة من خلال عدد من الآليات السياسية والدستورية، فبموجب دستور 2008، تم تخصيص 25% من مقاعد البرلمان بمجلسيه للعسكر يتم شغلها بالتعيين المباشر بواسطة رئيس الأركان، ويحضرون جلسات البرلمان بالزي العسكري، بشكل يعكس تمسك المؤسسة العسكرية على الحضور المباشر والصريح في قلب المؤسسة التشريعية المنتخبة. وخضوع 75% من مقاعد البرلمان الأخرى للانتخاب، إلا أن العسكر استطاعوا تأمين السيطرة على النسبة الغالبة من هذه المقاعد من خلال تأسيس حزب "اتحاد التضامن والتنمية" في يونيو 2010 بواسطة ثين سين نفسه (الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك)، حيث يعمل الحزب في الواقع كذراع سياسية للجيش أكثر منه حزبا سياسيا بالمعنى الدقيق، فنواب الحزب داخل البرلمان هم في الأصل عسكريين استقالوا من الجيش للمنافسة في الانتخابات. وقد استطاع الحزب في هذه الانتخابات السيطرة على 80% من المقاعد المنتخبة بمجلس النواب، و 77% من المقاعد المنتخبة بمجلس الشيوخ، ما يعني قدرة مؤكدة للجيش، بالتعاون مع الحزب، على التحكم في عملية التشريع داخل البرلمان بما في ذلك مشروعات تعديل الدستور.
ومع أهمية الدور الذي يقوم به الرئيس الحالي ثين سين، وحتى مع إغفال خلفيته العسكرية (وهو جنرال عسكري) وبافتراض محاولته خلق مساحة فاصلة بينه وبين المؤسسة العسكرية، إلا أن مؤسسة الرئاسة تخضع للسيطرة والنفوذ الكاملين للجيش وللبرلمان؛ فالأول، ممثلا في مجموعة العسكريين البرلمانيين، له سلطة ترشيح أحد نواب رئيس الجمهورية، بينما يتمتع الثاني بترشيح النائبين الإثنين الآخرين، ويتمتع الإثنين – في جلسة مشتركة- باختيار رئيس الجمهورية من بين النواب الثلاثة، ما يعني توزيع سلطة ترشيح رئيس الجمهورية ونائبيه على الجيش والحزب الحاكم. كما يتمتع البرلمان (بتركيبته الحالية) بسلطة إقالة رئيس الجمهورية. الأمر ذاته فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، حيث يتمتع رئيس أركان الجيش بسلطة ترشيح عسكريين لوزارات الدفاع، والداخلية، والحدود (مادة 232 من الدستور). الأمر الذي يعني في التحليل الأخير سيطرة الجيش، بالتعاون مع حزب الاتحاد للتضامن، على هيكل السلطة القائم. وما لم تتوفر إرادة واضحة لدى العسكر لتغيير دستور 2008 لن توجد فرصة لإصلاح حقيقي عبر المسار الدستوري. وحتى في حالة نجاح المعارضة في الحصول على أغلبية ثلثي مقاعد البرلمان في انتخابات 2015، فإن هذا لا يعني بالضرورة نجاحها في تغيير الدستور، فقد تصطدم المعارضة في هذه الحالة بإرادة الجيش الذي يعد- بموجب المادة 20 من الدستور- "المسئول عن حماية الدستور".
كل هذه الاعتبارات تفسر قبول سو تشي وحزب الرابطة الوطنية المشاركة في الانتخابات التكميلية الأخيرة، حيث يبدو البديل العملي المتاح أمام المعارضة- حتى الآن- هو العمل من داخل النظام، ومحاولة تطوير نموذج من المشاركة بين المعارضة وجناح مؤيد نسبيا للإصلاح داخل النظام القائم، أملا في خلق مناخ سياسي مختلف بحلول انتخابات سنة 2015.
.