منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By وليد ناجي 5
#52532
تتهم الدول الغربية الصين بأنها تهتم بمصالحها الضيقة والترويج لمنتجاتها في أفريقيا
تطرح الصين نموذجها التنموي وتجربتها في النهوض الاقتصادي كنموذج ملهم للدول النامية ومنها البلدان العربية , مستندة في ذلك إلى أربعة عناصر رئيسية هي:
أولها : إن الصين ما زالت تعتبر نفسها "دولة نامية", وظروفها الداخلية كانت حتى وقت قريب نسبياً شبيهة إلى حد كبير بظروف الكثير من المجتمعات النامية في إفريقيا وآسيا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثانيها: إن النموذج الصيني اعتمد في تحقيق التنمية الاقتصادية على ثلاثة عناصر رئيسة هي: احترام السيادة الوطنية, والتركيز على تحقيق التنمية من خلال الاستثمار في البنية الأساسية والمؤسسات الاجتماعية, وعدم اعتبار الليبرالية والتحول الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي شرطاً للتنمية الاقتصادية.
وثالثها: إن الأداء الصيني يتسم بدرجة عالية من الفعالية والسرعة في تنفيذ المشروعات بكلفة قليلة نسبياً, مقارنة بنظيره في الكثير من دول الغرب. وينطبق ذلك سواء على المشروعات الجارية داخل الصين, أو تلك التي تنفذها الصين في أفريقيا, حيث نفذت الكثير من مشروعات بناء السدود والطرق والجسور بكفاءة وبسرعة وبكلفة قليلة نسبياً.
أما رابعها: إن الصين لا تربط علاقاتها الاقتصادية مع أي دولة بأي شروط سياسية, مثل احترام حقوق الإنسان أو تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية, على غرار النموذج الغربي, وإنما تحرص دائما على إبعاد الاقتصاد والتجارة عن التعقيدات السياسية, فضلاً عن التزام الصين الصارم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
ولذلك, فإن هناك الكثير من الدول والشعوب العربية تنظر إلى الصين باعتبارها نموذجا جيداً للتنمية والتحديث, وملائما لظروفها بدرجة أكبر من النموذج الغربي , لأنها تتبنى ترتيباً للأولويات قريباً من ذلك الخاص بتلك الدول , كما أن التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وتلك الدول يتسم باحترام أكبر من جانب الصين للسيادة الوطنية لتلك الدول , علاوة على عنصري تقليل الكلفة والسرعة في التنفيذ.
ولكن في المقابل هناك الكثير من الآراء التي تذهب إلى أن النموذج الصيني لا يلائم ظروف المجتمعات العربية غير النفطية لاعتبارات اقتصادية كثيرة, أبرزها:
أولا ً: إن النموذج الصيني هو بالأساس نموذج قائم على مبدأ "الاقتصاد الموجه نحو التصدير", ويعتمد في هذا الإطار على تحقيق تراكم رأسمالي من خلال الاستثمارات الخاصة, مع توجيه الأرباح المالية الضخمة الناتجة عن هذه الاستثمارات نحو تعزيز القدرات التصديرية لهذا الاقتصاد. ومثل هذا النموذج لا يعتبر ملائما لتلك الدول لأنها لا تملك مثل هذه البنية الاقتصادية الضخمة, ومعنية بتوفير احتياجاتها الأساسية, كما أنها لا تمتلك رأس المال الخاص القادر على تحقيق التراكم الرأسمالي أو التوجه نحو التصدير على نطاق واسع .
ثانياً: إن الصين لم تقدم الكثير إلى تلك الدول في المجالات الاقتصادية, لأن المساعدات التي تقدمها الصين تعتبر متواضعة, إذا قورنت بمعدلات النمو العالية للاقتصاد الصيني, أو إذا قورنت بالمساعدات التي تقدمها الدول الغربية واليابان , من ناحية. ومن ناحية أخرى, فإن المشروعات التي تنفذها الشركات الصينية في تلك الدول وفي الدول الإفريقية عموماً لا تحقق مكسباً لأفريقيا, سواء من حيث اكتساب المهارات الفنية أو من حيث القيمة المضافة, لأن تلك الشركات تستقدم عمالاً صينيين لتنفيذ مشروعاتها في الدول الأفريقية , ولا تستعين بالعمال الأفارقة, مما يعني أنها تحرم الأفارقة من فرص العمالة التي تخلقها هذه المشروعات.
ثالثا: إن صادرات الصين تمثل خطراً داهماً على القدرات الصناعية المحدودة في الكثير من الدول العربية و الأفريقية , ولاسيما في مجال الملابس, حيث تنافس الصادرات الصينية مثيلاتها الوطنية في الدول العربية والأفريقية , وتقضي عليها لرخص ثمنها وارتفاع جودتها, وهو ما أثار احتجاجاً من جانب الكثير من أصحاب المصانع الصغيرة والمتوسطة في الكثير من تلك الدول .
ولذلك, فإن هذه العناصر الثلاثة تدفع بالبعض ليس فقط إلى رفض النموذج الصيني لعدم ملاءمته للظروف العربية والأفريقية, بل الأكثر من ذلك أن البعض يصف علاقة الصين بأفريقيا بأنها مجرد نوع من "الإمبريالية الجديدة", لأن هذه العلاقة تسير وفق الخطوط نفسها للسياسات الإمبريالية الغربية إزاء أفريقيا, والتي تقوم على استيراد المواد الخام من أفريقيا, بأسعار رخيصة, في مقابل تصدير السلع المصنعة إليها, والتي تنافس الصناعات المحلية المماثلة بالدول الأفريقية .على أن الانتقادات الأوسع للنموذج الصيني عموماً, وللسياسة الصينية في أفريقيا تحديداً, هي تلك التي تثيرها الولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية بشأن ما تعتبره تلك الأطراف نوعاً من عدم الاكتراث من جانب الصين بأوضاع حقوق الإنسان والحقوق السياسية والمدنية الأساسية في أفريقيا.
وتتهم الدول الغربية الصين بأنها تهتم بمصالحها الضيقة, وتسعى فقط إلى الحصول على احتياجاتها من النفط والمواد الخام من أفريقيا, جنباً إلى جنب مع الترويج لمنتجاتها في الدول الأفريقية. وتتعاون الصين في هذا السياق, وفق المنظور الغربي, مع النظم الديكتاتورية والقمعية في أفريقيا, ولا تساعد الجهود الدولية الرامية إلى نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان, بل إنها تتسبب فى إفشال تلك الجهود وفق المنظور الغربي. وترد الصين على ذلك بأن سياسات الإقراض يجب ألا تكون مرتبطة باعتبارات السياسة من ناحية, كما تؤكد من ناحية أخرى أنها تعمل بقوة على تعزيز الاستقرار واحترام حقوق الإنسان في أفريقيا بكل الطرق الأخرى .