منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#52786
بدأ الاهتمام الروسي بسورية خلال فترة الاتحاد السوفييتي لاسباب اقتصادية ومنافع الجيوبوليتك، وهي الجغرافيا السياسية، فمن حيث التعاون الاقتصادي باعت روسيا أخيرا أسلحة لسورية وتشمل طائرات مقاتلة وصواريخ متطورة، كمايستثمر رجال الأعمال الروس في البنية الأساسية السورية وفي مجال الطاقة والسياحة، وهناك مصنع لتسييل الغاز الطبيعي شرق مدينة حمص قامت بانشائه شركة روسية، وعلى الرغم من الانتقاد الدولي الشديد للنظام السوري فقد استمرت روسيا في ابرام الصفقات التجارية مع سورية على عكس الولايات المتحدة التي توقفت عن استثمار بلايين الدولارات عندما شعرت برفض الشعب السوري لحكمه.
لروسيا اعتبارات جيوبوليتكية واستراتيجية تجعلها تدعم النظام السوري فروسيا هي أكبر منتج للنفط في العالم وثاني أكبر مصدر له وهي تعتقد أنها ليست في حاجة للنفط العربي ولاتحتاج ان تسترضي الدول العربية الحليفة للغرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية، لكن الأهم من ذلك ان روسيا لديها مشكلاتها الخاصة مع الاسلاميين في القوقاز ووسط آسيا، وهي تخشى ان تندلع فيها ثورات مماثلة للثورة السورية فتنشب في مناطق مثل داغستان، أبخازيا، انغوشيا، أو الشيشان، لذلك فانها بدعم حليفها السوري فان الكرملين يُرسل رسالة تحذير قوية الى الجماعات المعارضة للحكومات المحلية المكروهة في هذه المناطق التي تدخل في اطار الاتحاد الروسي، والى جانب ذلك فان سورية تمتلك مصدراً استراتيجياً هاماً لطالما تمنته روسيا الا وهو ميناء في المياة الدافئة، ويٌحقق ميناء طرطوس السوري لروسيا هذه التطلعات في الحصول على مثل هذا الميناء، وهي طموحات روسية قديمة الزمن كانت تأمل في الحصول عليها، ويُقال انه كان أحد الأسباب وراء الغزو السوفييتي لأفغانستان.
ربما لاتكون للميناء أهمية كماكانت أيام السوفييت ولكن الحصول على ميناء في أعالي البحار ماانفك يراود التفكير الاستراتيجي الروسي نظراً لأن الموانئء الروسية الرئيسية اما انها مغلقة بسبب التجمد طول السنة أو انها تقع بمضايق بحرية مُقفلة تسيطر عليها دول اخرى، علماً بأن ميناء طرطوس استضاف الاسطول الحربي الروسي أخيرا وعلى متنه أسلحة مرسلة لسورية وفق صفقة بآلاف الملايين من الدولارات متجاهلة الحظر الاوروبي على تصدير الأسلحة الى المناطق المتوترة.
أما فيما يتعلق بالأمم المتحدة فإن النظام السوري يعتقد أنه طالما لم يضعف تأييد الكرملين له فإن الرئيس السوري لن يخشى الأمم المتحدة.
وعلى صعيد مجلس الأمن تتوعد روسيا بأنها سترفض أي قرار تدعمه اوروبا وامريكا والجامعة العربية يدعو الى انتقال سياسي في سورية، لكن روسيا تبدو ضعيفة في غير هذا المجلس كما هو الحال ضمن مجموعة الثمان ومجموعة العشرين فمن النادر ان تلعب دوراً كبيراً في الدبلوماسية المالية متعددة الأطراف وتفضل ان تكون قريبة من الصين، ولطالما وقفت روسيا، للدفاع عن مصالحها، في وجه الجهود الاوروبية والامريكية للاعتراف بكوسوفو كما أنها طردت فريق الأمم المتحدة لحفظ السلام من جورجيا، واذا اعتبرنا ان قوة الأعضاء في الامم المتحدة تضعف وتقوى كظاهرة المد والجزر فاننا نجد ان الموقف الروسي ينجذب ناحية الصين المزدهرة اقتصادياً.
ان الدعم الروسي للنظام السوري قد ضعف قليلاً خلال شهر يناير الماضي، وكانت التوقعات ان يجري اقناع روسيا في النهاية لكي تتبنى اتفاقاً مشابهاً لماتم الاتفاق عليه أخيرا بخصوص اليمن لانهاء العنف فيه برعاية دول الخليج، حيث حصل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على حصانة قضائية في مقابل الخروج الى منفى مؤقت تمهيداً للانتقال السلمي في اليمن، وان الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً في مايتعلق بالشأن السوري، لكن مجلس الأمن فشل في يوم 4 فبراير الجاري عندما أسقطت روسيا والصين بحق النقض (الفيتو) مشروع القرار الغربي العربي بشأن الاوضاع في سورية والذي يدعو الى نقل صلاحيات الرئيس السوري بشار الاسد الى نائبه، فهل تملك الدول الكبرى حلولاً اخرى أم تمارس ضغوطاً اخرى على روسيا والصين للخروج من هذا المأزق؟ هذا هو الموقف الروسي الذي يقوم على دوافع اقتصادية واستراتيجية في دعمه للنظام السوري ولايقوم على أسسٍ من القناعة الايديولوجية أو الأخلاقية وانما على أسسٍ سياسية محضة.