- الأربعاء يوليو 18, 2012 11:11 pm
#52796
«بلاغ إلى من يهمه الأمر» الخلل السكاني.. اعتداء على حقوق المواطن
د. علي خليفة الكواري
نعم، الخلل السكاني اعتداء على حقوق المواطن في أي بلد كان. وتفاقم الخلل السكاني في بعض دول الخليج العربي هو اعتداء صارخ على حقوق المواطن مع سبق الإصرار والترصد. فمن حق المواطنين في وطنهم أن يكون لهم دور، وأن يكونوا هم التيار الرئيس في المجتمع، وأن تكون هويتهم هي الهوية الجامعة ولغتهم هي اللغة السائدة.. ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص، هي محط الخيارات والموجّه للقرارات العامة وعلى رأسها السياسة السكانية.
هذا إلى جانب حقوق الإنسان التي يشاركهم فيها كل من يقيم على أرض وطنهم.
فأين دول الخليج العربي عموماً من مراعاة حقوق المواطن هذه. وخصوصاً، أين الإمارات وقطر وربما البحرين من مراعاة حقوق المواطن باعتباره مواطناً وباعتباره إنساناً؟
لقد فاجأتني الإحصاءات والتصريحات الرسمية في كل من الإمارات وقطر والبحرين في مطلع ,2008 كما سوف تفاجئ المتتبعين الآخرين لمخاطر استمرار الخلل السكاني والداعين إلى تصحيحه. إن هذه الإحصاءات المفاجئة والتصريحات الرسمية التي تؤكدها، تعبر عن توجهات تجارية مخيفة، يمكن أن نطلق عليها «توجهات ما بعد الخلل السكاني» أو زمن التحول والتراجع عن القول بضرورة تصحيح الخلل السكاني.
لقد أصبحت الخيارات والقرارات العامة تبدو اليوم غير معنية بالخلل السكاني وغير مراعية لحقوق المواطن والحفاظ على لغته وهويته ووجوده.
وأصبح خيار التوسع غير العقلاني في نشاط العقارات غير المبرر من وجهة نظر وطنية، هو أهم خيارات ما يسمى بالتنمية التي سبق أن أسميتها بـ «تنمية الضياع»، ضياع الأوطان ونكوص المجتمعات الوطنية وتهديد مستقبل الأجيال المتعاقبة، عندما يصبح المواطنون أقلية في وطنهم ويهمش دورهم الثقافي والإنتاجي والإداري وتصبح أوضاعهم المعيشية رهينة المكرمات والقرارات الإدارية، وما تبقى من حماية قانونية هي اليوم عرضة للتغيير في أي وقت.
وعندها يُلقى بالمواطنين في أتون منافسة غير عادلة مع نخب الوافدين من جميع أنحاء العالم. منافسة ينتظر أن يتحول بموجبها وضع المواطنين وثقافتهم ومجتمعهم في الإمارات وقطر خصوصاً، إلى ما يشبه وضع المالاويين في سنغافورة والذي تراجع لصالح المهاجرين الصينيين وأصبح المالاويون (السكان الأصليون) في الدرجة السفلى سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
حالة الإمارات
كان أهل المنطقة في الماضي القريب من مواطنين ومسؤولين حكوميين يحذرون من خطورة الخلل السكاني في الإمارات ومن نموذج دبي خصوصاً، عندما بلغ عدد سكان الإمارات في العام 2001 نحو 5,3 مليون، وتدنت نسبة المواطنين في السكان إلى 20% ومساهمتهم في قوة العمل إلى 7,8%. وكان من المنتظر أن يصحح ذلك الوضع المختل الخطر الذي لا نظير له في أية دولة في العالم. ولكن المؤسف أن عدد سكان الإمارات في نهاية 2007 قد تضخم بأكثر من الضعف في غضون 5 سنوات وبلغ ثمانية ملاين نسمة، وانخفضت نسبة المواطنين في إجمالي السكان إلى 10% فقط وفي إجمالي قوة العمل إلى أقل من 5%. وأصبح عدد المواطنين البالغين 800 ألف نسمة، نحو نصف عدد الجالية الهندية البالغة 5,1 مليون، كما ذكرت نشرة «The Economist Intelligence Unit» في عددها الخاص بالإمارات في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ,2007 وبذلك أصبح المواطنون أقلية في وطنهم لا يتجاوز عددهم نصف عدد الجالية الهندية المطالبة بالتجنيس.
وما يؤسف له حقاً أن أبوظبي وبقية الإمارات أصبحت تنافس دبي في نموذجها العقاري وما يؤدي إليه من تفاقم الخلل السكاني. فأبوظبي على سبيل المثال تخطط لزيادة سكانها من 6,1 مليون إلى 1,3 مليون وفقاً لخطتها المسماة «رؤية أبوظبي 2030». وفي تصريح لأحد المسؤولين في الإمارات أشار إلى توجه خطر سوف يتم بمقتضاه استقدام مليون صيني، ربما نتيجة لما تقوم به الجالية الهندية من إضرابات وشغب. وكأني به كالمستجير من الرمضاء بالنار.
حالة قطر
وفي قطر التي كان المسؤولون فيها ينتقدون نموذج دبي وينأون بأنفسهم عن تقليده، فاجأني ما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية. فقد بدأت المعلومات المخيفة والتصريحات الرسمية تشير إلى تفاقم الخلل السكاني بشكل أصبح الوضع السكاني في قطر أشبه بالإمارات، وربما يسير بوتيرة أسرع ينافس فيها نموذج دبي.
وما يخيف ليس مجرد الزيادة المذهلة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين فقط وإنما أيضاً استمرارية السبب الرئيس الذي أدى إلى ذلك التفاقم المفاجئ للخلل السكاني في قطر، في وقت كنا نظن فيه أن قطر واعية لمخاطر استمرار الخلل السكاني وأبعاده وتداعياته غير محمودة العاقبة.
والسبب الرئيس لهذه الزيادة المخيفة في حجم سكان قطر هو السياسة الجديدة التي قامت بموجبها الحكومة ببيع أراضي عامة، كما سمحت باستملاك الأجانب للعقارات والقيام بالاستثمار العقاري، ووافقت على منح إقامات مفتوحة لكل من يملك شقة في المناطق المخصصة لشراء غير القطريين. ومن هذه المناطق مدينه الوسيل التي صممت لإسكان 200 ألف نسمة، معظمهم إن لم يكن كلهم من غير القطرين. وهو ما أدى إلى جانب سياسة الاستملاكات، إلى توسع هائل في النشاط العقاري تسبب في إزالة مناطق سكنية جديدة أربكت إزالتها الفجائية حياة المواطنين، حتى أطلقت إذاعة لندن على الوضع «سنامي». هذا إلى جانب ما أدت إليه من استقدام عمالة كثيفة.
وتفيد المعلومات والتصريحات المنشورة في الصحف، بأن قطر تخطط لبناء 800 برج، تم إكمال 50 برجاً منها فقط و150 تحت الإنشاء، وهناك 600 برج ينتظر بناؤها في السنوات القليلة المقبلة، وكان الله في عون المواطن الذي تحمّل وسوف يتحمل كل أبعاد وتداعيات هذا الخيار العقاري المخيف.
ومن تبعات هذا الخيار العقاري الذي ترعاه وتسوقه الحكومة هو الزيادة المخيفة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين. فسكان قطر الذين استقر عددهم في عقد التسعينات الماضية، وارتفعت نتيجة ذلك الاستقرار نسبة المواطنين من 28% العام 1993 إلى 50,31% العام ,2001 عكس اتجاهه الحميد فجاءه مع الأسف منذ العام 2004 خصوصاً، حيث تضاعف حجم السكان من نحو 700 ألف العام 2004 إلى 5,1 مليون في مطلع العام .2008 وينتظر أن يصل حجم سكان قطر في العام 2012 إلى 3,2 مليون نسمة، بحسب التصريحات الرسمية.
ونتيجة لذلك، تدنت نسبة المواطنين من إجمالي السكان من نحو 29% العام 2004 إلى 16% فقط في مطلع العام .2008 أما مساهمة القطرين في قوة العمل فربما تدنت إلى 7% في مطلع العام 2008 بعد أن كانت نحو 15%. وللعلم، فقد قدر سكان قطر بنحو 560 ألف نسمة العام ,1993 و600 ألف العام .2001 كما قدر عدد القطرين العام 1993 بنحو 172 ألفاً، و190 ألفاً العام ,2001 و205 آلاف العام ,2004 وبلغ عدد المواطنين 240 ألف نسمة في مطلع .2008
حالة البحرين
ولعل ما نشر في البحرين من إحصاءات مخيفة تؤكد لنا أيضاً أن السبب الرئيس في تضخم حجم سكان بعض دول الخليج العربي وتدني نسبة المواطنين في إجمالي السكان وفي قوة العمل، هو خيارات التوسع المفاجئ في النشاطات العقارية. فالبحرين مثلها مثل دبي لا تملك صادرات معتبرة من النفط الخام أو الغاز المسال مثل قطر وأبوظبي، وإنما فتحت المجال لتوسع عقاري على نمط الإمارات وقطر وقامت الحكومة ببيع الأراضي وتسهيل إقامة المدن والمناطق الجديدة وما تتطلبه من تسهيلات الإقامة الدائمة واستقدام العمالة الوافدة بشكل كثيف غير مسبوق في البحرين التي تعاني من بطالة مزمنة وأزمة إسكان بالنسبة للمواطنين.
فقد نشر في صحف البحرين يوم 28 فبراير/ شباط 2008 أن عدد سكان البحرين قد زاد بنسبة 42% في عام واحد، من 742 ألف نسمة العام 2006 إلى 05,1 مليون العام ,2007 نتيجة تضاعف عدد الوافدين تقريباً، حيث زاد عدد الوافدين من 283 ألفاً إلى 517 ألفاً. وبذلك تدنت نسبة المواطنين في إجمالي السكان من الثلثين إلى النصف، وفي قوة العمل تدنت مساهمة البحرينيين من نحو 35% العام 2006 إلى 15% فقط العام .2007 هذا رغم أن عدد المواطنين قد زاد في عام واحد بنسبة 15% من 459 ألفاً العام 2006 إلى 529 ألفاً العام 2007 بسبب سياسة التجنيس الكثيف التي اتبعتها حكومة البحرين، والتي أدت إلى ارتفاع الزيادة السنوية في عدد المواطنين من 3,2% إلى 15%. وفي هذا إضرار بمصلحة المواطن وتقويض لوضعه مرتين.
«من ضيع وطن وين الوطن يلقاه»
في الختام، وفي ضوء هذه المعطيات والتداعيات المتوقعة لتفاقم الخلل السكاني، وجدت نفسي محتاراً في من أوجه إليه خطابي هذا. فقد سبق وكتبت في الموضوع مراراً منذ العام 1981 حين أصدرت كتيباً بعنوان «نحو فهم أفضل لأسباب الخلل السكاني»، ولكن لا حياة لمن تنادي. فقررت أن أتقدم ببلاغ إلى من يهمه الأمر وأشهد عليهم الله والأجيال القادمة، وأرجو ألا يسجل هذا البلاغ ضد مجهول.
ومن يهمهم أمر الحفاظ على الوطن وعدم ضياع الهوية العربية الإسلامية ونكوص المجتمعات الوطنية في دول المنطقة، هم المواطنون جميعاً حكاماً ومحكومين في دول المنطقة ومن بعدهم العرب الآخرون كي لا تضاف نكبة أخرى إلى نكبات الأمة العربية.
وأقول في بلاغي هذا بخطورة ما أكدته الإحصاءات والتصريحات من تدني نسبة المواطنين في إجمالي السكان إلى 10% في الإمارات و16% في قطر، وإلى النصف في البحرين بعد أن كانت قبل عام واحد فقط تساوي الثلثين. أما مساهمة المواطنين في إجمالي قوة العمل فقد تدنت إلى 5% في الإمارات و7% في قطر و15% في البحرين.
وأطالب بسرعة معالجة الخلل السكاني والتصدي لأسبابه المفاجئة إلى جانب أسبابه المزمنة، وإبعاد المسؤولين عن تفاقم الخلل السكاني عن مراكز اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات العامة واستبدالهم بمن يرتبط مصيرهم بمصير الوطن. إن متخذي القرارات ومحددي الخيارات العامة هم المصفى (الفلتر) الذي ينقيها من الشوائب.
أما عن السبب الرئيس لتفاقم الخلل السكاني الراهن هذا بدلاً من تصحيح الخلل السكاني وما يتطلبه من ضرورة عكس اتجاه تدني نسبة المواطنين في السكان ومساهمتهم في إجمالي قوة العمل، فإنني أعيده بشكل رئيس إلى الخيار الذي تم اتخاذه ووضعت السياسات لتحقيقه، وهو التوسع في بيع الحكومات للأراضي العامة وتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار وتسهيل الإقامة الدائمة لملاك الشقق في المناطق الجديدة من غير المواطنين، ورفع الحواجز عن استقدام العمالة الأجنبية اللازمة لبناء المدن والمناطق العقارية الجديدة، من دون مراعاة لأبعاد الخلل السكاني وتداعياته.
وتذكر المعلومات المتاحة أرقاماً فلكية تصعب قراءتها وتخيلها، بشأن حجم الاستثمار العقاري المتوقع في دول مجلس التعاون في الوقت الحاضر والذي بلغ 2 تريليون دولار منها 700 مليار دولار في الإمارات وحدها. وهذا الحجم من الاستثمار العقاري سوف يتطلب عمالة كثيفة في مرحلة الإنشاء، كما سيتطلب إقامة وافدين جدد يشغلون هذه العقارات ويشغلونها.
والجدير تأكيده أن تفاقم الخلل السكاني قد حصل بشكل مفاجئ في دول تمتلك فوائض نفطية مثل قطر وأبوظبي وأخرى ليست لديها صادرات معتبرة من النفط الخام مثل البحرين وبقية الإمارات. وهذا يؤكد وجود استراتيجية واحدة غير معنية بقضية الخلل السكاني ولا باعتبارات التنمية المستدامة، تم تطبيقها في الدول الثلاث المدروسة، بناء على استشارات قدمتها وخطط وضعتها شركات ومعاهد أجنبية، نظرت إلى هذه البلاد كمشروعات تجارية، وليس دولاً وطنية عليها واجب بناء الدولة وتأهيل المواطن وتفعيل دور المجتمع وتحقيق التماسك الاجتماعي من خلال عملية تنمية وطنية مستدامة ذات بعد إنساني. عملية تنمية تكون لصالح أهل المنطقة بأجيالهم المتعاقبة، ويكون دور المواطنين هو الدور الرئيس في قيادتها وتحديد خياراتها، فالتنمية الحميدة هي التي تستهدف صالح المواطنين بالدرجة الأولى، وأن يكون المواطنون هم عمادها، وما عداها فإنها «تنمية للضياع» والعياذ بالله.
د. علي خليفة الكواري
نعم، الخلل السكاني اعتداء على حقوق المواطن في أي بلد كان. وتفاقم الخلل السكاني في بعض دول الخليج العربي هو اعتداء صارخ على حقوق المواطن مع سبق الإصرار والترصد. فمن حق المواطنين في وطنهم أن يكون لهم دور، وأن يكونوا هم التيار الرئيس في المجتمع، وأن تكون هويتهم هي الهوية الجامعة ولغتهم هي اللغة السائدة.. ومصالحهم المشروعة عبر الأجيال وحماية مصير مجتمعهم من التفكك والنكوص، هي محط الخيارات والموجّه للقرارات العامة وعلى رأسها السياسة السكانية.
هذا إلى جانب حقوق الإنسان التي يشاركهم فيها كل من يقيم على أرض وطنهم.
فأين دول الخليج العربي عموماً من مراعاة حقوق المواطن هذه. وخصوصاً، أين الإمارات وقطر وربما البحرين من مراعاة حقوق المواطن باعتباره مواطناً وباعتباره إنساناً؟
لقد فاجأتني الإحصاءات والتصريحات الرسمية في كل من الإمارات وقطر والبحرين في مطلع ,2008 كما سوف تفاجئ المتتبعين الآخرين لمخاطر استمرار الخلل السكاني والداعين إلى تصحيحه. إن هذه الإحصاءات المفاجئة والتصريحات الرسمية التي تؤكدها، تعبر عن توجهات تجارية مخيفة، يمكن أن نطلق عليها «توجهات ما بعد الخلل السكاني» أو زمن التحول والتراجع عن القول بضرورة تصحيح الخلل السكاني.
لقد أصبحت الخيارات والقرارات العامة تبدو اليوم غير معنية بالخلل السكاني وغير مراعية لحقوق المواطن والحفاظ على لغته وهويته ووجوده.
وأصبح خيار التوسع غير العقلاني في نشاط العقارات غير المبرر من وجهة نظر وطنية، هو أهم خيارات ما يسمى بالتنمية التي سبق أن أسميتها بـ «تنمية الضياع»، ضياع الأوطان ونكوص المجتمعات الوطنية وتهديد مستقبل الأجيال المتعاقبة، عندما يصبح المواطنون أقلية في وطنهم ويهمش دورهم الثقافي والإنتاجي والإداري وتصبح أوضاعهم المعيشية رهينة المكرمات والقرارات الإدارية، وما تبقى من حماية قانونية هي اليوم عرضة للتغيير في أي وقت.
وعندها يُلقى بالمواطنين في أتون منافسة غير عادلة مع نخب الوافدين من جميع أنحاء العالم. منافسة ينتظر أن يتحول بموجبها وضع المواطنين وثقافتهم ومجتمعهم في الإمارات وقطر خصوصاً، إلى ما يشبه وضع المالاويين في سنغافورة والذي تراجع لصالح المهاجرين الصينيين وأصبح المالاويون (السكان الأصليون) في الدرجة السفلى سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
حالة الإمارات
كان أهل المنطقة في الماضي القريب من مواطنين ومسؤولين حكوميين يحذرون من خطورة الخلل السكاني في الإمارات ومن نموذج دبي خصوصاً، عندما بلغ عدد سكان الإمارات في العام 2001 نحو 5,3 مليون، وتدنت نسبة المواطنين في السكان إلى 20% ومساهمتهم في قوة العمل إلى 7,8%. وكان من المنتظر أن يصحح ذلك الوضع المختل الخطر الذي لا نظير له في أية دولة في العالم. ولكن المؤسف أن عدد سكان الإمارات في نهاية 2007 قد تضخم بأكثر من الضعف في غضون 5 سنوات وبلغ ثمانية ملاين نسمة، وانخفضت نسبة المواطنين في إجمالي السكان إلى 10% فقط وفي إجمالي قوة العمل إلى أقل من 5%. وأصبح عدد المواطنين البالغين 800 ألف نسمة، نحو نصف عدد الجالية الهندية البالغة 5,1 مليون، كما ذكرت نشرة «The Economist Intelligence Unit» في عددها الخاص بالإمارات في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني ,2007 وبذلك أصبح المواطنون أقلية في وطنهم لا يتجاوز عددهم نصف عدد الجالية الهندية المطالبة بالتجنيس.
وما يؤسف له حقاً أن أبوظبي وبقية الإمارات أصبحت تنافس دبي في نموذجها العقاري وما يؤدي إليه من تفاقم الخلل السكاني. فأبوظبي على سبيل المثال تخطط لزيادة سكانها من 6,1 مليون إلى 1,3 مليون وفقاً لخطتها المسماة «رؤية أبوظبي 2030». وفي تصريح لأحد المسؤولين في الإمارات أشار إلى توجه خطر سوف يتم بمقتضاه استقدام مليون صيني، ربما نتيجة لما تقوم به الجالية الهندية من إضرابات وشغب. وكأني به كالمستجير من الرمضاء بالنار.
حالة قطر
وفي قطر التي كان المسؤولون فيها ينتقدون نموذج دبي وينأون بأنفسهم عن تقليده، فاجأني ما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية. فقد بدأت المعلومات المخيفة والتصريحات الرسمية تشير إلى تفاقم الخلل السكاني بشكل أصبح الوضع السكاني في قطر أشبه بالإمارات، وربما يسير بوتيرة أسرع ينافس فيها نموذج دبي.
وما يخيف ليس مجرد الزيادة المذهلة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين فقط وإنما أيضاً استمرارية السبب الرئيس الذي أدى إلى ذلك التفاقم المفاجئ للخلل السكاني في قطر، في وقت كنا نظن فيه أن قطر واعية لمخاطر استمرار الخلل السكاني وأبعاده وتداعياته غير محمودة العاقبة.
والسبب الرئيس لهذه الزيادة المخيفة في حجم سكان قطر هو السياسة الجديدة التي قامت بموجبها الحكومة ببيع أراضي عامة، كما سمحت باستملاك الأجانب للعقارات والقيام بالاستثمار العقاري، ووافقت على منح إقامات مفتوحة لكل من يملك شقة في المناطق المخصصة لشراء غير القطريين. ومن هذه المناطق مدينه الوسيل التي صممت لإسكان 200 ألف نسمة، معظمهم إن لم يكن كلهم من غير القطرين. وهو ما أدى إلى جانب سياسة الاستملاكات، إلى توسع هائل في النشاط العقاري تسبب في إزالة مناطق سكنية جديدة أربكت إزالتها الفجائية حياة المواطنين، حتى أطلقت إذاعة لندن على الوضع «سنامي». هذا إلى جانب ما أدت إليه من استقدام عمالة كثيفة.
وتفيد المعلومات والتصريحات المنشورة في الصحف، بأن قطر تخطط لبناء 800 برج، تم إكمال 50 برجاً منها فقط و150 تحت الإنشاء، وهناك 600 برج ينتظر بناؤها في السنوات القليلة المقبلة، وكان الله في عون المواطن الذي تحمّل وسوف يتحمل كل أبعاد وتداعيات هذا الخيار العقاري المخيف.
ومن تبعات هذا الخيار العقاري الذي ترعاه وتسوقه الحكومة هو الزيادة المخيفة في حجم السكان وتدني نسبة المواطنين. فسكان قطر الذين استقر عددهم في عقد التسعينات الماضية، وارتفعت نتيجة ذلك الاستقرار نسبة المواطنين من 28% العام 1993 إلى 50,31% العام ,2001 عكس اتجاهه الحميد فجاءه مع الأسف منذ العام 2004 خصوصاً، حيث تضاعف حجم السكان من نحو 700 ألف العام 2004 إلى 5,1 مليون في مطلع العام .2008 وينتظر أن يصل حجم سكان قطر في العام 2012 إلى 3,2 مليون نسمة، بحسب التصريحات الرسمية.
ونتيجة لذلك، تدنت نسبة المواطنين من إجمالي السكان من نحو 29% العام 2004 إلى 16% فقط في مطلع العام .2008 أما مساهمة القطرين في قوة العمل فربما تدنت إلى 7% في مطلع العام 2008 بعد أن كانت نحو 15%. وللعلم، فقد قدر سكان قطر بنحو 560 ألف نسمة العام ,1993 و600 ألف العام .2001 كما قدر عدد القطرين العام 1993 بنحو 172 ألفاً، و190 ألفاً العام ,2001 و205 آلاف العام ,2004 وبلغ عدد المواطنين 240 ألف نسمة في مطلع .2008
حالة البحرين
ولعل ما نشر في البحرين من إحصاءات مخيفة تؤكد لنا أيضاً أن السبب الرئيس في تضخم حجم سكان بعض دول الخليج العربي وتدني نسبة المواطنين في إجمالي السكان وفي قوة العمل، هو خيارات التوسع المفاجئ في النشاطات العقارية. فالبحرين مثلها مثل دبي لا تملك صادرات معتبرة من النفط الخام أو الغاز المسال مثل قطر وأبوظبي، وإنما فتحت المجال لتوسع عقاري على نمط الإمارات وقطر وقامت الحكومة ببيع الأراضي وتسهيل إقامة المدن والمناطق الجديدة وما تتطلبه من تسهيلات الإقامة الدائمة واستقدام العمالة الوافدة بشكل كثيف غير مسبوق في البحرين التي تعاني من بطالة مزمنة وأزمة إسكان بالنسبة للمواطنين.
فقد نشر في صحف البحرين يوم 28 فبراير/ شباط 2008 أن عدد سكان البحرين قد زاد بنسبة 42% في عام واحد، من 742 ألف نسمة العام 2006 إلى 05,1 مليون العام ,2007 نتيجة تضاعف عدد الوافدين تقريباً، حيث زاد عدد الوافدين من 283 ألفاً إلى 517 ألفاً. وبذلك تدنت نسبة المواطنين في إجمالي السكان من الثلثين إلى النصف، وفي قوة العمل تدنت مساهمة البحرينيين من نحو 35% العام 2006 إلى 15% فقط العام .2007 هذا رغم أن عدد المواطنين قد زاد في عام واحد بنسبة 15% من 459 ألفاً العام 2006 إلى 529 ألفاً العام 2007 بسبب سياسة التجنيس الكثيف التي اتبعتها حكومة البحرين، والتي أدت إلى ارتفاع الزيادة السنوية في عدد المواطنين من 3,2% إلى 15%. وفي هذا إضرار بمصلحة المواطن وتقويض لوضعه مرتين.
«من ضيع وطن وين الوطن يلقاه»
في الختام، وفي ضوء هذه المعطيات والتداعيات المتوقعة لتفاقم الخلل السكاني، وجدت نفسي محتاراً في من أوجه إليه خطابي هذا. فقد سبق وكتبت في الموضوع مراراً منذ العام 1981 حين أصدرت كتيباً بعنوان «نحو فهم أفضل لأسباب الخلل السكاني»، ولكن لا حياة لمن تنادي. فقررت أن أتقدم ببلاغ إلى من يهمه الأمر وأشهد عليهم الله والأجيال القادمة، وأرجو ألا يسجل هذا البلاغ ضد مجهول.
ومن يهمهم أمر الحفاظ على الوطن وعدم ضياع الهوية العربية الإسلامية ونكوص المجتمعات الوطنية في دول المنطقة، هم المواطنون جميعاً حكاماً ومحكومين في دول المنطقة ومن بعدهم العرب الآخرون كي لا تضاف نكبة أخرى إلى نكبات الأمة العربية.
وأقول في بلاغي هذا بخطورة ما أكدته الإحصاءات والتصريحات من تدني نسبة المواطنين في إجمالي السكان إلى 10% في الإمارات و16% في قطر، وإلى النصف في البحرين بعد أن كانت قبل عام واحد فقط تساوي الثلثين. أما مساهمة المواطنين في إجمالي قوة العمل فقد تدنت إلى 5% في الإمارات و7% في قطر و15% في البحرين.
وأطالب بسرعة معالجة الخلل السكاني والتصدي لأسبابه المفاجئة إلى جانب أسبابه المزمنة، وإبعاد المسؤولين عن تفاقم الخلل السكاني عن مراكز اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات العامة واستبدالهم بمن يرتبط مصيرهم بمصير الوطن. إن متخذي القرارات ومحددي الخيارات العامة هم المصفى (الفلتر) الذي ينقيها من الشوائب.
أما عن السبب الرئيس لتفاقم الخلل السكاني الراهن هذا بدلاً من تصحيح الخلل السكاني وما يتطلبه من ضرورة عكس اتجاه تدني نسبة المواطنين في السكان ومساهمتهم في إجمالي قوة العمل، فإنني أعيده بشكل رئيس إلى الخيار الذي تم اتخاذه ووضعت السياسات لتحقيقه، وهو التوسع في بيع الحكومات للأراضي العامة وتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار وتسهيل الإقامة الدائمة لملاك الشقق في المناطق الجديدة من غير المواطنين، ورفع الحواجز عن استقدام العمالة الأجنبية اللازمة لبناء المدن والمناطق العقارية الجديدة، من دون مراعاة لأبعاد الخلل السكاني وتداعياته.
وتذكر المعلومات المتاحة أرقاماً فلكية تصعب قراءتها وتخيلها، بشأن حجم الاستثمار العقاري المتوقع في دول مجلس التعاون في الوقت الحاضر والذي بلغ 2 تريليون دولار منها 700 مليار دولار في الإمارات وحدها. وهذا الحجم من الاستثمار العقاري سوف يتطلب عمالة كثيفة في مرحلة الإنشاء، كما سيتطلب إقامة وافدين جدد يشغلون هذه العقارات ويشغلونها.
والجدير تأكيده أن تفاقم الخلل السكاني قد حصل بشكل مفاجئ في دول تمتلك فوائض نفطية مثل قطر وأبوظبي وأخرى ليست لديها صادرات معتبرة من النفط الخام مثل البحرين وبقية الإمارات. وهذا يؤكد وجود استراتيجية واحدة غير معنية بقضية الخلل السكاني ولا باعتبارات التنمية المستدامة، تم تطبيقها في الدول الثلاث المدروسة، بناء على استشارات قدمتها وخطط وضعتها شركات ومعاهد أجنبية، نظرت إلى هذه البلاد كمشروعات تجارية، وليس دولاً وطنية عليها واجب بناء الدولة وتأهيل المواطن وتفعيل دور المجتمع وتحقيق التماسك الاجتماعي من خلال عملية تنمية وطنية مستدامة ذات بعد إنساني. عملية تنمية تكون لصالح أهل المنطقة بأجيالهم المتعاقبة، ويكون دور المواطنين هو الدور الرئيس في قيادتها وتحديد خياراتها، فالتنمية الحميدة هي التي تستهدف صالح المواطنين بالدرجة الأولى، وأن يكون المواطنون هم عمادها، وما عداها فإنها «تنمية للضياع» والعياذ بالله.