منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#53478
العلاقات المصرية – السوفيتية (1952-1970)
الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي:
بدأت مرحلة الحرب الباردة بشكل اولي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة, وذلك بسبب هيمنة الاتحاد السوفييتي على الجزء الشرقي من اوروبا وتطبيق النظام الاشتراكي فيه. وقد حدث تغيير هام في السياسة السوفييتية بعد الحرب هو موت ستالين عام 1953 واتجاه القادة السوفييت الذين تلوه الى جعل الاتحاد السوفييتي يمارس دوره عالميا على اساس الماركسية اللينينية: أي “ممارسة الثورة ضد الامبريالية ومواجهتها في كل مكان”. ومنذ تسلّم خروتشوف للسلطة, بدأت في الاتحاد السوفييتي مرحلة توازن من نوع خطر مع الولايات المتحدة الامريكية, وقد دعم خطورة هذا التوازن قدرة كلا الطرفين تقنيا ان يكوّن قوة فورية ثم يمضي في سياسة سريعة من سباق التسلح.

عالم ثنائي القطبية مع ردع نووي متوازن كانت تخترق توازنه الولايات المتحدة من خلال استعدادها لخوض “حرب عالمية ثالثة”, وفي المقابل بدأ الاتحاد السوفييتي بخلق منطقة نفوذه بعد موت ستالين, أي انه خرج من العزلة وبدأ حضوره يتنامى داخل بلدان العالم الثالث كموقع استراتيجي لمواجهة واقع احادية الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة. فخلق السوفييت مناطق نفوذهم في الوطن العربي من خلال مصر في عهد جمال عبد الناصر(1).
وصول عبد الناصر الى الحكم:
في 18 يونيو 1953 أعلن الغاء النظام الملكي وقامت ثورة الضباط الاحرار وفي نهاية شهر مارس 1954, غدا جمال عبد الناصر سيد السلطة او سيد جهاز الدولة على الاقل. حدث المنعطف عام 1953 مع زيارة وزير الخارجية الامريكي جون فوستر دالاس للشرق الاوسط (9 – 29 مايو 1953), اذ خرج دالاس من زيارته بفكرة مؤداها أن نفوذ القوى الغربية في الشرق الاوسط قد تضاءل, وان الولايات المتحدة تتأذى من خلطها مع الامبرياليتين الفرنسية والانكليزية, وأنه من الممكن استعادة النفوذ في عين المكان. كما ان موطن الضرر يأتي من اهتمام الدول العربية حصرا بمشاكلها المحلية مما يجعلها تهمل التهديد السوفييتي.
فهم جمال عبد الناصر جيدا هذا الوضع الجديد وأكثر من تصريحاته المناهضة للشيوعية وقال أن مصر ترغب في تلقي المساعدة الامريكية وأنها تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الدفاع عن نفسها ضد عدوان محتمل, وأن مصر في حرب معلنة ضد الشيوعيين الذين يتحركون تبعا لأوامر الاتحاد السوفييتي.”تجسّد التوجه الموالي لأمريكا لدى عبد الناصر بالحفاوة التي خص بها الدبلوماسيين الامريكيين. كما قامت علاقات وثيقة بين الضباط الأحرار الشباب وموفدين امريكيين من نفس الجيل لم يكن انتماءهم لجهاز الاستخبارات المركزية الامريكية بخاف فعلا”(2).
بداية التحالف بين مصر والاتحاد السوفييتي:
كان الاتحاد السوفييتي يدعم الحزب الشيوعي المصري الذي عارض الثورة منذ البداية, وكانت اذاعة موسكو تهاجم الثورة وتقول” انها حركة فاشستية من تدبير الامريكيين, وسموّا الرئيس جمال عبد الناصر بالديكتاتور العسكري والمستبد حينما كان يناضل ضد حلف بغداد”(3). الا أن التطورات المتسارعة ابتداء من 22 يناير 1954 حين مارس الاتحاد السوفييتي وللمرة الاولى حق النقض (الفيتو) لصالح العرب حين دعا مجلس الامن مصر الى رفع القيود المفروضة على مرور بعض السفن التجارية عبر قناة السويس.
جرى في اسرائيل شبه انقلاب عسكري صامت فرضت به المؤسسة العسكرية عودة دافيد بن جوريون وزيرا للدفاع, فعاد وكان أمره الاول الغارة الشهيرة على غزّة في 28 فبراير 1955, وكانت هذه الغارة هي الدافع المباشر الذي جعل جمال عبد الناصر يستدعي السفير الامريكي ويقول له :”اذا لم تبع لي الولايات المتحدة ما أحتاج اليه من السلاح للدفاع عن الامن القومي لمصر فسوف أطلب السلاح من الاتحاد السوفييتي”(4).
وفي 17 أيلول من عام 1955, تمت أول صفقة للاسلحة بين مصر والاتحاد السوفييتي بعد توسط من رئيس وزراء الصين آنذاك “شواين لاي”, وتوالت الاحداث وسحبت الولايات المتحدة عرضها بالمساهمة في بناء السد العالي على النيل عند أسوان, وصولا الى يوم الخميس في 26 ايلول عام 1956 حيث أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس, وفشلت مهمة “بعثة منزيس” التي ارسلها مؤتمر لندن.
تأزم العلاقات المصرية – السوفيتية:
في العام 1957 نشأ وضع اكثر صعوبة بين روسيا ومصر حيث كان الوضع مضطربا في سوريا التي كانت تنزلق الى الفوضى مدفوعة بالتصارع على السلطة بين كل من حزب البعث والشيوعيين والضباط القوميين. وفي يناير 1958 جاء مختلف الفئات الوطنية في الجيش الى القاهرة وتوجهوا الى جمال عبد الناصر وأبلغوه ان الشيء الوحيد الذي ينقذ سوريا من التردي هو الوحدة مع مصر, ولكن الشرط الذ وضعه الرئيس المصري بان تحل سوريا الاحزاب السياسية لم يحبب جمال عبد الناصر الى قلب خروتشوف. مرة اخرى عام 1959 كان العراق منطقة احتكاك وبعد المذابح الشيوعية في كركوك, فقد اصبح الانقسام في العالم العربي بين الشيوعيين والحركة القومية كاملا, وبالطبع كان الاتحاد السوفييتي يدعم الحزب الشيوعي العراقي وكان هناك استياء بالغ حيال هجوم مصر عليه وحيال حركة اعتقالات الشيوعيين في مصر وسوريا. حتى ان خروتشوف هاجم جمال عبد الناصر شخصيا أثناء المؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي, ووصفه بالشاب الانفعالي المندفع.
فشل الوحدة السورية – المصرية وعودة العلاقات بين القاهرة وموسكو:
ادت نهاية الجمهورية العربية المتحدة الى قيام الشروط الضرورية لتقارب جديد بين القاهرة وموسكو عام 1962 حيث تشكل حزب سياسي وحيد جديد هو “الاتحاد الاشتراكي العربي”, لم تكن المعارضة الشيوعية موجودة عمليا. وفي عام 1964, قام خروتشوف بزيارة مصر بمناسبة اكتمال المرحلة الثانية من اشغال السد العالي في اسوان وهو المشروع الذي كان الاتحاد السوفييتي قد موّله جزئيا. اعترف خروتشوف ب “السمة “الاشتراكية” للنظام المصري أي ان مصر لم تعد في الطريق اللارأسمالي للتنمية فحسب, لكنها في نفس مرحلة التطور التاريخي والاجتماعي الذي تمر بها الديمقراطيات الشعبية في اوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي لكن الخلاف كان اساسيا وجوهريا ضمن منظور الماركسية – اللينينية”(5).
وفي عام 1966 وقعّت مصر اتفاقا ينظّم الوجود السوفييتي في المرافئ المصرية, وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية لأول مرة منذ قطيعة عام 1961 دفع الاتحاد السوفييتي في اتجاه التقارب بين مصر وسوريا, حيث كان وراء توقيع ميثاق الدفاع السوري – المصري في نوفمبر 1966. وفي 5 يونيو قامت اسرائيل بهجومها المباغت ضد “جيرانها العرب”(6). أدّت هذه الحرب المسمّاة بحرب الستة ايام الى تحوّل كامل في السياسة الشرق أوسطية.
وفاة عبد الناصر والوثيقة البريطانية:
توفي الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 28 أيلول من عام 1970, أثيرت العديد من التساؤلات حول الاسباب الحقيقية التي أدت الى وفاة الرئيس المصري, اذ ظهرت وثيقة بريطانية في العام 2005 كشفت عنها صحيفة الشرق الاوسط اللندنية, ووفقا للوثيقة فان السوفييت عالجوا الرئيس جمال عبد الناصر بالاكسجين رغم يقينهم من وفاته خلال 3 أشهر. والواقع أن هذه الوثيقة أخذت بعداً آخر مختلف عن كل الروايات التي قيلت عن الاسباب الحقيقية وراء وفاة عبد الناصر, فمن المعروف تماما أن كثيرا من أجهزة المخابرات الغربية قد تورطت في المحاولات الفاشلة التي دُبرت لاغتيال الرئيس الراحل, وعلى رأسها المخابرات البريطانية والامريكية والاسرائيلية وفقاً لشهادات من عملوا بها.