منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#54586
الامبراطوريات المتوسّطية في القرن الرابع عشر


شهد القرن الرابع عشر -الذي كانت فيه بعض الامبراطوريات في طور البناء- صدامات عدّة بين القوى السياسية المتوسّطية لبسط النفوذ على المنطقة ، فقد كان الصدام على أشدّه بين حكّام أراغون و كاتالونيا و حكّام نابولي والجمهوريات الايطالية للهيمنة على أهمّ الجزر المتوسّطية و اضعاف التواجد الاسلامي في المنطقة. و لعلّ التزام هذه الممالك و الدويلات بمحاربة “الكافر” أمر لا ريب فيه الاّ أنّها كانت تتجاهل أسمى مبادئها عندما يتعلّق الأمر بالتجارة فكانت لا تتورع في اقامة علاقات صداقة مع مماليك مصر أو أسياد الحرب الأتراك في سواحل آسيا الصغرى.

كما أنّ التنافس الشديد بين القوى المسيحية كان يدفعها الى اقامة تحالفات مشبوهة مع بعض الدول الاسلامية كالمملكة النصرية بغرناطة أو المرينية بالمغرب. في المقابل كانت البابوية التي اتخذت و لفترة طويلة من القرن 14م من أفينيون مقرا لها ، تهاجم كلّ من تخوّل له نفسه اقامة علاقات تجارية مع الدول الاسلامية و تعمل على التشجيع على الحملات الصليبية و الدعاية لها. بيد أنّ النفوذ السياسي للبابوية كان محدودا نظرا للنفوذ الفرنسي و النابوليتاني اللذان كانا حاضرين في أفينيون التابعة لكونتية البروفانس و الخاضعة لحكم النابوليتانيين.

و كانت أبرز القوى الفاعلة من الجانب الأوروبي: جنوة و البندقية و نابولي وتاج أراغون. بعد هزيمة بيزا في معركة ملورية Meloria سنة 1284م ، بدأت قوّة جنوة تتعاظم حتّى أنّها أوشكت على أن تصبح قوّة اقتصادية و سياسية مهيمنة في غرب المتوسّط. و كانت ككلّ الدويلات المدن الايطالية منقسمة الى عدّة جماعات سياسية تتنازع السلطة ؛ من جهة الغوالفة الذين يساندون ملك نابولي و استطاعوا ضمّ المدينة الى سلطة ملك نابولي و ذلك من سنة 1318م الى غاية 1332م و من جهة أخرى الغيباليين الذين كانوا يساندون الملك فادريكو الثالثFadrique III الملك الأرغوني لصيقلية و يسيطرون على ضواحي جنوة.

و هكذا و لمدّة طويلة كانت جنوة على شفى حفرة من حرب أهلية ضروس لولا انتخاب دوق Dux استطاع أن يحصل على اجماع واسع. بالرغم من كلّ هذا بقيت السلطة المركزية ضعيفة و انحصرت أهمّية جنوة في كونها مركزا للنشاط الاقتصادي الخاص و الذي بلغ أحيانا كثيرة مستوى قياسيا. و نذكر على سبيل المثال امتلاك عائلة دجوستينياني لجزيرة شييوس سنة 1346م الذي درّ عليها أرباحا طائلة من تجارة حجر الشبّ الضروري في صناعة النسيج و الفواكه الجافة و المصطكاء.

من جهة أخرى فرض الجنويون سيطرتهم على الطرق التجارية بالبحر الأسود و أقاموا قواعد لهم في بارا Pera أمام القسطنتينية و في موان بالبحر الأسود كميناء كفّا Caffa بكريمايا Crimea و الذي تورّد من خلاله كميات هائلة من الحبوب الرخيصة الثمن و الصالحة للاستهلاك الآدمي. فقد كانت أهداف الجنويين تتمثّل في السيطرة على تجارة المواد الغذائية و مواد كالفواكه الجافة و القمح و حجر الشبّ. و لتحقيق هذا كان من الضرورى اقامة شبكة من القواعد في كامل الجزء الشرقي من المتوسّط.

بل انّ مصالحهم في هذا الجزء من المتوسّط جعلتهم في مواجهة مباشرة مع قوى بحرية عديدة. فقد كان الأتراك القادمون من أيّودين الواقعة بالساحل الغربي للأناضول ، يمثّلون خطرا دائما شأنهم في ذلك شأن البندقية التي خاضت حروبا دامية في السنوات 1350م و 1389م ضدّ الأسطول الجنوي بالبحر الايجي و محيط جزيرة سردينيا.

عدّو آخر لجنوة هي بيزا التي حافظت على أراضيها الشاسعة في سردينيا التي توفّر لها الفضّة و الحبوب و منتوجات الحليب و أراض تستعملها كجسور لتجارتها المربحة مع تونس. منذ بدايات القرن 14م بذلت بيزا قصارى جهدها للحفاظ على مكتسباتها حتّى أنّها تفاوضت مع خايمي الثاني ملك أراغون بان تقبل السيادة الأراغونية مقابل حماية القوة الأراغونية الكاتالونية الناشئة لها. من جهتها كانت جنوة تعي تماما تزايد أهمّيتها في غرب المتوسّط و تعمل على رفع التحدّي المتواصل و الكبير الذي كان يمثّله الكاتالونيون ببرشلونة و المدعومون من ملوك أرغون.

ـفي القرن 14م حدث تحوّل كبير في تاج أراغون. فقبل قرن أي في القرن 13م ضمّ ملوك أراغون الذين كانوا آنذاك قوامسة على برشلونة ، مايوركا وفلنسيا و صيقيلية الى تاجهم و بقيت فلنسيا التي كانيقطنها السكان المسلمون القدامى المنطقة الوحيدة تحت حكمهم المباشر وكانت تتميّز بوضعية قانونية خاصّة. أمّا مايوركا و صيقيلية فقد كانتا تحت حكم أفراد آخرين من العائلة المالكة البرشلونية و كانت العلاقات بين هؤلاء الحكّام جدّ متأزّمة. ساند خايمي الثاني ملك أراغون Jaime II سنة 1296 رسميا محاولات ملك نابولي و البابا لازاحة أخيه فادريكي الثالث Fadrique III عن عرش صيقيلية بينما كان ملوك مايوركا في صراع دائم مع ملوك أراغون للحصول على جبايات التجارة و سكّ النقود و ضمان عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

حسم النزاع أخيرا بأن ضمّ ملك أراغون بطرس الرابع "المولع بالرسميات" Pedro IV el Ceremoniosoفي سنتي 1343م ـ 1344م مايوركا و الأراض التابعة لها روسييّون Rosellón .

و كان بطرس حريصا على التوصّل الى تحالف من الخلال الزواج مع الأسرة الأراغونية الحاكمة لصيقيلية ممهّدا بذلك الطريق لضمّ الجزيرة الى تاج أراغون في بدايات القرن 15م أيّام حكم مارتين "المسنّ" Martín el Viejo ،هذه الجزيرة التي مرّت بفترة عصيبة عندما عرفت حكما مركزيا ضعيفا الى جانب الغزو و جمع كلّ السلطات في أيادي أمراء منتمين الى العائلات الأرستقراطية.

بالرغم من المعارضة الشديدة التي أظهرها الجنوييون و بصفة أشدّ السردينيون فقد خضعت سردينيا منذ عهد والد بطرس ، ألفونسو الرابع Alfonso IV ملك أراغون و ذلك في السنوات 1323م ـ1324م.


كان تصور بطرس لهيمنة كاتالونية ـ أراغونية مكتملة بجعل مقاليد الحكم في يدي فرد واحد فقط من الأسرة الحاكمة الأراغونية قد وضع الأسس لهيمنة أراغونية و اسبانية على مساحات شاسعة من المتوسّط في القرن 15م .كان بطرس يعي جيّدا أهمية العلاقات التجارية و السياسية في توفير التماسك و التلاحم لأراضي مملكته، فقد كان يرى في اخضاعه لصيقيلية و سردينيا ضمانا لتزويد برشلونة و مايوركا بقمح الجزر الايطالية.

بعيدا عن هذا كان ملوك أراغون يوطّدون علاقتهم بحكّام الأراضي المقدّسة و بمصر المملوكية التي كانت مصدرا مهمّا للتوابل. كان خايمي الثاني حريصا أشدّ الحرص على نيل لقب حامي الأراضي المقدّسة بالقدس حتّى يزيد من رفعة شأنه. و كان يأمل في رابط ملكي أسري مع العائلة لوزينيان Lusignan الحكّام الكاثوليك لقبرص التي كانت تمثّل حصنا متقدّما للدفاع عن المصالح الغربية في شرق المتوسّط. تحققت كلّ آمال خايمي بالرغم من المعارضة الشديدة التي أبدتها عائلة أنجو Anjou التي تحكم ايطاليا و بروفانسا و المنتدبة لأجزاء من اليونان. بالرغم من خسارتهم للجزيرة سنة 1282م التي انتقلت الى مملكة أراغون احتفظ الملوك الأنجوفيون لنابولي بلقب ملك صيقيلية.



كان على الحكّام الأراغونيين اللاحقين مواجهة غزوات مدمّرة قادمة من جنوب ايطاليا حتّى انّهم كانوا في فرص عديدة على على وشك الاستسلام أو خسارة الجزيرة لصالح النابوليتانيين المتحالفين مع نبلاء صيقيلية. بقيت نابولي تحت الحكم الديناميكي لروبارتو الحكيم Roberto il Saggio ما بين 1309م و 1343م من أكبر الدويلات الايطالية نفوذا سياسيا و تمتّعت بعلاقات مميّزة مع البابا. ساندت نابولي عسكريا شق الغوالفة في فلورنسا و جنوة و رومانيا و ذلك بتزويدهم بالقمح مقابل قروض مالية. و كان حكّامهما يتمتّعون بلقب ملك القدس بالرغم من أنّ الملوكية قد وقع ازالتها من طرف المماليك في مصر سنة 1291م. و قد مكّنهم هذا اللقب من قيادة الحركة الصليبية الى جانب العائلة المالكة الفرنسية و فرسان سان خوان أو أسبيتالاريوس San Juan u Hospitalarios التي كانت جزيرة رودس مقرّا لهم سنة 1310.

لم يكن الهدف الرئيسي من وراء جل الحملات الصليبية تصويب ضربة فورية للأمبراطورية المملوكية بقدر ما كانت تهدف الى الاعداد و التحضير لحملة أكبر حجما و أهمية و ذلك من خلال حملات متواضعة من شأنها أن تعزّز الوجود المسيحي في شرق المتوسّط. من جهتها قدّمت نابولي التي كانت آنذاك قوّة بحرية بعضا من سفنها كمساهمة منها في تنظيف البحر الايجي من القراصنة الأتراك. في حقيقة الأمر كانت نابولي تهدف الى وضع يدها على شبه جزيرة بيلوبونيز و من ثمّة احكام سيطرتها على الجزر الاييونية القريبة من مدخل البحر الادرياتيكي و ممارسة هيمنتها على ألبانيا.

كان من المتوقع أن تتحوّل نابولي الى قوة اقليمية بالبلقان لولا موت روبارتو الذي أدخلها في دوّامة الفوضى. لم تكن حفيدته خوانا الأولى Juana I التي تسلّمت مقاليد الحكم مهيّأة للحكم باستقلالية عن مختلف الجماعات المتناحرة و كان همّها الشاغل علاوة عن بعض الانتصارات التي حقّقتها في اليونان حماية ارثها النابوليتاني. باعت أفينيون الى البابا و كان عليها مواجهة غزوتين قامت بهما المجر التي تمكّنت في سنة 1350م من بسط هيمنتها على السواحل الديلماسية و حلّت محلّ البندقية في تلك المنطقة.
وقعت البندقية خلال القرن 14م تحت عدّة ضغوط ، فحروبها ضدّ جنوة قد أنهكت قواها حيث تزامنت حرب سنة 1350م مع تفشّي الطاعون الأسود فكان من الصعب وجود رجال لقيادة القوادس.

و مثّلت خسارة دالماسيا كارثة تجارية و سياسية و حرم الدوكس اللقب الفخري "دوكس دالماسيا". وضعت حرب كيودجا Chioggia التي قامت سنة 1389م البندقية أمام خطر أشدّ احدقا خاصّة و أنّ السفن الجنوية وصلت الى حدود ليدو Lido ممّا أوقع المدينة تحت الحصار. بالرغم من أنّه أصبح يحتفل بهذه الذكرى على أنّها انتصارا الاّ أنّها لم تكن في واقع الأمر سوى اهانة كبيرة للبندقية.



في أواسط القرن 14م انتفضت جزيرة كريت التي كانت تحت هيمنة البندقية منذ أوائل القرن 13م ممّا هدّد تزويد المدينة بالغذاء. و فيما يخصّ الطرق التجارية بالبحر الأسود فقد بقيت البندقية تحتلّ المرتبة الثانية وراء جنوة. منذ سنة 1297م سجّلت العديد من المحاولات لأرساء الاستقرار السياسي الداخلي و ذلك بحصر الانضمام الى المجلس الأعلى على أفراد من العائلات الأرستقراطية العريقة فقط و بمراقبة التمرّدات و ذلك من خلال السلطات التفتيشية لمجلس العشرة الذي أسّس سنة 1310م بعد مؤامرة حيكت ضدّ الدوكس.في منتصف القرن أصبح الدوكس مارين فاليار Martin Falier يشكّل تهديدا للنظام بعد أن حاول تشكيل حزب شعبي مما عرّضه للخلع و الاعدام. من جهة أخرى تواصل تحصيل البندقية للأرباح الطائلة بفضل هيمنتها على التجارة مع الشرق و التي تورّد من خلالها التوابل من الاسكندرية و بيروت. كما أنّه أصبح من الصعب فتح مسالك بحرية للقوادس بين البندقية و فلندرا و انكلترا في غرب المتوسّط و ذلك بسبب القرصنة التي كان يمارسها آل غريمالديGrimaldi بموناكو و قراصنة آخرين. استطاعت البندقية احراز مستوى من الاستقرار النسبي الاّ أنها بقيت في حالة تأهّب لأنّها كانت تعي أنّ نجاحاتها كانت تزيد من حسد الأعداء.

أمّا في المنطقة الاسلامية للمتوسّط فقد كانت هذه الفترة فترة تحوّلات خطيرة. حافظت مصر المملوكية على حيوية و ازدهار مملكتها و خاصّة في العشريات الأولى للقرن 14م تحت قيادة السلطان الناصر.دخلت دولة المماليك في فترة طويلة من الصراعات مع جماعات معارضة حاولت الاستحواذ على الحكم. في سنة 1365م نهب ملوك المسيحيين جزيرة قبرص و الاسكندرية و هاجموا موان على السواحل السورية.

و في سنة 1400م تقريبا أصبح على المماليك مواجهة عدوّين في آن واحد الجيوش الصليبية من جهة و رجل الحرب الماغولي تيمورلنك من جهة أخرى. بالرغم من كلّ هذا تمكّنت هذه الدولة من المحافظة على وحدة و سلامة أراضيها على عكس الدويلات التركية بالأناضول التي تمكّن العثمانيون القاطنون بالغابات و المدفوعون بالحماسة الدينية من تجريدهم ون كل رتبهم. فقد تعاظم نفوذ العثمانيون بنسق مذهل خاصة بعد أن سمح الامبراطور البيزنطي خوان السادس للأتراك أن يستقرّوا بالجانب الأوروبي لمضيق الدردنيل. و مكّنت معركة كوسوفو التي دارت سنة 1389م الأتراك من فرض نفوذهم على مناطق شاسعة من البلقان ولّوا عليها ولاّة مسيحيين موالين لهم.

كان ردّ أوروبا الكاثوليكية على هيمنة الأتراك على مناطق داخلية من أوروبا فوريا و حاسما نظرا للخطر الذي أصبحت تمثّله هذه هيمنة على المجر و البحر الأدرياتيكي. أرسلت حملة صليبية لعلّها الأهم في القرن 14م الى نيكوبوليس سنة 1396 كانت قاضية بالنسبة الى الأتراك. في سنة 1400م كان البيزنطيون يدفعون الضرائب للسلطان العثماني و كان الامبراطور يقدّم خدمات عسكرية للأتراك. بقي النفوذ التركي ضعيفا لفترة من الزمن بسبب الهجوم المباشر لتيمورلنك على الأناضول سنة 1402م الاّ أنّ الدولة التركية المقاومة سرعان ما استطاعت تجاوز الهجوم و استعادة عافيتها.



من جهة أخرى لم يبقى من بيزنطة سوى بقايا من الأراضي يتنازعها امبراطورـ لا يتعدّى نفوذه حدود القسطنتينية التي أصبح الجنوييون ببارا أقوى عنصر فيها ـ و أعداءه بالشمال الشرقي لليونان ) طغاة ايبيرو Epiro المتّصلين بالنابوليتانيين ( و طرابزون بالغرب. قدّم الغرب المسيحي لليونان وعودا بالمساندة العسكرية في مقابل توحّد الكنيسة اليونانية مع كنيسة روما. و لم تزد هذه الصراعات الاّ تعميقا للانقسامات داخل بيزنطة.

كما نشأت أيضا انقسامات داخل بعض الدول السلامية في الغرب، فتونس عاصمة الحفصيين آنذاك كانت واحدة حلقات من تجارة الذهب الافريقي و مطمعا للكاتالونيين و الجنويين و التسكانيين و تجّار مسيحيين آخرينا. على أنّ هذا النجاح الاقتصادي لم يواكبه استقرار سياسي فقد كانت تونس تتنافس مع المرينيين بالمغرب على الهيمنة على الشمال الغربي لافريقيا و في أواسط القرن 14م تمكّن المرينيون من احتلال تونس لفترة قصيرة. و المرينيون هم بربر لهم تقاليد في الحرب من أيام الموحّدين الذين يقرّ الحكّام الحفصيون بأنّهم الورثاء الحقيقيون لهم. حاول الحفصيون ارساء امبراطورية لهم بالغرب و ذلك من خلال بسط سيطرتهم علي الجزائر سنة 1337 ، الاّ أنّ هزيمة العرب في معركة السالادو قد أبرزت مدى الخطر الذي أصبحت تمثّله الممالك المسيحية في شبه الجزيرة الايبيرية.

في المقابل حاول المرينيون التدخّل في شؤون غرناطة النصرية التي أبرزت مهارة ديبلماسية بأن أحدث صداما بين قشتالة من جهة و بين المغرب و أراغون و مايوركا و دول أخرى من جهة ثانية.



فقشتالة عرفت فترة قوّة خوّلتها من فرض الجباية على غرناطة كما كان لبطرس الأوّل الطاغية علاقة وطيدة بالسلطان محمّد الخامس الذي أعاد اليه عرش غرناطة. أمّا على الصعيد الاقتصادي فقد أصبحت غرناطة بمرور الوقت أكثر تبعية للتجّار الغربيين من فلورنسا و جنوة و برشلونة و فلنسية الذين يشترون منها الحرير و الأواني و الثمار و السكّر. و قد مهّدت هذه التبعية الاقتصادية لسقوط المدينة بعد أكثر من قرن من دون وجود لأيّ لجبهة اسلامية موحّدة قادرة على صدّ الخطر المسيحي وذلك بسبب الانقسامات التي كان يعاني منها الحفصييون و جيرانهم السنّة و التي عطّلت أيّ نوع من الاتحاد أو التعاون.

اعتبر القرن 14م قرن الأزمات أو "عصر الخلافات" فقد اشتدّ الوضع تأزّما بتفشّي الطاعون الأسود سنة 1347 الذي حصد أرواح حوالي ثلث السكّان في ثلاث سنوات فقط. على أنّ هذه الفترة كانت أيضا فترة حاول فيها الحكّام فرض سلطانهم و بدأ فيها النبلاء ذوي النفوذ في انشاء مناطق نفوذ داخل الممالك المسيحية بالمتوسّط.

كانت التحدّيات التي تواجه الحكومات المركزية لبعض الدول الاسلامية على قدر كبير من التشابه. ذلك أنّ التجارة كانت تلعب دورا رئيسيا في العلاقات بين مختلف المجموعات المنشقّة في المتوسّط. فقد قرّبت التجارة بين البندقية و المماليك و بين جنوة و البيزنطيين و بين برشلونة و الحفصيين.

في العشرية الأخيرة من القرن 14م تبيّن أنّ المنتصر في المتوسّط كان تاج أراغون الذي استطاع أن يصبح واحد من أكبر القوى في غرب المتوسّط الى جانب جيوش التركية التي كان من الصعب كبح جماحها لحماسها الديني و قيادتها الحربية الكفأة وحسن تنظيمها على الأرض. لم يكن القرن 14م قرن الأتراك ) القرنين 15م و 16م سيكونا قرني الأتراك (و انّما كان قرنا أصبح فيه المتوسّط بؤرة لمواجهة جديدة بين الشرق و الغرب.