منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#55262
هذه المقالة صرخة في وجوه اركان الطبقة السياسية في العراق،ونداء آمل ان يصل الى قلوب عامة الناس، والهدف: بيان ان الطبقة السياسية تنتهك اهم مبادئ الاسلام وقواعده،اعني بذلك خلافة الانسان. وهي بذلك تنتهك اهم حقوق الانسان هي سيادته على نفسه ومصيره. والغاية ان يصرخ الناس في العراق بوجه الطبقة السياسية قائلين:كفى انتهاكا لحقوقنا، وكفى انتهاكا للدستور الذي ضمن هذه الحقوق.
****
تقول المادة الثانية من الدستور العراقي الدائم الذي صوتت عليه اغلبية الشعب العراقي، وهي اغلبية مسلمة في الاعم الاغلب:
“اولاً ـ الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع:
أ ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ب ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج ـ لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.”
اريد ان اخاطب الناس انطلاقا من المبادئ الاسلامية لايماني بان اغلبية الناس تؤمن بالاسلام،و لا ادل على ذلك من الحفاوة التي تحظى بها المناسبات الدينية، بما في ذلك ذكريات وفيات ائمة اهل البيت، الامر الذي يحييه عامة مسلمي العراق، من شيعة وسنة.
كما اريدان اخاطب اركان الطبقة السياسية من خلال المنطق الاسلامي، لعلمي ان اغلبيتهم من المؤمنين، ومن الاسلاميين الحركيين، من شيعة وسنة، وبالتالي فاني رأيت ان اقرب طريق الى عقولهم وقلوبهم هو الاسلام. فضلا عن كونهم يمثلون الجزء الاكبر من المشكلة السياسية الان.
ولم اشأ ان اخاطب الطرفين بالمبادئ الديمقراطية، لظني بان ما يجري الان في العراق ابعد ما يكون عن الديمقراطية ومبادئها، فضلا عن شكي الكبير في ان اركان الطبقة السياسية وقادتها يؤمنون فعلا بالديمقراطية.
حرم الدستور العراقي سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.ولهذا فانا لا اتوقع ان يسن البرلمان العراقي قانونا يجيز شرب الخمر مثلا. لكن الدستور لم يحرم انتهاك احكام الاسلام عملا، بل اجاز للسياسيين ان يتصرفوا بحرية فيما يتعلق بمخالفة او مطابقة احكام الاسلام. وهذه هي الطامة الكبرى، لأن العبرة ليست بالتشريع، انما العبرة كل العبرة بالممارسة والعمل والتطبيق.
وما يجري حاليا يشكل معارضة سافرة وانتهاكا خطيرا لثوابت احكام الاسلام، خاصة تلك الاحكام المتعلقة بالانسان وموقعه من الحياة والكون والعملية السياسية.
وهذا القول يدفعنا لمحاولة الاجابة عن السؤال الذي يترتب عليها منطقيا، وهوما هو موقع الانسان في الحياة والكون والعملية السياسية؟
يقول القرآن الكريم، جوابا عن هذا السؤال:”واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة.”(البقرة 30)
وعليه، فان موقع الانسان في الارض والكون والحياة والعملية السياسية هو الخلافة. والمنصب الذي جعله الله للانسان هو ان يكون خليفة.
ماذا يعني ان يكون الانسان خليفة؟ ماذا تعني كلمة خليفة؟ وماذا تعني كلمة خلافة؟
الخلافة تعني “ قيام شيء مقام آخر”، كما يشرح العلامة محمد حسين الطباطبائي، مؤلف كتاب “الميزان في تفسير القرآن”.وفي تحليل كلمة الخلافة استنادا الى معانيها باللغة العربية نجد انها تعني الحلول محل المستخلِف في احد الامور الثلاثة:
اولا، الحلول محله في الزمان، وذلك كما في قوله تعالى:”فخلف من بعدهم خَلْفٌ..” (الاعراف 169)
ومثل هذا الاستخلاف لا يصح مع الله، لأن الله موجود في كل زمان، ولا يخلو منه زمان.
ثانيا، الحلول محله في المكان، كما في قوله تعالى:”ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون.” (الزخرف 60)
ومثل هذا الاستخلاف لا يصح ايضا مع الله الموجود في كل مكان، ولا يخلو منها مكان.
ثالثا، الحلول محله في مقامه، كما في قوله تعالى:”وقال موسى لأخيه هارون: اخلفني في قومي واصلح و لاتتبع سبيل المفسدين.” (الاعراف 142)
وهذا النوع من الاستخلاف ممكن مع الله سبحانه وتعالى اذا اراد هو ذلك.واذن ينحصر معنى استخلاف الانسان في الله بالحلول محل الله في المقام. وهذا هو معنى قوله تعالى:”اني جاعل في الارض خليفة.”
ولله مقامان:
اولا، مقام الخلق، وهذا ما لايمكن ان يكون للانسان بحكم القدرة والتكوين.
وثانيا، مقام الحكم والتشريع. وهذا هو موضوع الخلافة حصرا.فالانسان هو المعين من قبل الله سبحانه وتعالى لكي يقوم مقامه في مسألتي الحكم والتشريع.
وبه تتبلور عناصر الخلافة، وهي:
العنصر الاول، الله: صاحب السيادة الذي منح السلطة للانسان.
العنصر الثاني، الانسان، والمقصود به كل الجماعة البشرية، بلا فرق بين مجموعة او اخرى، ولا فرد او اخر. فكلنا خلفاء لله، اي كلنا نملك صلاحية الحكم والتشريع والامرة، فنحن متساوون في هذا الاستخلاف.
العنصر الثالث، الارض او الكون: وهي تعبير عن الطبيعة المادية التي سخرت للانسان وخول هو باستثمارها واستعمارها.
العنصر الرابع، الموضوع: وهو الحلول محل الله في احد مقاميه في الارض وهو الحكم و التشريع والولاية والامرة.
السلطة في المجتمع، بموجب الخلافة الربانية، هي للمجتمع نفسه. فالجماعة البشرية هي المستَخْلَفة في الارض، وهي التي تملك حق حكمِ نفسِها بنفسِها، نيابة عن الله، صاحب السيادة الاصلي ومصدر السلطة الحقيقي.
والخلافة الانسانية تقوم على اربع ركائز شرحها الامام الشهيدمحمد باقر الصدر، وهي:
الوحدة والحرية والمساواة والمسؤولية.
ويبين القران الكريم ان الانسان مؤهل وقادر على تحمل هذه المسؤولية.وفي هذا يقول الامام الشهيد محمد باقر الصدر، الذي يعود اليه الفضل في الكشف عن مفهوم الخلافة الربانية والتنظير له:”إن خليفة الله في الأرض مستخلف على كل هذه الأشياء؛ ومن هنا كانت الخلافة في القرآن أساساً للحكم وكان الحكم بين الناس متفرعاً على جعل الخلافة.”
ويقول:”ولمّا كانت الجماعة البشرية هي التي مُنحت – ممثلة في آدم – هذه الخلافة فهي إذن المكلفة برعاية الكون وتدبير أمر الإنسان والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية .وهذا يُعطي مفهوم الإسلام الأساسي عن الخلافة وهو أن الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الكون وإعماره اجتماعياً وطبيعياً، وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله .”
واوضح الامام الصدر ان الجماعة البشرية تمارس دورها في الخلافة في الإطار التشريعي للقاعدتين القرآنيتين التاليتين:
“وامرهم شورى بينهم.”
“والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ... “
“حيث يعطي النص الأول للامة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشورى ما لم يرد نص خاص على خلاف ذلك، فيما يتحدث النص الثاني عن الولاية وان كل مؤمن ولي الآخرين ويريد بالولاية تولي أموره بقرينه تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه، و النص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنين و المؤمنات بصورمتساوية.
وينتج عن ذلك الأخذ بمبدأ الشورى وبرأي الأكثرية عند الاختلاف.”
وهذا هو بالضبط معنى الديمقراطية التي منع الدستور العراقي من سن أي قانون يتعارض مع مبادئها.
والهدف من كل ذلك ان يعيش الانسان حياة طيبة:
“مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وّلنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”.(النحل 97)
“يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون.” (سورة الأنفال24)
الجدير بالذكر ان الملائكة لم يستوعبوا القرار الالهي بجعل الانسان خليفة لله في الارض.
فقدخلق الله الانسان من طين، وكان ذلك في زمان سحيق القدم، قد يتجاوز الملايين عددا من السنين. وكان هذا الانسان الاول، الذي يصطلح عليه القرآن اسم ادم، وسوف اميزه عن غيره بعنوان “انسان الطين”، كائنا بدائيا “لا يدري أين سوآته” كما قال لي ذات يوم الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، في جلسة حضرها فقط الشهيد السعيد الداعية عبد السادة عبد الله، في منزل “السيد” في مدينة النجف الاشرف في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي.عاش انسان الطين فترة من حياته، ربما كان المتأخرة منها، حياة تشبه حياة الحيوانات، واقربهم اليه ربما كان الشمبانزي. كانت هذه الحياة تقوم على الصيد، والعيش في مجاهل الغابات او غياهب الكهوف، حتى بدأ الانسان في تعلم اللغة، وتدجين الحيوان، ثم زراعة الارض، وهي تطورات استلزمتها ولادة الانسان الخليفة، بل ربما كانت شروطا في علم الله لاستخلاف ادم الطين بعد تطوره العقلي والجسماني.وكان على هذ الكائن البدائي، كائن الطين، ان يتطور ويرتقي عقليا،وربما جسديا ايضا، الى ان يصل الى مرحلة يكون فيها مؤهلا للخطوة الثانية بعد الخلق، وهي الاستخلاف، فلما وصلها بتقدير الله سبحانه وتعالى، بعد فترة من الزمن لا نعرفها عن طريق القرآن، لكنها قد تبلغ ملايين السنين، اعلن الله استخلافه في الارض، على مرأى ومسمع من الملائكة، الذين استغربوا الامر، لِما رؤوا من انسان الطين الاول من بدائية لا يصلح معها لخلافة الله، لكن الله قال لهم انه “يعلم ما لا يعلمون”، ولما كشف لهم عن حقيقة “ادم الخلافة”، ومستواه العقلي، وانه “علم ادم الاسماء كلها”، اذعنوا لله، وقالوا له:”سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا.” وما لم يكن الملائكة يعلمونه عن ادم الطين، انه قد وصل الى درجة معقولة من الوعي كافية لنقله الى ادم الخلافة، بما يجعله قادرا على تحمل ما لم تكن السماء والارض قادرتين عليه، وهو “الامانة”، وهو ما حكاه الله لنا بعد ذلك بالاف السنين، حين قال في القرآن الكريم:”انا عرضنا الامانة على السموات والآرض والجبال، فابين ان يحملنها، واشفقن منها، وحملها الانسان”.
وما كان هذا عرضا تشريعيا، ولا قبولا تشريعيا، كما فسر الامام الشهيد السيد الصدر، انما كان عرضا تكوينيا وقبولا تكوينيا، فقد صار انسان الطين قادرا على تحمل المسؤولية والقيادة، وصنع الحضارة، وحكم نفسه بنفسه، واعمار الارض، فاصبح مؤهلا تكوينيا ليكون الموضع الذي تحل فيها امانة الله، وخلافته، دون ان ينفي ذلك ان الانسان سبقى، مع ذلك، “ظلوما جهولا”، الامر الذي سوف يبقيه بحاجة الى التعليم الرباني لسنوات كثيرة وطويلة في المستقبل.
وقد تمكن الانسان في فجر التاريخ من اقامة اشكال حكم تنسجم مع مبدأ خلافة الانسان، حيث يكون الشعب فيها هو السلطة العليا، والرقيب على الحكام، بل ان الباحثين يقولون الان ان اقدم اشكال الديمقراطية نشأت في المجتمعات المدنية الاولى في العراق الذي شهد ولادة اول حضارة اقامها الانسان الخليفة.
لكن، وكما يحصل الان، فقد كان يحصل في الماضي ان يقوم الحكام بالاعتداء على موقع الانسان في الارض، أي موقع السيادة والخلافة، واكراه الناس على الانقياد لهم دون رضاهم، بالتصرف في شؤون الناس واموالهم دون الرجوع اليهم واخذ موافقتهم. وادى هذا الاعتداء على مقام الانسان، الذي هو مقام الله بالاصل، الى قيام الله بارسال الانبياء لكشف الانتهاك وتسليط الاضواء على اعتداء الطغاة والسياسيين والحكام واصحاب الثروات على مقام الانسان، وحث الناس على رفض الانقياد لهؤلاء المتسلطين، ووصفهم بالطغاة، ووصف فعلهم المستنكر بالطغيان، ودعوة الناس الى الثورة على الظلم والعبودية والاستعباد، بل ان بعض الانبياء كانوا يتولون هم قيادة الثورة ضد الطغاة كما فعل النبي موسى (ع) ضد فرعون، وكما فعل النبي محمد (ص) ضد طغاة قريش.فكانت دعوات الانبياء ثورة دائمة على طول الخط التاريخي الانساني، وكان المستضعفون هم وقود هذه الثورات واصحاب المصلحة المباشرة بها. كما كان الناس في احيان اخرى، وبتأثير من الانبياء، واستذكارا لموقعهم في الارض، وغضبا على من غصب حقهم في الخلافة يثورون على الطغاة من اجل التحرر واستعادة موقع الحكم والسيادة والقيادة والمبادرة. ويذكر الباحث باسم محمد حبيب ان انتفاضة اوروك في عهد جلجامش كانت “اول انتفاضة ضد الظلم والاستبداد في التاريخ”، حيث اندلعت في بلاد سومر قبل منتصف الالف الثالث قبل الميلاد.
اليوم يشهد العراق، كما شهد خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية، انتهاكا صارخا لحق الانسان في السيادة والحكم والخلافة. فاضافة الى عدم قدرة الطبقة الحاكمة على توفير الحياة الطيبة للناس، كما هو الغرض من قيام الدول اساسا، فاننا نجد ان هذه الطبقة تنتهك الدستور في اهم مواده، وتنتهك الاسلام في ابرز قواعده، واعني بذلك سيادة الانسان وحقه في تقرير مصيره وامتلاك زمام اموره بنفسه. ورغم اجراء الانتخابات وهي مظهر شكلي لتمتع الانسان بحقه السيادي، نرى هذه الطبقة السياسية وهي تحجم دور الناس، بل تهمشهم، وتخالف الدستور الذي اقروه وصادقوا عليه، وتخرج عمليا على ا حكام الدين الذي ارتضته الغالبية منهم لأنفسهم، رغم ان الدستور يتعهد ويضمن، في مادته الثانية، “الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي”.
ازاء هذه المخالفة الدستورية الصارخة،والمصادرة على مواده خاصة المادة الثانية، فان الشعب العراقي، ومؤمنيه بشكل خاص، فضلا عن منظماته المدنية الديمقراطية، مدعو بقوة الان الى التحرك من ايقاف الانتهاك، واستعادة السيادة الشعبية، وامتلاك زمام المبادرة من اجل تفعيل المبدأ الاسلامي الاصيل في خلافةالانسان، وتفعيل المبادئ الديمقراطية التي نص عليها الدستور العراقي. ان صمت الشعب العراقي عما يجري من مصادرة لحقوقه السيادية سوف يؤدي الى استمراءالطبقة السياسية في مخالفة الاسلام والديمقراطية عملا، كمايحصل الان، وتشريعا كما قد يحصل في المستقبل.