- الاثنين نوفمبر 26, 2012 9:00 pm
#55424
حلول في الوقت الضائع
هل يمكن اعتبار ما صرح به قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي عزيز جعفري، حول وجود عناصر من فيلق القدس، الذي يعتبر جناح العمليات الخارجية في حرس الثورة الايرانية في كل من سوريا ولبنان، زلة لسان من منطلق ان الرجل ليس لديه خبرة مع الاعلام الخارجي، ومعظم تصريحاته تجري مع الاعلام المحلي الذي يخضع لكثير من المراقبة أو التدقيق قبل نشره، ام انه خطأ استراتيجي ارتكبه هذا الرجل، الذي يعتبر من كبار المشتغلين في مجال التخطيط الاستراتيجي للنظام والقوات العسكرية الايرانية؟ أم أن هذا الكشف وفي هذه اللحظة بالذات يحمل مدلولا أبعد، ورسالة أراد المسؤولون في ايران إيصالها الى العواصم المعنية بالأزمة السورية والمعادلات الاقليمية، أم أن هذا التصريح يحمل في طياته مؤشرات على استعداد ايران للدخول في صفقة اقليمية ودولية، تعيد رسم معالم المنطقة والأزمتين الإيرانية والسورية على حد سواء؟
محمود أحمدي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
لا شك أن الهجوم الذي قامت به عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة، حسب التصريحات الصادرة عن “القاعدة” نفسها والتي هدفت لتركيز الاهتمام بهذا الاتجاه، وايضا حسب الاتهامات التي وجهتها الادارة الاميركية والسلطات الليبية بمسؤولية هذا التنظيم عن عملية اقتحام مبنى القنصلية الاميركية في مدينة بنغازي، وأدت الى مقتل السفير الأميركي وثلاثة من موظفي القنصلية، سيؤدي ـ وكما اريد له ـ الى دفع الادارة الاميركية لإعادة النظر في موقفها من دول “الربيع العربي” بعد ان تحول او بدأ يتحول الى “خريف أصولي” حسب تعبير وزير الخارجية الفرنسية رولان فابيوس.
وكما شكل الحادي عشر من سبتمر (أيلول) عام 2001، متحولا في تعاطي الادارة الاميركية مع منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي، ودفعها لتبني سياسة نشر وتعزيز الديمقراطية وان بحد السيف وازيز الطائرات ودوي الصواريخ، فإن الحادي عشر من سبتمبر 2012 سيسهم في دفع هذه الادارة لإعادة النظر في مشروعها الديمقراطي والتعاطي بحذر “شديد” مع نتائج “الربيع العربي” ودوله التي تحولت الى ثكنات للاسلاميين حلفاء وغير حلفاء لواشنطن التي ذهلت من حجم العداء الذي برز في اول اختبار جدي لها مع هذه الدول، ما قد يجبرها على الانكفاء وتقويم مسار التطورات التي بدأت مع العشرية الثانية من القرن الجديد الذي سبق ووصف نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني بأنه سيكون قرنا اميركيا بامتياز.
وفي هذا التاريخ ايضا، وبعد عملية بنغازي، ارتفعت وتيرة الحديث عن تشكيل رباعية اقليمية مؤلفة من مصر والسعودية وتركيا وايران لوضع “خارطة طريق” اقليمية واسلامية لحل الازمة السورية، وانتقالها من مرحلة النقاش والجدل حول الجدوى وامكانية القيام بعمل مثمر ومدى امكانية مشاركة ايران التي تعتبر متورطة الى جانب النظام السوري، الى مرحلة التفعيل والعملانية بمبادرة من ايران نفسها وعقد اول اجتماع لها على مستوى وزراء الخارجية، مع غياب سعودي عن اللقاء، لكن هناك نية مبدئية لمتابعة تفاصيله عبر الخارجية المصرية، وتاليا عبر المشاركة في الاجتماع المقرر عقده في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في الأسبوع الأخير من هذا الشهر.
الرسائل النووية
قبل اجتماع الرباعية في القاهرة، شهدت الساحة الاقليمية احداثا لا تقل اهمية عن لقاء القاهرة، وربما تقع ايضا في السياق نفسه الذي يخدم نوايا دولية لانجاح المسعى الاقليمي تجاه سوريا. تمثلت اولا في الزيارة التي قام بها سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني وكبير المفاوضين في الملف النووي سعيد جليلي الى تركيا ولقائه مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو، قبل ليلة واحدة من اجتماع القاهرة، وليلتقي بالتزامن مع اجتماع القاهرة وفي تركيا ايضا مع ممثلة السياسات الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ليخرج بعدها الطرفان الايراني والاوروبي ويتفقان على وصف مباحثاتهما بـ”جيدة جدا ومثمرة”.
جليلي وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد لقائه مع اشتون، اشار الى مسائل كانت ايران قد قدمتها الى اجتماع مجموعة 5+1 في موسكو بتاريخ 18 و19 يونيو (حزيران) الماضي، وان تقدما حصل في تفهم هذه الدول للمطالب الايرانية، وهي المطالب نفسها التي كادت تطيح باجتماع هذه الدول الذي عقد في بغداد قبل ذلك بنحو شهر بين 25 و26 يوليو (تموز).
الجنرال محمد علي عزيز جعفري
الجانب الايراني في الاجتماعين السابقين، لم يواجه عقبات اساسية في بحث الملف النووي مع هذه الدول، خاصة وأن بحث الموضوع لم ينقطع على مستوى الخبراء، لكنه حاول استغلال المناسبتين لاختراق التهميش الدولي واستبعاده عن التطورات المتعلقة بالأزمة السورية وعدم التعاطي معه كأحد اللاعبين الاساسيين في هذا الملف وانه سيقف بوجه أي حل طالما لم تؤخذ مصالحه الحيوية والاستراتيجية في هذا البلد والمرتبطة بمصالحها الاقليمية بعين الاعتبار. من هنا فإن الحديث عن ايجابية في لقاء جليلي – اشتون قد يكون عائدا الى رسالة دولية حملتها المندوبة الأوروبية لإيران بإمكانية الدخول على خط الأزمة السورية ولعب دور في التوصل الى حل لها من خلال الرباعية الاقليمية.
رسائل جعفري
وتمثلت ثانيا بالمؤتمر الصحافي الذي عقده قائد حرس الثورة الايرانية الجنرال محمد علي عزيز جعفري والذي يعتبر الأول له بمشاركة الصحافة الأجنبية، وسبق اجتماعات تركيا ومصر، وتحدث فيه عن عدة نقاط رئيسة تعتبر مثار قلق ايراني في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة.
فالحديث عن مضيق هرمز وامكانية قيام اسرائيل منفردة او بمساعدة الولايات المتحدة الاميركية بهجوم ضد ايران ومنشئاتها النووية والاستراتيجية، قد يكون كلاما مكررا ولا جديد فيه، لأنه تضمن التهديدات ذاتها والتحذيرات ذاتها من ان الرد سيكون واسعا ومدمرا وستشمل دائرته كل القواعد الحيوية للقوات الاميركية في المنطقة وكل اسرائيل، لكن الجديد في كلام جعفري عدم تهديده بإقفال مضيق هرمز، من منطلق ان الرد الايراني سيشعل حربا اقليمية كبيرة قد تمتد اثارها على الصعيد الدولي، وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية لهذه الحرب ستكون الاقفال التلقائي لمضيق هرمز بسبب تحول المنطقة الى برميل من البارود والنار.
تسويات أمنية
وتحدث جعفري عن الاستقرار والسيطرة في المناطق الواقعة في جنوب شرق ايران، أي المناطق الممتدة من السواحل المطلة على مضيق هرمز صعودا الى الحدود الافغانية مرورا بالحدود مع باكستان. والاستقرار في المفهوم العسكري مقرون بالسيطرة، أي ان الاستقرار في هذه المناطق التي كانت تعتبر متوترة ومجالا للتدخل والنفوذ الآتي من باكستان وافغانستان، بتأثيرات اميركية وبريطانية حسب الرواية الرسمية الايرانية، ما كان ليحصل من دون التوصل الى تفاهم مع القوى الموجودة على الجانب الآخر من الحدود، وهنا بالتحديد التفاهم مع الادارة الاميركية حول الحدود مع باكستان مع القوات الاميركية الموجودة في افغانستان، اما السيطرة فتعود الى الانتشار الكبير لفيالق متعددة من قوات حرس الثورة الايرانية ونشر منظومات دفاعية وصاروخية في هذه المنطقة الاستراتيحية للاشراف على مضيق هرمز ووضعه تحت سيطرة النيران الايرانية، اضافة الى ما قاله من ان القيادة العسكرية فوضت مهمة الحفاظ على أمن واستقرار هذه المنطقة الى قوى “شعبية” ما يعني ان حرس الثورة لجأ الى تعزيز سلطات وقدرات قوات “التعبئة – البسيج” لمواجهة أي تحرك شعبي أو من قبل جماعات “جند الله” بقيادة عبد المالك ريغي الذي اعتقلته ايران في عملية امنية معقدة ومن ثم اعدمته.
جعفري تحدث عن استقرار تام في مناطق شمال غرب ايران، أي في المناطق الكردية، وان انتشارا واسعا لقوات من حرس الثورة في هذه المناطق اسهم في الوصول الى هذه النقطة والتي ساعدت في القضاء على نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني ـ الفرع الايراني المعروف باسم “بجاك”، مشيرا الى ان تفاهما قد تم بين الاجهزة الأمنية وحزب العمال ـ الفرع التركي “ب ك ك” على وقف عملياته داخل ايران.
ما لم يقله جعفري هنا، هو ان القيادة الايرانية قد عمدت الى ارساء تسويات امنية في المناطق الحدودية المتوترة والتي قد تشكل خاصرة رخوة تسمح بحصول أي اختراق امني او ممر قد تلجأ الولايات المتحدة الاميركي لاستخدامه في حال قررت القيام باي هجوم على ايران يتضمن علميات ارضية.
وقد عمدت ايران الى رفع وتيرة التوتر الامني على المقلب الآخر المقابل لهذه الحدود، حيث شهدت الساحة الافغانية عودة دموية لعناصر “الحزب الاسلامي” بقيادة قلب الدين حكمتيار في افغانستان والقيام بعمليات متعددة ضد القوات الاميركية في هذا البلد، وحكمتيار لم يتخل عن تحالفه وعلاقاته بإيران اضافة الى العلاقة التي تربط بعض اجنحة حركة طالبان مع فيلق “نصر” الذي يتولى مهمة التنسيق والعمليات في كل من افغانستان وباكستان.
اما في تركيا، فان الدعم الايراني واضح لعناصر حزب العمال الكردستاني الذي بدأ منذ مدة سلسلة من العمليات العسكرية داخل الاراضي التركية بهدف ارباك القيادة السياسية في هذا البلد والضغط عليها لتعديل موقفها من الازمة السورية وهو دعم لم تتردد ايران في الحديث عنه، خاصة في التقارير الداخلية لقوات حرس الثورة التي تحدثت عن امكانية ان تشتعل المناطق الداخلية التركية بناء على التركيب العرقي والمذهبي في هذا البلد.
اما فيما يتعلق بالحدود مع العراق، يبدو ان جعفري لم يشعر بحاجة او يرى ضرورة للحديث عنها بحكم النفوذ والسيطرة التي تفرضها ايران على الساحة العراقية ان كان عبر الحضور السياسي المباشر او الامني الذي يقوم به عناصر فيلق “رمضان” في حرس الثورة والذي انتقلت قيادته الى مسؤول فيلق “القدس” الجنرال قاسم سليماني الذي من المحتمل ان يكون قد عمد الى دمج بين انشطة وعمل الفيلقين في فيلق القدس تحت امرته.
هذه الاجراءات الامنية والعسكرية، تسمح للقيادة العسكرية التفرغ لنقاط الضعف او مصادر الخطر الاخرى على محورين، أي محور الحدود الغربية المحاذية لدولة أذربيجان، حيث عمدت القيادة العسكرية، خاصة حرس الثورة بعمليات انتشار واسعة في هذه المناطق وتعزيز قدرات لواء “عاشوراء” المستقر في محافظة أذربيجان الايرانية. في حين تتولى القوات البحرية وجزء من القوتين البرية والجوية والصاروخية في حرس الثورة الى جانب الوية من الجيش النظامي مهمة الانتشار في المناطق المطلة على مياه الخليج.
الانتشار الإقليمي
وبالتوازي مع الاجراءات والاستعدادات العسكرية التي تقوم بها على جبهتها الداخلية، وجهت ايران رسائل واضحة تتعلق باستعداداتها خارج الحدود. مباشرة عبر التلويح باستهداف كل القواعد الاميركية في المنطقة خاصة في الدول الخليجية، وغير مباشرة من خلال التأكيد على وجود عناصر من قوات فيلق القدس في كل من سوريا ولبنان.
فتصريحات جعفري المتعلقة بهذه النقطة لم تكن عبثية او مفتقرة لتقدير الابعاد المترتبة عليها، خاصة وان جعفري وقبل ان يتولى منصبه في قيادة حرس الثورة، كان يتولى مهمة رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية التابعة لهذه القوات وعضوا في مجلس قيادتها. ويبدو ان الهدف من هذا التصريح الذي يؤكد التورط الايراني القديم ـ الجديد في الشؤون الداخلية السورية واللبنانية، كان يهدف الى توجيه رسائل واضحة للاطراف الدولية والاقليمية، خلاصتها ان طهران لن تسمح بتغيير التركيبة الاستراتيجية للمنطقة ولن تسمح باستهداف عمقها الجيوسياسي في المنطقة من خلال اسقاط النظام السوري، او محاصرة حزب الله حليفها اللبناني خاصة في ظل تصاعد التهديدات الاسرائيلية لها والتي دفعت القائد السابق للحرس والمستشار العسكري لمرشد النظام الايراني الجنرال يحيى رحيم صفوي للقول بأن أي هجوم اسرائيلي على ايران، فإن لدى ايران قوة استراتيجية تتمثل بحزب الله في لبنان قادرة على ضرب العمق الاسرائيلي والدخول في حرب ضد اسرائيل الى جانب ايران. وانها ستبذل كل الجهود السياسية والاقتصادية والامنية لدعم النظام السوري ومنع سقوطه.
جعفري وضع اطار دقيقا للدعم الذي تقدمه ايران للنظام السوري لا يتجاوز سقف الحفاظ على المصالح الايرانية في اطار ما تسميه “محور المقاومة” أي بقاء سوريا في اطار الاستراتيجية الايرانية التي تقوم على مقاومة التفرد الاسرائيلي في المنطقة والعمل على مقاسمته لهذا النفوذ من دون الدخول في حرب مباشرة معه، وهو مطلب او سقف لم يقبل به الثوار او المعارضون السوريون حتى الآن ليكون مقدمة محفزا لايران في تبني خيار التخلي عن الأسد ونظامه.
وعلى الرغم من الدفاع المستميت للقيادة الايرانية، تحديدا مرشد النظام، عن النظام السوري، والذي صبت تصريحات قائد اركان القوات المسلحة الايرانية الجنرال حسن فيروزآبادي الاخيرة في سياقه، عندما قال تعليقا على المواقف الأخيرة للرئيس السوري “ما قاله بشار الاسد صحيح، فحرب سوريا هي حرب ايران”. على الرغم من ذلك فإن جعفري كان اكثر وضوحا في التعبير عن موقف المؤسسة العسكرية، عندما رفض التعليق على امكانية تنفيذ الاتفاقية العسكرية الايرانية السورية في حال تعرض هذا البلد لاعتداء مباشر من الخارج، مؤكدا بالحرف “هذه الاتفاقية مرتبطة بالظروف، وان نقول الآن بشكل قاطع انه في حال حصول هجوم عسكري ضد سوريا، فإن المشاركة الايرانية في الدفاع عن سوريا بشكل مباشر يتعلق بالظروف” ما يعكس رغبة داخل المؤسسة العسكرية في عدم التورط في أي عمل من اجل النظام السوري، قد تؤدي الى دخولها في حرب اقليمية او دولية غير معروفة النتائج، وبالتالي قد تهدد بقاء واستقرار النظام الايراني برمته او تعطي ذريعة للقوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية للتحرك والتخلص من هذا النظام، وضرب المصالح الايرانية في كل المنطقة.
وما يعزز هذا الاتجاه، الجهود التي بذلتها طهران لقطع الطريق عن تورط حليفها اللبناني حزب الله في فتح الجبهة اللبنانية مع اسرائيل تحت ضغط من النظام السوري، من اجل تخفيف الضغط عنه، ويكمن التوقف هنا عند تحركين اساسيين لقيادات امنية ايرانية باتجاه حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، الاول كان اللقاء الذي جرى بينه وبين قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، الذي ابلغه موقفا ايرانيا حاسما بعدم رغبة القيادة الايرانية، خاصة مرشد النظام، التورط في حرب استباقية مع اسرائيل، لان ذلك قد يقلب الطاولة ويطيح بكل الانجازات التي حققتها ايران في ملفاتها الاقليمية وحوارها مع واشنطن، والثاني الزيارة التي قام بها سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي ولقائه ايضا مع نصرالله بعد عملية التفجير التي حدثت في بلغاريا بتاريخ 18 يوليو عام 2012 واسفر عن سقوط 8 قتلى من السياح الاسرائيليين، واتهام واشنطن وتل ابيب لكل من ايران وحزب الله بالوقوف وراء هذا التفجير، وقد ابلغ جليلي حليفه اللبناني بأن طهران لا تريد التورط في أي عمل عسكري او حرب مع اسرائيل او جر اسرائيل للبدء بحرب ضد حزب الله من اجل التخفيف عن دمشق، لأنها لن تقف بالمحصلة عند الحدود اللبنانية بل ستجر ايران الى اتونها، وان على حزب الله التزام التهدئة في حال كان هو الطرف الذي يقف وراء هذا التفجير وافساح المجال لمعالجة هذا التصعيد وابعاد شبح المواجهة التي لا تخدم أي من الطرفين في المرحلة الحالية التي تتسم بكثير من الدقة والتعقيد. خاصة وان طهران لا تريد الدخول في حرب لا تكون هي الجهة التي تفرض اجندتها او تحدد مساراتها واهدافها .
الجهود السياسية
لم تترك طهران جهدا سياسيا لمساعدة النظام السوري وانقاذه من براثن الرحيل والسقوط الا وبذلتها، واستخدمت كل الاساليب المتاحة امامها للتخفيف من الضغوط الدولية والاقليمية على رئيسه وحقنه بكل مضادات الخوف والسقوط، فلجأت الى تحذير جيرانها وجيران هذا النظام، خاصة تركيا من امكانية اشعال حرب داخلية بين مكوناتها الاجتماعية والعرقية والاثنية والمذهبية، كما دعت الى لقاء تشاوري حول الازمة السورية عقد في طهران بتاريخ 9 اغسطس (آب) الماضي بمشاركة 30 دولة وغياب النظام السوري، كرد على سلسلة مؤتمرات لاصدقاء الشعب السوري، واجتماع مجموعة الاتصال الدولية في جنيف مطلع يوليو الماضي، وكانت نقطة الالتقاء بين اللقاءين الدعوة الى البدء بحوار وطني بين المعارضة والحكومة وحل سلمي للازم السورية من طهران وتشكيل حكومة وعملية انتقال سياسي سلمي في سوريا والدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أعضاء من النظام السوري والمعارضة من جنيف.
وفي كل الجهود الدبلوماسية التي بذلتها ايران لكسر السد الدولي الذي فرضه المجتمع الدولي وعواصمه امام مشاركتها في أي تحرك او مباحثات حول الازمة السورية، كانت تحاول ايصال رسالة الى هذه العواصم بأنها على استعداد للتعاون في حل هذه الازمة، في حال تم الأخذ بعين الاعتبار بمستقبل مصالحها الحيوية في سوريا، وان التمسك بالأسد ونظامه لا يعني عدم وجود استعداد ايراني لبحث مرحلة ما بعد الأسد، لكن في ظل هذه الرؤية. وقد حاولت منذ البداية الانفتاح على بعض فصائل المعارضة السورية، من الاخوان المسلمين وهيئة التنسيق الوطني، وسعت بجهد للبناء ايجابيا على بعض الاشارات التي وصلتها من مقربين لبرهان غليون واعلان دمشق عن استعداد لبحث الازمة السورية مع امين عام حزب الله، لكن اختيار غليون كأول رئيس للمجلس الوطني السوري قطع الطريق على هذا المسار.
اصرار المبعوث الدولي- العربي المشترك (السابق) كوفي عنان للوقوف على وجهة النظر الايرانية حول الازمة السورية رحبت به ايران، وحاولت استغلاله كمدخل لدور لها في هذه الازمة. من دون ان تسقط من اعتباراتها ان امتداد الازمة واتساعها لتشمل كل الجغرافيا السورية كفيل بفتح الباب امامها للحصول على اعتراف دولي بدور مؤثر في التوصل الى حل في هذا البلد.
انتظرت طهران كثيرا وهي تراقب الدم السوري يسيل تحت وقع الضربات والعمليات العسكرية والتدمير الممنهج، التى يقوم بها النظام وقواته ضد المدنيين، من دون ان تنفي المأزق الاخلاقي الذي سببه وقوفها الى جانب هذا النظام ووصف ما يجري في سوريا بالمؤامرة، التي تستهدف محور المقاومة والممانعة في محاولة من القوى الدولية خاصة اميركا للتعويض عن خسائرها في ثورات بلدان “الربيع العربي” التي ادت الى سقوط حلفاء لها.
وتمسكت كثيرا ايضا بموقفها بانتظار انتقال ما يدور في سوريا من مرحلة المواجهة بين نظام قاتل مع مواطنين محتجين بشكل سلمي، مطالبين بالحرية والديمقراطية، الى مرحلة المواجهة العسكرية، وتمسكت بموقفها ايضا بانتظار ان يتحول القتال في سوريا الى قتال بين النظام والمجتمع الدولي، وانتظرت ان ينتقل الى مرحلة صراع مفتوح بينها وبين ترويكا اقليمية مشكلة من تركيا وقطر والسعودية، ما يسوغ لها سياسيا على اقل تقدير وقوفها الى جانب الأسد من منطلق الدفاع عن نفسها وموقعها ودورها الاقليمي.
ومن بوابة تحويل الأزمة السورية الى أزمة اقليمية، سارعت الى تلقف المبادرة التي اطلقها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي على هامش قمة منظمة التعاون الاسلامي الاستثنائية، التي عقدت في مكة بتاريخ 13 اغسطس الماضي، بتشكيل رباعية اقليمية اسلامية مؤلفة من مصر وتركيا والسعودية وايران لبحث الازمة السورية والتوصل الى حل لها.
المبادرة الإيرانية
في العاشر من سبتمبر 2012 عقدت الرباعية المقترحة من قبل الرئيس المصري اولى اجتماعاتها على مستوى الخبراء او مساعدي وزراء الخارجية لوضع اطار عام لمبادرة مشتركة للحل في سوريا ترفع الى اجتماع وزراء الخارجية.
وفي السابع عشر من سبتمبر 2012 عقد وزراء خارجية الرباعية اجتماعهم الاول، ما افسح المجال امام طهران ممثلة بوزير خارجيتها علي اكبر صالحي لتقديم رؤيتها للحل في اطار مبادرة مؤلفة من النقاط التالية:
1 ـ وقف الاشتباكات والعنف بشكل متزامن من اطراف الصراع.
2 ـ التأكيد على الحل السلمي للازمة من دون أي تدخل خارجي.
3 ـ وقف أي نوع من الدعم المالي والعسكري والتدريب للعناصر المسلحة المعارضة للحكومة السورية.
4 ـ اطلاق حوار بين الحكومة السورية والمعارضة.
5 ـ تشكيل لجنة مصالحة وطنية بمشاركة جميع الاحزاب.
6 ـ ارسال مراقبين من الدول المشاركة في اجتماع القاهرة للاشراف على عملية وقف العنف.
7 ـ التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والاراضي السورية.
8 ـ تقديم المساعدة لمسار اصلاحات جذرية وارساء الديمقراطية والحرية على اساس سوري- سوري.
علي أكبر صالحي يتوسط محمد كامل عمرو وأحمد داود أوغلو.. محاولات إيرانية يائسة لإنقاذ الحليف السوري
وقد اطلقت ايران على هذه النقاط “خارطة طريق” ايرانية للخروج من الأزمة، وانه اكثر شمولية من مبادرة النقاط الستة التي حملها المندوب الدولي والعربي المشترك كوفي عنان.
وتحاول ايران تقديم هذه الورقة والنقاط كخطة عمل، ومن ثم تحويلها الى خطة تنفيذية من خلال ادخال بعض التعديلات على تركيبة الرباعية تسمح بادخال كل من العراق كرئيس للدورة الحالية لقمة الجامعة العربية وفنزويلا بصفتها عضوا في الترويكا المنبثقة عن قمة دول عدم الانحياز. وهو ما يساعد ايران على دفع رؤيتها لحل الازمة السورية على صعيدي التخطيط والتنفيذ في الوقت نفسه والتوصل الى نتائج ايجابية.
وتعتقد ايران بضرورة ادخال تعديلات على تركيبة الرباعية لتغيير توزيع موازين القوى داخلها، خاصة وانها تشعر بإمكانية الاستفراد بها في هذه الرباعية كون ثلاثة من اعضائها، اي مصر وتركيا والسعودية، يقفون في الجهة المقابلة لايران في صف واحد فيما تقف ايران وحيدة في مواجهتهم، ودخول العراق وفنزويلا على الرباعية يحقق توازنا في تركيبتها ما يساعد طهران والرباعية على حد سواء في التوصل الى نتائج وقرارات تساعد على حل الأزمة.
وتعتقد طهران ان التصورات التي تقدمت بها تشكل الارضية والاجواء المناسبة لانجاح مهمة الأخضر الابراهيمي، وهي تتوافق وتنسجم مع الاستشارات والمساعي التي بذلتها الأمم المتحدة، اضافة الى ان الموقع الذي تحتله ايران حاليا بعد توليها لرئاسة قمة دول عدم الانحياز التي تعتبر اكبر تجمع دولي داخل منظمة الامم المتحدة يمنحها فرصة التأثير في القرارات المتعلقة بهذه الازمة.
من هنا فإن العقدة الاساسية التي تواجه الطموح الايراني في تحقيق اختراق تعتقد انه ايجابي على خط الحل السلمي للازمة السورية يصطدم بموقف الاحزاب والفصائل السورية المسلحة والجهات الخارحية التي تقدم الدعم لها. لكنها في المقابل تعتقد ان استثناء الطرف الأكثر تأثيرا ودورا في الأزمة السورية، اي دولة قطر، من المشاركة في الرباعية وما رافقه امتناع الاخضر الابراهيمي عن الاجتماع مع مندوب دولة قطر، يبعث على الامل كثيرا بامكانية التوصل الى نتيجة ما. لكنها ايضا تنظر بأسف الى الغياب السعودي عن المشاركة في اجتماع الرباعية لأنه يعبر حسب طهران عن وجود تردد في السير في تصور الحل الذي تقترحه او ستقدمه الرباعية، وما يستدعيه هذا الالتزام بالرباعية من اعادة النظر في قرار الاستمرار بدعم الجماعات المسلحة المعارضة كما فعلت تركيا في هذا الشأن، الى جانب ما ابدته طهران من ليونة في مواقفها المؤيدة للنظام، في محاولة للوصول الى نقطة وسط بين المواقف الدولية والاقليمية والداخلية حول اسلوب الحل السلمي في سوريا، بعد لجوء الطرفين المؤيد والمعارض للنظام السوري الى مرحلة لم يكن هناك مجال فيها سوى لاتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر لحسم المسائل، وهو قرار يتخوف الجميع من تداعياته، الامر الذي فرض على كل الاطراف اعادة النظر في مواقفها، خاصة العواصم الدولية، والتفتيش عن طريق وسط للحل.
هل يمكن اعتبار ما صرح به قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي عزيز جعفري، حول وجود عناصر من فيلق القدس، الذي يعتبر جناح العمليات الخارجية في حرس الثورة الايرانية في كل من سوريا ولبنان، زلة لسان من منطلق ان الرجل ليس لديه خبرة مع الاعلام الخارجي، ومعظم تصريحاته تجري مع الاعلام المحلي الذي يخضع لكثير من المراقبة أو التدقيق قبل نشره، ام انه خطأ استراتيجي ارتكبه هذا الرجل، الذي يعتبر من كبار المشتغلين في مجال التخطيط الاستراتيجي للنظام والقوات العسكرية الايرانية؟ أم أن هذا الكشف وفي هذه اللحظة بالذات يحمل مدلولا أبعد، ورسالة أراد المسؤولون في ايران إيصالها الى العواصم المعنية بالأزمة السورية والمعادلات الاقليمية، أم أن هذا التصريح يحمل في طياته مؤشرات على استعداد ايران للدخول في صفقة اقليمية ودولية، تعيد رسم معالم المنطقة والأزمتين الإيرانية والسورية على حد سواء؟
محمود أحمدي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
لا شك أن الهجوم الذي قامت به عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة، حسب التصريحات الصادرة عن “القاعدة” نفسها والتي هدفت لتركيز الاهتمام بهذا الاتجاه، وايضا حسب الاتهامات التي وجهتها الادارة الاميركية والسلطات الليبية بمسؤولية هذا التنظيم عن عملية اقتحام مبنى القنصلية الاميركية في مدينة بنغازي، وأدت الى مقتل السفير الأميركي وثلاثة من موظفي القنصلية، سيؤدي ـ وكما اريد له ـ الى دفع الادارة الاميركية لإعادة النظر في موقفها من دول “الربيع العربي” بعد ان تحول او بدأ يتحول الى “خريف أصولي” حسب تعبير وزير الخارجية الفرنسية رولان فابيوس.
وكما شكل الحادي عشر من سبتمر (أيلول) عام 2001، متحولا في تعاطي الادارة الاميركية مع منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي، ودفعها لتبني سياسة نشر وتعزيز الديمقراطية وان بحد السيف وازيز الطائرات ودوي الصواريخ، فإن الحادي عشر من سبتمبر 2012 سيسهم في دفع هذه الادارة لإعادة النظر في مشروعها الديمقراطي والتعاطي بحذر “شديد” مع نتائج “الربيع العربي” ودوله التي تحولت الى ثكنات للاسلاميين حلفاء وغير حلفاء لواشنطن التي ذهلت من حجم العداء الذي برز في اول اختبار جدي لها مع هذه الدول، ما قد يجبرها على الانكفاء وتقويم مسار التطورات التي بدأت مع العشرية الثانية من القرن الجديد الذي سبق ووصف نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني بأنه سيكون قرنا اميركيا بامتياز.
وفي هذا التاريخ ايضا، وبعد عملية بنغازي، ارتفعت وتيرة الحديث عن تشكيل رباعية اقليمية مؤلفة من مصر والسعودية وتركيا وايران لوضع “خارطة طريق” اقليمية واسلامية لحل الازمة السورية، وانتقالها من مرحلة النقاش والجدل حول الجدوى وامكانية القيام بعمل مثمر ومدى امكانية مشاركة ايران التي تعتبر متورطة الى جانب النظام السوري، الى مرحلة التفعيل والعملانية بمبادرة من ايران نفسها وعقد اول اجتماع لها على مستوى وزراء الخارجية، مع غياب سعودي عن اللقاء، لكن هناك نية مبدئية لمتابعة تفاصيله عبر الخارجية المصرية، وتاليا عبر المشاركة في الاجتماع المقرر عقده في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في الأسبوع الأخير من هذا الشهر.
الرسائل النووية
قبل اجتماع الرباعية في القاهرة، شهدت الساحة الاقليمية احداثا لا تقل اهمية عن لقاء القاهرة، وربما تقع ايضا في السياق نفسه الذي يخدم نوايا دولية لانجاح المسعى الاقليمي تجاه سوريا. تمثلت اولا في الزيارة التي قام بها سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني وكبير المفاوضين في الملف النووي سعيد جليلي الى تركيا ولقائه مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داود اوغلو، قبل ليلة واحدة من اجتماع القاهرة، وليلتقي بالتزامن مع اجتماع القاهرة وفي تركيا ايضا مع ممثلة السياسات الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ليخرج بعدها الطرفان الايراني والاوروبي ويتفقان على وصف مباحثاتهما بـ”جيدة جدا ومثمرة”.
جليلي وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد لقائه مع اشتون، اشار الى مسائل كانت ايران قد قدمتها الى اجتماع مجموعة 5+1 في موسكو بتاريخ 18 و19 يونيو (حزيران) الماضي، وان تقدما حصل في تفهم هذه الدول للمطالب الايرانية، وهي المطالب نفسها التي كادت تطيح باجتماع هذه الدول الذي عقد في بغداد قبل ذلك بنحو شهر بين 25 و26 يوليو (تموز).
الجنرال محمد علي عزيز جعفري
الجانب الايراني في الاجتماعين السابقين، لم يواجه عقبات اساسية في بحث الملف النووي مع هذه الدول، خاصة وأن بحث الموضوع لم ينقطع على مستوى الخبراء، لكنه حاول استغلال المناسبتين لاختراق التهميش الدولي واستبعاده عن التطورات المتعلقة بالأزمة السورية وعدم التعاطي معه كأحد اللاعبين الاساسيين في هذا الملف وانه سيقف بوجه أي حل طالما لم تؤخذ مصالحه الحيوية والاستراتيجية في هذا البلد والمرتبطة بمصالحها الاقليمية بعين الاعتبار. من هنا فإن الحديث عن ايجابية في لقاء جليلي – اشتون قد يكون عائدا الى رسالة دولية حملتها المندوبة الأوروبية لإيران بإمكانية الدخول على خط الأزمة السورية ولعب دور في التوصل الى حل لها من خلال الرباعية الاقليمية.
رسائل جعفري
وتمثلت ثانيا بالمؤتمر الصحافي الذي عقده قائد حرس الثورة الايرانية الجنرال محمد علي عزيز جعفري والذي يعتبر الأول له بمشاركة الصحافة الأجنبية، وسبق اجتماعات تركيا ومصر، وتحدث فيه عن عدة نقاط رئيسة تعتبر مثار قلق ايراني في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة.
فالحديث عن مضيق هرمز وامكانية قيام اسرائيل منفردة او بمساعدة الولايات المتحدة الاميركية بهجوم ضد ايران ومنشئاتها النووية والاستراتيجية، قد يكون كلاما مكررا ولا جديد فيه، لأنه تضمن التهديدات ذاتها والتحذيرات ذاتها من ان الرد سيكون واسعا ومدمرا وستشمل دائرته كل القواعد الحيوية للقوات الاميركية في المنطقة وكل اسرائيل، لكن الجديد في كلام جعفري عدم تهديده بإقفال مضيق هرمز، من منطلق ان الرد الايراني سيشعل حربا اقليمية كبيرة قد تمتد اثارها على الصعيد الدولي، وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية لهذه الحرب ستكون الاقفال التلقائي لمضيق هرمز بسبب تحول المنطقة الى برميل من البارود والنار.
تسويات أمنية
وتحدث جعفري عن الاستقرار والسيطرة في المناطق الواقعة في جنوب شرق ايران، أي المناطق الممتدة من السواحل المطلة على مضيق هرمز صعودا الى الحدود الافغانية مرورا بالحدود مع باكستان. والاستقرار في المفهوم العسكري مقرون بالسيطرة، أي ان الاستقرار في هذه المناطق التي كانت تعتبر متوترة ومجالا للتدخل والنفوذ الآتي من باكستان وافغانستان، بتأثيرات اميركية وبريطانية حسب الرواية الرسمية الايرانية، ما كان ليحصل من دون التوصل الى تفاهم مع القوى الموجودة على الجانب الآخر من الحدود، وهنا بالتحديد التفاهم مع الادارة الاميركية حول الحدود مع باكستان مع القوات الاميركية الموجودة في افغانستان، اما السيطرة فتعود الى الانتشار الكبير لفيالق متعددة من قوات حرس الثورة الايرانية ونشر منظومات دفاعية وصاروخية في هذه المنطقة الاستراتيحية للاشراف على مضيق هرمز ووضعه تحت سيطرة النيران الايرانية، اضافة الى ما قاله من ان القيادة العسكرية فوضت مهمة الحفاظ على أمن واستقرار هذه المنطقة الى قوى “شعبية” ما يعني ان حرس الثورة لجأ الى تعزيز سلطات وقدرات قوات “التعبئة – البسيج” لمواجهة أي تحرك شعبي أو من قبل جماعات “جند الله” بقيادة عبد المالك ريغي الذي اعتقلته ايران في عملية امنية معقدة ومن ثم اعدمته.
جعفري تحدث عن استقرار تام في مناطق شمال غرب ايران، أي في المناطق الكردية، وان انتشارا واسعا لقوات من حرس الثورة في هذه المناطق اسهم في الوصول الى هذه النقطة والتي ساعدت في القضاء على نشاط عناصر حزب العمال الكردستاني ـ الفرع الايراني المعروف باسم “بجاك”، مشيرا الى ان تفاهما قد تم بين الاجهزة الأمنية وحزب العمال ـ الفرع التركي “ب ك ك” على وقف عملياته داخل ايران.
ما لم يقله جعفري هنا، هو ان القيادة الايرانية قد عمدت الى ارساء تسويات امنية في المناطق الحدودية المتوترة والتي قد تشكل خاصرة رخوة تسمح بحصول أي اختراق امني او ممر قد تلجأ الولايات المتحدة الاميركي لاستخدامه في حال قررت القيام باي هجوم على ايران يتضمن علميات ارضية.
وقد عمدت ايران الى رفع وتيرة التوتر الامني على المقلب الآخر المقابل لهذه الحدود، حيث شهدت الساحة الافغانية عودة دموية لعناصر “الحزب الاسلامي” بقيادة قلب الدين حكمتيار في افغانستان والقيام بعمليات متعددة ضد القوات الاميركية في هذا البلد، وحكمتيار لم يتخل عن تحالفه وعلاقاته بإيران اضافة الى العلاقة التي تربط بعض اجنحة حركة طالبان مع فيلق “نصر” الذي يتولى مهمة التنسيق والعمليات في كل من افغانستان وباكستان.
اما في تركيا، فان الدعم الايراني واضح لعناصر حزب العمال الكردستاني الذي بدأ منذ مدة سلسلة من العمليات العسكرية داخل الاراضي التركية بهدف ارباك القيادة السياسية في هذا البلد والضغط عليها لتعديل موقفها من الازمة السورية وهو دعم لم تتردد ايران في الحديث عنه، خاصة في التقارير الداخلية لقوات حرس الثورة التي تحدثت عن امكانية ان تشتعل المناطق الداخلية التركية بناء على التركيب العرقي والمذهبي في هذا البلد.
اما فيما يتعلق بالحدود مع العراق، يبدو ان جعفري لم يشعر بحاجة او يرى ضرورة للحديث عنها بحكم النفوذ والسيطرة التي تفرضها ايران على الساحة العراقية ان كان عبر الحضور السياسي المباشر او الامني الذي يقوم به عناصر فيلق “رمضان” في حرس الثورة والذي انتقلت قيادته الى مسؤول فيلق “القدس” الجنرال قاسم سليماني الذي من المحتمل ان يكون قد عمد الى دمج بين انشطة وعمل الفيلقين في فيلق القدس تحت امرته.
هذه الاجراءات الامنية والعسكرية، تسمح للقيادة العسكرية التفرغ لنقاط الضعف او مصادر الخطر الاخرى على محورين، أي محور الحدود الغربية المحاذية لدولة أذربيجان، حيث عمدت القيادة العسكرية، خاصة حرس الثورة بعمليات انتشار واسعة في هذه المناطق وتعزيز قدرات لواء “عاشوراء” المستقر في محافظة أذربيجان الايرانية. في حين تتولى القوات البحرية وجزء من القوتين البرية والجوية والصاروخية في حرس الثورة الى جانب الوية من الجيش النظامي مهمة الانتشار في المناطق المطلة على مياه الخليج.
الانتشار الإقليمي
وبالتوازي مع الاجراءات والاستعدادات العسكرية التي تقوم بها على جبهتها الداخلية، وجهت ايران رسائل واضحة تتعلق باستعداداتها خارج الحدود. مباشرة عبر التلويح باستهداف كل القواعد الاميركية في المنطقة خاصة في الدول الخليجية، وغير مباشرة من خلال التأكيد على وجود عناصر من قوات فيلق القدس في كل من سوريا ولبنان.
فتصريحات جعفري المتعلقة بهذه النقطة لم تكن عبثية او مفتقرة لتقدير الابعاد المترتبة عليها، خاصة وان جعفري وقبل ان يتولى منصبه في قيادة حرس الثورة، كان يتولى مهمة رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية التابعة لهذه القوات وعضوا في مجلس قيادتها. ويبدو ان الهدف من هذا التصريح الذي يؤكد التورط الايراني القديم ـ الجديد في الشؤون الداخلية السورية واللبنانية، كان يهدف الى توجيه رسائل واضحة للاطراف الدولية والاقليمية، خلاصتها ان طهران لن تسمح بتغيير التركيبة الاستراتيجية للمنطقة ولن تسمح باستهداف عمقها الجيوسياسي في المنطقة من خلال اسقاط النظام السوري، او محاصرة حزب الله حليفها اللبناني خاصة في ظل تصاعد التهديدات الاسرائيلية لها والتي دفعت القائد السابق للحرس والمستشار العسكري لمرشد النظام الايراني الجنرال يحيى رحيم صفوي للقول بأن أي هجوم اسرائيلي على ايران، فإن لدى ايران قوة استراتيجية تتمثل بحزب الله في لبنان قادرة على ضرب العمق الاسرائيلي والدخول في حرب ضد اسرائيل الى جانب ايران. وانها ستبذل كل الجهود السياسية والاقتصادية والامنية لدعم النظام السوري ومنع سقوطه.
جعفري وضع اطار دقيقا للدعم الذي تقدمه ايران للنظام السوري لا يتجاوز سقف الحفاظ على المصالح الايرانية في اطار ما تسميه “محور المقاومة” أي بقاء سوريا في اطار الاستراتيجية الايرانية التي تقوم على مقاومة التفرد الاسرائيلي في المنطقة والعمل على مقاسمته لهذا النفوذ من دون الدخول في حرب مباشرة معه، وهو مطلب او سقف لم يقبل به الثوار او المعارضون السوريون حتى الآن ليكون مقدمة محفزا لايران في تبني خيار التخلي عن الأسد ونظامه.
وعلى الرغم من الدفاع المستميت للقيادة الايرانية، تحديدا مرشد النظام، عن النظام السوري، والذي صبت تصريحات قائد اركان القوات المسلحة الايرانية الجنرال حسن فيروزآبادي الاخيرة في سياقه، عندما قال تعليقا على المواقف الأخيرة للرئيس السوري “ما قاله بشار الاسد صحيح، فحرب سوريا هي حرب ايران”. على الرغم من ذلك فإن جعفري كان اكثر وضوحا في التعبير عن موقف المؤسسة العسكرية، عندما رفض التعليق على امكانية تنفيذ الاتفاقية العسكرية الايرانية السورية في حال تعرض هذا البلد لاعتداء مباشر من الخارج، مؤكدا بالحرف “هذه الاتفاقية مرتبطة بالظروف، وان نقول الآن بشكل قاطع انه في حال حصول هجوم عسكري ضد سوريا، فإن المشاركة الايرانية في الدفاع عن سوريا بشكل مباشر يتعلق بالظروف” ما يعكس رغبة داخل المؤسسة العسكرية في عدم التورط في أي عمل من اجل النظام السوري، قد تؤدي الى دخولها في حرب اقليمية او دولية غير معروفة النتائج، وبالتالي قد تهدد بقاء واستقرار النظام الايراني برمته او تعطي ذريعة للقوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية للتحرك والتخلص من هذا النظام، وضرب المصالح الايرانية في كل المنطقة.
وما يعزز هذا الاتجاه، الجهود التي بذلتها طهران لقطع الطريق عن تورط حليفها اللبناني حزب الله في فتح الجبهة اللبنانية مع اسرائيل تحت ضغط من النظام السوري، من اجل تخفيف الضغط عنه، ويكمن التوقف هنا عند تحركين اساسيين لقيادات امنية ايرانية باتجاه حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، الاول كان اللقاء الذي جرى بينه وبين قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، الذي ابلغه موقفا ايرانيا حاسما بعدم رغبة القيادة الايرانية، خاصة مرشد النظام، التورط في حرب استباقية مع اسرائيل، لان ذلك قد يقلب الطاولة ويطيح بكل الانجازات التي حققتها ايران في ملفاتها الاقليمية وحوارها مع واشنطن، والثاني الزيارة التي قام بها سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي الايراني سعيد جليلي ولقائه ايضا مع نصرالله بعد عملية التفجير التي حدثت في بلغاريا بتاريخ 18 يوليو عام 2012 واسفر عن سقوط 8 قتلى من السياح الاسرائيليين، واتهام واشنطن وتل ابيب لكل من ايران وحزب الله بالوقوف وراء هذا التفجير، وقد ابلغ جليلي حليفه اللبناني بأن طهران لا تريد التورط في أي عمل عسكري او حرب مع اسرائيل او جر اسرائيل للبدء بحرب ضد حزب الله من اجل التخفيف عن دمشق، لأنها لن تقف بالمحصلة عند الحدود اللبنانية بل ستجر ايران الى اتونها، وان على حزب الله التزام التهدئة في حال كان هو الطرف الذي يقف وراء هذا التفجير وافساح المجال لمعالجة هذا التصعيد وابعاد شبح المواجهة التي لا تخدم أي من الطرفين في المرحلة الحالية التي تتسم بكثير من الدقة والتعقيد. خاصة وان طهران لا تريد الدخول في حرب لا تكون هي الجهة التي تفرض اجندتها او تحدد مساراتها واهدافها .
الجهود السياسية
لم تترك طهران جهدا سياسيا لمساعدة النظام السوري وانقاذه من براثن الرحيل والسقوط الا وبذلتها، واستخدمت كل الاساليب المتاحة امامها للتخفيف من الضغوط الدولية والاقليمية على رئيسه وحقنه بكل مضادات الخوف والسقوط، فلجأت الى تحذير جيرانها وجيران هذا النظام، خاصة تركيا من امكانية اشعال حرب داخلية بين مكوناتها الاجتماعية والعرقية والاثنية والمذهبية، كما دعت الى لقاء تشاوري حول الازمة السورية عقد في طهران بتاريخ 9 اغسطس (آب) الماضي بمشاركة 30 دولة وغياب النظام السوري، كرد على سلسلة مؤتمرات لاصدقاء الشعب السوري، واجتماع مجموعة الاتصال الدولية في جنيف مطلع يوليو الماضي، وكانت نقطة الالتقاء بين اللقاءين الدعوة الى البدء بحوار وطني بين المعارضة والحكومة وحل سلمي للازم السورية من طهران وتشكيل حكومة وعملية انتقال سياسي سلمي في سوريا والدعوة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أعضاء من النظام السوري والمعارضة من جنيف.
وفي كل الجهود الدبلوماسية التي بذلتها ايران لكسر السد الدولي الذي فرضه المجتمع الدولي وعواصمه امام مشاركتها في أي تحرك او مباحثات حول الازمة السورية، كانت تحاول ايصال رسالة الى هذه العواصم بأنها على استعداد للتعاون في حل هذه الازمة، في حال تم الأخذ بعين الاعتبار بمستقبل مصالحها الحيوية في سوريا، وان التمسك بالأسد ونظامه لا يعني عدم وجود استعداد ايراني لبحث مرحلة ما بعد الأسد، لكن في ظل هذه الرؤية. وقد حاولت منذ البداية الانفتاح على بعض فصائل المعارضة السورية، من الاخوان المسلمين وهيئة التنسيق الوطني، وسعت بجهد للبناء ايجابيا على بعض الاشارات التي وصلتها من مقربين لبرهان غليون واعلان دمشق عن استعداد لبحث الازمة السورية مع امين عام حزب الله، لكن اختيار غليون كأول رئيس للمجلس الوطني السوري قطع الطريق على هذا المسار.
اصرار المبعوث الدولي- العربي المشترك (السابق) كوفي عنان للوقوف على وجهة النظر الايرانية حول الازمة السورية رحبت به ايران، وحاولت استغلاله كمدخل لدور لها في هذه الازمة. من دون ان تسقط من اعتباراتها ان امتداد الازمة واتساعها لتشمل كل الجغرافيا السورية كفيل بفتح الباب امامها للحصول على اعتراف دولي بدور مؤثر في التوصل الى حل في هذا البلد.
انتظرت طهران كثيرا وهي تراقب الدم السوري يسيل تحت وقع الضربات والعمليات العسكرية والتدمير الممنهج، التى يقوم بها النظام وقواته ضد المدنيين، من دون ان تنفي المأزق الاخلاقي الذي سببه وقوفها الى جانب هذا النظام ووصف ما يجري في سوريا بالمؤامرة، التي تستهدف محور المقاومة والممانعة في محاولة من القوى الدولية خاصة اميركا للتعويض عن خسائرها في ثورات بلدان “الربيع العربي” التي ادت الى سقوط حلفاء لها.
وتمسكت كثيرا ايضا بموقفها بانتظار انتقال ما يدور في سوريا من مرحلة المواجهة بين نظام قاتل مع مواطنين محتجين بشكل سلمي، مطالبين بالحرية والديمقراطية، الى مرحلة المواجهة العسكرية، وتمسكت بموقفها ايضا بانتظار ان يتحول القتال في سوريا الى قتال بين النظام والمجتمع الدولي، وانتظرت ان ينتقل الى مرحلة صراع مفتوح بينها وبين ترويكا اقليمية مشكلة من تركيا وقطر والسعودية، ما يسوغ لها سياسيا على اقل تقدير وقوفها الى جانب الأسد من منطلق الدفاع عن نفسها وموقعها ودورها الاقليمي.
ومن بوابة تحويل الأزمة السورية الى أزمة اقليمية، سارعت الى تلقف المبادرة التي اطلقها الرئيس المصري الجديد محمد مرسي على هامش قمة منظمة التعاون الاسلامي الاستثنائية، التي عقدت في مكة بتاريخ 13 اغسطس الماضي، بتشكيل رباعية اقليمية اسلامية مؤلفة من مصر وتركيا والسعودية وايران لبحث الازمة السورية والتوصل الى حل لها.
المبادرة الإيرانية
في العاشر من سبتمبر 2012 عقدت الرباعية المقترحة من قبل الرئيس المصري اولى اجتماعاتها على مستوى الخبراء او مساعدي وزراء الخارجية لوضع اطار عام لمبادرة مشتركة للحل في سوريا ترفع الى اجتماع وزراء الخارجية.
وفي السابع عشر من سبتمبر 2012 عقد وزراء خارجية الرباعية اجتماعهم الاول، ما افسح المجال امام طهران ممثلة بوزير خارجيتها علي اكبر صالحي لتقديم رؤيتها للحل في اطار مبادرة مؤلفة من النقاط التالية:
1 ـ وقف الاشتباكات والعنف بشكل متزامن من اطراف الصراع.
2 ـ التأكيد على الحل السلمي للازمة من دون أي تدخل خارجي.
3 ـ وقف أي نوع من الدعم المالي والعسكري والتدريب للعناصر المسلحة المعارضة للحكومة السورية.
4 ـ اطلاق حوار بين الحكومة السورية والمعارضة.
5 ـ تشكيل لجنة مصالحة وطنية بمشاركة جميع الاحزاب.
6 ـ ارسال مراقبين من الدول المشاركة في اجتماع القاهرة للاشراف على عملية وقف العنف.
7 ـ التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والاراضي السورية.
8 ـ تقديم المساعدة لمسار اصلاحات جذرية وارساء الديمقراطية والحرية على اساس سوري- سوري.
علي أكبر صالحي يتوسط محمد كامل عمرو وأحمد داود أوغلو.. محاولات إيرانية يائسة لإنقاذ الحليف السوري
وقد اطلقت ايران على هذه النقاط “خارطة طريق” ايرانية للخروج من الأزمة، وانه اكثر شمولية من مبادرة النقاط الستة التي حملها المندوب الدولي والعربي المشترك كوفي عنان.
وتحاول ايران تقديم هذه الورقة والنقاط كخطة عمل، ومن ثم تحويلها الى خطة تنفيذية من خلال ادخال بعض التعديلات على تركيبة الرباعية تسمح بادخال كل من العراق كرئيس للدورة الحالية لقمة الجامعة العربية وفنزويلا بصفتها عضوا في الترويكا المنبثقة عن قمة دول عدم الانحياز. وهو ما يساعد ايران على دفع رؤيتها لحل الازمة السورية على صعيدي التخطيط والتنفيذ في الوقت نفسه والتوصل الى نتائج ايجابية.
وتعتقد ايران بضرورة ادخال تعديلات على تركيبة الرباعية لتغيير توزيع موازين القوى داخلها، خاصة وانها تشعر بإمكانية الاستفراد بها في هذه الرباعية كون ثلاثة من اعضائها، اي مصر وتركيا والسعودية، يقفون في الجهة المقابلة لايران في صف واحد فيما تقف ايران وحيدة في مواجهتهم، ودخول العراق وفنزويلا على الرباعية يحقق توازنا في تركيبتها ما يساعد طهران والرباعية على حد سواء في التوصل الى نتائج وقرارات تساعد على حل الأزمة.
وتعتقد طهران ان التصورات التي تقدمت بها تشكل الارضية والاجواء المناسبة لانجاح مهمة الأخضر الابراهيمي، وهي تتوافق وتنسجم مع الاستشارات والمساعي التي بذلتها الأمم المتحدة، اضافة الى ان الموقع الذي تحتله ايران حاليا بعد توليها لرئاسة قمة دول عدم الانحياز التي تعتبر اكبر تجمع دولي داخل منظمة الامم المتحدة يمنحها فرصة التأثير في القرارات المتعلقة بهذه الازمة.
من هنا فإن العقدة الاساسية التي تواجه الطموح الايراني في تحقيق اختراق تعتقد انه ايجابي على خط الحل السلمي للازمة السورية يصطدم بموقف الاحزاب والفصائل السورية المسلحة والجهات الخارحية التي تقدم الدعم لها. لكنها في المقابل تعتقد ان استثناء الطرف الأكثر تأثيرا ودورا في الأزمة السورية، اي دولة قطر، من المشاركة في الرباعية وما رافقه امتناع الاخضر الابراهيمي عن الاجتماع مع مندوب دولة قطر، يبعث على الامل كثيرا بامكانية التوصل الى نتيجة ما. لكنها ايضا تنظر بأسف الى الغياب السعودي عن المشاركة في اجتماع الرباعية لأنه يعبر حسب طهران عن وجود تردد في السير في تصور الحل الذي تقترحه او ستقدمه الرباعية، وما يستدعيه هذا الالتزام بالرباعية من اعادة النظر في قرار الاستمرار بدعم الجماعات المسلحة المعارضة كما فعلت تركيا في هذا الشأن، الى جانب ما ابدته طهران من ليونة في مواقفها المؤيدة للنظام، في محاولة للوصول الى نقطة وسط بين المواقف الدولية والاقليمية والداخلية حول اسلوب الحل السلمي في سوريا، بعد لجوء الطرفين المؤيد والمعارض للنظام السوري الى مرحلة لم يكن هناك مجال فيها سوى لاتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر لحسم المسائل، وهو قرار يتخوف الجميع من تداعياته، الامر الذي فرض على كل الاطراف اعادة النظر في مواقفها، خاصة العواصم الدولية، والتفتيش عن طريق وسط للحل.