منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By ماجد مرزوق 81
#55429
صورة



فيليب ليماري*

هل هناك حقّ في التدخل"؟ وعند مَن، ولأيّة أسباب، ولأية غاية؟ وما هو هذا "الحقّ" بالتحديد؟ يحلّل كتاب "الحرب باسم الإنسانية" [1]، لرجل القانون والفيلسوف جان-باتيست جانجان فيلمر، بالضبط هذا المفهوم الذي اعتمد أساساً إيديولوجيّاً للعمليّات العسكرية التي خيضت تحت عنوانٍ إنساني، لكن الذي رفضته غالبية البلدان لأنّه "يشبه نقطة بنقطة ما مارسه الغرب منذ قرون، ويريد الاستمرار فيه بإيعازٍ مشرَّعٍ ذاتياً من رأيٍ عام عنده تمّت تعبئته كلياً". ومن أجل استبدال هذا المفهوم أراد الأمين العام السابق للأمم المتحدة (كوفي أنان) أن يضع مبدأ آخر هو "مسؤولية حماية" الشعوب (R2P)، أقرّته الأمم المتحدة في العام 2005، كما ذكر في مقدّمته السيّد هوبير فيدرين الذي كان كوزير خارجية فرنسا قد أيّد هذه المبادرة. وإذ يدعو فيلمر إلى مقاربة سياسيّة متنوّعة الاختصاصات وثقافية مشتركة، ويستند إلى مراجع ضخمة، فهو يمرّر سياسة التدخّل الانساني في غربال سلسلة من المعايير - الشرعيّة والطبيعة والنوايا والحلّ الأخير الاضطراري والتناسب مع الانتهاكات... - وذلك بغية استخراج عناصر نظريّة واقعية، تُعتَبر "أقلّ ضرراً". وهو بذلك يسجّل أنّه "عندما يعترف أحدهم بمسؤولية التدخّل عندما يفوت الأوان على إطفاء الحريق، فإنما يعني ذلك أنّه قد أشعله بنفسه". هو يدافع إذن عن فكرة تركيب شبكة الأسباب، ويخلص بنوعٍ خاص إلى أنّ "هناك إشكالية في الصفة القانونيّة والسياسيّة لهذا المفهوم السيكولوجي النفسيّ".

تعتبر الحرب في ليبيا رمزاً لهذه المساءلات. إذ أثير مسبقاً موضوع "مسؤولية الحماية" من قبل عدّة قوى أوروبية. وفيما بعد، فُسِّرت قرارات الأمم المتحدة - وبسبب امتناع الصين وروسيا - بطريقة مطّاطة، إذ ان الهدف النهائي للجوء إلى القوّة - غير المشروع في نظر القانون الدولي - كان الإطاحة بنظام معمّر القذافي.

هكذا بات بالإمكان فهم الارتياب الكبير الذي انبعث من المداخلات المختلفة خلال المنتدى الذي عقدته، بعد هذا التدخّل، جمعية القانون الدولي الإنساني [2]. فهل كانت الحرب هي الحلّ الوحيد؟ وهل يجب رفض كلّ وقف لإطلاق النار وكلّ وساطة والوقوف إلى جانب أحد طرفي النزاع، مع ما ينتج من ذلك من سقوط آلاف أو عشرات آلاف الضحايا؟ وكما لاحظ رجل القانون جيرو دو لا برادال، فإنّ "مسؤولية الحماية" تعطي التدخّل وضعاً قانونيّاً من دون أن تستجيب للهموم الإنسانية. ومن ناحيته، يعبّر روني براومن، الرئيس السابق لمنظمة "أطبّاء بلا حدود" (MSF)، عن أسفه "لهذا الشغف الجديد بالإمبريالية الليبرالية"، وهو "مشترك بشكلٍ واسع داخل حركات الدفاع عن حقوق الإنسان نفسها". ويخلص إلى القول إنّ "الدرس الكبير والقويّ المستخلص من ذلك هو أنّه عندما تكون لديك رغبة في القتل والنهب والسيطرة المطلقة، يجب أن يكون هناك من يَحميك". وهو ما لم يعد القذافي يتمتَّع به، بل ما يبدو أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد ما يزال يحظى به...

يحرص كتاب "القاموس الدولي لعمليّات السلام" [3] المفيد جدّاً، تماماً على تمييز هذه العمليّات عن التدخلات العسكرية الكلاسيكيّة (في يوغوسلافيا والعراق وليبيا). وهو يحصي مائة وسبع وخمسين عمليّة جرت في هذا الإطار ما بين العامين 1948 و2011، في حين يصفها بأنّها "من النشاطات الإنسانية الأكثر غرابة لما بعد الحرب الثانية"، والتي توسّعت عدداً ومهمات منذ العام 1990 "لدرجة أنّه أوكلت أحياناً إلى قوّات الأمم المتحدة مسؤولية إعادة تركيب دولٍ كيفما كان".

أخيراً، وعلى نقيض "الحلّ" العسكري للحروب، فإنّ جمعيّة "سانت إيجيديو"، التي شُكِّلت في روما، قد تخصّصت منذ خمسة وعشرين عاماً في القيام بالوساطات. وقد برهنت هذه الجماعات المسيحية الدوليّة عن قدراتها من موزامبيق إلى غواتيمالا، كما يوضح ذلك أولئك الذين كانوا وسطاءها السرّيين [4].



* صحافي في راديو فرانس الدولية، ألّف - مع تييري بيري- "مفاتيح إفريقيا المئة"، Les Cent Clés de l’Afrique, Hachette Littératures - RFI, Paris, 2006. كاتب مدوّنة إلكترونية عن المسائل الدفاعيّة: http://blog.mondediplo.net/-Defense...).



[1] Jean-Baptiste Jeangène Vilmer, La Guerre au nom de l’humanité, presses universitaires de France (PUF), paris, 2012, 624 pages, 29 euros.

[2] Nils Andersson et Daniel Lagot (sous la dir. de), Responsabilité de protéger et guerres « humanitaires » : le cas de la Libye, L’harmattan, paris, 2012, 155 pages, 16,50 euros.

[3] Jocelyn Coulon, Dictionnaire mondial des opérations de paix. 1948-2011, Athéna, Montréal, 2012, 280 pages, 28,60 euros.

[4] Roberto Morozzo Della Roca (sous la dir. de), L’Art de la paix, Salvator, paris, 2012, 358 pages, 23,50 euros.