- الاثنين ديسمبر 03, 2012 12:25 am
#55765
وفي عهد الحديبية تجلى تدبير محمد صلى الله عليه وسلم تجاه خصومه وأتباعه في الاعتماد على السلم والعهد، فقد بدأ بالدعوة إلى الحج ولم يقصره في تلك السنة على المسلمين المصدقين لرسالته، بل شمل به كل من أراد الحج من أبناء القبائل العربية التي تشارك المسلمين في تعظيم البيت والسعي إليه، فجعل له وللعرب أجمعين قضية واحدة في وجه قريش، وفصل بذلك بين دعواها ودعوى القبائل العربية الأخرى، ثم أفسد على قريش ما تعمدته من إثارة نخوة العرب وتوجيهها إلى مناوأة الرسالة الإسلامية.
ثم أفسد على قريش من جهة أخرى ما تعمدته من إغضاب العرب على الإسلام بما ادعت من قطعه للأرزاق، وتهديده للأسواق، التي يعمرها الحجاج ويستفيد منها الغادون إلى مكة والرائحون منها، حيث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم معه المسلمين إلى مكة كما لم يمانع أن يصاحبه غير المسلمين قصاد البيت الحرام، فإذا حال بينهم حائل وبين ما يقصدون إليه فالإثم إثم قريش وحدها فهي التي تمنع الناس من الوصول إلى الكعبة ومكة، وبهذه الخطة لم يفصل بين العرب وقريش فحسب، بل فصل بين قريش ومن معها من الأحابيش من أنصارها، وجعل الزعماء وذوي الرأي يختلفون فيما بينهم حول ما يجب أن يفعلوه وقل من أتباعه من أدرك قصده ومرماه.
ولما اتفق المسلمون وقريش على التعاهد والتهادن كانت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الشروط التي طلبتها قريش غاية في الحكمة والقدرة الدبلوماسية، فحين طلبوا منه أن يحذف كلمة “رسول الله” من الاتفاق فعل، لأن غايته كانت السلم لا الحرب، وغرضه كان أبعد مدى من بقاء لقبه أو حذفه.
وما انقضت فترة وجيزة حتى علمت قريش أنها هي الخاسرة بذلك العهد الذي حسبته غنماً لها وخذلاناً لمحمد صلوات الله عليه، فإن المسلمين الذين نفروا من قريش ولم يقبلهم النبي في حوزته رعاية لعهده، خرجوا إلى طريق القوافل وأغاروا على تجارة قريش، فما استطاع المشركون أن يشكوهم إلى النبي لأنهم خارجون من ولايته بحكم الهدنة، وما استطاعوا أن يحجزوهم في مكة كما أرادوا يوم أملوا شروطهم في عهد الحديبية.
وعندئذ جهر بمحالفة النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن يجهر بولائه، واستراح النبي من قريش ففرغ ليهود خيبر وللممالك الأجنبية يرسل الرسل إلى عظمائها بالدعوة إلى دينه، وفتح الأبواب لمن يفدون إليه واطمأن إلى سنة هادئة يرتب فيها شؤونه وينظم أموره وسياسته.
وهكذا تجلت عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم في سياسة الأمور كما تجلت في قيادة الجيوش، ونال بالسياسة والمهادنة ورحابة الصدر فوق ما كان يناله بالحرب والقتال
ثم أفسد على قريش من جهة أخرى ما تعمدته من إغضاب العرب على الإسلام بما ادعت من قطعه للأرزاق، وتهديده للأسواق، التي يعمرها الحجاج ويستفيد منها الغادون إلى مكة والرائحون منها، حيث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم معه المسلمين إلى مكة كما لم يمانع أن يصاحبه غير المسلمين قصاد البيت الحرام، فإذا حال بينهم حائل وبين ما يقصدون إليه فالإثم إثم قريش وحدها فهي التي تمنع الناس من الوصول إلى الكعبة ومكة، وبهذه الخطة لم يفصل بين العرب وقريش فحسب، بل فصل بين قريش ومن معها من الأحابيش من أنصارها، وجعل الزعماء وذوي الرأي يختلفون فيما بينهم حول ما يجب أن يفعلوه وقل من أتباعه من أدرك قصده ومرماه.
ولما اتفق المسلمون وقريش على التعاهد والتهادن كانت سياسة النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الشروط التي طلبتها قريش غاية في الحكمة والقدرة الدبلوماسية، فحين طلبوا منه أن يحذف كلمة “رسول الله” من الاتفاق فعل، لأن غايته كانت السلم لا الحرب، وغرضه كان أبعد مدى من بقاء لقبه أو حذفه.
وما انقضت فترة وجيزة حتى علمت قريش أنها هي الخاسرة بذلك العهد الذي حسبته غنماً لها وخذلاناً لمحمد صلوات الله عليه، فإن المسلمين الذين نفروا من قريش ولم يقبلهم النبي في حوزته رعاية لعهده، خرجوا إلى طريق القوافل وأغاروا على تجارة قريش، فما استطاع المشركون أن يشكوهم إلى النبي لأنهم خارجون من ولايته بحكم الهدنة، وما استطاعوا أن يحجزوهم في مكة كما أرادوا يوم أملوا شروطهم في عهد الحديبية.
وعندئذ جهر بمحالفة النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن يجهر بولائه، واستراح النبي من قريش ففرغ ليهود خيبر وللممالك الأجنبية يرسل الرسل إلى عظمائها بالدعوة إلى دينه، وفتح الأبواب لمن يفدون إليه واطمأن إلى سنة هادئة يرتب فيها شؤونه وينظم أموره وسياسته.
وهكذا تجلت عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم في سياسة الأمور كما تجلت في قيادة الجيوش، ونال بالسياسة والمهادنة ورحابة الصدر فوق ما كان يناله بالحرب والقتال