- الاثنين ديسمبر 03, 2012 11:48 pm
#55800
الثورات العلمية
كانت الطباعة قد ساهمت في خلق مجتمع عالمي من الناس المثقفين في عام 1700، وكانت الاكتشافات والملاحظات العلمية تنشر في محاضر الجمعية الملكية في إنكلترا وغيرها من الأكاديميات الملكية في البلدان الأخرى. وهذا واحد من الأسباب التي تسمح لنا بالحديث عن حصول ثورة علمية بعد عام 1500، ولو كان من الأفضل التأكيد على حدوث العديد من التغيرات الكبيرة المتميزة وغير المترابطة.
كانت بعضها قد ابتدأت عن طريق الملاحظة، مثل اكتشاف فناني النهضة لقوانين المنظور، ووصف الأطباء لتشريح جسم الإنسان بالتفصيل، ومحاولات صانعي الخرائط لترتيب وتصنيف المعارف الجغرافية الجديدة التي أتت بفضل رحلات كبار المستكشفين، إلا أن البعض ذهبوا إلى أبعد من هذا.
من أهم الخطوات التي خطاها العلم مبتعداً عن منهج العصور الوسطى تجري الحقائق عن طريق إجراء التجارب بصورة منظمة ومنهجية. وكان من كبار دعاة هذا الأسلوب اللورد بيكن، رئيس مجلس اللوردات في إنكلترا، ولو أن الناس في أيامه لم يعبأوا كثيراً بما كان يقوله.
كان بيكن رجلاً ذا اهتمامات واسعة، ويعتقد بعضهم أنه هو الذي كتب مسرحيات شكسبير، وهذا الحقيقة أمر بعيد الاحتمال ولكنه يدل على مدى سمعته ومكانته. كان واثقاً من أن البحث العلمي قادر على منح الإنسان سيطرة هائلة على الطبيعة إذا تم بصورة منهجية، وكان على حق في هذا. ويروى عنه أنه مات ضحية لمبادئه، إثر إصابته بالرشح في يوم من أيام آذار القارصة البرودة بينما كان يحشو طيراً بالثلج لكي يكتشف تأثير التجمد على اللحم.
لقد قوي الشعور بقدرة التجارب على إعطاء المزيد من النتائج المثمرة مع تحسن أدوات الرصد العلمي، مثل التلسكوب والميكروسكوب (المجهر) وأدوات قياس الزمن الدقيقة، التي افتتحت كلها مجالات جديدة للتحري العلمي.
إن تطور بعض الأدوات قبل بعضها الآخر قد دفع تطور العلم في مناح معينة بالطبع، فالكيمياء مثلاً لم تتطور بقوة حتى وقت متأخر من القرن الثامن عشر، وعلوم البيولوجيا لم تتخذ خطواتها الكبيرة الأولى إلا قرب نهاية القرن السابع عشر، بينما كانت الفيزياء وعلم الفلك والرياضيات قد بلغت مراحل هامة من التطور وإن الإنجازات الكبيرة التي حققتها هذه العلوم الثلاثة قد غيرت نظرة الناس إلى العالم أكثر من أي شيء آخر قبل القرن التاسع عشر.
إن أول اسم يجب أن نتذكره هنا هو اسم الكاهن البولندي نيكولاس كوبرنيكس، الذي أنهى في عام 1534 كتاباً أهداه إلى البابا وقدم فيه وصفاً نظرياً لدوران الكواكب حول الشمس، بما فيها الأرض نفسها. كانت نظريات بطليموس والنظرة السائدة أيضاً تشير إلى أن هذا الكلام هراء، لأن كل إنسان يعلم أن الشمس تشرق كل صباح وتغرب كل مساء، فمن الواضح إذاً أنها هي التي تدور حول الأرض.
والحقيقة أن أحداً لم يأبه في البداية لما قاله كوبرنيكس، إذ لم يكن من الممكن التحقق من صحة هذه الفكرة الأساسية في كتابه، عدا عن أنه كان يحوي أيضاً الكثير من الأفكار الخاطئة، واللافت أن رجال الكنيسة البروتستانت كانوا أسرع من الكاثوليك إلى إدانته، بينما لم يحظر الكاثوليك أفكاره رسمياً، حتى عام 1616، ولكن عندما ظهر التلسكوب في القرن السابع عشر صار بالإمكان التحقق من نظرياتكوبرنيكس بصوابها وخطئها.
وقد استخدم التلسكوب لهذه الغاية أستاذ إيطالي في الفيزياء والهندسة العسكرية هو غاليليو غاليلي، ولم يكتف غاليليو بتحري الحقائق بواسطة التلسكوب، بل إنه وضع شرحاً لطريقة عمل هذا الكون، فأتى برياضيات جديدة لوصف حركة الأجسام وعلم السكون والديناميكا (الحركة)، معتمداً على أعمال علماء أكسفورد في القرن الرابع عشر، الذين كانوا قد صاغوا أول قانون مرضي في التسارع.
ونشر غاليليو في عام 1632 كتابه حوار حول النظامين الكبيرين للكون أي نظريات كوبرنيكس وبطليموس فأحدث هذا الكتاب ضجة كبيرة، وقد أدى في النهاية إلى محاكمة غاليليو أمام محكمة التفتيش في روما، حيث تراجع عن أفكاره علناً. وتقول الأسطورة أنه بينما كان يوافق على أن الشمس تدور حول الأرض كان يدمدم ولكنها تتحرك، إلا أن هذا القمع الرسمي لكتابه لم يكن ذا أهمية، لأن آراءه كانت قد انتشرت وصارت معروفة.
غاليليو
ويعتبر كتابه هذا منذ ذلك الحين أول بيان صريح عن ثورة علمية، بصرف النظر عما قاله عندما كان تحت الضغط، لأن أفكار هذا الكتاب كانت نهاية النظرة إلى الكون التي تؤيدها الكنيسة والتي تعود بالأصل إلى أرسطو.
لقد أثارت هذه الأفكار أسئلة واضحة حتى للشخص العادي: فمالذي حل بالسماء؟ وأين مكان الله في هذا المخطط الجديد؟ وفضلاً عن هذا كانت قضية غاليليو بمثابة إعلان عن حقيقة هامة، هي أن السلطة التي كانت تفرض آراءها على غيرها قد هزمتها حجج مبنية على الملاحظة والاستنتاج المنطقي.
لقد قدم غاليليو صورة للكون لم تكن الأرض وبالتالي الإنسان في مركزها، بل كانت مجرد واحد من أجرام مشابهة عديدة، كما أنه أشار إلى إمكانية وصف طريقة عملها من دون تفاسير غيبية أو دينية.
تأثير نيوتن
في نفس العام الذي مات فيه غاليليو أي عام 1642، ولد في لنكولنشر اسحق نيوتن، أعظم علماء القرن، إن أكثر إنجاز اشتهر بهنيوتن هو تبيانه أن قوة واحدة هي قوة الجاذبية هي التي تحكم عالم المادة. كانت نظرية الجاذبية هي جوهر كتابه الشهير الأسس الرياضية الذي نشر عام 1687، والذي يقال إن عدد الذين فهموه فهماً تاماً في أيامه كان ثلاثة أو أربعة أشخاص.
لقد ضم هذا الكتاب شرح عالمي السماء والأرض، أي علم الفلك وعلم الفيزياء، ورسم صورة للكون ظلت كافية لأكثر أغراض الإنسان طوال القرنين التاليين، وقد قام نيوتن بأعمال أخرى كثيرة، لأنه كان رجل ذا اهتمامات علمية واسعة جداً ومتنوعة وذا ملكات فكرية بارزة، وكانت عبقريته جلية إلى درجة جعلت أستاذه في كامبردج يتقاعد عن كرسيه عندما كان تلميذه في السابعة والعشرين لكي ينالهنيوتن.
ومثلما كان الحال مع غاليليو، غير نيوتن نظرة الإنسان العادي إلى العالم بما قاله وبما أوحت به أقواله أيضاً، وبدأ يلوح للناس أخيراً أن العلم قد يكشف جميع أسرار العالم تقريباً، وبدأت حفنة قليلة من الأفراد الجريئين تقول أنه إذا كان الأمر كذلك فما الحاجة إلى رجال الكنيسة لتفسير الأمور؟ بل ما الحاجة للحديث عن الله كجزء من هذا التفسير، لما كان العلم قادراً على شرحها كلها عن طريق اكتشاف المزيد من القوانين الكبرى الناظمة لها؟ أما نيوتن فهو لم يكن يفكر بهذه الطريقة، إذ أنه كان رجلُ شديد التدين.
لقد كثر الحديث عن أمثال هذه الأفكار في القرن الثامن عشر، بل إن بعض الناس صاروا يقولون أن العالم عبارة عن نظام مكتفي بذاته تماماً ومحتم بصورة آلية، وإنه يكفي أن نفسر ونفهم عالم المادة لكي نحيا حياة سعيدة.
وللمرة الأولى أصبح الإلحاد عقيدة محترمة، ولو في نظر عدد قليل جداً من الناس، ولايجوز أن ننسى أبداً أن هؤلاء كانوا أقلية ضئيلة بين الأوروبيين، الذين كانوا بدورهم أقلية في العالم. كانت الأغلبية الساحقة حتى في ذلك الوقت مازالت تؤمن بوجود عالم مرئي ما وإله ما، وشكل ما من الحياة بعد الموت.
إن جزءً كبيراً من وحشية الحروب الدينية وشراستها في القرنين السادس عشر والسابع عشر، يرجع إلى أن الناس كانوا يؤمنون بأنهم يدافعون عن أمور خطيرة جداً، وأن الله قد ينزل عقابه بالبلد التي تسمح للهراطقة بإعاقة إرادة الله ومشيئته. وكانوا الناس يضايقون السحرة ويطاردونهم لأنهم يعتبرونهم سبب المآسي التي كانت تحل بهم، وقد استمرت هذه النظرة إلى العالم بين عامة الناس.
ولكن الأشخاص المعلمين على الأقل كانوا يدركون أن بعض المفكرين قد قطعوا مسافة طويلة على الطريق التي يشير إليها العلم، لهذا يحق أن نقول إن التطورات العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت ثورة في التفكير، ولم يعد المثقفون بعدها يكتفون بالتحديق في عجائب الطبيعة بذهول ورهبة، ولابفكرة أن الله خلقها لأسباب خاصة به وعصية على فهم البشر، بل راحوا يسعون لإيجاد طرق للتحكم بالطبيعة واستغلالها؛ ولسوف ينتشر هذا الموقف انتشاراً أوسع بكثير خلال القرن التالي.
كانت الطباعة قد ساهمت في خلق مجتمع عالمي من الناس المثقفين في عام 1700، وكانت الاكتشافات والملاحظات العلمية تنشر في محاضر الجمعية الملكية في إنكلترا وغيرها من الأكاديميات الملكية في البلدان الأخرى. وهذا واحد من الأسباب التي تسمح لنا بالحديث عن حصول ثورة علمية بعد عام 1500، ولو كان من الأفضل التأكيد على حدوث العديد من التغيرات الكبيرة المتميزة وغير المترابطة.
كانت بعضها قد ابتدأت عن طريق الملاحظة، مثل اكتشاف فناني النهضة لقوانين المنظور، ووصف الأطباء لتشريح جسم الإنسان بالتفصيل، ومحاولات صانعي الخرائط لترتيب وتصنيف المعارف الجغرافية الجديدة التي أتت بفضل رحلات كبار المستكشفين، إلا أن البعض ذهبوا إلى أبعد من هذا.
من أهم الخطوات التي خطاها العلم مبتعداً عن منهج العصور الوسطى تجري الحقائق عن طريق إجراء التجارب بصورة منظمة ومنهجية. وكان من كبار دعاة هذا الأسلوب اللورد بيكن، رئيس مجلس اللوردات في إنكلترا، ولو أن الناس في أيامه لم يعبأوا كثيراً بما كان يقوله.
كان بيكن رجلاً ذا اهتمامات واسعة، ويعتقد بعضهم أنه هو الذي كتب مسرحيات شكسبير، وهذا الحقيقة أمر بعيد الاحتمال ولكنه يدل على مدى سمعته ومكانته. كان واثقاً من أن البحث العلمي قادر على منح الإنسان سيطرة هائلة على الطبيعة إذا تم بصورة منهجية، وكان على حق في هذا. ويروى عنه أنه مات ضحية لمبادئه، إثر إصابته بالرشح في يوم من أيام آذار القارصة البرودة بينما كان يحشو طيراً بالثلج لكي يكتشف تأثير التجمد على اللحم.
لقد قوي الشعور بقدرة التجارب على إعطاء المزيد من النتائج المثمرة مع تحسن أدوات الرصد العلمي، مثل التلسكوب والميكروسكوب (المجهر) وأدوات قياس الزمن الدقيقة، التي افتتحت كلها مجالات جديدة للتحري العلمي.
إن تطور بعض الأدوات قبل بعضها الآخر قد دفع تطور العلم في مناح معينة بالطبع، فالكيمياء مثلاً لم تتطور بقوة حتى وقت متأخر من القرن الثامن عشر، وعلوم البيولوجيا لم تتخذ خطواتها الكبيرة الأولى إلا قرب نهاية القرن السابع عشر، بينما كانت الفيزياء وعلم الفلك والرياضيات قد بلغت مراحل هامة من التطور وإن الإنجازات الكبيرة التي حققتها هذه العلوم الثلاثة قد غيرت نظرة الناس إلى العالم أكثر من أي شيء آخر قبل القرن التاسع عشر.
إن أول اسم يجب أن نتذكره هنا هو اسم الكاهن البولندي نيكولاس كوبرنيكس، الذي أنهى في عام 1534 كتاباً أهداه إلى البابا وقدم فيه وصفاً نظرياً لدوران الكواكب حول الشمس، بما فيها الأرض نفسها. كانت نظريات بطليموس والنظرة السائدة أيضاً تشير إلى أن هذا الكلام هراء، لأن كل إنسان يعلم أن الشمس تشرق كل صباح وتغرب كل مساء، فمن الواضح إذاً أنها هي التي تدور حول الأرض.
والحقيقة أن أحداً لم يأبه في البداية لما قاله كوبرنيكس، إذ لم يكن من الممكن التحقق من صحة هذه الفكرة الأساسية في كتابه، عدا عن أنه كان يحوي أيضاً الكثير من الأفكار الخاطئة، واللافت أن رجال الكنيسة البروتستانت كانوا أسرع من الكاثوليك إلى إدانته، بينما لم يحظر الكاثوليك أفكاره رسمياً، حتى عام 1616، ولكن عندما ظهر التلسكوب في القرن السابع عشر صار بالإمكان التحقق من نظرياتكوبرنيكس بصوابها وخطئها.
وقد استخدم التلسكوب لهذه الغاية أستاذ إيطالي في الفيزياء والهندسة العسكرية هو غاليليو غاليلي، ولم يكتف غاليليو بتحري الحقائق بواسطة التلسكوب، بل إنه وضع شرحاً لطريقة عمل هذا الكون، فأتى برياضيات جديدة لوصف حركة الأجسام وعلم السكون والديناميكا (الحركة)، معتمداً على أعمال علماء أكسفورد في القرن الرابع عشر، الذين كانوا قد صاغوا أول قانون مرضي في التسارع.
ونشر غاليليو في عام 1632 كتابه حوار حول النظامين الكبيرين للكون أي نظريات كوبرنيكس وبطليموس فأحدث هذا الكتاب ضجة كبيرة، وقد أدى في النهاية إلى محاكمة غاليليو أمام محكمة التفتيش في روما، حيث تراجع عن أفكاره علناً. وتقول الأسطورة أنه بينما كان يوافق على أن الشمس تدور حول الأرض كان يدمدم ولكنها تتحرك، إلا أن هذا القمع الرسمي لكتابه لم يكن ذا أهمية، لأن آراءه كانت قد انتشرت وصارت معروفة.
غاليليو
ويعتبر كتابه هذا منذ ذلك الحين أول بيان صريح عن ثورة علمية، بصرف النظر عما قاله عندما كان تحت الضغط، لأن أفكار هذا الكتاب كانت نهاية النظرة إلى الكون التي تؤيدها الكنيسة والتي تعود بالأصل إلى أرسطو.
لقد أثارت هذه الأفكار أسئلة واضحة حتى للشخص العادي: فمالذي حل بالسماء؟ وأين مكان الله في هذا المخطط الجديد؟ وفضلاً عن هذا كانت قضية غاليليو بمثابة إعلان عن حقيقة هامة، هي أن السلطة التي كانت تفرض آراءها على غيرها قد هزمتها حجج مبنية على الملاحظة والاستنتاج المنطقي.
لقد قدم غاليليو صورة للكون لم تكن الأرض وبالتالي الإنسان في مركزها، بل كانت مجرد واحد من أجرام مشابهة عديدة، كما أنه أشار إلى إمكانية وصف طريقة عملها من دون تفاسير غيبية أو دينية.
تأثير نيوتن
في نفس العام الذي مات فيه غاليليو أي عام 1642، ولد في لنكولنشر اسحق نيوتن، أعظم علماء القرن، إن أكثر إنجاز اشتهر بهنيوتن هو تبيانه أن قوة واحدة هي قوة الجاذبية هي التي تحكم عالم المادة. كانت نظرية الجاذبية هي جوهر كتابه الشهير الأسس الرياضية الذي نشر عام 1687، والذي يقال إن عدد الذين فهموه فهماً تاماً في أيامه كان ثلاثة أو أربعة أشخاص.
لقد ضم هذا الكتاب شرح عالمي السماء والأرض، أي علم الفلك وعلم الفيزياء، ورسم صورة للكون ظلت كافية لأكثر أغراض الإنسان طوال القرنين التاليين، وقد قام نيوتن بأعمال أخرى كثيرة، لأنه كان رجل ذا اهتمامات علمية واسعة جداً ومتنوعة وذا ملكات فكرية بارزة، وكانت عبقريته جلية إلى درجة جعلت أستاذه في كامبردج يتقاعد عن كرسيه عندما كان تلميذه في السابعة والعشرين لكي ينالهنيوتن.
ومثلما كان الحال مع غاليليو، غير نيوتن نظرة الإنسان العادي إلى العالم بما قاله وبما أوحت به أقواله أيضاً، وبدأ يلوح للناس أخيراً أن العلم قد يكشف جميع أسرار العالم تقريباً، وبدأت حفنة قليلة من الأفراد الجريئين تقول أنه إذا كان الأمر كذلك فما الحاجة إلى رجال الكنيسة لتفسير الأمور؟ بل ما الحاجة للحديث عن الله كجزء من هذا التفسير، لما كان العلم قادراً على شرحها كلها عن طريق اكتشاف المزيد من القوانين الكبرى الناظمة لها؟ أما نيوتن فهو لم يكن يفكر بهذه الطريقة، إذ أنه كان رجلُ شديد التدين.
لقد كثر الحديث عن أمثال هذه الأفكار في القرن الثامن عشر، بل إن بعض الناس صاروا يقولون أن العالم عبارة عن نظام مكتفي بذاته تماماً ومحتم بصورة آلية، وإنه يكفي أن نفسر ونفهم عالم المادة لكي نحيا حياة سعيدة.
وللمرة الأولى أصبح الإلحاد عقيدة محترمة، ولو في نظر عدد قليل جداً من الناس، ولايجوز أن ننسى أبداً أن هؤلاء كانوا أقلية ضئيلة بين الأوروبيين، الذين كانوا بدورهم أقلية في العالم. كانت الأغلبية الساحقة حتى في ذلك الوقت مازالت تؤمن بوجود عالم مرئي ما وإله ما، وشكل ما من الحياة بعد الموت.
إن جزءً كبيراً من وحشية الحروب الدينية وشراستها في القرنين السادس عشر والسابع عشر، يرجع إلى أن الناس كانوا يؤمنون بأنهم يدافعون عن أمور خطيرة جداً، وأن الله قد ينزل عقابه بالبلد التي تسمح للهراطقة بإعاقة إرادة الله ومشيئته. وكانوا الناس يضايقون السحرة ويطاردونهم لأنهم يعتبرونهم سبب المآسي التي كانت تحل بهم، وقد استمرت هذه النظرة إلى العالم بين عامة الناس.
ولكن الأشخاص المعلمين على الأقل كانوا يدركون أن بعض المفكرين قد قطعوا مسافة طويلة على الطريق التي يشير إليها العلم، لهذا يحق أن نقول إن التطورات العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت ثورة في التفكير، ولم يعد المثقفون بعدها يكتفون بالتحديق في عجائب الطبيعة بذهول ورهبة، ولابفكرة أن الله خلقها لأسباب خاصة به وعصية على فهم البشر، بل راحوا يسعون لإيجاد طرق للتحكم بالطبيعة واستغلالها؛ ولسوف ينتشر هذا الموقف انتشاراً أوسع بكثير خلال القرن التالي.