منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By سلطان ال طلحان 81
#55844
عوامل وحدة الخليج:
الترابط الذهني والثقافي والشعور المشترك (1)
يركز كثير من المهتمين بدراسة ظاهرة التجمعات والتكتلات الإقليمية على حتمية توافر مجموعة من العوامل المهيئة لتحقيق التكامل بين الدول. حيث يرون أن التكامل الإقليمي ما هو إلا نتاج تفاعل هذه العوامل المهيئة للتكامل مع بعضها البعض. أي أن هذه العوامل هي القوى المختلفة التي تساهم في وصول الدول والمجتمعات السياسية إلى حالة التكامل من خلال إنجاز الأسس الشكلية والموضوعية التي تحقق هذا الهدف. ولقد دأب منظرو التكامل على التأكيد على نمطين من أنماط التكامل السياسي:
أولاً : النظم السياسية التي حققت تكاملها نتيجة سيادة قيم مشتركة واتفاق عام على الأطر والأسس الرئيسة التي يعمل من خلالها النظام.
ثانياً : النظم السياسية التي حققت تكاملها بسبب الخوف من الأخطار الخارجية، أو هي عززت تكاملها نتيجة لهذا الخطر.
وفي كلا الحالتين فإن التكامل جاء نتيجة لعوامل مختلفة خارجية وداخلية، أي أن هذه العوامل هي المسببة للتكامل وليس العكس، من أن الترابط الذاتي والشعور المشترك هي التي أفرزت هذه العوامل ومن ثم تؤدي وظيفة التغذية الاسترجاعية لدعم العملية التكاملية. وقد يطول الجدل حول هذه المفاهيم، إلا أن ما يهمنا هنا هو أثر العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمنية والثقافية على قيام مجلس التعاون الخليجي، وهل هذه العوامل ظهرت نتيجة للتكامل نفسه أو هي عوامل مسببة للتكامل الخليجي؟ وقبل التحدث عن ذلك يجدر بنا استعراض بعض المفاهيم المساعدة على الوصول إلى الهدف المطلوب.
يعرف ( ارنست هاس ) التكامل بأنه "العملية التي تتضمن تحول الولاءات والنشاطات السياسية لقوى سياسية في دول متعددة ومختلفة نحو مركز جديد تكون لمؤسساته صلاحيات تتجاوز صلاحيات الدول القائمة". وتذهب هذه النظرة أبعد من ذلك حينما يؤكد على أن عملية التكامل هي سلسلة من التفاعلات بين عدد من البيئات الوطنية من خلال المشاركة في المنظمات الدولية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة هذا التفاعل بهدف المساعدة على تلاشي الحدود بين المنظمات الدولية والبيئات الوطنية، إلا أن هناك عوامل جوهرية تحدد الظروف التي تحقق حالة التكامل وهذه العوامل تتلخص في الآتي:
1 – عامل التكامل القيمي: ويشمل هذا العامل بدوره تماثل القيم أو تكاملها وذلك نتيجة لوجود مصالح متطابقة لجميع الأطراف المشاركة في عملية التكامل.
2 – عامل تكامل العناصر : ويشتمل هذا العامل كذلك على نموذج التشابهات العديدة بين العناصر من حيث الحجم أو المركز الدولي أو التركيبة السكانية أو البنى السياسية والاقتصادية، ونموذج الاعتماد المتبادل بين هذه العناصر في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأمر الذي يؤدي إلى أن أي تأثير على أحد هذه العناصر يسبب أثراً على بقية العناصر الأخرى المكونة لهذا التكامل. ومع توافر تلك العوامل إلا أنه لابد من اعتماد التكامل في هذه الحالة على قدرته في تقديم نتائج إيجابية أو ما يطلق عليها منظرو "اتخاذ القرارات" بالمخرجات، مثل الدفاع عن هذا الكيان من التهديدات الخارجية والحفاظ على الاستقرار الداخلي وتحقيق مكاسب اقتصادية كرفع المستوى المعيشي. غير أنه في واقع الأمر لا يمكن لأي من العوامل السابقة وحده أن يهيئ الظروف الكاملة أو الضرورية لإقامة حالة تكاملية، وهذا يوضح لنا أن العملية التكاملية بمختلف أشكالها هي عملية مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة العناصر المكونة للتكامل والبيئة التي تعمل فيها هذه العناصر، وقد يحدث التكامل عندما تتطابق التصورات الذهنية وتتوافق المصالح لدى جميع العناصر المكونة للتكامل.
والمتتبع لدراسة جميع حالات التجمعات والتكتلات الإقليمية يجد أن هناك عوامل عدة أدى توافرها إلى تأسيس هذه التجمعات وهذه العوامل نجدها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الدول الأعضاء في هذه التجمعات، وفي حقيقة الأمر أن هذه العوامل لا تخرج عن عوامل ثلاث هي:
1 – العامل السياسي: وقد لا يكون هذا العامل ظاهراً بشكل واضح حيث أن غالبية التجمعات الإقليمية تغلف أهدافها السياسية بعوامل أخرى مثل العوامل الاقتصادية والمنية والثقافية.
2 – العامل الاقتصادي: لا شك أن العامل الاقتصادي يلعب دوراً كبيراً في العملية التكاملية من حيث تهيئة الجو لتحقيق الكثير من الأهداف الأخرى. وقد أصبح العامل الاقتصادي هو الخطوة الأولى التي تبدأ بها جميع التجمعات الإقليمية وقد أدى العامل الاقتصادي إلى تحقيق الكثير من الأهداف في المجالات المختلفة الأخرى.
3 – العامل الأمني: وهو من العوامل المهمة والتي لا يستطيع أحد أن يتجاهل دورها الهام في قيام التكتلات الإقليمية والدولية. ولعل من أهم خصائص العامل الأمني رغبة الدول في تحقيق الاستقرار باعتباره من مستلزمات التنمية بشتى أنواعها، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى السياسية.
ويفترض البعض أن هذه العوامل هي ضرورية أي تجمع إقليمي وهي لا تختلف في الدول النامية عنها في الدول المتقدمة. ولذلك لابد من طرح التساؤل التالي: هل هذا هو حال مجلس التعاون الخليجي؟ بمعنى هل قيام مجلس التعاون الخليجي هو نتيجة لأحد هذه العوامل أو لها مجتمعة، أو أن هذه العوامل ظهرت لاحقة للسلوك التكاملي بين شعوب ودول المجلس لدعم العملية التكاملية؟ تساؤل قد يكون من السابق لأوانه الإجابة عليه قبل استعراض شامل لتاريخ المنطقة الخليجية وبشكل خاص تاريخ شعوب ودول مجلس التعاون الخليجي. وهذا ما سوف نتحدث عنه في الموضوعات القادمة إن شاء الله.