منتديات الحوار الجامعية السياسية

قسم مختص بالطلاب و اسهاماتهم الدراسية

المشرف: صفيه باوزير

By علي حجاج الرويلي 3
#55997
خطاب خروتشوف السري
في بداية اكتوبر من عام 1955 كان خروتشوف يجهز تقريره عن جرائم المرحلة الستالينية، ليعرضه على المؤتمر العشرين للحزب. كان خروتشوف يعتقد ان كشف الحساب عن الجرائم واستغلال السلطة يصفي الاجواء، ويزيل الوصمة عن الحزب، ويعيد بناء الثقة والولاء بين الحزب والشعب. غير ان العديد من مندوبي المؤتمر، ومن بينهم مولوتوف ومالينكوف، عارضوا طرح التقرير على المؤتمر، وتمكنوا من اقناع خروتشوف بطرح التقرير على جلسة مغلقة.
Taubman, William (2003), Khrushchev: The Man and His Era, W.W. Norton & Co. p. 279-80.
ذلك يعيد للذاكرة حادثة " وصية لينين" التي جرى معارضة طرحها على جلسة علنية.

في 14 فبراير من عام 1956 افتتح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي. في كلمة الافتتاح طلب خروتشوف من الوفود الوقوف على شرف القادة الشيوعيين الذين فقدوا حياتهم منذ المؤتمر الاخير ، والذي سماهم، ليس فقط ستالين، وانما ايضا، على مستوى واحد مع أشخاص مثل Klement Gottwald الامين العام للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، الذي مات عام 1953 بسبب الادمان، وايضا شخصيات لم يسمع بها أحد، مثل Kyuichi Tokuda, وكان رئيس الحزب الشيوعي الياباني.
Tompson, William J. (1995), Khrushchev: A Political Life, St. Martin s Press, p. 153.

في الصباح الباكر من يوم 25 فبراير، ألقى خروتشوف مايعرف " بالخطاب السري" في أجتماع مغلق للمؤتمر، حضره فقط وفود سوفيتية. على مدى اربعة ساعات هدم سمعة ستالين.
للاطلاع على النسخة الاصلية من الخطاب السري الرسمي،( باللغة الروسية)، يرجى النقر/ استنساخ الرابط التالي:

http://ru.wikisource.org/wiki/%D0%9E_%D ... 5%D0%B2%29

الخطاب تناول النقاط الرئيسية التالية:
*- إدانة عبادة شخصية ستالين
آ- نصوص من الماركسية الكلاسيكية التي تدين عبادة الفرد
ب- " وصية لينين" حول شخصية ستالين
*- إدخال ستالين مصطلح " عدو الشعب" كسلاح في الصراعات الفكرية، لتصفية معارضي افكاره، وقبل ذلك كانت الصراعات الفكرية مفتوحة وحرة ولايترتب عليها مخاوف.
إنتهاك ستالين لمبدأ القيادة الجماعية*-
آ- تصفية اغلبية " البلاشفة القدماء" ووفود المؤتمر السابع عشر للحزب بكاملهم ، والذين في اغلبيتهم كانوا من العمال وانتموا للحزب قبل عام 1920.
( للتفاصيل راجع المصدر التالي)
http://ru.wikipedia.org/wiki/%D0%95%D0% ... 0%BD%D0%B0

ب- بعد هذه التصفية توقف ستالين تماما عن إعارة الاهتمام لمبدأ "الجماعية".
*- تفاصيل عمليات التطهير ضد اعضاء مشهورين في الحزب.
*- أوامر ستالين بتطهيرات جماعية واسعة، وكيف أن اللجنة الشعبية للامن الداخلي، تأخرت اربعة سنوات في تنفيذ " بيان ستالين" حول تقوية الصراع الطبقي.
آ- يجوفشيني، قام بعمليات واسعة من تزوير الاعترافات لتحقيق الخطة الموضوعة في الادانة والاعدام.
*- تضخيم دور ستالين في الحرب الوطنية العظمى
*- تهجير شعوب ( سوفيتية) بكاملها
*- محاكمة الاطباء ومحاكمة الميغراليين «мингрельское дело».
*- مظاهر عبادة الفرد: الاغاني والافلام والمسرحيات التي تمجد، اسماء المدن والشوارع والساحات والانصاب والتماثيل والصور الهائلة الخ..
آ- تمجيد الفرد في نص النشيد الوطني السوفيتي حسب نموذج اعوام 1944-1956.
*- تبديل وسام لينين الى وسام ستالين.

بشأن مأساة الميغراليين، كتب خروتشوف يقول:" في نفس الاتجاه ذهبت "قضية الميغراليين". ستالين اصدر إعلان (وجرى نشره في ذلك الوقت)، أن الميغراليين لهم علاقة مع الاتراك، وان بينهم شخصيات تتوجه الى الاتراك. بالطبع كلام فارغ. أنا اعتبر أن هدف هذه العملية كان موجه ضد بيريا، لان بيريا من قومية الميغرال. ذلك يعني ان المسألة برمتها تحضير للتخلص من بيريا. في ذلك الوقت الكثير تعرضوا للاعتقال، ولكن بيريا تمكن من الافلات بذكاء: لقد مسك بالقضية واصبح " سكين ستالين" ليبدأ شخصيا بالتخلص من الميغراليين. مساكين هؤلاء، لقد انتزعوهم الى مصيرهم الاسود كالخرفان." المصدر:
من كتاب " الوقت، الناس، السلطة" نيكيتا خروتشوف. Н.С. Хрущёв "Время. Люди. Власть".

وفي النشيد الوطني للاتحاد السوفيتي كانت توجد مقاطع تمجيد الفرد تقول:
من حلال العواصف أشرق لنا شمس الحرية
ولينين العظيم اضاء لنا الطريق
وربانا ستالين على الولاء للشعب
على العمل والتقدم ألهمنا

في مذكراته آشار خروتشوف قائلا:" اعضاء المؤتمر انصتوا لكلمتي بصمت بالغ. وكما يقول المثل، يمكن سماع صوت الابرة. كل شئ كان مفاجئ وغير متوقع".
Khrushchev, Nikita (2004), Khrushchev, Sergei, ed., Memoirs of Nikita Khrushchev, Volume 1: Commissar, The Pennsylvania State University Press, p. 212.

ومن كلمة خروتشوف السرية، نيويورك تايمز نشرت تقول:" لقد أظهر ستالين، في عدة حالات، عدم تقبله للرأي الاخر، وحشيته، واستغلاله لمنصبه، ... غالبا كان يختار طريق القمع والتصفية الجسدية، ليس فقط ضد الاعداء، وانما ايضا ضد افراد لم يرتكبوا اي خطأ تجاه الحزب او الدولة السوفيتية." The New York Times, 1956-05-06, retrieved 2009-08-23

على الرغم من ان الخطاب السري لم يغير المجتمع السوفيتي تغييرا جذريا إلا انه أمتلك تأثيرات غاية في الاهمية. كان الخطاب احد عوامل الثورة في بولونيا ومن ثم هنغاريا عام 1956. كما ان اتباع ستالين، قاموا بإنتفاضة في جورجيا، موطن ستالين، طالبوا بإقالة خروتشوف وأن يحل مكانه مولوتوف.
Taubman, William (2003)p. 286-91.

في الجلسة المغلقة التي جرى قراءة الخطاب السري فيها، طالبت الوفود بإدانة هذه الممارسات كما طالبوا بالسماح بتعدد الاحزاب. غير انه لم يجري أي إدانة علنية لستالين والستالينية، وبقيت صوره معلقة في الاماكن العامة، بما فيه في مكتب خروتشوف في الكرملين. لاحقا، اشار ميشيل غورباتشوف الى ان حتى الشباب السوفييت المتعلمين، كانوا سعداء بخطاب خروتشوف، ولكن كان هناك اخرين ادانوا ذلك، إما بسبب الدفاع عن ستالين او لاعتقادهم ان نشر الغسيل القذر للقائد التاريخي لامعنى له. ( المصدر السابق). غورباتشوف حيي مبادرة خروتشوف من زاوية انه امتلك الجرأة على البرهنة على انه " انسان اخلاقي رغم كل شئ".

نعبير " الخطاب السري" لايجوز ان يخدع القارئ. في الوقت الذي سمعت الوفود السوفيتية الخطاب في النهار، سُمح لوفود اوروبا الشرقية بالانصات الى الخطاب في ليالي الايام التالية، ببطء، ليتمكنوا من تسجيل ملاحظاتهم. في 5 مايو، ظهرت نسخ ، أرسلت الى جميع انحاء الاتحاد السوفيتي، تعلوها ملاحظة " ليس للنشر" عوضا عن تعبير " سري للغاية". خلال شهر ظهرت في بولونيا نسخة مترجمة رسمياً. وزع البولونيون 12 الف نسخة، ولم ينقضي وقت طويل قبل ان تصل من هذه النسخ الى الغرب.
Taubman, William (2003)p. 279-80.
وقد جرى توزيع نسخ من الخطاب الى جميع اعضاء الحزب والكمسمول، كما جرى مناقشة الخطاب علنا في اجتماعات المصانع. وشارك في نقاش الخطاب حتى المواطنين الغير حزبيين.

سيرجي ابن خروتشوف، كتب لاحقا:" والدي حاول ان ينتشر خطابه الى أبعد زوايا العالم قدر الامكان. وبسرعة اصبح الخطاب يقرأ في اجتماعات الكمسمول، بما يعني 18 مليون مستمع جديد. وإذا اضفنا الى ذلك اصدقائهم واقربائهم يمكن القول ان جميع البلاد كانت على علم بمضمون الخطاب. عند بدجاية الربيع كان الخطاب يتجول في جميع انحاء العالم."
Khrushchev, Sergei (2000), Nikita Khrushchev and the Creation of a Superpower, The Pennsylvania State University Press,p. 200

لاحقا جرى اصدار نسخة الخطاب بمضمون" أخف وطأة" كوثيقة صادرة عن رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، في 30 يونيو من عام 1956" حول إجتثاث عبادة الفرد وماترتب عليه"، فيه وضع ابعاد النقد المسموح به للستالينية. ومع ذلك، ومن الناحية الرسمية، جرى نشر الخطاب في الاتحاد السوفيتي للمرة الاولى عام 1989 . (راجع رابط " عبادة الفرد".

في النصف الاول من عام 1957 قام مالينكوف، مولوتوف و كاغنوفيتش بتهيئة جبهة لازالة خروتشوف. في 18 يونيو عقد اجتماع غاب عنه اثنين من جماعة خروتشوف. استمر الاجتماع بضعة ايام وشاع في البلاد ان صراع على السلطة يجري في الكرملين. بنتيجة ذلك سارع بقية اعضاء اللجنة المركزية الى موسكو وطلبوا السماح لهم بدخول قاعة الاجتماعات. جرى رفض السماح لهم بالدخول، غير ان عدد اعضاء اللجنة المركزية خارج الاجتماع كان كافيا ليسمح لهم، نظاميا، بالدعوة الى عقد مؤتمر للحزب استثنائي، وفرض السماح بعقد اجتماع عاجل للجنة المركزية. في هذا الاجتماع وجه اتهام الى القادة الثلاثة، المعارضين لخروتششوف، بأنهم ينظمون المؤامرات وينشؤون جماعات معادية للحزب واتهموهم بتفتيت والمشاركة بجرائم ستالين. جرى عزل الثلاثة من اللجنة المركزية والرئاسة. مولوتوف اصبح سفير الاتحاد السوفيتي في منغوليا.
Tompson, William J. (1995), Khrushchev: A Political Life, St. Martin s Press, p. 176-83

قام خروتشوف بمكافأة المارشال جوكوف على دوره في القضاء على المؤامرة، ليصبح عضو في رئاسة الاتحاد السوفيتي. غير ان خروتشوف ايضا كان يخشى من شعبية جوكوف الواسعة في اوساط الشعب السوفيتي. في اكتوبر جرى ارسال قادة الدفاع، وعلى رأسهم وزير الدفاع، الى زيارة الى البلقان. كان الغرض من الزيارة استدعاء مجلس الرئاسة في غياب جوكوف لعزل جوكوف.
Taubman, William (2003)p. 361-64.
عاد جوكوف على الفور الى العاصمة ليحصل على التبليغ الرسمي بالعزل. في اجتماع لاحق جرى عزل بولغانين ايضا، ليجلس خروتشوف مكانه.
Tompson, William J. (1995),p. 189

بعد قرارات المؤتمر العشرين للحزب، جرى نزع اسم ستالين عن الشوارع والمدن والحدائق العامة. كما جرى ازالة صوره. حتى مدينة ستالينغراد اصبحت تسمى فولغاغراد. وحتى جسده المُحنط الى جانب لينين، عام 1961، جرى رفعه وحرقه ووضع رماده في حائط الكرملين.

وعلى الرغم من إزالة الرموز الستالينية بقي النظام الستاليني قائما، حيث أجهزة دولة، غارقة في البيروقراطية، تحمي رأس السلطة من الاتهام والتقصير وتنحو نحو تمجيده ورفعه الى ايقونة مقدسة. حتى الحزب تحول الى جهاز دولة بيروقراطي. كان الناس احرار ان يوجهوا النقد الى ستالين ولكن ليس الى القادة الجدد، الذين بقوا مخلصين للمنظومة الستالينية التي تحميهم.
هذا الامر عبرت عنه النكتة السوفيتية التالية:
أجتمع أمريكي وسوفيتي فقال الامريكي مفتخرا: نحن نستطيع الوقوف امام البيت الابيض وننادي يسقط الرئيس الامريكي. أجابه السوفيتي: ونحن ايضا نستطيع الوقوف امام الكريملين وننادي يسقط الرئيس الامريكي.

التطرف الستاليني في استغلال السلطة جرى إدانته ولكن بقيت المنظومة البيروقراطية التي تحمي ديكتاتورية الدولة، والتي اصبح حتى خروتشوف مدينا لها بالولاء.
نظام الدولة الستالينية، تحت ستار حكم الحزب الواحد، شكليا، في واقع الحال حكم الشخص الواحد، جرى تصدير شرعيته الثورية الى بلدان العالم الثالث، التي بطبيعتها بطرياركية، في غالبيتها، مثل العراق وسوريا واثيوبيا وافغانستان والسودان ومصر والجزائر وكوبا وموزامبيق وغيرها، وألحق ضررا هائلا في البني الاجتماعية والسياسية والفكرية للتطور الطبيعي لهذه البلدان.