- الأحد ديسمبر 09, 2012 6:09 am
#56183
لكل زمان دولة ورجال
الجمعة 15 أبريل 2011 - 11 جماد الأول 1432
[email protected]
هل تصدق العبارة الشهيرة " لكل زمان دولة ورجال " وهل ينطبق على هذا الزمن قول الشاعر الأندلسي :
هي الدنيا كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان .
هل هذا يدعونا إلى عدم التباكي على الماضي وإنما تذكره بشيء من الحميمية ، وتذكر رواد كان لهم دورهم في صناعة تاريخ وربما صناعة جغرافيا ، وصناعة قيم ، وما إلى ذلك ، لكن هذا الأمر، لا يدعونا إلى التوقف ، أو النكوص ، والبقاء رهينة الماضي ، ذلك الماضي بكل ما فيه من حلو ومر، هو الأمر الذي يجعل الجيل الحالي يلعن من سبقه ، فيما نجد أن هناك نظرة شهيرة مرتبطة بكل جيل منذ الأزل ، وهي النظرة التي تؤكد أن جيل اليوم جيل غير قادر على التعامل مع الحياة بشكل جيد ، وهو جيل مرفه ، لا يتحمل المسؤولية " ويا الله على جيل زمان ، كيف كان ، والرجال أول كانوا فعلاً رجال ، أما شباب اليوم ، شاهد ماذا يلبسون ، أنهم يلبسون الجينز ، أية مسخرة هذه التي نحن فيها " كثيرة هي الأقوال التي تجعلنا نتباكى على الماضي ، تجعلنا نؤمن بأن الحاضر وجيله وكل من فيه غير قادر على تحمل المسؤوليات .
الأمر يا سادتي ليس كذلك ، ولعل شواهد العصر تؤكد خلاف هذا كله ، فجيل اليوم أكثر وعياً ، وجيل اليوم أكثر إدراكاً ، وجيل اليوم أكثر قدرة على استيعاب الأحداث وفهمها فهماً صحيحاً ، دعونا مثلاً نستدل على ذلك بمواقف شباب المملكة العربية السعودية عند تعاملهم الواعي مع رفض المظاهرات باعتبار أننا نعيش في بلد آمن ، وهناك تلاحم حقيقي بين القيادة والشعب ، هناك إيمان بأهمية المحافظة على هذا البلد الآمن بكل مقدراته ، وبكل ما يملك من مقومات ، وقد أدرك الشباب أبعاد ومخاطر المظاهرات يقيناً ، وجرائر ذلك على العباد والحرث والنسل ، فهي ستتسبب في إهلاك كل ذلك ، وتدمير البنى التحتية لكل شيء ، وسنعود إلى الوراء سنوات عديدة .
مثال بسيط : ما يحدث في الدول العربية باختلاف خارطة كل دولة ، هناك دول عانت الفقر، والاضطهاد والظلم ، وسلب حقوق مواطنيها من قبل قياداتها ، وهذا أمر يدركه الكثيرون من المتابعين لمجريات الأحداث ، ولكن دعونا نسأل أنفسنا ، هل بحق ما يحدث الآن في كثير من هذه الدول سواء منها من تمكنوا من خلع الرئيس " كتونس ومصر" أو من ظل يرزح في معاناة شديدة ، وشد وجذب عبر الدعوات المتكررة لذهاب الرئيس كما هو حال " ليبيا ، واليمن " وأن كان البلدين يختلفان عن بعضهما البعض في درجة الظلم والاستبداد والاضطهاد الذي عاشه ويعيشه مواطنيها ، ونحن ندرك ، ويدرك الكثيرون " خطورة بقاء شخص معتوه مثل معمر القذافي على شعب ليبيا ، وخطورة بقاء رئيس منتهي الصلاحية ـ منذ زمن ـ مثل الرئيس على عبد الله صالح " ومع ذلك كله دعونا نتأمل نتائج ما يحدث الآن في هذه الدول، ليبيا تحولت إلى حرب أهلية وانشقاقات بين جيش القذافي من جهة وبين المعارضة ، أدى إلى تدخل قوات التحالف الدولية ، وظهرت الانقسامات واضحة جلية في اليمن الأمر الذي ينذر هو الآخر بحرب أهلية تقودها العقلية القبلية بعد رحيل نظام على صالح .
والحال لا يختلف كثيراً عنه في سوريا التي بدأت الانقسامات بها تظهر بشكل واضح منذ الوهلة الأولى للدعوات المنادية بالمظاهرات ضد النظام الحاكم .
إذن : المسألة يا سادتي ليست مسألة قيادة قمعية وزمن استبداد ـ وهو ما نؤمن ونسلم به جميعاً ـ وليست مطالبات تغيير "وهو حق مشروع للشعوب، والشعوب قادرة على ذلك ، وقد أكد ذلك بائع الخضار التونسي الذي أطلق الشرارة الأولى، والذي جعل الشعوب العربية تستيقظ لمقولة شاعرها التونسي الشهير " أبو القاسم الشابي " :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر .
خاصة وأننا أمة شاعرة ، ولكن المسألة ليست مسألة شعر حماسي ، أو مقولات أو شعارات ، وإنما مسألة ثقافة شعوب ، فالشعوب العربية عاشت وتربت على القمع، والأنظمة القمعية، خاصة وأن تاريخنا تاريخ دموي، والذي يقرأ ويدرس التاريخ يؤمن تماماً بأن الانقسامات الطائفية ، والعرقية والدينية لم تخلقها سوى السياسة والحرص على البقاء في سدة الحكم دون أي منافس ، وقمع كل الأصوات المناوئة التي لا يسمح لها بالتعبير عن رأيها ، فالحاكم العربي منذ فجر التاريخ هو العالم الوحيد بحاجات الشعب، وهو المدرك الوحيد لمصالحه ، وهو صاحب القرار الوحيد لمصيره ، وهذا ما جعل خليفة مسلم مثل عبد الملك بن مروان الملقب بـ " حمامة المسجد " يعتزل المسجد والقرآن عندما جاءه نبأ توليه الخلافة مخاطباً القرآن بقوله " هذا فراق بيني وبينك " وجعله هو أيضاً أثناء إلقاءه لخطبته الشهيرة على المسلمين في المدينة المنورة بعد مقتل عبدالله بن الزبير يحذر الجميع فيقول " والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه "
إذن الشعوب العربية بثقافتها البعيدة عن كل مفاهيم الديمقراطية تجعلها غير قادرة على فهم هذا المصطلح أو التعامل معه ، ومن ثم ليس من السهل عليها أن تستقر إذا استطاعت أن تخلع رؤسائها وتطالب بتطبيق أنظمة ديمقراطية هي ليست جزء من ثقافتها .
الجمعة 15 أبريل 2011 - 11 جماد الأول 1432
[email protected]
هل تصدق العبارة الشهيرة " لكل زمان دولة ورجال " وهل ينطبق على هذا الزمن قول الشاعر الأندلسي :
هي الدنيا كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان .
هل هذا يدعونا إلى عدم التباكي على الماضي وإنما تذكره بشيء من الحميمية ، وتذكر رواد كان لهم دورهم في صناعة تاريخ وربما صناعة جغرافيا ، وصناعة قيم ، وما إلى ذلك ، لكن هذا الأمر، لا يدعونا إلى التوقف ، أو النكوص ، والبقاء رهينة الماضي ، ذلك الماضي بكل ما فيه من حلو ومر، هو الأمر الذي يجعل الجيل الحالي يلعن من سبقه ، فيما نجد أن هناك نظرة شهيرة مرتبطة بكل جيل منذ الأزل ، وهي النظرة التي تؤكد أن جيل اليوم جيل غير قادر على التعامل مع الحياة بشكل جيد ، وهو جيل مرفه ، لا يتحمل المسؤولية " ويا الله على جيل زمان ، كيف كان ، والرجال أول كانوا فعلاً رجال ، أما شباب اليوم ، شاهد ماذا يلبسون ، أنهم يلبسون الجينز ، أية مسخرة هذه التي نحن فيها " كثيرة هي الأقوال التي تجعلنا نتباكى على الماضي ، تجعلنا نؤمن بأن الحاضر وجيله وكل من فيه غير قادر على تحمل المسؤوليات .
الأمر يا سادتي ليس كذلك ، ولعل شواهد العصر تؤكد خلاف هذا كله ، فجيل اليوم أكثر وعياً ، وجيل اليوم أكثر إدراكاً ، وجيل اليوم أكثر قدرة على استيعاب الأحداث وفهمها فهماً صحيحاً ، دعونا مثلاً نستدل على ذلك بمواقف شباب المملكة العربية السعودية عند تعاملهم الواعي مع رفض المظاهرات باعتبار أننا نعيش في بلد آمن ، وهناك تلاحم حقيقي بين القيادة والشعب ، هناك إيمان بأهمية المحافظة على هذا البلد الآمن بكل مقدراته ، وبكل ما يملك من مقومات ، وقد أدرك الشباب أبعاد ومخاطر المظاهرات يقيناً ، وجرائر ذلك على العباد والحرث والنسل ، فهي ستتسبب في إهلاك كل ذلك ، وتدمير البنى التحتية لكل شيء ، وسنعود إلى الوراء سنوات عديدة .
مثال بسيط : ما يحدث في الدول العربية باختلاف خارطة كل دولة ، هناك دول عانت الفقر، والاضطهاد والظلم ، وسلب حقوق مواطنيها من قبل قياداتها ، وهذا أمر يدركه الكثيرون من المتابعين لمجريات الأحداث ، ولكن دعونا نسأل أنفسنا ، هل بحق ما يحدث الآن في كثير من هذه الدول سواء منها من تمكنوا من خلع الرئيس " كتونس ومصر" أو من ظل يرزح في معاناة شديدة ، وشد وجذب عبر الدعوات المتكررة لذهاب الرئيس كما هو حال " ليبيا ، واليمن " وأن كان البلدين يختلفان عن بعضهما البعض في درجة الظلم والاستبداد والاضطهاد الذي عاشه ويعيشه مواطنيها ، ونحن ندرك ، ويدرك الكثيرون " خطورة بقاء شخص معتوه مثل معمر القذافي على شعب ليبيا ، وخطورة بقاء رئيس منتهي الصلاحية ـ منذ زمن ـ مثل الرئيس على عبد الله صالح " ومع ذلك كله دعونا نتأمل نتائج ما يحدث الآن في هذه الدول، ليبيا تحولت إلى حرب أهلية وانشقاقات بين جيش القذافي من جهة وبين المعارضة ، أدى إلى تدخل قوات التحالف الدولية ، وظهرت الانقسامات واضحة جلية في اليمن الأمر الذي ينذر هو الآخر بحرب أهلية تقودها العقلية القبلية بعد رحيل نظام على صالح .
والحال لا يختلف كثيراً عنه في سوريا التي بدأت الانقسامات بها تظهر بشكل واضح منذ الوهلة الأولى للدعوات المنادية بالمظاهرات ضد النظام الحاكم .
إذن : المسألة يا سادتي ليست مسألة قيادة قمعية وزمن استبداد ـ وهو ما نؤمن ونسلم به جميعاً ـ وليست مطالبات تغيير "وهو حق مشروع للشعوب، والشعوب قادرة على ذلك ، وقد أكد ذلك بائع الخضار التونسي الذي أطلق الشرارة الأولى، والذي جعل الشعوب العربية تستيقظ لمقولة شاعرها التونسي الشهير " أبو القاسم الشابي " :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر .
خاصة وأننا أمة شاعرة ، ولكن المسألة ليست مسألة شعر حماسي ، أو مقولات أو شعارات ، وإنما مسألة ثقافة شعوب ، فالشعوب العربية عاشت وتربت على القمع، والأنظمة القمعية، خاصة وأن تاريخنا تاريخ دموي، والذي يقرأ ويدرس التاريخ يؤمن تماماً بأن الانقسامات الطائفية ، والعرقية والدينية لم تخلقها سوى السياسة والحرص على البقاء في سدة الحكم دون أي منافس ، وقمع كل الأصوات المناوئة التي لا يسمح لها بالتعبير عن رأيها ، فالحاكم العربي منذ فجر التاريخ هو العالم الوحيد بحاجات الشعب، وهو المدرك الوحيد لمصالحه ، وهو صاحب القرار الوحيد لمصيره ، وهذا ما جعل خليفة مسلم مثل عبد الملك بن مروان الملقب بـ " حمامة المسجد " يعتزل المسجد والقرآن عندما جاءه نبأ توليه الخلافة مخاطباً القرآن بقوله " هذا فراق بيني وبينك " وجعله هو أيضاً أثناء إلقاءه لخطبته الشهيرة على المسلمين في المدينة المنورة بعد مقتل عبدالله بن الزبير يحذر الجميع فيقول " والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه "
إذن الشعوب العربية بثقافتها البعيدة عن كل مفاهيم الديمقراطية تجعلها غير قادرة على فهم هذا المصطلح أو التعامل معه ، ومن ثم ليس من السهل عليها أن تستقر إذا استطاعت أن تخلع رؤسائها وتطالب بتطبيق أنظمة ديمقراطية هي ليست جزء من ثقافتها .