منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By حمد الناصر 381
#56326
عالَمٌ يلعبُ بالنارِ

هاشم القضاة

ما هي إلا أربعةٌ وعشرون شهراً متبقيةٌ من الآن وتَحلُّ بعدها الذكرى المئويةُ لأولِ حربٍ ،بل لأول جنونٍ كونيٍّ أشعل فيه المغامرون عام 1914 ناراً جهنميةً التهمت الملايين من بني البشر، ومرّغت أنفَ الحضارةِ الإنسانيةِ بالتراب،ولسنا في هذا المقام لنُحمِّلَ وزِرَها لجهةٍ بعينها ، بقدرِ ما نريدُ أن نجعلَ منها هاجساً نُذكِّرُ به الأجيال التي لم تكتوِ بنارٍ مثل نارها ، ليدرك أبناؤنا أنّ طاحونةَ الحربِ إن دارت رحاها لا تُفرقُ بين مذنبٍ وبريء.لقد أصبح الجيلُ الذي عايش الكونيةَ الأولى في ذمة اللّه ،لكنّ الجيلَ الذي وعى الكونيةَ الثانيةَ ما زال يختزنُ في ذاكرتِهِ ما فرضته عليه مدخلاتُ الحربِ ومخرجاتُها من فقدان الأمنِ وشُحِّ المأكلِ والمشربِ .لذلك نجده اليومَ أكثرَ استشعاراً لِما تنذرُ به صيحاتُ الحربِ المتصاعدةُ في سماء تل أبيب ،وما يقابلها من (مردود النقا)الذي تحمله صيحاتُ التحدي العائدةُ من طهران .وما يقلقنا اليوم هو التصفيق الذي يلقاه النزاع المستمر بين العدوين اللدودين من أيدي عَالمٍ يلعبُ بالنار، وما عاد لديهِ صبرٌ حتى تحلَ _لا أقولُ الذكرى الأولى _بل سيئةُ الذِكرِ التي داهمت البشريةَ َ على بوابةِ صعودِها،ما عاد بمقدوره انتظارها حتى يسبقها بحربٍ كونيةٍ ثالثةٍ يخلط فيها الأوراقَ ليضمن بالدرجةِ الأولى كيانَ إسرائيلَ وأمنَها وليتقاسم بعد ذلك ثروات هذه الأمةِ، وليُطلق العنان من جديد لأسواقِ السلاح الغربيةِ لتأخذ حريتها في الوصولِ إلى آخرِ فلسٍ مذخورٍ في صرائرِ العربِ.سيشعلُ الغربُ مثلَ هذه الحربِ إذا اقتضت مصالحُ إسرائيل إشعالها ،ولن يهمَّه في سبيل ذلك لو دُمرت الكرةُ الأرضيةُ مرتين أو دُفنت هذه الأمةُ ودُفن معها تاريخُها وحضارتُها تحت الرمال ،

لقد بات سكانُ المعمورةِ وكأنهم فَرَاشٌ يحوم حول شُعلةِ مصباحٍ لا يبرحُها حتى يحترق بلهيبها ،ومن المؤسفِ في هذا الأمر أننا نحن العربَ نحومُ حولها مع الحائمين ،صحيحٌ أننا لا نفعلُ ذلك مثلهم نُصرةً للكيان الصهيوني وإنما نصرةً لعبثنا المتواصلِ وتلبيةً لرغبات الشيطان الذي لم يتوقف عن إغرائنا لنطلب من الآخرين التدخل في شؤوننا ، سواءٌ كان ذلك تحت البند السابعِ أو بدونه ،ويدفعُنا الشيطانُ أيضاً لننشغل بنشاطٍ عبثيٍ لا يزيد عن كونه حراكاً من أجل الحراك .

لقد استطاع أنصارُ الصهيونيةِ أن يؤلِّبوا العالم علينا من خلال ِتداعيهم على هذه الأمّةِ ،وهو أمرٌ سبق لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنّ حذَّرنا منه بقوله :»يوشك أن تتداعى عليكم الأممُ كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها « إلى آخر الحديث، الذي حفظناه عن ظهر قلب ،لكننا مع الأسف لم نتعظ بما حذّرنا منه رسول اللّه حتى الآن ،بل على العكسِ من ذلك ما زال فينا من يبعثون الرسائل الماديةَ والالكترونيةَ كي تداعى علينا أممُ الأرضِ، واللّه وحدَهُ أعلمُ إنْ كان في هذا التداعي إطفاءُ شُعلتنا أم أنه سبحانه وتعالى سيدفعُ قدَرَ هلاكنا بقدَرِ سلامتنا ،ولنا في كرمه ما يؤمِّلنا بالسماحِ عن كلِّ ما ارتكبناه من أخطاءٍ لم نعتبر في ارتكابها بخسارةِ الآلاف المؤلفةِ من أبناء جلدتنا الذين سقطوا في ساحاتِ الربيعِ العربي وكان يمكنهم ويمكننا معهم المطالبةُ بحقوقنا المشروعةِ بالوسائلِ السلميةِ التي جرَّبها محبو السلام في العالم ووصلوا بها إلى مبتغاهم .ونتمنى اليوم لو أننا احتفظنا بدمائنا الزكيةِ التي نزفت في ميادين الحراك العربي لتظلَّ ذخيرةً ثمينةً ندفع بها كلَّ باغٍ يستهدفُ وحدةَ تُرابنا وكرامةَ مقدساتنا وجهودَنا المبذولةَ لاستعادةِ أرضنا المسلوبةِ من أنيابِ الذئابِ الضاريةِ .