- السبت ديسمبر 15, 2012 1:59 am
#57133
جورج ڤيلهلم فريدريش هيگل (27 أغسطس 1770 - ) فيلسوف ألماني. يعتبر أحد أكثر الفلاسفة الألمان تأثيرًا في المذاهب الفلسفية الحديثة. جادل هيجل في المقولة التي تفيد بأنه لكي نفهم أي ثقافة من الثقافات الإنسانية، يجب أن نعيد تتبع وفهم تاريخها.
وقد ركز هيجل كثيرًا على أهمية الفهم التاريخي لتطوير الدراسة التاريخية للفلسفة، والفن، والدين، والعلم، والسياسة. وانتشر المنهج التاريخي للثقافة الإنسانية الذي أشاعه هيجل حتى خارج حدود ألمانيا.
النشأة
ولد جورج ويلهلم فريدريك هيگل في 27 أغسطس عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. كان والده موظفاً في الدولة الپروسية. وبعد أن أنهى دراساته الثانوية في مدينته الأصلية شتوتگارت دخل إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنگن. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات بصحبة صديقه هولدرلين الذي سيصبح شاعراً كبيراً فيما بعد، وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة. فيلسوف ألماني ولد في شتوتگارت، ڤورتمبرگ، في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر هيگل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر.
أتم تعليمَه في توبينگر شتيفت (كلية الكنيسة البروتستانتية في ڤورتمبرگ)، حيث ربطته صداقة مَع فلاسفة المستقبل فريدريك شيلنغ وفريدريك هولدرلين. بعد ذلك جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، وروسو، و الثورة الفرنسية.
سيرته
عندما قرأ الفيلسوف شُوبِنْهَوَر كتابات كانط، كتب في سنة 6181 كان الناسُ مضطرين للنظر فيما هو غامض على أنَّه ليس دائماً - بلا معنى• لقد كان يظن (أي شوبنهور) أنَّ فيشته وشيلنج هما الميزة الكبيرة لنجاح كانط مع الغموض، لكن شوبنهور واصل كلامه قائلاً:
إنَّ ذروة السخف في أن يكرس المرء هدفه لخدمة اللا معنى وأن يجمع معاً بين ما لا معنى له وحشدٍ من الكلمات المتسمة بالإسراف والمبالغة، ولم نكن نعرف كل هذا قبل أن يستخدمه هيجل إلا في مستشفى المجانين، لكنه وصل إلى هيجل أخيراً وأصبح أداةً لأكثر أنواع الغموض والتعمية جمالاً مما لم نسمع به من قبل، والنتيجة ستظهر بشكل لا يُصدق للأجيال القادمة، وستبقى دليلاً قائماً على الغباء الألماني(13)•
تقدّم هيجل الشّاك
كان جورج فيلهيلم فريدريش هيجل حيا و مزدهراً عندما نُشر هذا اللحن الحزين (8181) وعاش بعد ذلك ثلاثة عشر عاماً• وهو ابن أسرة من الطبقة الوسطى من شتوتجـارت متدينـة تدينـاً شــديداً، ورهنـت الأسـرة أمـلاكها لترســل ابنهــا جــورج (هيجل) لدراسة اللاهوت في معهد توبنجن Tubingen اللاهوتي (8871 - 3971) وكان هناك الشاعر هولدرلين Holderlin، ووصل إليها شيلنج في سنة 0971، وقد استاء كلاهما من جهل مدرسيهم ورحبوا بانتصارات فرنسا الثورية، وطوّر هيجل اهتماماً خاصاً بالدراما الإغريقية، وكان امتداحه للوطنية الإغريقية مقدمة لفلسفته السياسية في شكلها الأخير:
بالنسبة للإغريقي كانت فكرة أرض آبائه (الدولة) هي الحقيقة الأسمى غير المنظورة التي يعمل من أجلها•• وكانت ذاتيته (أوفرديته individuality) لا شيء بالمقارنة بهذه الفكرة (فكرة أرض آبائه)، فأرض الآباء تعني دوامه وبقاءه واستمراره حياته•• فالإغريقي لم يكن يرغب أو يدعو لنفسه بحياة الخلود كفرد، فهذا لم يخطر له على بال(23).
وبعد أنّ تخَرّج حاصلاً على درجة علمية في اللاهوت، أزعج والديه برفضه الدخول في سلك الكهنوت• وراح يعولُ نفسه بتقديم دروس خصوصيّة في بيرن Bern في منزل أحد الأرستقراطيين، وكان في هذا المنزل مكتبة عامرة، فراح يقرأ في هذه المكتبة (وبعد ذلك في احدى مكتبات فرانكفورت) كتابات ثيوسيديد Thucydides ومكيافيللى Machiavelli وهوبز Hobbes وسبينوزا وليبنز (ليبنش) ومنتسكيو ولوك وفولتير وهيوم Hume وكانط، وفيشته Fichte، فكيف كان يمكن لإيمانه المسيحي اُلْمصَّل أَنْ يَصْمد أمام فيض أفكار هذه الثُّلّة من المتشكِّلَين؟ إن التمرَّد الطبيعي لشاب متحمس نشط وجد ساحة للعربدة في مهرجان وثنى (المقصود في أفكار غير متفقٍة مع المسيحية التقليدية).
وفي سنة 6971 ألَّف كتابه (حياة يسوع Das Leben Jesu) الذي ظلَّ غير منشور حتى سنة 5091• لقد كان كتابه هذا على نحوٍ من الأنحاء إرهاصاً بكتاب آخر يحمل الأسم نفسه (حياة يسوع) (5381) الذي بدأ به ديفيد شتراوس David Strauss - أحد أتباع هيجل - هجوما ضاريا على قصّة يسوع (المسيح) كما وردت في الانجيل• لقد وصف هيجل يسوع بأنه ابن يُوسف ومريم، ورفض المعجزات المنسوبة للمسيح، كما رفض تفسيرها تفسيرا طبيعيا• لقد صوَّر المسيح (كمصلح) يُدافع عن الوعى الفردي ضد القواعد الكهنوتية، وخلُص إلى أَنّ المتمرِّد المصلوب (يقصد المسيح عليه السلام) قد تمَّ دفنه، ولم يُحدِّثْنا عن قيامته• وقدم لنا وصفا للإله الذي يجب الإيمان به حتى النهاية العقل الخالص الذي لا تحدّه حدود هو الله Deity نفسه(33)• وفي سنة 9971 مات والد هيجل تاركاً له 451•3 فلورين• لقد كتب إلى شيلنج يطلب مشورته عن مدينة ذات مكتبة عامرة و(43) ein gutes Bier فاقترح عليه شيلنج مدينة يينا Jena وعرض عليه الإقامَة في مقر إقامته، وأتى هيجل في سنة 1081 وسُمح له بإلقاء محاضرات في الجامعة على ألاّ تدفع الجامعة له راتبا، وإنما يتلقَّى أجره من طلبته الذي يجب ألاَّ يزيدوا عن أحد عشر طالبا (ويُعرف المحاضر الذي يعمل على وفق هذا النظام في الجامعات الألمانية باسم Privatdozent) وبعد ثلاث سنوات من هذه المهمة الشّاقة تمَّ تعيينه (استاذا في مهمّة خاصة) أو بتعبير آخر استاذاً مكلّفاً Professor extraordin avius، وبعد عام أصبح له لأول مرة دخل ثابت (مانة شيلر Thalers) وكان هذا بناء على تدخّل جوته (جيتة)• ولم يكن أبداً مدرساً ذا شعبية، لكنه في يينا Jena (وبعد ذلك في برلين) أثَّر في عدد من الطلبه فارتبطوا به ارتباطا خاصا مكَّنهم من التوغّل إلى ما وراء القشرة الظاهرية الصعبة للغته للوصول إلى أسرار فكره المُفعم نشاطاً وحيوية.
وفي سنة 1081 بدأ في كتابة مقال مهم عن دستور ألمانيا Kritik der Verfassung Deutschlands لكنه لم يُكمل كتابته (أي تركه منقوصا) ولم ينشر هذا العمل إلاّ في سنة 3981• لقد راح وهو يتأمل أحوال ألمانيا يتذكر الكيانات الصغيرة التي كانت تتكوَّن منها إيطاليا في عصر النهضة مما أدّى إلى وقوعها لُقمة سائغة في أفواه الغزاة الأجانب، كما راح يتذكر نصائح مكيا فيللى لأمير قوى كي يهوى بمطرقته على تلك الكيانات الإيطالية المتفرقة ليجعل منها أمّة (واحدة)• ولم يكن هيجل يُعِّول على الإمبراطورية الرومانية المقدّسة وتنبأ بانهيارها الباكر: إنّ ألمانيا لم تعد دولة••• فمجموعة من البشر لا يمكنها أن تسمّى نفسها دولة إلاَّ إذا ترابط أفرادها معا للدفاع المشترك عن كل ما يخص هذه المجموعة البشرية• لقد دعا إلى توحيد ألمانيا لكنه أضاف قائلاً: ولن يكون هذا أبداً نتيجة فكر أو حماسة، أنَّه لا يكون إلاَّ بالقوّة••• إن جماهير الشعب الألماني لابد أن تتجّمع لتصير كُتلة واحدة لمواجهة أحد الغزاة(53).
ومن المفترض أنه لم يكن يفكر في نابليون آنئذ، لكن عندما احتاج نابليون (5081) النمساويين والروس في أوسترليتز ربما يكون هيجل - ساعتها - قد تساءل عمّا إذا كان هذا الرجل (نابليون) هو الذي عينَّه القدر لتوحيد أوربا كلها وليس ألمانيا وحدها• وفي العام التالي، عندما كان الجيش الفرنسي يقترب من يينا Jena وبدا مستقبل أوربا مُزَعْزَعاً غير واضح المعالم، ورأى هيجل نابليون يمتسطى صهوة جواده في شوارع يينا (31 أكتوبر 6081) كتب لصديقه نيتهامر Niethammer لقد رأيتُ الإمبراطور راكباً يتفقّد المدينة• لقد بدا كأنّه روح العالم• ياله من إحساس رائع حقا أن يرى المرءُ مثل هذا الفرد (الإمبراطور) متمركزا هنا في بُقعة بعينها ممتطيا حصانا بعينه، ومع هذا فهوُ منتشر ممتد عبر العالم، ومن هذه البقعة يحكمه (يحكم العالم)••• أن يحدث هذا التقدم من يوم الخميس إلى يوم الأحد، فهذا محال إلاّ إذا كان على رأس المتقدّين رجل فذ غير عادي، إننَّا لا نملك غير الإعجاب به••• إن الجيمع الآن يتمنون للجيش الفرنسي حظّا طيبا(63).
وفي اليوم التالي ساد الجيش الفرنسي، وبدأ بعض الجنود الفرنسّيين ينهبون المدينة بعيدا عن عيني روح العالم (الإمبراطور) ودخلت إحدى مجموعات الجنود غرفة هيجل المستأجرة• وعبّر الفيلسوف عن أمله أن رجلا مميّزا على هذا النحو (إشارة إلى قائد المجموعة الذي يحمل فوق سترته العسكرية شارة التميز العسكري المعروفة باسم Cross of the Legion Honor) سيعامل باحثا ألمانيا بسيط معاملة كريمة• وتحلّق الغزاة (الجنود الآنف ذكرهم) حول زجاجة نبيذ لكن انتشار السلب، أرعب هيجل فلاذ بمكتب نائب رئيس الجامعة.
وفي 5 فبراير 7081 أنجبت كريستينا بوركهاردت Christna Burchardt زوجة صاحب الفندق الذي يقيم به اعترف به الأستاذ وهو غائب العقل (في حالة غيبوبة) أنه واحد من أعماله غير المنسوبة إليه (التي لم يكتب اسمه عليها)• ولأن دوق ساكس فيمار Saxe - Weimar كان يجد صعوبة في تمويل كلية يينا (هيئة التدريس بها)، فقد وجد هيجل أن الوقت أصبح مناسبا ليجرّب مدينة أخرى وامرأة أخرى وعملاً آخر، فغادر يينا في 02 فبراير ليصبح محررا لصحيفة Bamberger Zeitung• وفي خضم الإضطرابات نشر (في سنة 7081) كتابه Phanomenologie des Geistes، فلم يبدُ أن أحداً تشكك في أن هذا العمل سيصبح في وقت لاحق هو أهم أعماله، وهو الإسهام الفلسفي الأكثر صعوبة، والأكثر اسهاما في تكوين منطلقات فكرية فيما بين كانط وشوبنهَوَر• وغدر هيجل بامبرج Bambevg (8081) لما سبّبته له الرقابة الحكومية من إزعاج، ليكون ناظر مدرسة في نورمبرج Nuremberg، وراح يعمل في هذا المجال الجديد بإخلاص وضمير حي، يدرّس ويوجّه لكنه كان دوماً توّاق للعمل في جامعة مميزة تتيح له منصبا علميا آمنا يركن إليه• وفي 61 سبتمبر 1181 - وكان قد بلغ الواحدة والأربعين - تزوّج ماري فون توشر (توخر) ابنة سيناتور نورمبرج ذات العشرين ربيعا• وبعد الزواج بفترة يسيرة فاجأت كريستينا بوركهاردت العروسين بزيارة قدمت لهما فيها لودفيج Ludwig ابن هيجل ذي السنوات الأربع• وتقبَّلت زوجة هيجل الوضع بشجاعة وتبنت الطفل وجعلته بين أفراد أسرتها.
ولأن هيجل كان يحلم بمنصب في برلين فقد قبل في سنة 6181 دعوة من جامعة هيدلبرج ليكون استاذ الفلسفة الأول بها• وبداً يدرّس لخمسة طلاب، سرعان ما زادوا ليصبحوا عشرين قبل انتهاء الفصل الدراسي.
ونشر وهو في المنصب موسوعة العلوم الفلسفية (7181)، وكان هذا العمل أكثر مدعاة لإطراء المثقفين وحكومة برلين من عمله السابق (Logik) الذي كان قد سبق نشره في سنة 2181• وسرعان ما دعاه وزير التعليم البروسي ليشغل كرسي الفلسفة الذي ظل شاغراً منذ موت فيشته (4181)• لقد كان هيجل قد بلغ الآن السابعة والأربعين من عمره، فراح يساوم حتى حصل أخيرا على المكافأة التي طال انتظاره لها والتي عوّضته عّما فات• لقد طلب بالاضافة إلى الراتب السنوي البالغ الغى ثالر Thaler مبلغاً آخر يعوّض غلاء الأسعار والإيجارات في برلين، ومبلغا للأثاث الذي اشتراه والذي عليه أن يبيعه الآن بثمن أقل من الثمن الذي اشتراه به (أي يبيعه بالخسارة) ومبلغاً كمصاريف انتقال (بدل سفر) إلى برلين مع زوجته وأطفاله، وأكثر من هذا فقد كان عليه أن يحب وفرة بعينها في الإنتاج(73) وكان كل هذا مضموناً ففي 22 أكتوبر 8181 بدأ هيجل في جامعة برلين تولِّي منصب الأستاذية حتى وفاته• وفي هذه السنوات الثلاث عشرة عُرِفت محاضراته بالغموض لكنها أخيراً أصبحت ذات معان عميقة فكَثُر مستمعوه شيئاً فشيئاً حتى سعى إليه الطلبةُ من مختلف أنحاء أوروبا بل ومن خارج أوروبا• إنه الآن يقدم لنا أكثر النظم الفكرية اكتمالاً وتأثيراً في التاريخ الأوروبي بعد كانط.
وقد ركز هيجل كثيرًا على أهمية الفهم التاريخي لتطوير الدراسة التاريخية للفلسفة، والفن، والدين، والعلم، والسياسة. وانتشر المنهج التاريخي للثقافة الإنسانية الذي أشاعه هيجل حتى خارج حدود ألمانيا.
النشأة
ولد جورج ويلهلم فريدريك هيگل في 27 أغسطس عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. كان والده موظفاً في الدولة الپروسية. وبعد أن أنهى دراساته الثانوية في مدينته الأصلية شتوتگارت دخل إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنگن. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات بصحبة صديقه هولدرلين الذي سيصبح شاعراً كبيراً فيما بعد، وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة. فيلسوف ألماني ولد في شتوتگارت، ڤورتمبرگ، في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر هيگل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر.
أتم تعليمَه في توبينگر شتيفت (كلية الكنيسة البروتستانتية في ڤورتمبرگ)، حيث ربطته صداقة مَع فلاسفة المستقبل فريدريك شيلنغ وفريدريك هولدرلين. بعد ذلك جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، وروسو، و الثورة الفرنسية.
سيرته
عندما قرأ الفيلسوف شُوبِنْهَوَر كتابات كانط، كتب في سنة 6181 كان الناسُ مضطرين للنظر فيما هو غامض على أنَّه ليس دائماً - بلا معنى• لقد كان يظن (أي شوبنهور) أنَّ فيشته وشيلنج هما الميزة الكبيرة لنجاح كانط مع الغموض، لكن شوبنهور واصل كلامه قائلاً:
إنَّ ذروة السخف في أن يكرس المرء هدفه لخدمة اللا معنى وأن يجمع معاً بين ما لا معنى له وحشدٍ من الكلمات المتسمة بالإسراف والمبالغة، ولم نكن نعرف كل هذا قبل أن يستخدمه هيجل إلا في مستشفى المجانين، لكنه وصل إلى هيجل أخيراً وأصبح أداةً لأكثر أنواع الغموض والتعمية جمالاً مما لم نسمع به من قبل، والنتيجة ستظهر بشكل لا يُصدق للأجيال القادمة، وستبقى دليلاً قائماً على الغباء الألماني(13)•
تقدّم هيجل الشّاك
كان جورج فيلهيلم فريدريش هيجل حيا و مزدهراً عندما نُشر هذا اللحن الحزين (8181) وعاش بعد ذلك ثلاثة عشر عاماً• وهو ابن أسرة من الطبقة الوسطى من شتوتجـارت متدينـة تدينـاً شــديداً، ورهنـت الأسـرة أمـلاكها لترســل ابنهــا جــورج (هيجل) لدراسة اللاهوت في معهد توبنجن Tubingen اللاهوتي (8871 - 3971) وكان هناك الشاعر هولدرلين Holderlin، ووصل إليها شيلنج في سنة 0971، وقد استاء كلاهما من جهل مدرسيهم ورحبوا بانتصارات فرنسا الثورية، وطوّر هيجل اهتماماً خاصاً بالدراما الإغريقية، وكان امتداحه للوطنية الإغريقية مقدمة لفلسفته السياسية في شكلها الأخير:
بالنسبة للإغريقي كانت فكرة أرض آبائه (الدولة) هي الحقيقة الأسمى غير المنظورة التي يعمل من أجلها•• وكانت ذاتيته (أوفرديته individuality) لا شيء بالمقارنة بهذه الفكرة (فكرة أرض آبائه)، فأرض الآباء تعني دوامه وبقاءه واستمراره حياته•• فالإغريقي لم يكن يرغب أو يدعو لنفسه بحياة الخلود كفرد، فهذا لم يخطر له على بال(23).
وبعد أنّ تخَرّج حاصلاً على درجة علمية في اللاهوت، أزعج والديه برفضه الدخول في سلك الكهنوت• وراح يعولُ نفسه بتقديم دروس خصوصيّة في بيرن Bern في منزل أحد الأرستقراطيين، وكان في هذا المنزل مكتبة عامرة، فراح يقرأ في هذه المكتبة (وبعد ذلك في احدى مكتبات فرانكفورت) كتابات ثيوسيديد Thucydides ومكيافيللى Machiavelli وهوبز Hobbes وسبينوزا وليبنز (ليبنش) ومنتسكيو ولوك وفولتير وهيوم Hume وكانط، وفيشته Fichte، فكيف كان يمكن لإيمانه المسيحي اُلْمصَّل أَنْ يَصْمد أمام فيض أفكار هذه الثُّلّة من المتشكِّلَين؟ إن التمرَّد الطبيعي لشاب متحمس نشط وجد ساحة للعربدة في مهرجان وثنى (المقصود في أفكار غير متفقٍة مع المسيحية التقليدية).
وفي سنة 6971 ألَّف كتابه (حياة يسوع Das Leben Jesu) الذي ظلَّ غير منشور حتى سنة 5091• لقد كان كتابه هذا على نحوٍ من الأنحاء إرهاصاً بكتاب آخر يحمل الأسم نفسه (حياة يسوع) (5381) الذي بدأ به ديفيد شتراوس David Strauss - أحد أتباع هيجل - هجوما ضاريا على قصّة يسوع (المسيح) كما وردت في الانجيل• لقد وصف هيجل يسوع بأنه ابن يُوسف ومريم، ورفض المعجزات المنسوبة للمسيح، كما رفض تفسيرها تفسيرا طبيعيا• لقد صوَّر المسيح (كمصلح) يُدافع عن الوعى الفردي ضد القواعد الكهنوتية، وخلُص إلى أَنّ المتمرِّد المصلوب (يقصد المسيح عليه السلام) قد تمَّ دفنه، ولم يُحدِّثْنا عن قيامته• وقدم لنا وصفا للإله الذي يجب الإيمان به حتى النهاية العقل الخالص الذي لا تحدّه حدود هو الله Deity نفسه(33)• وفي سنة 9971 مات والد هيجل تاركاً له 451•3 فلورين• لقد كتب إلى شيلنج يطلب مشورته عن مدينة ذات مكتبة عامرة و(43) ein gutes Bier فاقترح عليه شيلنج مدينة يينا Jena وعرض عليه الإقامَة في مقر إقامته، وأتى هيجل في سنة 1081 وسُمح له بإلقاء محاضرات في الجامعة على ألاّ تدفع الجامعة له راتبا، وإنما يتلقَّى أجره من طلبته الذي يجب ألاَّ يزيدوا عن أحد عشر طالبا (ويُعرف المحاضر الذي يعمل على وفق هذا النظام في الجامعات الألمانية باسم Privatdozent) وبعد ثلاث سنوات من هذه المهمة الشّاقة تمَّ تعيينه (استاذا في مهمّة خاصة) أو بتعبير آخر استاذاً مكلّفاً Professor extraordin avius، وبعد عام أصبح له لأول مرة دخل ثابت (مانة شيلر Thalers) وكان هذا بناء على تدخّل جوته (جيتة)• ولم يكن أبداً مدرساً ذا شعبية، لكنه في يينا Jena (وبعد ذلك في برلين) أثَّر في عدد من الطلبه فارتبطوا به ارتباطا خاصا مكَّنهم من التوغّل إلى ما وراء القشرة الظاهرية الصعبة للغته للوصول إلى أسرار فكره المُفعم نشاطاً وحيوية.
وفي سنة 1081 بدأ في كتابة مقال مهم عن دستور ألمانيا Kritik der Verfassung Deutschlands لكنه لم يُكمل كتابته (أي تركه منقوصا) ولم ينشر هذا العمل إلاّ في سنة 3981• لقد راح وهو يتأمل أحوال ألمانيا يتذكر الكيانات الصغيرة التي كانت تتكوَّن منها إيطاليا في عصر النهضة مما أدّى إلى وقوعها لُقمة سائغة في أفواه الغزاة الأجانب، كما راح يتذكر نصائح مكيا فيللى لأمير قوى كي يهوى بمطرقته على تلك الكيانات الإيطالية المتفرقة ليجعل منها أمّة (واحدة)• ولم يكن هيجل يُعِّول على الإمبراطورية الرومانية المقدّسة وتنبأ بانهيارها الباكر: إنّ ألمانيا لم تعد دولة••• فمجموعة من البشر لا يمكنها أن تسمّى نفسها دولة إلاَّ إذا ترابط أفرادها معا للدفاع المشترك عن كل ما يخص هذه المجموعة البشرية• لقد دعا إلى توحيد ألمانيا لكنه أضاف قائلاً: ولن يكون هذا أبداً نتيجة فكر أو حماسة، أنَّه لا يكون إلاَّ بالقوّة••• إن جماهير الشعب الألماني لابد أن تتجّمع لتصير كُتلة واحدة لمواجهة أحد الغزاة(53).
ومن المفترض أنه لم يكن يفكر في نابليون آنئذ، لكن عندما احتاج نابليون (5081) النمساويين والروس في أوسترليتز ربما يكون هيجل - ساعتها - قد تساءل عمّا إذا كان هذا الرجل (نابليون) هو الذي عينَّه القدر لتوحيد أوربا كلها وليس ألمانيا وحدها• وفي العام التالي، عندما كان الجيش الفرنسي يقترب من يينا Jena وبدا مستقبل أوربا مُزَعْزَعاً غير واضح المعالم، ورأى هيجل نابليون يمتسطى صهوة جواده في شوارع يينا (31 أكتوبر 6081) كتب لصديقه نيتهامر Niethammer لقد رأيتُ الإمبراطور راكباً يتفقّد المدينة• لقد بدا كأنّه روح العالم• ياله من إحساس رائع حقا أن يرى المرءُ مثل هذا الفرد (الإمبراطور) متمركزا هنا في بُقعة بعينها ممتطيا حصانا بعينه، ومع هذا فهوُ منتشر ممتد عبر العالم، ومن هذه البقعة يحكمه (يحكم العالم)••• أن يحدث هذا التقدم من يوم الخميس إلى يوم الأحد، فهذا محال إلاّ إذا كان على رأس المتقدّين رجل فذ غير عادي، إننَّا لا نملك غير الإعجاب به••• إن الجيمع الآن يتمنون للجيش الفرنسي حظّا طيبا(63).
وفي اليوم التالي ساد الجيش الفرنسي، وبدأ بعض الجنود الفرنسّيين ينهبون المدينة بعيدا عن عيني روح العالم (الإمبراطور) ودخلت إحدى مجموعات الجنود غرفة هيجل المستأجرة• وعبّر الفيلسوف عن أمله أن رجلا مميّزا على هذا النحو (إشارة إلى قائد المجموعة الذي يحمل فوق سترته العسكرية شارة التميز العسكري المعروفة باسم Cross of the Legion Honor) سيعامل باحثا ألمانيا بسيط معاملة كريمة• وتحلّق الغزاة (الجنود الآنف ذكرهم) حول زجاجة نبيذ لكن انتشار السلب، أرعب هيجل فلاذ بمكتب نائب رئيس الجامعة.
وفي 5 فبراير 7081 أنجبت كريستينا بوركهاردت Christna Burchardt زوجة صاحب الفندق الذي يقيم به اعترف به الأستاذ وهو غائب العقل (في حالة غيبوبة) أنه واحد من أعماله غير المنسوبة إليه (التي لم يكتب اسمه عليها)• ولأن دوق ساكس فيمار Saxe - Weimar كان يجد صعوبة في تمويل كلية يينا (هيئة التدريس بها)، فقد وجد هيجل أن الوقت أصبح مناسبا ليجرّب مدينة أخرى وامرأة أخرى وعملاً آخر، فغادر يينا في 02 فبراير ليصبح محررا لصحيفة Bamberger Zeitung• وفي خضم الإضطرابات نشر (في سنة 7081) كتابه Phanomenologie des Geistes، فلم يبدُ أن أحداً تشكك في أن هذا العمل سيصبح في وقت لاحق هو أهم أعماله، وهو الإسهام الفلسفي الأكثر صعوبة، والأكثر اسهاما في تكوين منطلقات فكرية فيما بين كانط وشوبنهَوَر• وغدر هيجل بامبرج Bambevg (8081) لما سبّبته له الرقابة الحكومية من إزعاج، ليكون ناظر مدرسة في نورمبرج Nuremberg، وراح يعمل في هذا المجال الجديد بإخلاص وضمير حي، يدرّس ويوجّه لكنه كان دوماً توّاق للعمل في جامعة مميزة تتيح له منصبا علميا آمنا يركن إليه• وفي 61 سبتمبر 1181 - وكان قد بلغ الواحدة والأربعين - تزوّج ماري فون توشر (توخر) ابنة سيناتور نورمبرج ذات العشرين ربيعا• وبعد الزواج بفترة يسيرة فاجأت كريستينا بوركهاردت العروسين بزيارة قدمت لهما فيها لودفيج Ludwig ابن هيجل ذي السنوات الأربع• وتقبَّلت زوجة هيجل الوضع بشجاعة وتبنت الطفل وجعلته بين أفراد أسرتها.
ولأن هيجل كان يحلم بمنصب في برلين فقد قبل في سنة 6181 دعوة من جامعة هيدلبرج ليكون استاذ الفلسفة الأول بها• وبداً يدرّس لخمسة طلاب، سرعان ما زادوا ليصبحوا عشرين قبل انتهاء الفصل الدراسي.
ونشر وهو في المنصب موسوعة العلوم الفلسفية (7181)، وكان هذا العمل أكثر مدعاة لإطراء المثقفين وحكومة برلين من عمله السابق (Logik) الذي كان قد سبق نشره في سنة 2181• وسرعان ما دعاه وزير التعليم البروسي ليشغل كرسي الفلسفة الذي ظل شاغراً منذ موت فيشته (4181)• لقد كان هيجل قد بلغ الآن السابعة والأربعين من عمره، فراح يساوم حتى حصل أخيرا على المكافأة التي طال انتظاره لها والتي عوّضته عّما فات• لقد طلب بالاضافة إلى الراتب السنوي البالغ الغى ثالر Thaler مبلغاً آخر يعوّض غلاء الأسعار والإيجارات في برلين، ومبلغا للأثاث الذي اشتراه والذي عليه أن يبيعه الآن بثمن أقل من الثمن الذي اشتراه به (أي يبيعه بالخسارة) ومبلغاً كمصاريف انتقال (بدل سفر) إلى برلين مع زوجته وأطفاله، وأكثر من هذا فقد كان عليه أن يحب وفرة بعينها في الإنتاج(73) وكان كل هذا مضموناً ففي 22 أكتوبر 8181 بدأ هيجل في جامعة برلين تولِّي منصب الأستاذية حتى وفاته• وفي هذه السنوات الثلاث عشرة عُرِفت محاضراته بالغموض لكنها أخيراً أصبحت ذات معان عميقة فكَثُر مستمعوه شيئاً فشيئاً حتى سعى إليه الطلبةُ من مختلف أنحاء أوروبا بل ومن خارج أوروبا• إنه الآن يقدم لنا أكثر النظم الفكرية اكتمالاً وتأثيراً في التاريخ الأوروبي بعد كانط.